موت الدلفين

موت الدلفين
أنهك المرض جسد الأمير الصغير الملقب بالدلفين، وصار على وشك الرحيل إلى عالم يمشي فيه على الزهور دون أن ترتفع رائحتها إلى أنفه، ودون أن يحس أحد من الخلق بوقع خطاه السائرة على أثر خطى الموت، صارت الطرقات حزينة مقفرة وصامتة، بينما كانت الخادمات بالقصر منشغلات كخلية نحل تصعدن وتنزلن الأدراج راكضات، حيث كان الأمير الصغير يرقد بغرفة في قاع القصر لكي لا يراه أحد يبكي، لأن الرجال لا يبكون في أوقات المحن والشدائد، أما بالنسبة للملكة فإن الأمر مختلف ولا يمكن إلقاء اللوم عليها، فلقد  كانت جالسة بالقرب من سرير إبنها وهي تبكي بحرقة أمام الملإِ.
في سريره الصغير الناصع البياض أكثر من الأغطية، كان الأمير الصغير مستلقي على ظهره واضعا يديه الصغيرتين على بطنه ومغمضا عينيه، حتى ظن الجميع بأنه نائم، كلا إنه لم يكن نائما، استدار نحو أمه الملكة وقال لها: لماذا تبكين؟ أتظنين أنني سوف أموت؟ حاولت الملكة أن تـُجيب ولكنها لم تستطع فأجهشت بالبكاء، فحاول الأمير الصغير مواساتها قائلا: "لا تبكي، إنك تنسين بأنني أمير، والأمراء لا يمكنهم أن يموتوا"، فاشتد بكاء الملكة، عند ذلك دب الخوف في قلب الأمير الصغير.
ولكن قال الأمير الصغير يجب منع الموت أن يصل إلى هنا، أحضروا أربعين من الجند ليحيطوا بسريري، ومن أجل  إرضائه وتلبية طلبه، أمرت الملكة بإحضار أربعين من الجند إلى الغرفة، ففرح الأمير بذلك، فالتفت نحو أحد الخدام بالقصر وقال له: إذا حضر الموت لأخذي يجب قتله أليس كذلك، فرد الخادم: أجل سيدي.. أجل سيدي.
فجأة خطرت للأمير الصغير فكرة فنادى أمه الملكة وقال لها: أليس من الممكن أن يموت صديقي الصغير بيبو مكاني وأهبه الكثير من الأموال؟ غير أن الملكة  الـمُلِمَّة بحجم المأساة ازدادت ألما وحسرة واستغرقت في بكائها، إذن أن يكون المرء أميرا ليس شيئا مذكورا على الإطلاق.. قالها الأمير الصغير بألم وحسرة، وأشاح بوجهه الشاحب البريئ عن الحضور نحو الجدار وبكى بمرارة. 
   ترجمة شخصية للمدون مع تصرف طفيف عن 'موت الدلفين' في رسائل 
من طاحونتي للكاتب الفرنسي ألفونس دوديهAlphonse Daudet