كيف يتحكم الحكام في الشعوب بدون معلم

"يجب على المرء الحذر من الفكر الرديئ الذي يتقاسمه الكثير من الناس"  الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه
كيف تسيطر على الجماهير بدون معلم
1-استراتيجية الإلهاء
وهي العنصر الأساسي في الرقابة الاجتماعية، واستراتيجية الإلهاء تعتمد على تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة والمصيرية للشعوب وعن التغييرات التي تقررها وتنفذها النخب السياسية والاقتصادية، من خلال طوفان مستمر من اللهو والتسلية والمهرجانات والمسابقات والمعلومات البراقة المظهر الخاوية المضمون.. بل حتى الرياضة تم تسخيرها لهذا الغرض، وهي استراتيجية ضرورية لمنع الجماهير من التركيز على المعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد والآداب وغيرها، بحيث يتم التركيز على إبقاء الجماهير غارقة في التسلية العبثية بعيدا عن المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحقيقية، مفتونة بمسائل ميتة لا قيمة ولا أهمية حقيقية لها، وإبقاءها مشغولة، مشغولة، مشغولة، لدرجة لا تستطيع معها أن تجد وقتا للتفكير في أي شيء آخر يتجاوز دائرة شؤونها وأنانياتها الصغيرة الضيقة التافهة.
2-اصطناع  مشاكل ثم تقديم الحلول لها
وتعرف هذه الطريقة  بثلاثية 'مشكلة - ردة فعل - حل'، فيتم  أولا وقبل كل شيء خلق المشكلة،  وهي وضعية تروم إثارة ردة فعل من طرف الجماهير، حتى تكون هي السباقة لقبول التدابير المعدة سلفا من طرف المتحكمين فيها،  أولئك الذين يديرون اللعبة من وراء الكواليس، مثل سماح المتحكمين بانتشار العنف في المناطق الحضرية لدرجة تثير الرعب في قلوب الناس، أو ترتيب هجمات إجرامية دامية حتى تتنازل الجماهير بطيب خاطر عن حريتها طلبا للأمن، أو خلق أزمة اقتصادية لقبول التراجع عن الحقوق المكتسبة وإلغاء الخدمات العامة  واعتبار كل تلك التنازلات شر لا بد منه.
3-استراتيجية التدرج
لجعل أي تدبير غير مقبول في الحاضر مقبولا مستقبلا يجب فقط تطبيقه بالتدريج على مدى عدة سنوات، وبهذه الطريقة تم فرض ظروف اجتماعية واقتصادية جديدة جذريا (النيوليبرالية مثلا) خلال سنوات 1980 و 1990: بطالة واسعة النطاق، هشاشة، مرونة، أجور متدنية لا تضمن دخلا لائقا، والعديد من التغييرات الأخرى التي كانت ستتسبب في ثورة عارمة لو طبقت دفعة واحدة.
4-استراتيجية التأجيل
وهناك طريقة أخرى لقبول قرار لا يحظى بشعبية هو تقديمه بأنه قرار 'مؤلم ولكنه ضروري '، والحصول على موافقة الجماهير حاضرا في هذا الشأن لتطبيقه في المستقبل، فمن الأسهل دائما قبول تضحية مستقبلية على تضحية فورية، أولا لأنه ليس المطلوب بدل المجهود على الفور، ثانيا لأن الجماهير تميل دائما إلى الأمل بكل سذاجة باعتبار أن 'كل شيء سيكون أفضل غدا'، وأن التضحية المطلوبة قد يتم تجنبها، وأخيرا تترك هذه الاستراتيجية الوقت للجماهير كي تتعود على فكرة التغيير والامتثال لتقبله عندما يحين الوقت.
5-معاملة الجماهير كالأطفال الصغار في سن متدنية
معظم الإعلانات والإشهارات الموجهة عبر وسائل الإعلام إلى الجماهير العريضة بشكل عام تعتمد على  أسلوب  وشخصيات ونبرة طفولية بشكل خاص، في كثير من الأحيان هي أقرب إلى الوهن والاستغباء والاستحمار، كما لو كان المشاهدون أطفالا في سن متدنية أو معاقين عقليا (يعني مسطيين أو صافي)، وكلما سعت هذه الإعلانات والإشهارات إلى خداع المشاهد استعملت تلك النبرة الطفولية بطريقة غاية في الدهاء.
6-الاعتماد على الجوانب العاطفية بدلا من التفكير المنطقي
الاعتماد على العواطف كتقنية كلاسيكية لتجاوز التحليل العقلاني المنطقي الذي يرتكز على  الحجج والبراهين الدامغة، وبالتالي الحس النقدي للأفراد، بالإضافة إلى ذلك فإن استخدام السجل العاطفي يسمح بفتح باب الوصول إلى اللاوعي بأسهل الطرق وأيسرها لزرع الأفكار والرغبات والمخاوف والدوافع، أو أي نوع آخر من السلوك المراد تثييته في لاوعي المتلقي، وعلى أية حال فإن العقل بدون عاطفة بارد والعاطفة بدون عقل عمياء كما عبر عن ذلك الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط.
7-إبقاء الجماهير غارقة في الجهل والغباء
العمل على أن تبقى الجماهير غير قادرة على فهم التقنيات والأساليب المستخدمة للسيطرة عليها ولاستعبادها، لذا يحرص النظام على أن تكون نوعية التعليم المقدم للطبقات السفلى أكثر فقرا في المناهج والمحتوى والآفاق المستقبلية، بحيث يصبح ويستمر خندق الجهل الذي يعزل الطبقات الدنيا عن الطبقات العليا غير مفهوم من قبل الطبقات الدنيا.
8-تشجيع الجماهير على أن تستطيب العيش في الرداءة والتفاهة
تشجيع الجماهير على أن تجد في كل ما هو تافه، غبي، مبتذل، رديئ وغير مفيد شيئا ممتازا ورائعا، بل شيئا يجمع عليه القطيع - الذي يظن نفسه 'فايق وعايق' - على أنه هو أفضل ما يكون وفي أفضل العوالم الممكنة كما قال فولتير.
9-استبدال التمرد بالذنب
زرع الاعتقاد بأن الفرد هو المسؤول الوحيد عن سوء حظه، بسبب عدم كفاءته وقلة ذكائه ونقص في قدراته ومجهوداته، وبدلا من التمرد ضد النظام الاقتصادي، يحط الفرد من قدره ويشعر بالذنب، مما يسبب في اكتئاب مستمر وتدني لمعنوياته.
10-معرفة الناس على نحو أفضل مما يعرفون هم أنفسهم
على مدى خمسين سنة مضت، حفر التقدم السريع في ميدان العلوم فجوة شاسعة بين المعارف العامة والتضليل المتعمد الذي تحصل عليه الجماهير من خلال مختلف وسائل الإعلام  العامة وتلك التي تمتلكها وتستخدمها النخب الحاكمة، فبفضل علم الأحياء وبيولوجيا الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، دون احتساب وسائل التجسس والاستخبار والاستماع والمراقبة استطاع النظام أن يتوصل إلى معرفة متقدمة للكائن البشري نفسيا وجسديا على حد سواء، واستطاع النظام كذلك أن يتعرف على الشخص العادي أكثر مما يعرفه هو عن نفسه، مما يعني أن النظام  في معظم الحالات يسيطر أكثر على الأفراد أكثر مما يسيطرون هم عن أنفسهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق