"مَا نْوِيتْ الزّْمَانْ يَغْدَرْ
وُيَتْبَدَّلْ الْحَالْ مَا نْوِيتْ النَّاسْ تْبِيعْ
عَزّْهَا بَالْمَالْ" ناس الغيوان
"مَهْمُومَة هَاذْ الدُّنْيَا
مَهْمُومَة..فِيهَا الأَنْفُسْ وُلاَّتْ مَظْيُومَة..وَلَّى بْنَادَمْ عَبَّادْ
اللُّومَة..الْمَسْكِينْ فَهْمُومُو سَايَرْ إِيلاَلِي..عَايْمْ فَالْفْقَايْصْ
عُومَة مَحْمُومَة..شِي مَفْتُونْ بْمَالُو سَايَرْ يَتْعَالَى..لاَيَحْ
الرّْزَانَة فَقْهَاوِي مَحْرُومَة..هَايْمْ بَالْقْصَايْرْ وُلَيْلاَتْ
تْلاَلِي..الْخَرْفَانْ مَذْبُوحَة وُالَبْنَاتْ مَغْرُومَة..لاَ حُرْمَة بْقَاتْ
لاَ دِينْ لاَ عِبَادَة..خَرْجَاتْ الشّْهَادَة مَنْ الَقْلُوبْ الْمَعْلُومَة" ناس الغيوان
مع مطلع سبعينيات القرن الماضي سيقوم ثلاثة من الفنانين المسرحيين المنتمين لأحد أحياء المقاومة الشرسة ضد الفرنسيس ألا وهو الحي المحمدي بمدينة الدارالبيضاء، هم عمر السيد، العربي باطما رحمه الله، وبوجمعة أحكور الملقب بوجميع رحمه الله بإنشاء فرقة موسيقية باسم 'ناس الغيوان'، صوتُ الشعب من الطبقة المسحوقة المهدورة الكرامة، وصوتُ من لاصوتَ له ولا ناصرَ له ولا حاميَ له، أحدثت ثورة هائلة في تاريخ الأغنية المغربية، ليلتحق بهم فيما بعد كل من علال يعلى، ومحمود السعدي رحمه الله الذي انسحب باكرا من التجربة، ومولاي عبدالعزبز الطاهري الذي سيلتحق فيما بعد بمجموعة 'جيل جيلالة' ليحل مكانه عبدالرحمان قيروش الملقب باكو رحمه الله.
لم تكن مجموعة ناس الغيوان محصورة في الأشخاص الذين كونوا هذه المجموعة الأسطورة، فالممارسة الغيوانية ليست شيئا حديث العهد، فهي عُرْفٌ وتقليد مترسخ ومتجذر في الثقافة المغربية سرى بذكره الركبان على مر التاريخ، كان دائما أبطالها أناس عُرِفُوا باستقامتهم وتواضعهم وقدرتهم على وصف الحياة اليومية بمشاكلها وعوائقها ومنغصاتها عن طريق الكلام المنظوم الموزون بإيقاعات غنائية غير اعتيادية، وبعيدة كل البعد عن الألحان المعسولة، والأغاني المكررة الجامدة الآتية من الشرق، إنهم عبارة عن شعراء متجولين من دوار إلى دوار ينقلون معرفتهم من خلال الشعر والغناء والتمثيل بدون تزويق ولا تنميق، بمضمون غني وقوة أداء موسيقي فريد ومتميز، بكلمات قوية محملة بتمرد عنيف وناعم في نفس الوقت، كلام عاشق للحياة والعدالة والحق، وفاضح وكاره للظلم والحكَرة والإهانة.
لم تكن مجموعة ناس الغيوان محصورة في الأشخاص الذين كونوا هذه المجموعة الأسطورة، فالممارسة الغيوانية ليست شيئا حديث العهد، فهي عُرْفٌ وتقليد مترسخ ومتجذر في الثقافة المغربية سرى بذكره الركبان على مر التاريخ، كان دائما أبطالها أناس عُرِفُوا باستقامتهم وتواضعهم وقدرتهم على وصف الحياة اليومية بمشاكلها وعوائقها ومنغصاتها عن طريق الكلام المنظوم الموزون بإيقاعات غنائية غير اعتيادية، وبعيدة كل البعد عن الألحان المعسولة، والأغاني المكررة الجامدة الآتية من الشرق، إنهم عبارة عن شعراء متجولين من دوار إلى دوار ينقلون معرفتهم من خلال الشعر والغناء والتمثيل بدون تزويق ولا تنميق، بمضمون غني وقوة أداء موسيقي فريد ومتميز، بكلمات قوية محملة بتمرد عنيف وناعم في نفس الوقت، كلام عاشق للحياة والعدالة والحق، وفاضح وكاره للظلم والحكَرة والإهانة.
فمع مطلع ستينيات القرن الماضي بأحد أحياء المقاومة الشرسة للاستعمار الفرنسي بمدينة الدار البيضاء وبالضبط بالحي المحمدي نشأ الأطفال المشاكسون الذين سوف يحدثون ثورة لم يسبق لها مثيل في المشهد الفني المغربي، بدأوا مشوارهم الفني بدار الشباب، التحقوا بعد ذلك بفرقة الطيب الصديقي للتمثيل المسرحي، بعد ذلك بدأت فكرة إنشاء مجموعة تختمر في ذهني العربي باطما وبوجميع خلال جولة مسرحية بفرنسا وذلك رغبة منهم في تخليد ثرات الأجداد ونقله من جيل إلى جيل. كان أول عرض لمجموعة ناس الغيوان بالدار البيضاء بأحد المطاعم بمنطقة عين الذئاب، ولكن شهرتهم التي سوف تجوب أرجاء المعمور ستكون انطلاقتها من مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط سنة 1971، كان المتفرجون لأول مرة سعداء للغاية لاندماجهم التام مع الإيقاع الموسيقي الأصيل والجميل والبسيط في آن واحد، وحماسهم المتزايد لنصوص الكلمات المستوحاة من واقعهم اليومي الـمُعاش.
