أخطر ما أخشاه أن يأتي يوم أقولب (أخدع) فيه نفسي

   "قوالبنا وصوارخهم..قوالبنا تذوب بسرعة في الماء، وصواريخهم تنفذ من أقطار السماء" المدون   
أخطر ما أخشاه أن يأتي يوم أقولب (أخدع) فيه نفسي
راحت الثقة بين الناس وضاعت، وحلت محلها قوالب حجمها ليس كحجم صواريخ ناسا الأمريكية، لا تصعد إلى قمر ولا زهرة ولا مريخ، ولم تغادر قط بلدنا المغرب الغالي الحبيب، لأنها صناعة محلية ومعلمة وطنية Made in Morocco، يجدها المواطن (المقولب) بيسر وسهولة ليلا ونهارا في الشوارع والأزقة والطرقات، وفي المقاهي والمطاعم والفنادق، وفي العلب الليلية والخمارات والمواخير، وفي الإدارات والوزارات والدواوين، وفي المساجد والمدرس والثانويات والمعاهد والكليات، وفي المصانع والمعامل والشركات، بل أصبحت تشغل حيزا كبيرا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة من زوج وزوجة وأبناء (ما كاين غير قولبني نقولبك، لا حشمة ولا حياء ولاحرمات ولا عائلة ولا هم يحزنون).
انتهى زمن الأخوة والتضامن والصدق والكفاف والعفاف والغنى عما بأيدي الناس، وحل محله زمن القوالب المقولبة المغلفة في زي مذهب لامع يغشى الأبصار من السيلوفان، يحملها آدميون وجوههم وجوه بشر لهم ألسنة حلوة لينة وقلوب كقلوب الشياطين، يَؤْتَمِنُونَ التُّهَمَاءَ ويَتَّهِمُونَ الأُمَنَاءَ، يُصَدِّقُونَ الكَاذِبَ وَيُكَذِّبُونَ الصَّادِقَ، إن تبعتهم في أهوائهم وَارَبُوكَ، وبمجرد ما تتوارى عنهم اغْتَابُوكَ، صَبِيُّهُمْ قَاسِِ شَرِسٌ، وَشَابُّهُمْ خَبِيثٌ زِنْدِيقٌ، وَعَالـِمُهُمْ يَأْمُرُ بِالـمُنْكَرِ وَيَنْهَى عَنِ الـمَعْرُوفِ.
هذا زمن القوالب فهللوا جميعا لتحيا القوالب، وزغردن يا نساء فهذا زمانكن..زمن القوالب، وانصبوا يا جحوش الدنيا قوالبكم لبعضكم البعض، وانتظروا ما ستجود به عليكم استراتيجية القوالب، ثم اشتروا بما جنيتموه من قوالبكم سياراتكم الفارهة، وفيلاتكم الفسيحة، وجنانكم الفيحاء، واخزنوا ما تبقى في حساباتكم البنكية السرية بزيوريخ في سويسرا، وفي جنانكم الضريبية بالسيشيل والجزر العذراء، ثم احملوا حقائبكم واذهبوا للاستمتاع بالحياة، واقطعوا أرض الله الواسعة بحثا عن الحسناوات الكاسيات العاريات، اللاحسات اللاعقات، المائلات المميلات، حتى تشيخوا وتهرموا وينفذ جهدكم ويتبخر ماؤكم، ووقت مماتكم سنحملكم نحن الدراويش على نعش مصنوع من القوالب، وسندفن معكم قوالب مغربية من الطراز الرفيع، لتُبعثوا يوم الحساب وأنتم تحملون قوالبكم بأيديكم، هذا ما جنيتم على أنفسكم وما جنى عليكم أحد.
كنت أحسب في صغري أن القالب متوقف فقط على قالب السكر المصنوع في المغرب، والذي كان يرتدي جلبابين أبيض ومن فوقه أزرق وقد خِيطَ بخَيْط مشمع رفيع من القنب، حتى أدركت مؤخرا أن عالم القوالب شاسع مترامي الأطراف، وبأن القوالب صناعة عالمية متفق عليها في جميع المحافل الدولية ابتداء من الأمم المتحدة وانتهاء بهيومن رايتس ووتش، ولكل واحد من السبعة ملايير ونصف من البشر من سكان هذا الكوكب الطيني -الذي بدأ ينتن وتفوح رائحته-  قوالبه التي ينصبها على الآخرين بابتسامة منافقة صفراء، كالتي يتعلمها طلاب أقسام التسيير الإداري والإشهار أو المناجمنت بالإنجليزي، كل ما هنالك أنني وصلت إلى قناعة شخصية مفادها أن لم يعد أحد صادقا وبريئا ويستحق ولو مثقال ذرة من التقدير والاحترام في هذا الزمان الخبيث، مع استثناء الأحرار الشرفاء بطبيعة الحال، وهم أقلية قليلة غير مُـمْتَثِلَةٍ وَخَاضِعَةٍ للبروتوكولات الصهيوماسونية.
لقد صارت تنتابني شكوك في أن كل ما حققته البشرية من اختراعات واكتشافات وطفرات في عدة ميادين  لا يخلو من وجود قوالب، لأن كل هذا البناء بدون قوالب سوف يبدو بدون مذاق مثله كمثل طعام بدون ملح، وأينما وجهت وجهتي كانت تقف دائما أمامي قوالب شتى وهي تضحك هازئة مني.. أنا الذي كنت ساذجا أظن أن العالم يسير بدون قوالب، غير أن أخطر ما أخشاه هو أن يأتي يوم أثور فيه وأقولب (أخدع) فيه نفسي.