المجذوب 2

المجذوب 2 (1)
المجذوب 2 (2)
لاَ تْخَمَّمْ لاَ تْدَبَّرْ.. لاَ تَرْفَدْ الْهَمّْ دِيمَا.. الفَلْكْ مَا هُو مْسَمَّرْ.. ولاَ الدُّنْيَا مْقِيمَا
لا تخمم أي لا تهتم ولا تفكر كثيرا، لا ترفد الهم ديمه أي لا تحمل هما دائما، فدوام الحال من المحال وكل شيء في تغير مستمر حتى الفلك والدنيا نفسها، وعلى المرء اللبيب ألا يحمل هم الدنيا إلامن الجهة التي خف منها ذلك الحمل، وكما قال لقمان الحكيم في وصيته لابنه: الدنيا بحر عريض قد هلك فيه الأولون والآخرون، فإن استطعت فاجعل سفينتك تقوى الله، وعدتك التوكل على الله، وزادك العمل الصالح، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك.
يَا صَاحَبْ كُنْ صَبَّارْ.. اصْبَرْ عْلَى مَا جْرَى لَكْ.. ارْقُدْ عْلَى الشُّوكْ عَرْيَانْ.. حَتّى يَطْلَعْ نْهَارَكْ
على المرء أن يكون صبورا صبرا جميلا ويحتمل دوائر الزمان ونوائبه ومصائبه ومكر أولاد الحرام والأوباش والرعاع وكيدهم ويرقد على الشوك وهو عريان لكنه لن يستسلم أبدا حتى يأتي الفرج ولو بعد طول انتظار، ويعمل بمقولة الشاعر:
سَأَصْبِرُ حَتّى يَعْجَزَ الصّبْرُ عَلَى صَبْرِي      وَأَصْبِرُ   حَتّى   يَأْذَنَ  الله  فِي  أَمْرِي
وَأَصْبِرُ   حَتّى    يَعْلَمَ   الصّبْرُ   أَنّنِي      صَبِرْتُ  عَلَى   شَيٍء  أَمَرّ  مِنَ  الصّبْرِ
كُلّْ دُوَّايْ مْسُّوَّسْ.. إِجِيبْ الَهْلِيكَة لْرَاسُو.. وُيَسْتَهَلْ ضَرْبَة بْمُوسْ.. حَتّ إِبَانُو ضْرَاسُو
دُوَّايْ هو الثرثار الكثير الفهامة الخاوية واللغو والكلام الفارغ، مَسُّوسْ أي ليس فيه ملح، ويضرب المثل للإنسان الثرثار الذي تراه دائما في كل ناد يخطب، ما ينقصه في العمق يحوله طولا متريا باللسان. فقد حُكي أن اللسان يقول للجوارح كل صباح وكل مساء: كيف أنتن؟ فيجبن: بخير إن تركتنا.
يَا الزّْمَانْ يَا الْغَدَّارْ.. يَا كَاسَرْنِي مَنْ دْرَاعِي.. طَيَّحْتِي مَنْ كَانْ سُلْطَانْ.. وُرَكَّبْتِي مَنْ كَانْ رَاعِي
طَيّحْتْ من فعل أطاح يُطِيحُ أي أَسْقَطْتَ، رَكّبْتْ أي أعليت شأن ورفعت، وقد قال في ذلك الشاعر محمد الوطواط:
وَتَرُوحُ لَنَا الدُّنْيَا بِغَيْرِ الّذِي غَدَتْ     وَتَحْدُثُ  مِنْ  بَعْدِ  الأُمُورِ  أُمُورُ
وَتَجْرِي  اللّيَالِي بِاجْتِمَاعٍ  وَفُرْقَةٍ      وَتَطْلُعُ    فِيهَا    أَنْجُمٌ    وَتَغُورُ
فَمَنْ ظَنّ أَنّ  الدّهْرَ بَاقٍ  سُرُورُهُ      فَقَدْ  ظَنّ  عَجْزاً  لاَ يَدُومُ سُرُورُ
حْدِيثْ النّْسَا يُوَنَّسْ.. وُيْعَلَّمْ الَفْهَامَة.. إِيدِيرُوا شَرْكَة مَنْ الرِّيحْ.. وُيْحَسّْـنُوا لِكْ بْلاَ مَاء
إِيدِيرُوا أي يفعلن، الشَرْكَة هي السلسلة التي توضع حول العنق، يـْحَسّْنُوا لِكْ بْلاَ مَا أي يزلن لك شَعْرَ رأسك بدون ماء، ويُضرب المثل لمكر النساء وتفوقهن في ذلك على الرجال، غير أن أبا الطيب المتنبي يرى غير ذلك عندما قال:
 وَمَا التّأْنِيثُ لِاسْمِ الشّمْسِ عَيْبٌ       وَلاَ    التَّذْكِيرُ   فَخْرٌ   لِلْهِلاَلِ
فَإِنْ  اتّفَقَ  الأَنَامُ  وَأَنْتَ   مِنْهُمْ       فَإِنّ ا لْمِسْكَ  بَعْضُ  دَمِ الْغَزَالِ
يَا لاَيْمْ لاَ تْلُومْنِي فِي وَسْطْ النَّاسْ.. وَإِذَا عِينَكْ فَالْمْلاَمَة فَرَّزْنِي.. الفَضَّة الصَّافْيَة وُلاَّتْ نْحَاسْ..وَالثُّوبْ اللِّي كَانْ وَافِي عَرَّانِي
وُلاّتْ أي صارت، أيها اللائم لا تلمني أمام الناس، لأنني من معدن صاف كالفضة، غير أن الناس لم يعودوا يميزون بين الفضة والنحاس، لدرجة أنني صرت أمامهم كالذي تجرد تماما من ثوبه الذي كان يستره، وغالبا ما تُورِثُ كثرة العتاب البغضاء إذا لم يكن ذلك العتاب على قدر المحبة والنصح الجميل.
  يَا الجَايْزَاتْ فَالطّْرِيقْ..يَا مْقُوّْرِينْ الَعْمَايْمْ..فْرَاسْكُمْ شِي عْنَايَة.. وُلاَّ رَاتْعِينْ كَالْبْهَايْمْ
يا الجايزات في الطريق أي أيتها العابرات والمارات في الطرقات، مقورين العمايم وهي جمع عمامة أو الثوب الذي يُلف حول الرأس، وهذا في زمن كانت النساء تلبسن فيه لباسا محتشما، أما اليوم فيمكن وضع مكانا جملة "يا مقورين العمايم" جملة "يا كاسيات يا عاريات"، فراسكم شي عناية أي هل في رؤوسكن مقاصد رفيعة من المجد والعلى؟ أم أنكن ترتعن كالبهائم ! وقد قال مثل ذلك أبو الطيب المتنبي في مرثية أخت سيف الدولة: 
وَهَمُّهَا فِي الْعُلَى  والْمَجْدِ  نَاشِئَةٌ      وَهَمُّ  أَثْرَابِهَا  فِي  اللّهْوِ  وَاللّعِبِ
لاَ تْخَمَّمْ فِي ضِيقْ الْحَالْ.. شُوفْ عَنْدَ الله مَا وُسَعْهَا.. الشَّدَّة تَهْزَمْ الَرْذَالْ.. أَمَّا الرّْجَالْ تَقْطَعْهَا
لا تهتم ولا تفكر كثيرا بضيق الحال فرحمة الله واسعة وواسع عطاءه، والشدة لا تهزم إلا الأراذل أما الرجال فتهزمها، واعمل بمقولة الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي:
 وَإِذَا  مَا  أَظَلّ  رَأْسَكَ  هَمٌّ      قَصِّرِ الْبَحْثَ فِيهِ كَيْلاَ يَطُولاَ
الصَّمْتْ حَكْمَة.. وُمَنُّو تَفَرَّقُو الَحْكَايْمْ.. لَوْ مَا نْطَقْ وُلْدْ اليَمَامَه.. مَا يِجِيهْ وُلِيدْ الحَنْشْ هَايْمْ
الصمت حكمة ومنه تتفرق كل الحكم، لو لم ينطق فرخ اليمامة ما سعى إليه الثعبان الصغير هائما، وَالْفَمُ الْمُطْبَقُ لا يدخله الذباب.