بطل ومدينة بلا أمجاد!!!

"مراكش ليست مدينة الكسكس والشاي والعلب الليلية والحانات والمواخير ودور المناكر وليس الضيافة كما يبتغي من لا غيرة إسلام تروج في قلبه، ولا علو همة تدور في رأسه من مرضى النفوس والديوث..مراكش لها تاريخ عريق وأمجاد خالدة، فلا تسفهوا الصورة الوضاءة  لهذه المدينة المكافحة المناضلة" المدون
بطل ومدينة بلا أمجاد!!!
يعتبر يوسف بن تاشفين بحق واحداً من عظماء الأمة الإسلامية الذين جدّدوا لها أمر دينها، ولم ينصفه لا المؤرخون ولا العالم الإسلامي ولا الأسر التي حكمت المغرب من بعد المرابطين،  لذا كان الاهتمام بهذا البطل التاريخي النادر حقا ضعيفا وفيه كثير من الحيف والتضليل التاريخي المقصود، لدرجة أن ما كُتِب عن  براهيش وكراكيز كرة القدم المخنثين و(فنانات وفناني)  عفن الأرصفة الهابط الرخيص يفوق بكثير ما كُتِب عن هذا البطل الهمام المقدام.
فيوسف بن تاشفين يعتبر بحق شخصية إسلامية جد متميزة بدون منازع، استجمعت من خصائل الخير وجوامع الفضيلة ما ندر أن يوجد مثلها في شخص مثله، فإن كان يوسف بن أيوب الملقب بصلاح الدين الأيوبي قد ذاع صيته في المشرق الإسلامي وهو يقارع الصليبيين ويوحد المسلمين، فإن أبو يعقوب يوسف بن تاشفين قد ملأ صيته آفاق المغرب الإسلامي وأنار بعدله ودفاعه عن دينه منابر مساجده وهو يقارع الإسبان والمارقين من الدين وملوك الطوائف ويوحد المسلمين في زمن كان المسلمون فيه أحوج ما يكونون إلى أمثاله.
ولد يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني البربري الأصل سنة 400 هـ الموافق 1009 م، ونشأ نشأة إيمانية جهادية - في قبائل صنهاجة من الملثمين المعروفين بالشجاعة والإقدام ورسوخ العقيدة الإسلامية- بما يُسمى حاليا بموريتانيا التي هي من اختراع الفرنسيس الذين اقتطعوها من المغرب لتشتيته وإضعافه، بل كانت جزءا لا يتجزأ من بلاد المغرب زمن العزة الإسلامية وشهامة الرجال الأحرار، وكانت الظروف السياسية السائدة في زمانه غاية في التعقيد وغلب عليها تعدد الولاءات وانقسام العالم الإسلامي وسيطرة قوى متناقضة على شعوبه، ففي بغداد كان الحكم العباسي المستبد من الضعف والوهن بمكان بحيث فقد السيطرة وضبط الأمور على معظم ولاياتها، وفي مصر ساد الحكم الفاطمي المتقلب الأهواء والمبني على الدسائس والمكائد والمؤامرات، وفي بلاد الشام بدأت بواكير الحملات الصليبية بالنزول في سواحل الشام، وفي الأندلس استعرت الخصومة والخيانة وعم الفساد بين ملوك طوائفها، وأما في بلاد المغرب الإسلامي حيث نشأ وترعرع يوسف بن تاشفين فكانت قبائل مارقة من الدين تسيطر على الشمال المغربي، وتحصن مواقعها في المدن الساحلية كسبتة وطنجة ومليلية، وهي من آثار الدولة العبيدية البرغواطية التي سيطرت على شمال المغرب وبنت أسطولاً قوياً لها وحصنت قواتها البحرية المطلة على مضيق جبل طارق.
يعود نشوء دولة المرابطين إلى عام 445 هـ الموافق 1052 م عندما قام عبد الله بن ياسين بتأسيس الحركة المرابطية التي تعني الرباط في سبيل الله، وبعد عشر سنوات من ذلك استلم قيادة الحركة يوسف بن تاشفين واتخذ مراكش الحمراء عاصمة له، ولم يضيع وقتا في سبيل  تعمير البلاد وحكمها بالعدل، وكان سبب نجاحه في ذلك هو  اختياره  رجالاً أكفاء نزهاء من أهل الفقه والقضاء لتطبيق الإسلام على الناس، إضافة لاهتمامه ببناء المساجد باعتبارها مراكز دعوة وانطلاق وتوحيد للمسلمين تحت إمارته، ثم بدأ يتوسع شرقاً وجنوباً وشمالاً.
استعان ابن تاشفين في البداية بالمعتمد بن عباد -أحد أمراء الأندلس- لمحاربة البرغواطيين، فأمدّه المعتمد بقوة بحرية ساعدته في القضاء عليهم، وهكذا استطاع سنة 476 هـ الموافق 1083 م أن يوحد كل المغرب من طنجة حتى تونس شرقاً وحتى غانا جنوباً تحت راية المرابطين، وبعد أن قوي ساعده واستقرت دولة المغرب وتوسعت، لجأ إليه مسلمو الأندلس طالبين النجدة ومد يد المساعدة لتحريرهم من ظلم الظالمين الغاشمين، حيث كانت أحوال المسلمين بالأندلس جد سيئة، نتيجة استبداد ملوك الطوائف بالحكم وتلقيب  أنفسهم خلفاء، فضرب كل واحد منهم النقود باسمه وفرض بأن يُخطب له من على المنابر، فاستشرت بينهم الضغينة والبغضاء،  فصار كل واحدٍ منهم يسعى للاستيلاء على ممتلكات صاحبه، لا يضره الاستعانة بالصبليون النصارى أعداء المسلمين والفساق من المسلمين والتنازل لهم عن مداخل البلاد ومخارجها لتحقيق أهدافهم، ولما أدرك النصارى الماكرون حقيقة ضعف ملوك الطوائف المتباغضين والمتطاحنين فيما بينهم  طلبوا منهم المزيد من التنازلات لدرجة الإمعان في ذلهم  وإهانتهم على الملإ.
وبعد أن زادت ضغوطات الصبليون النصارى على ملوك الطوائف ووصلت فيهم السكين إلى العظم، لم يجدوا بدا ولا بديلا من الاستنجاد بابن تاشفين، فقاد هذا البطل المغوار الجيوش الإسلامية وقاتل النصارى قتالاً شديداً في موقعة الزلاّقة التي تعتبر يوم فتح عظيم بكل المقاييس، وإحدى أبرز المعارك العظمى في التاريخ الإسلامي، التي كان من الواجب الأوجب علينا كمغاربة أن نجعل من ذكراها عيدا وطنيا مغربيا سنويا بكل فخر واعتزاز، حيث كان النصر فيها  نصرا باهرا وساحقا على جحافل الصبليون، الشيء الذي لم ينسوه إلى يومنا هذا، انتهت المعركة بانتصار المسلمين، طُعِن فيها ألفنسو في إحدى ركبتيه وولى هاربا كالفأر المذعور في 500 فارس من أصل ثمانين ألف فارس ومائتي ألف راجل، توفي منهم 400 في الطريق، ولم يدخل طُلَيْطِلَة إلا 100 فارس.
إن مجازر ومذابح محاكم التفتيش بحق مسلمي الأندلس -التي أُنشِئت بمرسوم بابوي صدر في رمضان 888 هـ الموافق لأكتوبر 1483م، حيث عين القس "توماس دي تركيمادا" الذي وضع لها دستورا محققًا عامًا لها- تظهر إلى أي مدى وصل الحقد  بالصبليون الذين لم ينسوا معركة الزلاقة ولن ينسوها أبدا، حيث مورست في هذه المحاكم معظم أنواع الترهيب والتعذيب والقتل التي لا نظير لها في الوحشية والهمجية والبربرية في التاريخ البشري، وتم إزهاق آلاف الأرواح من الأبرياء بدم بارد لأنهم فقط مسلمون، مما يندى له جبين البشرية ويرتج له وجدانها مقارنة بالجرائم التي  ترتكبها ما يسمى ب 'داعش' اليوم.  
كان لمعركة الزلاقة أثرا عظيما في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ أوقفت زحف الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية، غير أن تراخي ملوك الطوائف وخياناتهم الفجة واللاأخلاقية بإبرام الصفقات والتحالفات مع ألفونسو السادس عدوهم اللدود،  اضطر يوسف بن تاشفين للعودة مرةً أخرى لنصرة الأندلس في عام 481 هـ الموافق 1088 م، عندما أقام الحصار على حصن 'لييط' الذي كان قاعدة النصارى لشن الغارات على أراضي الأندلس، فانتهى الحصار بالاستيلاء على الحصن، فقرر بعد ذلك يوسف بن تاشفين إنهاء حكم ملوك الطوائف وتوحيد الأندلس مع المغرب الأقصى في ولاية واحدة لتصبح أكبر ولاية إسلامية، وبحلول عام 484 هـ الموافق 1091 م كان المرابطون قد ضموا معظم أراضي الأندلس تحت حكم المغرب الأقصى.
استمر ابن تاشفين رحمه الله في قتال الكفار الصبليون حتى وصل حدود الكفار الفرنسيس، وبذلك أنقذ بلاد الأندلس من سقوط وشيك بيد الصبليون، وأخر سقوطها أربعمائة عام من بعده، توفي ابن تاشفين عام 500 هـ الموافق 1107 م، وأكمل من بعده إبنه علي بن يوسف بن تاشفين مسيرة الجهاد، فحرر جزر البليار وساعد أهل صقيلية على طرد الغزاة الإفرنجة فكان إبنه حسنة من حسناته.
لقد ذاع صيت يوسف بن تاشفين بين العلماء والقضاة بشكل خاص وبين الناس بشكل عام، فتناقلوا أخباره وصفاته، وتواتر عنهم نقل صفات الجهاد والعدل والزهد والإخلاص والتمسك بالإسلام وبدولة المسلمين الشرعية، لدرجة أن أثنى عليه معظم العلماء والفقهاء.
رحم الله يوسف بن تاشفين رحمة واسعة وجعل من سيرته منارة وضاءة للمسلمين في كل بقاع المعمور ومحل اهتمام الراغبين في إعزاز الإسلام وأهله، ولينصر الله كل المستنصرين به وليقهر كل الجبابرة والمتكبرين، وليذمر كل الفاسدين المفسدين وجميع الخبثاء الديوثيين الذين جعلوا من مدينة ابن تاشفين أكبر 'بورديل'، فيا من أذللمتمونا في الدنيا أذلكم الله في الدنيا وفي الآخرة إنه سميع مجيب الدعاء.