لقد شعر الكل بتلك المعارضة الرمزية بين نوعين من الأغاني، أحدها تقليدي جامد ومتكرر، والآخر مناضل وواعد ومتجدد، لما غنت مجموعة ناس الغيوان أولى أغانيها الجميلة كالصينية، ويا بني الإنسان، وأهل الحال، وفين غادي بي خويا ، واش حنا هما حنا، ومن خلال نهجها الغير العادي، أصبحت مجموعة ناس الغيوان على الفور عبارة عن ردة فعل قوية ضد ما يسمى بالأغنية العصرية القابعة وراء مواويل وآهات لا نهاية لها من الحب والغزل والتصابي، التي كانت تُشْعِرُ المتفرجين بالملل والتبرم لحالتها الكلاسيكية الساكنة والجامدة البعيدة كل البعد عن هموم الناس وآلامهم وآمالهم وتطلعاتهم، في حين كانت الأغنية الغيوانية بكلماتها الواقعية ولحنها الحزين وصوت باطما الرخيم تنسجم في وئام تام مع الجماهير الثواقة لمن ينطق بصدق وإخلاص عن همومها وأحزانها وحياتها اليومية التي شبهها ناس الغيوان 'بعيشة الذبانة فالبطانة'، لدرجة أن المخرج السينمائي الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي صاحب أفلام 'طاكسي درايفر' و 'الإغراء الأخير للسيد المسيح' المثير للجدل وصف هذه المجموعة الأسطورية بأنها هي 'رولينغ ستون' أفريقيا، و'رولينغ ستون' هي أشهر فرق الروك العالمية التي ظهرت بلندن سنة 1962.
وإلى يومنا هذا وبعد مرور ما يقرب من 38 عاما على خروجها إلى الوجود، وبالرغم من الرحيل المبكر إلى دار البقاء لاثنين من أعمدتها هما المرحومان بوجميع والعربي، لم يَخْبُ إشعاع هذه المجموعة وما تزال أغانيها إلى يومنا هذا تحرك مشاعير الثواقين إلى حنين الماضي وشريحة عريضة من عشاق الفن المغربي الأصيل، فمجموعة ناس الغيوان هي بكل اختصار الكرامة والتواضع والمواهب الخامة التي كونت أسطورة ومدرسة فنية وموسيقية وفكرية فريدة، ملتزمة ومتماسكة، انبثقت من رحم الشعب واحتضنها بكل فخر ومحبة ووفاء كل الشعب.
لقد شعر الكل بتلك المعارضة الرمزية بين نوعين من الأغاني، أحدها تقليدي جامد ومتكرر، والآخر مناضل وواعد ومتجدد، لما غنت مجموعة ناس الغيوان أولى أغانيها الجميلة كالصينية، ويا بني الإنسان، وأهل الحال، وفين غادي بي خويا ، واش حنا هما حنا، ومن خلال نهجها الغير العادي، أصبحت مجموعة ناس الغيوان على الفور عبارة عن ردة فعل قوية ضد ما يسمى بالأغنية العصرية القابعة وراء مواويل وآهات لا نهاية لها من الحب والغزل والتصابي، التي كانت تُشْعِرُ المتفرجين بالملل والتبرم لحالتها الكلاسيكية الساكنة والجامدة البعيدة كل البعد عن هموم الناس وآلامهم وآمالهم وتطلعاتهم، في حين كانت الأغنية الغيوانية بكلماتها الواقعية ولحنها الحزين وصوت باطما الرخيم تنسجم في وئام تام مع الجماهير الثواقة لمن ينطق بصدق وإخلاص عن همومها وأحزانها وحياتها اليومية التي شبهها ناس الغيوان 'بعيشة الذبانة فالبطانة'، لدرجة أن المخرج السينمائي الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي صاحب أفلام 'طاكسي درايفر' و 'الإغراء الأخير للسيد المسيح' المثير للجدل وصف هذه المجموعة الأسطورية بأنها هي 'رولينغ ستون' أفريقيا، و'رولينغ ستون' هي أشهر فرق الروك العالمية التي ظهرت بلندن سنة 1962.
وإلى يومنا هذا وبعد مرور ما يقرب من 38 عاما على خروجها إلى الوجود، وبالرغم من الرحيل المبكر إلى دار البقاء لاثنين من أعمدتها هما المرحومان بوجميع والعربي، لم يَخْبُ إشعاع هذه المجموعة وما تزال أغانيها إلى يومنا هذا تحرك مشاعير الثواقين إلى حنين الماضي وشريحة عريضة من عشاق الفن المغربي الأصيل، فمجموعة ناس الغيوان هي بكل اختصار الكرامة والتواضع والمواهب الخامة التي كونت أسطورة ومدرسة فنية وموسيقية وفكرية فريدة، ملتزمة ومتماسكة، انبثقت من رحم الشعب واحتضنها بكل فخر ومحبة ووفاء كل الشعب.