"على المرء أن يكون له عنق أطول كعنق الجمل، حتى تستغرق الكلمة الوقت الكافي قبل أن تولد" مثل أفريقي
يحكى أن أرملة صماء لدرجة أنها لا تسمع شيئا على الإطلاق، كانت كل صباح قبل انطلاقها للعمل بحقلها الشاسع المترامي الأطراف المزروع بالفول السوداني، تحمل طفلها على ظهرها وتشده إليه كي لا يسقط بواسطة قطعة قماش بالية كالتي كانت تستعملها نساء المغرب ما قبل عصر الحداثة والمعاصرة، وفي صبيحة أحد الأيام بينما كانت منهمكة في عملها وهي تتصبب عرقا، اقترب منها راع هو الآخر أصم لدرجة أنه لا يسمع شيئا على الإطلاق، فسأل الأرملة الصماء جدا قائلا:"سيدتي إنني بصدد البحث عن أغنامي، وقد قادتني آثار حوافرها إلى حقلك هذا، فهل بإمكانك أن تساعديني على العثور عليها، وعلاوة على ذلك يمكن لأي كان أن يتعرف عليها لأن بينها يوجد خروف أعرج، وإن ساعدتني في العثور عليها أعدك بأن أمنحك هذا الخروف، فبإمكانك أن تنتفعي بلحمه وصوفه".
أجابت الأرملة بالرغم من أنهالم تسمع ولم تفهم كلمة واحدة مما قاله لها الراعي، ظانة أنه سألها عن حدود حقلها: "إن حقلي يمتد إلى هناك".. وهي تلوح بيدها جهة الشرق، غير أن الراعي الأصم هو الآخر فهم من إشارة يدها على أن أغنامه اتجهت جهة الشرق، فسار هو أيضا جهة الشرق، وما هي إلا برهة من الزمن حتى وجد أغنامه صدفة ترعى بكل هدوء وأمان وراء ربوة.
أجابت الأرملة بالرغم من أنهالم تسمع ولم تفهم كلمة واحدة مما قاله لها الراعي، ظانة أنه سألها عن حدود حقلها: "إن حقلي يمتد إلى هناك".. وهي تلوح بيدها جهة الشرق، غير أن الراعي الأصم هو الآخر فهم من إشارة يدها على أن أغنامه اتجهت جهة الشرق، فسار هو أيضا جهة الشرق، وما هي إلا برهة من الزمن حتى وجد أغنامه صدفة ترعى بكل هدوء وأمان وراء ربوة.
جمع الراعي أغنامه والفرحة تغمره، ثم عاد إلى الأرملة كي يسلمها الخروف الأعرج كما سبق أن وعدها بذلك، وبما أنها لم تسمع ولم تفهم شيئا مما قاله الراعي فقد ظنت أنه اتهمها بتسببها في إصابة الخروف بالعرج، فانفجرت غاضبة:" إنني لم أمس بسوء أيا من خرفانك، ابتعد عن حقلي، بالإضافة أنني لم أر خرفانا أبدا في حياتي"، غير أن الراعي الذي هو الآخر لم يسمع ولم يفهم شيئا مما قالته الأرملة ظن أنها غضبت لأنه أعطاها كبشا أعرجا، وزاد ظنه في أنها طامعة في أن تحصل منه على كبش أملح أقرن له جثة حمار، فاستشاط هو الآخر غضبا: " لقد اتفقت معك على أن أمنحك الكبش الأعرج، ولا مجال أبدا أن أعطيك أحسن أكباشي"، فحمي وطيس المعركة بينهما وتدهورت الأمور رويدا رويدا من لغة الكلام ثم إلى لغة السب والشتم ثم إلى لغة الحركات بالدفع والضرب، فوصلا في نهاية المطاف أمام قاض بإحدى المحاكم التي توزع العدل على الناس بالقسطاس، ولسخرية القدر كان هذا القاضي هو الآخر أصم لدرجة أنه لا يسمع ولا يفهم شيئا على الإطلاق.
القاضي: ما سبب مجيئكما هنا؟
الأرملة: كنت منهمكة في عملي حتى وقف علي هذا الرجل، فسألني عن حدود حقلي، فوضحت له ذلك ثم استأنفت العمل، وبعد فترة زمنية عاد الرجل ومعه خروف أعرج واتهمني بأنني أنا التي كنت سببا في إصابته بالعرج، وأقسم بالله سيدي القاضي أنني لم أر قط خروفا واحدا في حياتي، وهذا هو السبب في وقوفي أمامكم اليوم بالمحكمة.
الراعي: كنت أبحث عن أغنامي، وقادتني آثار حوافرها إلى حقل هذه المرأة، فوعدتها بأن أمنحها أحد خرفاني إن دلتني عن وجهتها، وقد وضحت لها جيدا بأنه الخروف الأعرج، فوافقت على ذلك، وبعد عثوري على الخرفان عدت كي أسلمها الخروف الأعرج كما اتفقنا مسبقا، لكنها انقلبت علي بطلبها أن أسلمها أفضل أكباشي، وهل تظن سيدي القاضي أنني سوف أمنحها فحل أغنامي على بضعة أيام من عيد الكبش؟
وقف القاضي الذي كان هو الآخر أصما وقد لاحظ الطفل الصغير المحمول على ظهر المرأة، وظن أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى سوء تفاهم صغير بين زوج وزوجته، فاتجه بكلامه إليهما:
أيها السيد هذا الطفل ولدك، انظر جيدا كم هو يشبهك، وعلى ما يظهر لي أنك زوج سيء، وأنت سيدتي في مشاكل تافهة من هذا القبيل لا داعي للحضور إلى المحكمة ونشر غسيلكما هنا على الملإ، عودا إلى منزلكما، وأتمنى أن تتصالحا وتنسيا هذا الأمر.
وعندما سمع الناس حكم القاضي انفجروا جميعهم بالضحك، فسرت عدوى الضحك في القاضي وفي الراعي والأرملة، فما لبثوا أن انفجروا هم الآخرون بالضحك بالرغم من أنه لم يسمعوا ولم يفهموا شيئا على الإطلاق.
فمن هو الأكثر صما يا ترى؟