يوم تسقط السماء فوق رؤوسنا

"من المحتمل أن يُشِعَّ يوما ضياء متوهج في مكان ما من السماء بدون سابق إنذار معلنا بذلك بداية نهاية العالم" المدون
يوم تسقط السماء فوق رؤوسنا
في غمرة انشغالات الناس بأمورهم الشخصية اليومية، ينسون بسهولة أن كوكب الأرض المسكين الصامد يتعرض يوميا بشكل مستمر للقصف من قبل النيازك والأجسام السماوية الأخرى، ففي كتابه المعنون "الكويكبات: الأرض في خطر"، يذكر عالم الفيزياء الفلكية 'جان بيير لوميني'  'Jean-Pierre Luminet' أن ما لا يقل عن 1000 طن من هذه المواد الآتية من الفضاء الخارجي تغزو كوكب الأرض كل يوم، في أشكال تتراوح ما بين الغبار والصخور الضخمة بزنة 100كيلوغرام.
وفي النظام الشمسي، يقدر علماء الفلك بوجود ما لا يقل عن 3.000.000 من الأجسام القريبة من الأرض' géocroiseurs'، ما زال 90 ٪ منها غير مكتشف إلى يومنا هذا، وحسب آخر إحصائيات وكالة ناسا الفضائية الأمريكية هنالك حوالي 5.000 جسم قريب من الأرض 'géocroiseurs'، 1.500 من هذه الأجسام يفوق قطرها 1 كلم، من المحتمل أن تشكل خطورة على الأرض، مما  يعني أن مفاجأة سيئة جدا ممكنة دائما، مما يؤكد ما كان يخشى منه الأقدمون من أن السماء ستقع  يوما ما على رؤوسهم بدون سابق إنذار.
ولإعطاء فكرة عن مدى خطورة اصطدام كويكب بالأرض، يجب العودة بالذاكرة إلى الماضي القريب وبالضبط إلى صبيحة 30 يونيو من سنة1908  ، عندما وقع حدث تاريخي عظيم بالنسبة لكوكب الأرض ومر في صمت مطبق ولم يوله أحد أية أهمية، وقتئذ ظهر جسم متوهج غريب -من المحتمل أن يكون كوكيبا بطول 50متر- في منطقة 'تونغوسكا' بسيبيريا الوسطى بالاتحاد السوفياتي يحلق بسرعة هائلة في السماء، ثم اختفى فجأة مخلفا وراءه ذنبا من الدخان الكثيف وتمت مشاهدة عمود هائل من اللهب على مسافة 450 كيلومتر من مركز الكارثة، ورافق ذلك انفجار ضخم صم الأذان سُمع على مدى دائرة قطرها 200 كيلومتر، وتسبب الارتطام باقتلاع الأشجار بمساحة تعادل 2500 كلم مربع، وتلى ذلك دوران موجة هوائية استثنائية عدة مرات حول كوكب الأرض، وقُدرت موجة الصدمة التي أحدثتها هذه الكارثة بما يوازي 1000  قنبلة من طراز هيروشيما، ورافق كل ذلك اهتزازات أرضية عنيفة التقطتها العديد من محطات رصد الزلازل المنتشرة حول العالم بأسره، وظل الأمر طي الكتمان إلى غاية سنة 1927 عندما قامت أكاديمية علوم الاتحاد السوفياتي بإرسال أول بعثة للاستقصاء ما لبثت أن تبعتها بعثتان أخريتان في سنوات 1928 و 1930، وتم في الأخير مسح وتصوير جوي غير مكتمل لمنطقة الكارثة سنة 1938.
ومنذ سنة 2004 اكتشفت وكالة ناسا الفضائية كويكبا ماكرا أطلقت عليه اسم 'أبوفيس'' Apophis' ويعني إلاه الفوضى في الأساطير المصرية القديمة، وقُدِّرَ طوله آنذاك ب 250متر ووزنة ب 27مليون طن، وفي شهر يونيو 2006توصلت ناسا إلى أن هذا الكويكب سيمر على بعد 38ألف كيلومتر من الأرض عام 2029،علما أن القمر يبعد عن الأرض مسافة 384.400كلم،  مما سيجعله تحت تأثير الجاذبية الأرضية وجذب مساره نحو كوكبنا المزغوب، واحتمال اصطدامه به عام 2036باحتمالية1/45.000 ، ويعتبر احتمال الاصطدام هذا صغير جدا ومقلق للغاية بالنسبة لعلماء الفلك، وإذا حدث ووقع اصطدام مع هذا الكويكب فسيكون بسرعة 12كلم/الثانية، وسيؤدي إلى إنتاج طاقة حسب العلماء تقدر بمليون ونصف طن من TNT، أي ما يفوق مائة ألف مرة القوة التدميرية لقنبلة 'هيروشيما'، مما سيكون له آثار مدمرة على كوكب الأرض.
