يقول الشيخ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي في كتاب أخْبَارُ الحَمْقَى والمُغَفَّلِين إن ترويح القلوب مطلوب مرغوب، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان"، وقال أيضاً: "إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً".
وعن أسامة بن زيد قال: "روحوا القلوب تعي الذكر"، وعن الحسن قال: "إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة"، وإنما يكره للرجل أن يجعل عادته إضحاك الناس لأن الضحك لا يذم قليله فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه وإنه يكره كثيره لما روي عنه عليه السلام أنه قال: " كثرة الضحك تميت القلب"، والارتياح إلى مثل هذه الأشياء في بعض الأوقات كالملح في القدر، قال عليه السلام: " لا تؤاخي الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ وربما يريد أن ينفعك فيضرك وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وموته خير من حياته"، وقال ابن أبي زياد: "قال لي أبي يا بني الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى فإني ما جالست أحمق فقمت إلا وجدت النقص في عقلي".
لا تغضب على الحمقى، فعن عبد الله بن حبيق قال:" أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك "، وعن الحسن قال:" هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل"، وعن سلمان بن موسى قال:" ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض حليم من أحمق وشريف من دنيء وبر من فاجر".
الناس أربعة أصناف، فقد روي عن الأحنف بن قيس أنه قال، قال الخليل بن أحمد:" الناس أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالب فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه"، وقال جعفر بن محمد: "الرجال أربعة، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فتعلموا منه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فأنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه".
*أرسل رجل ولده الأحمق ليشتري له رأساً مشوياً، فاشتراه وجلس في الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه إلى أبيه فقال: ويحك ما هذا،
فقال الولد: هو الرأس الذي طلبته،
الأب: فأين عيناه؟، الولد: كان أعمى، الأب: فأين أذناه؟، الولد: كان أصم، الأب: فأين لسانه؟، الولد: كان أخرس، الأب: فأين دماغه؟، الولد: كان أقرع، الأب: ويحك رده وخذ بدله، الولد: باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب.
*حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى قال: مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ: ولله ميزاب السموات والأرض، فقلت: يا شيخ ما معنى ولله ميزاب السموات والأرض، فقال: هذا المطر الذي نراه، فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير يا هذا إنما هو "ميراث السموات والأرض"، فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.
*وحكى أبو الخير الخياط عن بعض أصحابه قال: دخلت تاهرت فإذا فيها قاضٍ من أهلها وقد أتى رجلا جنى جناية ليس لها في كتاب الله حد منصوص ولا في السنة فأحضر الفقهاء فقال: إن هذا الرجل جنى جناية وليس لها في كتاب الله حكم معروف فما ترون فقالوا بأجمعهم: الأمر لك، قال: فإني رأيت أن أضرب المصحف بعضه ببعض ثلاث مرات ثم أفتحه فما خرج من شيء عملت به قالوا له: وُفقت، ففعل بالمصحف ما ذكره ثم فتح فخرج قوله تعالى: "سنسمه على الخرطوم " فقطع أنف الرجل وخلى سبيله.
*عن أبي العيناء قال: كان المدني في الصف من وراء الإمام فذكر الإمام شيئاً فقطع الصلاة وقدم المدني ليؤمهم فوقف طويلاً فلما أعيا الناس سبحوا له وهو لا يتحرك فنحوه وقدموا غيره فعاتبوه فقال: ظننته يقول لي: احفظ مكاني حتى أجيء.
*وعن المدائني قال: قرأ إمام ولا الظالين بالظاء المعجمة فرفسه رجل من خلفه فقال الإمام: آه ضهري فقال له رجل: يا كذا وكذا خذ الضاد من ضهرك واجعلها في الظالين وأنت في عافية وكان الراد عليه طويل اللحية.
* قرأ إمام في صلاته وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه خمسين ليلة.
*تقدم إمام فصلى فلما قرأ الحمد افتتح بسورة يوسف فانصرف القوم وتركوه فلما أحس بانصرافهم قال: "سبحان الله!، قل هو الله أحد"، فرجعوا فصلوا معه.
*قرأ إمام في صلاته: "إذا الشمس كورت " فلما بلغ قوله: " فأين تذهبون " ارتج عليه وجعل يردد حتى كادت تطلع الشمس، وكان خلفه رجل معه جراب فضرب به رأس الإمام وقال: "أما أنا فأذهب وهؤلاء لا أدري إلى أين يذهبون".
*حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس وتعلق بأستار الكعبة وقال: "اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس".
*صلى بعض الأعراب خلف بعض الأئمة في الصف الأول وكان إسم الأعرابي مجرماً فقرأ الإمام: والمرسلات إلى قوله: "ألم نهلك الأولين"، فتأخر البدوي إلى الصف الآخر، فتابع الإمام القراءة: " ثم نتبعهم الآخرين"، فرجع إلى الصف الأوسط، فتابع الإمام: "كذلك نفعل بالمجرمين"، فولى هارباً وهو يقول: "ما أرى المطلوب غيري".
*صلى أعرابي خلف إمام صلاة الغداة فقرأ الإمام سورة البقرة وكان الأعرابي مستعجلاً ففاته مقصوده، فلما كان من الغد بكر إلى المسجد فابتدأ الإمام بسورة الفيل فقطع الأعرابي الصلاة وولى وهو يقول: "أمس قرأت البقرة فلم تفرغ إلى نصف النهار واليوم تقرأ الفيل ما أظنك تفرغ منها إلى نصف الليل".