وفي أكتوبر 2009 نشرت وكالة 'ناسا' الفضائية بلاغا رسميا أكدت فيه أنه بعد إعادة حساباتها فإن احتمالية اصطدام 'أبوفيس' بالأرض أصبحت حوالي 1/250.000، وبتاريخ 10 يناير2013 بعد مرور 'أبوفيس' بالقرب من الأرض يوم 9 يناير 2013 على مسافة 14.46مليون كلم من الأرض تمكن علماء الفيزياء الفلكية من تدقيق حساباتهم وتم رفع طوله إلى  325 متر وزنته إلى 50مليون طن، وهو كويكب يتبع مساراً قريباً من مسار كوكب الأرض الذي يلتقي به مرتين في دورته التي يعبرها بسرعة 5 كلم/الثانية، وقدر علماء ناسا الفضائية وفقا لملاحظات الرادار بأنه لن يكون هنالك اصطدام سنة 2036 ب'أبوفيس' كما كان متوقعا من قبل.
وتكررت في السنوات الأخيرة حوادث مرور الكويكبات بمسافات قريبة من الأرض، فبتاريخ 6 يونيو 2002 دخل الغلاف الجوي للأرض جسم بقطر 10 أمتار وانفجر فوق البحر الأبيض المتوسط ما بين اليونان وليبيا، وقدرت قوة الانفحار ب 26 ألف طن من  TNT، وفي فبراير 2013 مر كويكب على مسافة 28 ألف كلم من الأرض، وفي أيلول 2014 مرّ كويكب آخر على مسافة 40 ألف كلم، وبتاريخ 06 أكتوبر 2008 دخل كويكب  TC3 2008 الغلاف الجوي للأرض بسرعة 1.80 كلم /ثانية وانفجر فوق منطقة غير مأهولة بالسكان فوق السودان، وفي 15 فبراير 2013 مر كويكب قطره 18 متراً بسرعة 66 ألف كلم/ساعة، على ارتفاع عدة كيلومترات من مدينة Chelyabinsk بجبال الأورال جنوب موسكو بـسرعة 1900 كلم/ساعة،  وتسبب هذا المرور بهزة أرضية وهدم عدة منازل وتحطيم الواجهات الأمامية الزجاجية للأبنية، وجرح أكثر من 1500 شخص، ولحسن الحظ أن ما تبقى من هذا الكويكب ارتطم بالأرض على مسافة بعيدة خارج المدينة. 
بتاريخ 5 فبراير 2016 انفجر كويكب صغير بقطر 6 أمتار على ارتفاع 30 كيلومتراً فوق الأطلسي مقابل سواحل البرازيل الشرقية نتيجة احتكاكه بالغلاف الجوي، وكانت قوة الانفجار تعادل قوة قنبلة هيروشيما، وبتاريخ 22 غشت 2016 فاجأ مراكز الرصد والعلماء كويكب 2016 QA2 على مسافة خطيرة وقريبة من الأرض (84.000 كلم) ولم يتمكنوا من رصده سوى قبل 3 ساعات من مروره، وقد بلغ حجمه بين 34 إلى 50 متراً، وكان يسير بسرعة 36 ألف كلم في الساعة، مما يعني أن ارتطامه بالأرض قد يفني مدينة بحجم باريس، وتعادل قوة انفجاره على الأرض قوة انفجار 7 قنابل نووية بقوة 13 ألف طن منTNT  للواحدة.
وكيفما تطورت الأوضاع بالنسبة لهذه الكويكبات التي تشكل خطورة على كوكب الأرض،  ماذا بإمكان البشرية القيام به خلال هذه الفترة؟: تدمير أي كويكب بسلاح نووي قبل وصوله لمسافات تشكل خطورة على كوكب الأرض، أو تحويل مساره سواء عن طريق سحبه بمسبار فضائي أو تسليط الضوء عليه بواسطة خلايا شمسية عملاقة لإزالة أي خطورة اصطدامه بكوكب الأرض، كما جاء في بعض الحلول المقترحة من طرف علماء الفيزياء الفلكية، مع العلم أن اصطدام جسم بقطر 10 كيلومترات مع كوكب الأرض سيؤدي لا محالة إلى كارثة مماثلة لتلك التي قضت على الديناصورات والحياة على كوكب الأرض منذ 65 مليون سنة، ويُسدل الستار على هذه المسرحية الهزلية التي لم تعذ تضحك أحدا، وعلى ما يبدو والله أعلم وصلت فصلها الأخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق