*أنا
الآن كمغربي أحس أنني كَمُسْتَعْمَرٍ أكثر مما كنت عليه قبل استقلال المغرب، أولا
لأن الوسائل لم تكن أقوى مما هي عليه الآن، والمعرفة لم تكن متطورة مما هي عليه
الآن، فحيثما ذهبت في بلادي أحس أن مستقبلي مرهون بيد الآخرين.
*مشكلتنا أن هناك خونة، هناك غياب للضمير
في مُسَيِّرِينَا ببلداننا النامية، هم السبب الرئيسي فيما حَلَّ بنا الآن، وهناك
نخبة باعت نفسها، هناك مرتزقة باعوا أنفسهم لأنهم مشاركون في اللعبة فاعلين
ومستفيدين، إلى أين؟ كأننا في بورصة، هذا تشتريه بسيارة وفيلا، وذاك بكتابة دولة،
وهذا بعامل لإقليم، وهذا بحقيبة وزارية، وذاك بسفارة.
*ألجأ أحيانا للتلفزة المغربية وأكتفي بتتبع جزء بسيط من نشرة أخبار القناة الأولى، أما القناة الثانية فلا تدخل بيتي ولا أراها.
*قبل النظر إلى انعدام الأخلاق في الشارع
لا بد من النظر فيما يقع في الوزارات والدواوين والمؤسسات والهيئات من فساد
أخلاقي، فهناك سلسلة مرتبطة، وهذا راجع إلى غياب التربية والتنشئة، والعملية تتم
من أعلى إلى أسفل، والقدوة والنموذج يكون دائما من الأعلى.
*الأزمة الحالية للمغرب تكمن بالأساس في
وجود فجوة واسعة بين القائمين على الأمور وعموم الشعب، لدرجة أن هؤلاء المسؤولين
لا يرغبون في معرفة حجم هذه الهوة التي ما فتئت تتعمق سنة بعد أخرى، وحتى على صعيد
الأخلاق تم التفريط فيها بشكل لم يسبق له نظير، علما أن الأخلاق هي مرادف
للمصداقية، وبالتالي فقدنا كل مصداقية وفقدت الجماهير الثقة في السياسة
والسياسيين، وفقد الشعب المصداقية في النخب والأحزاب السياسية والمنظومة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية، وبفقدان المصداقية لا يمكن التأثير في المشهد السياسي.
*إن للصهيونية وجود قوي عندنا، وقوة هذا
الوجود تتجلى في كون الصهاينة يتحكمون في العديد من أمورنا، وقد ساهم هذا كذلك في
فقدان المصداقية.
*لقد باع المغرب ويبيع نفسه بواسطة الخوصصة
(الخصخصة) وذلك انطلاقا من المصلحة العامة، فالماء والكهرباء أو المواصلات مصلحة
عامة، فكيف يمكن تسليمها إلى خواص أجانب للتحكم فيها والتخطيط لسياسة استهلاكها،
ويا ريت كانت البلاد تستفيد من أموال الخوصصة، فبأي عدالة تُصْرَفُ هذه المداخيل؟
وكيف توزع الأرباح والثروات المضافة؟ علما أن تلك الأموال تُدْفَعُ من جيوب
الكادحين ليتمتع بها كمشة من المحظوظين، أليس هذا قمة الظلم الاجتماعي؟
*للوصول إلى مفهوم التغيير الحقيقي يجب
توفير درجة مهمة من النزاهة والشجاعة الفكرية لمواجهة الواقع بكل تجرد وموضوعية،
أي حضور روح جديدة تأخذ بعين الاعتبار ذلك المواطن البسيط، لكن ما وقع هو القفز
على هذا الواقع، وبذلك لم يستفد المواطن مما يسمى بالتغيير.
*كيف تستقيم الأمور ونحن نحاسب الصغير ونغض
الطرف عن الموظف السامي ونكافئه عوض محاسبته.
*الدستور يأتي من لجنة منتخبة من الشعب وليس من الفوق.
*مشكلة العالم الثالث أن ماضيه ليس بيده
لأن الغرب هو من كتبه، وعندما يقرأ العالم الثالث ماضيه يقرأه بعيون الغربيين.
*لقد قُلْتُهَا وسَأُعِيدُ قولها الآن، ليس
هناك قوة غربية مستعدة لقبول قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية وفعلية في العالم
الإسلامي، لأن مثل هذا التغيير سيضرب مصالحها التي توفرها لها -وبسخاء- الأنظمة
المرتشية القائمة حاليا.
*أتحدى أيا كان يقول بأن المغرب حصل على
الاستقلال الفعلي، ومعاهدة 'إيكس ليبان' تعتبر من أكبر الخيانات، وكانت مجرد تسوية
بين زعماء سياسيين والمستعمر الفرنسي، حيث كان التفاوض نظير مناصب سياسية ومواقع
النفوذ بعد الاستقلال.. ولو استمر جيش التحرير في سياسته التحريرية وتحالفه مع
الحركة التحريرية بالجزائر وتونس لوصلنا إلى مغرب عربي كبير وحر، إلا أن تسوية
'إيكس ليبان' كانت ضربة قاضية، وما زالت بلدان المغرب العربي تعيش تبعاتها إلى
الآن.
*إن الكائن البشري كيفما كان يحتوي داخل
نفسه ضمن 'كرومزوماته' عنصرا منظما يحمي كرامته، إذ لسنا في حاجة إلى مائوية الثورة
الفرنسية لتفسير التجاوزات في حقوق الإنسان، لا يجب أن نكون معقدين إلى الحد الذي
نقلد فيه بشكل أعمى (كونية) شكلية، لأن الكوني لا يوجد إلا في إطار التعدد
والإغناء المستمر، الكوني هو في احترام بعض النظم دون إقصاء لأي منها، والمعركة
الوحيدة هي معركة الكرامة لكل الأفراد دون انتقاء أو تفاضل.
*نحن نتعامل بصيغة جوفاء مع مضمون حقوق الإنسان،
حيث نستخدم الإطار الشِّعَارَاتي للصياغة على خلاف البلدان التي نَجْلِبُ منها هذا المفهوم،
وإن دلت هذه الممارسة على شيء، فإنها تدل على أننا حتى في التقليد نُقَلِّدُ ما
نريد وكما نريد، ونأحذ الأشياء المساعدة على تجريد الشعوب من حقها في تقرير مصيرها
وبالتالي إفراغ السياسات من محتواها المخالف لإرادة المرتزقة الذين أسهموا في
تحطيم ودك الأنساق والمفاهيم التي كان من الممكن الانطلاق منها لبناء مؤسسات حديثة
ذات مضمون وعمق.
*بالنسبة إلى حقوق الإنسان، وضعها لا يختلف
عن وضعية الاقتصاد حيث نجد تَبَعِيَّةً وَتَقْلِيداً أعمى للنماذج الفرنسية
وللمنظمات الدولية الغير حكومية، كما أصبح بعض مثقفينا ومناضلينا يعانون مُرَكَّبَاتِ
النَّقْصِ ويبحثون عن رضى الشمال عليهم عبر الشعارات الحقوقية المزيفة وعلى حساب
حقوق شعوبهم. وإذا كُنْتُ قد قدمت استقالتي من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي
كُنْتُ رَئِيسَهَا الْمُؤَسِّسَ، فهذا لا يعني عدم إسهامي بالتعاون الدولي في هذا المجال وفي المنظمات
الحقوقية النزيهة وفي المجتمع المدني، ولكن أرفضُ التعاون الذي يبلغ حَدَّ تقرير
مصيري من طرف الآخر، وفكرة حقوق الإنسان اليوم أصبحت منطوقة بكثرة، لكنها غير مُطَبَّقَةٍ
قانونيا وشرعيا.
*كما لا توجد رغبة حقيقية لمحاربة الأمية،
لا توجد إرادة حقيقة للقضاء على الفقر الذي يتصاعد بسبب تلك المساعدات الفنية الأجنبية أو تَدَخُّلِ المنظمات غير الحكومية في المجالات الاجتماعية لمجتمعات العالم الثالث،
وكأنها ذات سيادة على العالم. إننا نعيش في الفقر، والفقر أضحى آلية للتحكم
وتَكْرِيسِهِ عبر استفحال مشكلة التوزيع غير العادل للثروات والموارد، والمغرب يُعَدُّ
من البلدان التي تحيا ميزا اجتماعيا وطبقيا صارخا، حيث يصل عدم التوزيع العادل إلى
أرقام قياسية كالبرازيل.
*أنا عندي تحليل فيما يخص التخلف، التخلف
هو عدم الاهتمام بالعنصر البشري، ونرى أن بعض المجهودات في الدول العربية كلها لم
تعط لهذا العنصر البشري الأهمية الكافية، وما بعد ذلك مسألة البحث العلمي في نفس
الإشكالية.
*أركان
التنمية هي ثلاثة: أولا محاربة الأمية، ثانيا الدفاع عن اللغة، ثالثا البحث
العلمي.
*التجرية المغربية على مستوى تفريخ الأحزاب ستكون نموذجا ديمقراطيا
على المستوى العالمي، وصلنا حاليا إلى رقم 42
حزب، وتصوروا معي إذا اتبعنا نفس الخطة فأكيد أننا سنصل إلى 30
مليون حزب، وهذه ديمقراطية عظيمة، أي أن يصبح لكل مواطن مغربي حزب قائم بذاته،
صراحة هذا مجرد لعب وتلاعب بالذكاء الشعبي، من قبل كان لدينا 16
إقليما و16 حزبا والآن لدينا 42
حزبا، وكل واحد يلعب على هواه وبقية الشعب تتفرج على مباراة معروفة نتيجتها مسبقا.
*أنا لست معارضا بالمفهوم المعارض، لأنه
ليس لي برنامج سياسي أو طموح سياسي لكي أعارض أي شيء، أنا مواطن يدافع عن شيء
أساسي وهو الكرامة، أنا أدافع عن كرامة الإنسان في المغرب وخارج المغرب.
*العولمة هي رؤية غربية للسيطرة على العالم
الغير اليهودي مسيحي، تلك السيطرة التي يريد الغرب أن يفرضها على دول العالم
الثالث بشكل تصير فيه هذه الدول مسلوبة حضاريا وتابعة اقتصاديا، ويُقصد منها
السيطرة الاقتصادية والغزو الثقافي وفرض القيم الغربية على الشعوب الأخرى.
*فضلا عن أزمات العولمة ذات الطبيعة المادية هناك تأثيرات
تمس الجانب النفسي أو 'السيكولوجي' لشعوب العالم الثالث، فالعولمة هي السبب في عدم
وجود رؤية مستقبلية لدى هذه الشعوب لأنها لم تعد تستطيع أن تحلم ولا تمتلك أحلاما
على أساسها تبني مستقبلها، إذ تم اقتلاع مرجعيتها وجذورها واستبدالها بأحلام لا
تخصها، وهذا ما نسميه بالاستلاب والانسلاخ الذي تعانيه شعوب العالم الثالث بما
فيها عالمنا العربي والإسلامي. ولقد لعب الإعلام دورا فعالا ودقيقا في ترويج دعاية
العولمة التي تُعَدُّ رؤيا لتحقيق الهيمنة باستغلال التطور التكنولوجي/الإعلامي
ووسائل الاتصال والتأثير والتوجيه، الشيء الذي جعل العالم يعيش في كنف حرب نفسية
زرعتها ما روجته الولايات المتحدة الأمريكية بمعية العالم الغربي من أفكار مُغَلَّفَةٍ
ومُلَغَّمَةٍ حول العولمة وحول أي أكذوبة أرادت أن تهيمن بها على العالم، وكذا
الحملات الدعائية التي تقوم بها وسائل الإعلام الموجَّهَة نحو تحقيق أهداف أيديولوجية
وتوجيه الرأي العام والتأثير عليه بالمفاهيم التي تخدم مصالح العالم الغربي وتجعل من
العالم لا قرية صغيرة، بل قرية تحت رحمة العملاق.
*العولمة لم تُوَّلِدْ أزمات اقتصادية فحسب بل
هي خَرَابُ الشعوب على جميع المستويات الاقتصادية والديمقراطية والثقافية .. لأنها
سياسة استعمارية تهدف إلى الحفاظ على مصالح مُبتَدِعِيها على حساب تعميق أزمات
العالم الثالث من طريق الضغط العسكري والاقتصادي وفرض أساليب هذه المجتمعات، وكذا
من طريق الشركات المتعددة الجنسية التي انخفض وتقلص أمامها دور الدول والحكومات
لما تملكه من مال وسلطة تَفُوقُ حتى سُلَطَ الدول المتواجدة فوق أرضها.
*نجحت العولمة في شيء واحد: هوتفتيت وتشتيت
'شبه الوحدة' بين دول العالم الثالث. فمنذ مؤتمر باندونغ سنة 1955
الذي يُعَدُّ أصل ميلاد حركة عدم الانحياز المتبلورة بمؤتمر
بريوني بيوغوسلافيا في يوليو1965،
والتي هدفت إلى محاربة الاستعمار ومساندة القوى المتطلعة إلى التحرر والمحافظة على
الهوية الوطنية. سَعَتْ دول العالم الثالث إلى تحقيق الوحدة بين صفوفها، الشيء الذي
أفزع الغرب ففكر في تفريق هذه الصفوف، وجاء الشتات على يد العولمة التي نحياها
اليوم والتي أفرزت-كما كُنْتُ قد تَوَقَّعْتُ- الحرب الحضارية ضد العراق سواء من خلال عاصفة
الصحراء أو عبر ثعلب الصحراء.
*اليوم أصبح الأمر صعبا وحساسا، إذ تراجعت المعركة
الأساسية من معركة هوية إلى معركة وجود وبقاء، فبقاؤنا اليوم في خطر ونحن السبب في
ذلك، سؤال الهوية: من نحن؟ تَحَوَّلَ إلى سؤال تَرَفِي يحق لنا أن نُلْقِيهِ حين نُخْرِجُ
رؤوسنا من الماء، فنحن في حالة غرق قاتلة، ونحتاج عاجلا أن نطرح سؤال البقاء، إذن
فَلْنُخْرِجْ أنفسنا من الماء ثم نسأل من نحن؟ فالسؤال سؤال بقاء، وحين تصل إلى
البقاء تتحرك بطريقة أخرى.
*الإنترنت يصير غير ذي معنى إلا إذا وُجِدَ
في مناخ علمي وتكنولوجي وعقلاني وضمن الأولويات المطلوبة عند الشعوب والدول، وبدون
استراتيجية محددة لا قيمة للإنترنت.
*من
أهم أسباب تخلف العالم الإسلامي: الأمية والفقر، والانعدام شبه الكامل للبحث
العلمي، والتغريب الثقافي، والوضع المجحف للمرأة، والقيود الكبيرة في مجال حقوق
الإنسان وحرية التعبير، وهذه لائحة مثيرة للعوائق التي ينبغي تجاوزها في المستقبل
القريب، والتي صارت اليوم تؤثر بشكل بالغ على صورة المسلمين في أوروبا وفي كل مكان
في العالم، ويمكن للمرء أن يتساءل أيضا حول عدد من المعيقات التي يمكن تطبيقها على
واقع الجالية في أوروبا، إن مستويات الأمية في البلدان العربية هي من أعلى
المستويات في العالم، لذلك لا أَمَلَ للعالم الإسلامي في تحسين وضعه مستقبلا إلا
إذا توفرت لديه العزيمة على خوض حرب فعالة ضد الجهل.
*نحن
لم نبق في الإمبريالية والهيمنة، بل دخلنا عصر الميغا-إمبريالية، وهي شيء جديد في
العلاقات الدولية وفي التطور الإنساني، لأن دولة لها إمكانيات عسكرية هائلة في
الهدم والتحطيم، لا أحد يمكن أن يتحكم فيها أو يوقفها عند حدها، فهذا لم يحصل في
تاريخ الإنسانية، هذا يحدث الآن لأن عدة دول بما فيها الدول الغربية قبلت بالوضع
كما هو، هذه التغييرات ستأتي وسنراها تدريجيا، والأجيال القادمة بالخصوص ستراها،
ولكن يجب ألا ننسى دور الاستلاب، وأن جزءا مهما مما يسمى بالنخبة السياسية
والفكرية في العالم العربي برهنت عن انتهازية لم يعرف التاريخ لها مثيلا.
*إذا كان شعب فيه 60 % من نسبة الأمية و50 % يعانون
من فقر دم كيف تطلب منه أن يتذوق لوحة لهذا الفنان أو ذاك؟
*المقصود بالعولمة هو الاستعمار الجديد
الشمولي، استعمار بدون لون وبدون راية وبدون جواز، تقف وراءه الولايات المتحدة
الأمريكية، التي تهدف إلى تشتيت مجتمعات العالم الثالث أكثر مما هي مشتتة،
والعولمة-على عكس ما تنادي به من انفتاح- هي الانكماش الحقيقي، لأنها تسعى إلى
تطويق حركة الآخر بتوجيه كيان واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فإن
العولمة في واقع الأمر هي الأمركة، وما دون هذا المفهوم يعد تزيبفا وخِداعا حتى
يتسنى للعولمة تحقيق مآربها المرتبطة في الحقيقة بالأخلاق وليس بالاقتصاد كما
يُدَّعَى، فالحضارات اليهودية-المسيحية ترمي من وراء العولمة إلى فرض قيمها
وأخلاقياتها وأسلوب حياتها على الحضارات غير اليهودية وغير المسيحية كحضارة عالمنا
الإسلامي، وما الاقتصاد إلا واجهة لإخفاء المأرب الحقيقي للعولمة الكامن في النفوذ
إلى حياة المجتمعات لاستمرار بسط الهيمنة والتحكم.
*أنا
أتساءل كيف يمكن لدول ديمقراطية أن تأخذ حكوماتها عكس ما تريده شعوبها، لننظر إلى
إيطاليا أو إسبانيا أو إنجلترا أو أمريكا نفسها، أنا لا أقصد بلداننا، فلا
ديمقراطية لدينا ولا حكومات مستقلة، فنحن نوجد في فراغ تام، كيف سنتحدث عن مفهوم
الديمقراطية في القرن ال 21 ولم
يعد هناك حد أدنى من الاحترام لكل هذا البشر الذي يقول صباح مساء: "أنا ضد
سياستك"، ورغم كل شيء تذهب هذه الحكومات وراء أمريكا، إن مفهوم الديمقراطية
انتهى حتى عند الدول التي تعتبر نفسها مصدر هذه الديمقراطية، أما إذا تحدثنا عن
الأمم المتحدة فلم تبق لديها أية مصداقية، وأنا كتبت قبل سنوات عدة أنها تحولت إلى
آلة للهيمنة الاستعمارية الجديدة، يشتغل بها موظفون انتهازيون، جاء عدد منهم من العالم
الثالث.
*تَخَلُّفُنَا أساسه الثقافي والاقتصادي والسياسي
هو أننا لم نجد رؤية في بلدان الجنوب، والرؤيا لا تأتي من شخص واحد بل من مجتمع
عائم في الخلق والإبداع، في الحرية والجماليات، لما ندرس كيف نمت الدول، انطلاق
اليابان في أواخر القرن التاسع عشر ليس فقط في الاقتصاد، لنر المدرسة التشكيلية
اليابانية في نفس الفترة.. إذن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا حين نتكلم عن
التشكيل نتحدث عن وضعية، عن خلق وإبداع، وإذا توفرت الشروط للخلق والإبداع في أي
مجال في النحت أو الرسم أو الطرب أو الشعر البقية تأتي.
*الانفتاح
على العالم شيء، والمساعدة من الخارج شيء آخر، وأظن أنه ليس هناك أية تنمية ممكنة
في العالم العربي أو في أي جزء من العالم الثالث بدون الاعتماد على النفس، وكل يوم
نعيشه بمساعدة يؤخرنا يومين أو ثلاثة فيما يخص استقلالنا الاقتصادي الحقيقي على
الأمد الطويل، لهذا أقول أن الاعتماد على النفس هو شيء ضروري، ولا يجب أن نعتبره
كانكماش على أنفسنا، ذلك أنه بإمكاننا أن نحقق الاعتماد على النفس وفي الوقت ذاته نظل
منفتحين على بقية العالم والتيارات التي يموج بها في ميدان التكنولوجيا أو العلوم،
وكذلك في ميدان التعاون الحقيقي والذي يتم داخل إطار علاقات متساوية بين الأطراف
الداخلة فيه، أما المساعدات الفنية الثنائية، بل والمساعدات من المنظمات الدولية
فلا تدخل في هذا الإطار، لأن التنمية اليوم ليست مسألة تمويل وإنما هي مسألة
تفكير واستغلال لموارد بشرية قبل كل شيء، وثانوية بالنسبة إلى الموارد الطبيعية. وأظن
أن أكبر غلط في العالم الثالث حتى الآن، وفي العالم العربي بالخصوص هو عدم استغلال
واستعمال هذه الموارد البشرية الموجودة في العالم العربي، فمن المعروف أن الأمية
في العالم العربي ما زالت عند مستوى مرتفع جدا، فهو آخر منطقة في العالم.. في
أفريقيا على سبيل المثال تشكل الأمية 53 % من عدد
السكان، أما في العالم العربي فهي تشكل 54.60 % من عدد السكان. إن معدلات الأمية في آسيا أكثر انخفاضا
بكثير وكذلك في أمريكا اللاتينية، ولم يتم حتى الآن استغلال هذا الكنز الحقيقي في
أي بلد عربي استغلالا فعليا، بل تشهد المنطقة العربية منذ سنوات ظاهرة نزيف العقول
أو نزح العقول، وذلك نتيجة لعدم وجود سياسة تهتم بالموارد البشرية، وبعض الدول تتبع
سياسة تضطهد وتُبعد وتُحارب الكفاءة، وهذه السياسة في محاربة الكفاءة توجد بالفعل
في العالم العربي، وذلك بدلا من الاستفادة منها بالرغم من أن التنمية الحقيقية هي
في تنمية هذه الموارد البشرية وليس الاعتماد على الأموال الخارجية.
*هناك دائما علاقة بين استغلال كفاءة الموارد البشرية
والبحث العلمي، لأن البحث العلمي أو الاستراتيجية السياسية للبحث العلمي تتطلب
أولا أن يكون المجتمع المعين له رؤية مستقبلية على أمد طويل عن "إلى
أين؟" يريد هذا المجتمع الوصول، ثانيا أن تكون من بين قيم هذا المجتمع
الاهتمام بالبحث، وأن تكون قيم الاهتمام بالبحث في مكانة أعلى، وهذا ما كان في كل
حضارة كبرى، ونجده في تاريخ العرب وتاريخ المسلمين وتاريخ جميع الحضارات الأخرى الهندية
أو الصينية إلى آخره. في كل هذه الحضارات كان هناك اهتمام كبير بالعلم وبالفكر وبالبحث،
وكل هذا كان يتم على أساس رؤية، وفي العالم العربي الآن لا توجد رؤية فيما يخص
مستقبلنا، فنحن تابعون وهي تبعية بدون اختيار رؤية لمجتمع معين هذا من جهة، ومن
جهة أخرى القيم التي كانت سائدة في الماضي والخاصة بالاهتمام بالبحث العلمي
وبالكفاءة ليست موجودة الآن، وهذا وَاقِعُ أَيِّ عَالِمٍ في العالم العربي أو أي إنسان
في العمل الجامعي أو البحث العلمي، فالصعوبات التي يواجهها أَيٌّ منهم هي صعوبات
كبرى، أولا من ناحية البيئة، فالبحث العلمي لا يكفيه التمويل فقط بل يتطلب حرية
وبيئة يستطيع الإنسان أن يعبر فيها عن كل شيء في فكره أو في بحثه، ولكن عندما توجد
شروط مباشرة أو غير مباشرة فيما يخص عمل البحث ينتهي البحث العلمي.
*المشكلة في العالم العربي هي في جانب منها مادية لعدم
وجود أموال كافية مخصصة للبحث العلمي، إذ لا يتجاوز ما يُصْرَفُ على البحث العلمي اليوم
0.30 % من الدخل القومي، بينما البلاد المتقدمة التي تزيد مداخيلها
بكثير تخصص أكثر من 3 % من الدخل القومي، أي أن الفرق بين الطرفين هو بنسبة
واحد إلى عشرة. علاوة على قضية المال المخصص للبحث العلمي توجد مشكلة البيئة
الاجتماعية، وهذا هو الميدان الذي يجب بث الوعي حوله في العالم العربي، بجانب نشر
الوعي السياسي بأهمية البحث العلمي.. العلم والتكنولوجيا لم يصلا بعد إلى مستوى الاهتمام
السياسي، فلا تجد حزبا سياسيا في العالم العربي أو حركة سياسية أدرجت ولو بنداً واحداً أو فقرةً أو حتى سطراً واحداً خاصاً بالبحث العلمي، كذلك لا تجد في أي مجلس
وزاري أو في البلاغات الصادرة عنه في أي بلد عربي كلمة العلم أو التكنولوجيا، فهي
كلمة لا تُذْكَرُ أو تَكَادُ تُذْكَرُ إلا نادراً، وذلك لأن هناك نوعا من الاعتبار أن هذا العلم
أو هذه التكنولوجيا يمكن أن يشتريها الإنسان، والواقع أن العلم والتكنولوجيا لا
يمكن أن يتم شراؤهما. العالم العربي مشترك في تجربة "عربسات" مثلا
ويعتقد أن اكتساب العلم والتكنولوجيا يتم بتحرير شيكين الأول لشركة أوروبية والشيك
الآخر لشركة أمريكية صنعت إحدى آلات "عربسات"، غير أنه لم يُخَصَّصْ فلساً واحداً للبحث العلمي على مستوى عربي لفهم العلوم الجديدة في مجال الاتصالات
ولاستخدام هذه الآلات ولتكوين بشر على الطريقة العصرية الجديدة. المسالة مسألة
تفاخر، فالعرب يذهبون لشراء "عربسات" مثلما تذهب لتشتري لعبة لابنتك أو
لابنك، وهذا في رأيي من المشاكل الكبرى في العالم العربي مع الأسف الشديد.
*بعض الدول في عالمنا العربي تدفع "العقول" إلى الهرب لأنها تخشى الكفاءة، وهذا هو المشكل، إذ تخشى أن يسبب وجود الكفاءة تغييرات ويُشَوَّشُ على أناس آخرين لا يملكون الكفاءة نفسها عند هذا المستوى المرتفع، فالبيروقراطية تتدخل والمصالح التافهة كذلك، ويشترك مع ذلك ما قلته حول غياب الرؤية للمجتمع والاهتمام برجل العلم. أتذكر أنه في الجيل السابق على جيلي أنا في بلاد المغرب، وأعتقد أن ذلك كان عليه الحال أيضا في البلاد العربية كلها، كان الْعَالِمُ هو من يحتل المرتبة المتقدمة على ما عداها في حفلة أو في عرس، ويأتي بعد العالم فلانٌ التاجر وفلانٌ ألخ، أما الآن فإن هذه القيم قد انقلبت تماماً، وصارت المادة هي كل شيء ومن بعد المادة السلطة.. هذا والي.. هذا سفير.. هذا وزير، أي وُجِدَتْ عناصر أخرى تشكل سلم القيم الاجتماعية وتغيرت الأوضاع، وهذه بداية التدهور.
*80 % من سكان العالم العربي يعيشون في أفريقيا وأن 30 % من
القارة الأفريقية يوجد فيها عرب، إذن عندما نقول عربي نقول أفريقي في نفس
الوقت، والحاصل هو وجود خطة سياسية معينة من طرف الدول الاستعمارية وغيرها للتفرقة،
والقول بأن هناك عربا من جهة وأن هناك أفارقة من جهة أخرى، أو القول بأن هناك
أفريقيا جنوب الصحراء وأفريقيا السوداء أو هناك أفريقيا البيضاء وأشياء أخرى من
هذا القبيل، أظن أن أي عربي وَاعٍ بما في ذلك عرب من المنطقة الأسيوية كالإخوة في
سوريا ولبنان والعراق والخليج العربي كله، عليه أن يعتبر أن الوجود العربي كوجود
أفريقي هو في مصلحة العالم العربي كله، كذلك يعطي جزء من العالم العربي في آسيا
أهمية للاندماج بين القارتين والحضارتين الأساسيتين في تاريخ الإنسانية (الأفريقية
والأسيوية)، فالعربي هو عربي وأفريقي-آسيوي، وأفريقي.. وآسيوي، ولذا يلزم ألا نفرق
بين العربي والأفريقي مثلما يدفعنا إليه الإعلام الغربي وبعض السياسات. من جهة
أخرى لا أظن أن للعالم العربي أية آمال في أية تنمية، بل في أي وجود في القرن
الواحد والعشرين إلا عن طريق التعاون جنوب/جنوب، علاوة على اتباع ما قلناه حول
الاعتماد على النفس، وكذلك التعاون مع بقية دول العالم الثالث، ولكن تظل الأسبقية
للتعاون مع الدول الأفريقية والأسيوية.
*حين كنت في اليونسكو مكلفا بالثقافة
كان André
Malraux هو
المسؤول في حكومة ديكول عن الثقافة، كان الحديث عن قانون 1 % أي
أن واحدا في المائة مما تصرف الدولة على البنايات الرسمية والحكومية يمول الفنون
لتشجيع الخلق والإبداع في البلاد.
*أتحدى أي واحد يعطيني أسماء رؤساء دول في
أي بلاد دون أن يخطئ، لكن في الميدان الفني أذكر شوبان، أذكر موزارت، من يتذكر أي
شيء في تاريخ إسبانيا المعاصر والحرب الأهلية إلا لوحة الكرنيك لبيكاسو؟ ومن لا
يتذكر بالمغرب دور أناشيد الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي في الحركة الوطنية إبان
الاستعمار؟ هي قضية تربية وتوفر الأرضية.
*أتمنى أن نحارب الجهد الفني عند المسيرين
في المغرب أو غيره، وأظن أن الجهل الفني يُوصل في بلاد متخلفة إلى الحكم، في بلاد
متقدمة الوصول إلى الحكم فيه شروط ضرورية بديهية، ماهي ثقافة المرشح، وما وجه
تعامله مع الفن؟ وفي ديننا القول "إن الله جميل يحب الجمال"، لكن
الاستعداد الفكري للتعامل مع الفن ومع الجماليات، هذه ليست قضية تربية فقط بل قضية
نمو مجتمع وتربية فنية، ليس لدينا في أي برنامج من البرامج التعليمية أو العليا أي
مخطط دقيق وناجع في بيداغوجية الجماليات؟ هذا هو تخلفنا، والتناقض هو أنه في الوقت
الذي نعيش هذا التخلف على مستوى مجتمعاتنا وعلى مستوى السياسات الحكومية نرى أن
لنا أناس مبدعين، ولكن الشيء الذي أخشاه هو أن هؤلاء المبدعين إذا لم يجدوا المناخ
داخل بلدانهم سيهاجرون للخارج مثلما حصل للمهندسين والكفاءات التي لم تجد المناخ
المناسب وهذا هو الخطأ.
*الأدب يبدأ لما يكون هناك نقد أدبي، والفن
يبدأ عندما يكون هناك نقد تشكيلي، لا أظن أن لنا ثلاث أو أربع أو على الأكثر خمسة
بالمغرب من الذين يمكنهم أن تكون لهم إمكانيات في النقد، هذا عمل يتطلب ثقافة
وعلما، تاريخ الفن وكيف تطور هذا يطالب نوعا من علوم المجتمع ويعرف كيف يتصرف مع
فنه، يطالب دراسة للقيم وكيف هذه القيم، نجدها أو لا نجدها في اللوحة وكيف يتطور،
هذا يطالب ارتباطا بين العلاقة بين الفن التشكيلي والفنون الأخرى.
*إذا أردت أن تفهم الشعر اذهب وانظر إذا ما
كان في الفنون التشكيلية وفي الموسيقى، لأن في الخلق والإبداع هنالك ارتباط حسمي
وضعي ما بين الإنتاج كإنتاج، ولا يمكن أن نقسمه إلى أطراف كموسيقى وفن تشكيلي،
طبعا لكل مجال شروطه وذاتيته.
*صعب تصور الحياة بدون جمال، من الصباح إلى
المساء، الجمال في الطيور، في النجوم، في السماء وفي البشر.
*لا يهمني أن يعجبك الملحون، أو الجاز أو
البوب، المهم أن يكون لديك ارتباط وإحساس بالأشياء التي تثير، لأن هذا هو البرهان
في الوجود والحياة، وهذا هو دور الفنون التشكيلية وليس أي شيء آخر.
*دور الفن في التنمية في كل شيء أساسي، لأن
فيه الإحساس، فيه التعبير عن الواقع، وفيه أيضا الحلم، وبدون حلم لا يمكن أن يكون
أي تقدم، وبدون تقدم لا يمكن أن يكون هنالك أي عطاء حقيقي، ولهذا فإن البلدان
والتاريخ يشهد بشيء.. يشهد للحضارات على حسب ما خلقته من فنون جميلة، ومن فنون
أدبية، ومن فنون.. جميع أنواع الفنون،
ولهذا أظن أن الفن دوره هو الابتكار، وبدون ابتكار ليس ممكنا أن نتكلم عن تنمية كيفما
كانت.
*إثنان في حياتي أعطياني درسا في الإهتمام
بالفنون، إسم الأول هو Kenzo
Tanguy،
وهو أكبر معماري في تاريخ القرن العشرين، عمره سبعون عاما، وكنت أتكلم معه وقال
لي: "هل تعرف الفرق بين المهندس المعماري المبدع وغير المبدع"، واستطرد
قائلا: "المهندس المعماري غير المبدع يبدأ بالجذور ويرسم ويصمم البناية كما
يراها، أما المهندس المعماري العبقري فيبدأ بالتصميم ويرى الفراغ ويبني
حوله"، لدينا أول الإختصاصيين في الموسيقى ألا وهو الفارابي، كان يستعمل نفس
العبارة بطريقة أخرى، العبارات التي استعمل في كتابه عن الموسيقى ما بين نقطة
ونقطة يقول هذا هو التركيز، فبدون هذا الفراغ ليس هناك موسيقى، وهذا الفراغ هو الذي
يعطي القيمة لما فيه، هكذا تكلم Tanguy.
*الصراع الحقيقي بين الدول قائم أساسا على القيم وليس على الدفاع عن مصالح اقتصادية وهو ما يسمى بالاستعمار الحقيقي الجديد.. الناس لا تذهب إلى الحروب من أجل مصالح اقتصادية وإنما من أجل القيم التي يريدونها أن تهمين على العالم، وفي هذا الصدد فإن الحرب التي خاضتها مثلا الولايات المتحدة الأمريكية على العراق هي دفاع عن القيم الأمريكية التي يريدونها أن تسيطر على العالم.. الجنوب له قيمه والشمال له قيمه أيضا، وهذه الهيمنة على القيم هي الاستعمار الحقيقي الجديد.. والشعوب تعيش فجوة لما تشعر أن قيمها لم تُحترم، وأن العلاقة العاطفية بين مجتمعاتها وحضاراتها تنفصل مما يضطرها إلى أن ترتمي في أحضان قيم أخرى.. هذا هو الاستلاب.. والحوار شمال جنوب غير ممكن لأن الشمال لا يمكن أن يقبل بقيم أخرى غير قيمه.. وجورج بوش الأب عندما أعلن الحرب على العراق سنة 1991 قال لا أقبل أن يكون هناك أحد يغير حياتنا وقيمنا.
*الذي وقع هو أن حوالي 200 ألف
قطعة أثرية كانت موجودة بالمتاحف ضاعت إما عبر سرقتها أو تدميرها.. هناك مكتبة
مشهورة ببغداد هي المكتبة الوطنية العراقية احترقت بداخلها الكتب.. وهناك نسخة من القرآن
مكتوبة بخط سيدنا علي أُحْرِقَتْ.. هذه وحشية مورست من طرف الجيش الأمريكي ومن طرف
الحكومة الأمريكية.
*حين يصبح اللاَّنِظَام هو المهيمن بالأمم المتحدة، وتقوم
دولة كالولايات المتحدة بدون اتفاق دولي بالهجوم على دولة أخرى وتقتل منها عشرات
الآلاف، ولا تحترم الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية لاهاي، وتكسر 200 ألف
قطعة جمعت خلال 7 آلاف سنة، وتحرق الكتب.. أي أمل يبقى في دولة مثل هذه؟
*وفقا للقانون الذي يعاقب من لا يقدم المساعدة لشخص في خطر، يجب أن تُعَاقَبَ اليونيسسكو على عدم تقديم المساعدة للتراث العراقي الذي داهمه الخطر الأمريكي وأتى بالفعل على جزء كبير منه.
*السرعة التي وقع بها صدام كانت متوقعة، رغم أنني لا أحب التحدث عن الأشخاص، أنا كتبت مئات ومئات المواضيع حول بغداد والعراق ولم أستعمل في أي واحد منها إسم صدام حسين، هذا الاختزال الذي فرضه علينا الغرب، حيث عوض أن نتحدث عن عراق العراق نتحدث عن عراق صدام حسين ومصر مبارك وسوريا الأسد.. صدام حسين أحضره الغرب لغرض معين: لمحاربة المسلمين في إيران، وما فعله الأمريكان مع صدام هو نفس ما فعلوه مع ابن لادن، الذي أتوا به لغرض معين من أجل إشعال الحرب في أفغانستان، ولما انتهت مهمته انتهى، المفاجأة في سقوط النظام العراقي هي في السرعة، فمن الناحية الاستراتيجية استعملت أمريكا الطائرات بدون طيار التي ضَحَّتْ بعدد كبير منها، والدفاع العراقي أطلق النار عليها ظنا أنها تحمل طيارين حقيقيين، وبهذا الشكل كان يكشف عن أماكن دفاعه للعدو، من جهة أخرى الجيش العراقي اتخذ المطار رمزا للدفاع فبقيت بغداد مكشوفة (فارغة في النص الأصلي) تقريبا مما سهل الدخول الأمريكي إليها، أُضِيفُ شيئا آخر فمن سلبيات الديكتاتوريات هو عندما يكون الحكم مركزا كلية بيد رجل أو إثنين أو ثلاثة ولا تجد التفويض للآخرين، فهذه المركزية القصوى التي هي جزء من الديكتاتورية، فإن كانت تنفع عسكريا أحيانا، فإنها لا تنفع عندما تأتي ظروف تُحَتِّمُ توزيع الأدوار وتفويض السلطة، وهذا ما لم يقم به صدام، وهو ما ترك فراغا في السلطة.. وليس هناك أي توزيع أدوار في أي دولة عربية أخرى.. ننظر إلى العكس في أمريكا، فالجيش الأمريكي كان مسيرا من البانتاغون من جهة ومن البيت الأبيض ومن القاعدة في قطر وغيرها، وما يُتِيحُهُ هذا من تبادل للمعلومات، شأنه في ذلك شأن فريق لكرة القدم، كل واحد يفهم دوره جيدا.. طبعا الناس لا تعرف الدور الأساسي الذي لعبه الجيش الإسرائيلي لأنه كان دائما يتدرب في غزة وفي جنين على الحرب بين الجدران، ويقال إن أول دبابة دخلت إلى بغداد كانت إسرائيلية.
*ما رأيناه في القنوات ما هو إلا رواية.. العراقي لا يمكن أن يمس تراثه.. لقد أمضيت سنوات في اليونيسكو وأعرف أن العراقيين لا يمكنهم فعل ذلك، أولئك الذين رأيناهم في التلفزات هم مُسَخَّرُونَ وَمُرْتَشُونَ وَمُرْتَزِقَةٌ للقيام بذلك، لكن الجيش الأمريكي هو الذي ضرب وهاجم قلب المتحف، وَانْتَقَى بعض النفائس والأشياء الثمينة من المتحف وهَرَّبَهَا، وحين قال جاك شيراك إنها جريمة ضد الإنسانية كانت الجملة الشجاعة الوحيدة، لقد أمضيت 20 سنة في اليونيسكو وخمس سنوات في قطاع خاص بالثقافة، وأقول إنها جريمة ضد الإنسانية شاركت فيها اليونيسكو نفسها، ولم أكن أتصور أن يكون موقف هذه المنظمة غائبا لهذه الدرجة التي تتذرع بأنها لا يمكن أن تفعل شيئا، أما نحن في المغرب ففي عالم آخر من المهراجانات والأنشطة التي لا علاقة لها بالثقافة، وهذا هو التخلف الذي قلت عنه دائما أنه يظهر من خلال القيمة التي تُعْطَى للذاكرة، ونحن ليست لدينا ذاكرة ونعيش على النسيان والتخلف.
*أمريكا لم تفكر أن صدام حسين ديكتاتوري بالنسبة إلى شعبه، فالديكتاتورية لا يحس بها إلا الشعوب.. هل هناك بلاد عربية أو مسلمة واحدة ليس بها نظام ديكتاتوري؟ أتحدى أي واحد أن يأخذ الخريطة العربية الإسلامية من مليار و600 مليون عربي ومسلم ويشير بأصبعه قائلا هنا بلاد غير ديكتاتورية.. سنرى الآن السرعة التي ستتأسس بها حكومة في العراق، وكيف أن جميع الدول العربية ستعترف بها استجابة لتعليمات الولايات المتحدة.. الديكتاتورية مفروضة علينا من الغرب، والغرب لن (لا في النص الأصلي) يسمح لأنظمة ديمقراطية حقيقية، لأنها إن وُجِدَتْ فستبني نفسها بنفسها ولن تحتاج إلى مساندة من الخارج، ولا يمكن لنظام ديمقراطي عربي أن يبقى في الحكم لسنوات طويلة، ولا يمكن أن يأتي على يد الأمريكان إلا ما هو أكثر ديكتاتورية، فاسم الْجَلَبِي مَعْرُوفٌ أَنَّهُ لِصٌّ نَصَّابٌ مُحْتَالٌ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ.. الديمقراطية التي يصبو إليها العراق ليست ديمقراطية الأكل السريع مثل ماكدونالدز وبيتزا هوت.
*يقول المهدي المنجرة رحمة الله عليه بكثير من الألم
والحسرة وهو يُشير إلى أحد المجلدات: هذا كتاب مهم أنجزه الدكتور ثروت
عكاشة وزير الثقافة المصري السابق رحمة الله عليه على نفقة اليونيسكو إسمه "تاريخ الفن العراقي القديم سومر وبابل وأشور".. عندما تدخل إلى متحف في
بغداد يحصل لديك شعور من الصعب وصفه، يحصل نوع من الاندماج يجعلك لا تنظر إلى
اللوحة ولا إلى الكتاب ولا إلى التمثال، تتراءى لك أشياء أخرى من ورائها، ترى
الصحاري والجبال والأزمنة، هناك تواصل بين العصور يبدأ بمخطوط عمره 7000 سنة
وينتهي بتحفة تعود إلى سنة واحدة في نوع من التسلسل والمنطق، تماما مثل النحو الذي
وُلِدَ في العراق والذي خضع للتركيب والتطور، كذلك شأن الآثار وشأن الموسيقى والفن
والمقامات النادرة، وشأن أحسن مدرسة للفنون التشكيلية في الوطن العربي.. هناك
عواصم عالمية تُحْدِثُ تجاوبا روحانيا خاصا لزائرها مع الخلق والإبداع، والأمريكي
مهما وصل من التكنولوجيا والغنى والعلم لا يمكن أن يفهم الحضارة والثقافة، فهما
جزء من الروح وليس من العقل، ومستوى الجنود الأمريكيين للإشارة في 90 % منهم لا يتجاوز الدراسات الثانوية، فكيف يمكن لهم أن يفهموا الحضارة
والتراث، وإذا سألت أي واحد منهم عن سومر فلن تجد جوابا طبعا، ويمكن ألا تجد
جوابا حتى عند رئيسهم (رئيس الجمهورية في النص الأصلي)، الْجَهْلُ كَانَ دَائِماً أَبُ الْمَصَائِبِ.
*أقول بكل صراحة أن درجة الانحطاط بلغت
مستوى كبيرا، لا فيما يخص التلفزة، ولا فيما يخص الإذاعة.
*يكفيني هذا عن رؤية التلفزة والإذاعة
وللأسف حتى عندما تتناول التلفزة موضوعا نجد المرجعية تعود دائما للأجنبي أو
لبرامج أجنبية أو لنقاش أجنبي، وكأن هذه البلاد المسكينة ليست لها أية وسائل وأي
فكر وأي إبداع.
*المسؤول عن تمييع التلفزة المغربية هو أنا وأنت و30
مليون مغربي بما يُبَثُّ في التلفزة، وأتحفظ على 30
مليون نسمة لأن عددا من المغاربة لا يتوفرون على الكهرباء والماء، وبالتالي أظن
أنه لدينا التلفزة التي نستحق والموسيقى التي نستحق والانتخابات التي نستحق.
*كان للإعلام الدور الأساسي والمباشر لنفاذ
العولمة إلى مجتمعات دول الجنوب عن طريق الغزو الإعلامي وما رَسَّبَهُ من أفكار دعائية
عن العالم الغربي، الشيء الذي أدى إلى تفشي ظاهرة الاستلاب الفكري والانسلاخ
الثقافي، واستبدال ثقافتنا وأفكارنا بثقافة وأفكار الغير، وللأسف ساهم إعلام هذه
الشعوب في تكريس هذه الظاهرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العولمة تم تحضيرها مع
بعض رؤساء حكومات العالم الثالث والطبقات المستغلة لاستقلال بلدانها، وكذا بعض
النخب الثقافية المرتزقة التي مهدت وسهلت عملية اختراق العولمة لمجتمعاتنا حتى
تحمي نفسها ومصالحها على حساب شعوبها.
*لم ينعم الأفارقة بعد بخيرات
إفريقيا، لأن الموارد الطبيعية لم تُسْتَغَّلْ لصالح الشعوب الإفريقية، بل لصالح
المرتزقة والشركات المتعددة الجنسية، وبعض المستثمرين الذين يدعون أنهم أفريقان
ويملكون المزارع ويتاجرون بواسطة عقود في الخير الإفريقي.
*قضيت جزءا كبيرا من حياتي أعمل في الأمم
المتحدة، وفي الذكرى الخمسينية للهيئة قُمْتُ بدراسة استخلصتُ منها أن إمكانية إصلاح
الهيئة باتت محدودة وبالتالي مُعَطَّلة، وإذا تعطل الإصلاح تنتهي صلاحيته كحلٍّ ليحلَّ
محلَّه التغيير، والغريب في الأمر أن البناية عينها تتعرض جدرانها إلى التفتت كما
يتعرص جهازها الداخلي إلى الانهيار. ونلاحظ جميعا أن كلا من ميثاقي العصبة والأمم
المتحدة هما من نتاج حضارة غربية مسيحية-يهودية. فالميثاق الأممي لم تحضر توقيعه
كافة بلدان العالم، وهو اليوم أصبح عبارة عن وثيقة غربية، صالحة فقط للحفظ داخل
أرشيفات متحف لاستخدامها عند الاقتضاء في الأبحاث حول أركيولوجيا العلاقات
الدولية.
*إسرائيل
تمتلك دياسبورا (1) للمعلومات
منتشرة عبر أرجاء العالم، وشبكات أخطبوطية مخابراتية واتصالاتية وإعلامية ومالية،
تحققها عبر الالتحام مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسخر أقمارها الاصطناعية
للتجسس على الدول خدمة لإسرائيل، إنهم شعب يجتهد من أجل أحلامه وإن كانت خُرَافة،
فهم يستنفرون جهودهم ويحشدون العدة والعتاد بدعم غربي طبعا، للوصول إلى المناصب
العليا النافذة في كل المجتمعات، فأغلب مراكز الدراسات الإستراتيجية بأوروبا
وأمريكا يترأسها مسؤولون ذوو أصول يهودية، ويسيطر اليهود سيطرة كاملة على أكثر
من 220 صحيفة يومية
ومجلة أسبوعية أو شهرية أو دورية في أمريكا، ويكفينا مثالا الرموز الكبرى للصحافة
الأمريكية 'نيويورك تايمز' و 'واشنطن بوست'.
*إن أكبر فوبيا تقض المضجع الإسرائيلي بما
فيه الأمريكي، وتؤرق هناءة استراتيجيتهم التي تَنْكَبُّ دون انقطاع على تحضير
الدراسات والخطط والبرامج التي تُبْعِدُ العرب أكثر وأكثر من مسارات الديمقراطية
والتنمية، هي تحرير الشعوب، فتحرر العالم العربي هو بمثابة كابوس تحيا هواجسه (إسرائيل)
يوميا، لأنه إذا نحقق على أرض الواقع فلن تتمكن من لَيِّ الذراع العربية.
*نحن لن نهزم إسرائيل إلا بالتوحيد وتلاحم
القيادة والشارع العربيين عبر مصداقية السلطة المخلصة لشعوبها وليس لمستعمريها،
عبر المشاركة الشعبية والديمقراطية الفعالة، عبر انتخابات نزيهة واحترام القيم
والحريات والتمسك بالهوية، عبر الاهتمام بالعنصر البشري والبحث العلمي وتشجيع
الإبداع والخلق والاعتماد على الذات والكفاءات المحلية، لكن للأسف هذه المؤشرات ما
تزال ضعيفة ولم تكتمل ملامحها بالمجتمع العربي الحالي الآن.
*إذا لم يكن هناك اهتمام بالإنسان لن تكون
هناك أية تنمية، ولن نحرز أي تقدم على جميع الأصعدة الاقتصادية، والسياسية،
والاجتماعية…ولا أظن أننا سنصل إلى أية نتيجة فعَّالة في هذا النظام ونحن نرفل
في الكم الهائل من التخلف وتمظهراته، وسنؤدي ثمنا باهظا جرَّاء الإهمال الحاصل في
ميدان التعليم والتربية الذي يُعَدُّ قضية رؤية وإرادة سياسية، فلا بد من الاهتمام
بالتعليم بعيدا من الأهداف والمصالح
السياسية، وعلى الانتهازيين إعلان الهدنة في هذا المجال الذي تُسَطِّرُ مخططاته مستقبل
الأجيال وبالتالي مصير الأمم.
*يعاني العالم العربي من عدم وجود رؤية وأيضا
من وجود أزمة فكر أنبتها المناخ الإقطاعي والاقتصادي والارتزاقي والانتهازي، فلقد
قلت في الحرب الحضارية الأولى: "إن غياب البحث العلمي أمر طبيعي لدى الشعوب
الأمية، لأن البحث العلمي يحتاج-إلى جانب حرية الرأي وتمتع المواطنين بالحقوق- إلى
مناخ علمي وإلى أُسُسٍ تربوية تُحَفِّزُ على الإبداع وتشجيع الابتكار، فالبحث العلمي
لا يحظى بالاهتمام في بلدان العالم الإسلامي ولا يُستثمر فيها، نظرا إلى انعدام
مناخه والرغبة في التشجيع عليه، وينتج عن ذلك نزيف مستمر للعقول المبدعة التي
تجلبها العناية والإمكانات بالخارج، ويرهقها تفسخ المجتمع وسيادة الرأي المستبد
فيه، المانع لكل جَوٍّ علمي".
*يجب أن نعلم أن فلسطين لا تحارب شارون
وجنوده فقط، ولا تحارب 6 ملايين
يهودي موجودة علي أرض فلسطين أو حتى 12 مليون
يهودي الموجودين في كل أنحاء العالم، فلسطين تحارب الصهيونية العالمية ومعها
أمريكا، والصهيونية قد توجد في أي نظام حتى وإن بدا أن لا علاقة له به، وأنا أري
أنه من بين أعداء الشعب الفلسطيني أناس مسؤولون عنه، وآخرون يدعون الدفاع عن
قضيته، فليست هناك قضية اسْتُغِلَّتْ سياسيا كما هو الحال بالنسبة لقضية فلسطين، وليست
هناك قضيت اسْتُغِلَّتْ لاستجداء المساعدات كما هو الحال بالنسبة لها، منظمة التحرير
وجزء من قيادات الشعب الفلسطيني يتحملون مسؤولية كبري، الحكام العرب مسؤولون،
استغلوا القضية أبشع استغلال ولم يقدموا من أجلها شيئا، الحل ليس داخل فلسطين
وحدها، الحل في تغيير جذري للأخلاق السياسية في العالم العربي.
*الرئيس مبارك هو آلة الإمبريالية وشرطي
أمريكا في الشرق الأوسط، ومعه حكام عرب آخرون، كلهم تواطؤوا ضد شعب فلسطين وأرضه،
وهناك مهزلة الجامعة العربية، التي ليست سوى آلية للسياسة الخارجية البريطانية،
وأصبحت فرعا من فروع البنتاغون الأمريكي والبيت الأبيض.. إن الذين يحاربون فعلا
فلسطين هي الدول العربية وحكامها والجامعة العربية وما بسمى بالمؤتمر الإسلامي.
*إن الشعب الفلسطيني أعزل في مسيرة جهاد،
من المفروض على كل العرب قيادات وشعوبا أن ينخرطوا لدعمه. فإشكالية القضية
الفلسطينية في مناخها العربي والشرق أوسطي تكمن في مجابهة الفلسطينيين وحدهم للمدافع
والرشاشات الإسرائيلية، والشعب الفلسطيني يعاني الوحدة في الإطار الرسمي داخل
أراضيه، إذ لم يوافق الفلسطينيون على أية مرحلة من مراحل مسلسل السلام، ولم تُسْتَشَرْ القيادة
فيما يتعلق بمفاوضات واشنطن وأوسلو ومدريد، فكل هذه الاتفاقيات هي مرفوضة كما رُفِضَتْ كامب ديفيد من قبل، ولكن القادة يباركون السياسات التي لا تمثل إرادة شعوبهم وتحقق
إرادة (إسرائيل) وأمريكا والغرب أجمعين. ولذلك فلسطين تعيش عزلة من شقين: أولا لا
يوجد اتفاق بين الشعب والهيئة الرسمية التي تمثله أي منظمة التحرير الفلسطينية،
ثانيا لم تساند الحكومات العربية الشعب الفلسطيني. كما أن المنظمة لم تُعَبِّرْ عن
الألم الحقيقي لشعبها، فقط وحدها الشعوب هي التي أحست بحراح بعضها البعض. إذن هذه
القضية تشكو من وحدة معقدة ومزدوجة على المستوى المحلي والعربي والدولي أيضا.
*على مستوى القضية الفلسطينية، تحرك المسؤولون العرب والمسلمون عبر ما يسمى المؤنمر الإسلامي، لصالح (إسرائيل) والاستعمار، وأؤكد أن 90 % من المسؤولية عن الوضع كما نعيشه الآن يرجع للحكومات الإسلامية والعربية وعلى ما يسمى منظمة التحرير الفلسطينية، لكونهم عَبَّدُوا الطريق للاستعمار الصهيوني كي يتوغل في المنطقة العربية ويشتت الوحدة العربية.
*أنا كإنسان من العالم الثالث وكأمازيغي
وكمغربي وكأفريقي وكعربي لا يمكنني أن أعتبر نفسي متحررا إلا إذا تحررت فلسطين.
*أماط التاريخ العربي المعاصر في مجال
الدفاع، عن حقيقة استخدام الحكومات العربية للأسلحة ضد شعوبها، بدل استخدامها
للدفاع عن المصالح والمقدسات، وهذا ما يفسر الغياب التام لأية سياسة تنسيقية بين
الدول العربية على هذا المستوى، ولا وجود لأية مؤسسة أو حلف أو مشاريع موحدة
بالمنطقة، بل إن مشاريع الدفاع الوحيدة بالمناطق العربية أجنبية.
*الكل بات اليوم مدركا لمدى ترهل الوضع
العربي، وأن الصورة تمزقت وتشرذمت أشلاؤها أكثر فأكثر، نتيجة غياب المصداقية
والمشروعية على جميع المستويات وتحديدا عملية الانتخابات التي تُعَدُّ مهزلة
سياسية حقيقية ومؤلمة جدا، حيث يتم الاستخفاف بإرادة الشعب من طريق وَهْمِ المشاركة.
فسياسيونا يخادعون شعوبهم وتلك النسب المتجاوزة ل 99% هي أبرز دليل على عدم احترام ذكاء المواطن وإرادته والاعتقاد بأنه ساذج
وسيبتلع اللعبة دون نقاش أو مسائلة، وهذا ما يُفَضِّلُهُ الغرب، لأن التعامل مع بلدان من
هذه العينة يُسَهِّلُ عليه مأمورية الاستفحال والنفوذ إلى أحشاء مجتمعات العالم الثالث
بما فيها العربية من طريق ترسيخ النزاعات الداخلية وإيقاظها ومباركة الشقاق
العربي. وقد أفلح الغرب، منذ أيام سايس بيكو، على إبقاء الخريطة العربية بعيدة من
أي نسق، وبالتالي إبعاد وتمزيق أوصال الإخوة العرب عبر زرع بذور البين وريها، وخصوصا
في الشرق الأوسط، هذه البؤرة المحمومة دائمة التوتر والاشتعال، وإذا كانت التفرقة
هي أساس وقوام الاستراتيجيات الاستعمارية لدول المركز في اقتحام واجتياح شعوب
الهامش، فهذا لا يَنْفِي مسؤوليتنا في تمكين الغرب من تحقيق سياساته.
*إن عنصر الميتولوجيا يجب أن يؤخذ بعين
الاعتبار في تحليل أبعاد السياسة الدولية لبعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية،
لأنها من عينة القوى العظمى المؤمنة بالحروب كمبرر للوجود وكلغة تتماشى مع ما
تحتكره من آليات القوة، أما السلام في عقيدتها فهو إرادة الضعفاء، وخيار يرتكن
إليه غير القادرين أو العاجزين عن الارتماء في ساحة الوغى.
*الغرب متغطرس ثقافيا لأن فضاءه الزمني
التاريخي محدود، حين تذهب إلى العراق أو الصين أو إلى أمريكا الجنوبية ثمة ثقافة
متجذرة ومتطورة، في الولايات المتحدة تجد بالمقابل الأكلات السريعة (فَاسْتْ فُودْ Fast food)،
إن التقدم العلمي لا يعني آليا امتلاك ثقافة التواصل مع الآخر، أنا أعتقد أن
العالم يعيش حالة انفجار، وهنا أعود لتعبير ‘الانتفاضة’، فالانتفاضة انفجار يحدث
حين يبلغ السيل الزبى، ثمة ظلم هائل في العالم، ومن اللازم إيجاد الحلول كي يكون
كل الناس رابحين وكي لا يكون هناك خاسر.
*إن عبارة (الحرب الصليبية) التي تبناها
بوش الإبن في خطابه وإن بصورة عابرة فهي تبين ما ذهب إليه من قبله إبن خلدون حين
قال بأن القوي يفرض على الضعيف المنهزم قِيَمَهُ وَعِبَارَاتِهِ وَلُغَتِهِ، وهذا
الأمر ينطبق على دول الجنوب، وينطبق أيضا على نظام الأمم المتحدة الذي أثبت صراحة
سيره هو الآخر صوب نهايته.
*ستكون هناك حرب طويلة مع الغرب، وقد تدخل حروبا صليبية
"جديدة"، وأسميتها حروبا صليبية تاسعة، وإذا كانت الحروب الثمانية
الأولى لم يَتَعَدَّ عدد ضحاياها 100 ألف، فإن المسلمين فقدوا في ظرف عشر سنوات 10
ملايين ضحية، بمعدل مليون مسلم كل سنة، والعدد قابل للارتفاع مع وجود حكام مسلمين
مستعدين للمشاركة والتحالف مع الغرب.
*سيطر الخوف على العالم (الخوفقراطية)،
ولذلك نلاحظ أن 80 % من
البحث العلمي بأمريكا يخص المجال العسكري، إن ما هو واقع الآن في العالم ليس هو تَأَخُّرُ أمريكا وتقهقرها، وإنما صعود الصين وآسيا تدريجيا وبصمت وبدون هرج ومرج.
*منذ عقد الثمانينيات ظل الغرب يعيش في خوف
من ثلاثثة أمور: الديمغرافية والإسلام واليابان، وقضية خوفه من الإسلام هي واضحة
الآن للعيان أكثر من أي وقت مضى، إلا أن القضية الحقيقة ليست قضية دينية، وإنما هي
حضارية، فمن الناحية الدينية الإسلام دين محفوظ، وسيظل كذلك أراد من أراد وكره من
كره.
*الانعطاف الذي طبع تعامل الغرب مع العالم
الإسلامي بدءاً من سنة 1976 عندما
اتضح أن عدد المسلمين -ولأول مرة في التاريخ- فاق عدد المسيحيين في العالم (965
مليون مسلم مقابل 950
مليون مسيحي كاثوليكي)، وهذا ما دفع صانعي القرار في الغرب إلى رسم المخططات ووضع
السياسات الرامية إلى الحد من انتشار الإسلام ومن تصاعد عدد المسلمين عبر العالم.
*إن التعليم مرآة المجتمع في وقت معين، كما
يعد مبلورا للرؤى والمقاصد والأهداف، إنه شمولي، وشموليته هاته تحتاج إلى رؤية
ونظرة مستقبلية، لما له من أهمية وبالغ الأثر على الأجيال الصاعدة، وهذا ما يسمى
بالتعاضد في الزمن، والتضامن مع الأجيال معناه المشاركة والمساهمة في بناء الرؤية،
وليس خطة مفروضة من لدن خبراء أجانب كخبراء البنك الدولي أو من يعتقد نفسه خبيرا.
*مصير ثقافاتنا الوطنية رهين بتطهير
أجوائها من المثقفين المرتزقة، وبدحر كل ما هو دخيل على أفكارنا، حتى نبني لشعوبنا
أرضية ثقافية قوامها الأمانة في العمل الفكري لِتَنْعَتِقَ من الاستلاب الفكري والانسلاخ
الثقافي.
*لا أعتبر أن هناك بلدا عربيا واحدا مُحَرَّراً،
الدول العربية ما زالت مُسْتَعْمَرَةً.
*نحن في بلداننا نعاني من أمية هي الأكبر
عالميا، والجهل يستعمل كطريقة للحكم، يستعمل من طرف الحكام، يستعمل من طرف
النخبة التي تستغل هذا الجهل في عدة أشياء أخرى، بما فيها الدين.
*إن حكامنا يقبلون الذل ممن هم أقوى منهم،
وبالخصوص من أمريكا وإسرائيل، وحين يقبلونه يسقطونه علينا كشعوب، وشعوبنا تقبل
الذل من حكامها، فنحن إذن أمام ذل مركب، إن الأوضاع لا يمكن أن تبقى على هذه
الدرجة، وقد سبق أن قلت إن ما نراه في فلسطين وما سنراه في العراق، هي بداية..
أنا لا أتصور بشرا باستطاعته أن يعيش بدون فكرة وقيم خاصة بالكرامة، نحن الآن
نؤدي الثمن عن الإهانة التي أَحَسَّتْ بها شعوبنا أيام الاستعمار، وعندما رحل ذلك
الاستعمار، جاء استعمار جديد مُشَكَّلٌ من تحالف بين الاستعمار القديم وبين حكامنا
الجدد، الذين عملوا على إفساد شعوبهم، بعد هذا جاءت العولمة ودخلنا إلى نفس
المسار، فإلى أين التوجه؟ الآن انتهى دور الشعوب في دفع الثمن، فقد ساهمت بما
استطاعت، ولا يمكن لها أن تستمر في نفس النهج.
*إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بهدم
الأسرة، وهدم التعليم، وإسقاط القدوات والمرجعيات، ولكي تهدم الأسرة عليك بتغييب
دور الأم، اجعلها تخجل من وصفها بربة بيت، ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم، لا
تجعل له أهمية في المجتمع، وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه، ولكي تُسْقِطَ
القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم، قلل من شأنهم، تشكك فيهم، حتى لا يَسْمَعَ لهم
ولا يَقْتَدِي بهم أحد، وإذا اختفت الأم الواعية، واختفى المعلم المخلص، وسقطت
القدوة والمرجعية، فمن يربي النشئ على القيم؟؟
*تَسَارُعُ التاريخ الناتج عن انفجار
المعرفة في لحظة تتضاعف فيها المعرفة الكلية للبشرية حاليا (عشرة آلاف سنة من
التاريخ) كل سبعة أعوام أو ثمانية، يتم نشر أكثر من ألفي كتاب في اليوم، ومليوني
مقال علمي في السنة وذلك على صفحات 60 ألف مجلة
متخصصة، أي ما يعادل مقالا في كل 15 دقيقة،
وإذا نحن أردنا استعمال خطاب الفيزياء النووية فسنقول أن 'نصف حياة' المعرفة
العلمية يُقدر بسبع سنوات، هذا يعني أن كل شخص-كيفما كان- لا يجدد معارفه خلال
سبع سنوات يسقط في شبه أمية علمية.
*الانتخابات ليست حرة في أي بلد من بلدان
العالم العربي، يجب على عدد من أفراد النخبة الثقافية العربية التخلص من كثير من
عُقَدِهِمْ ورفع اسْتِلاَبِهِمْ الثقافي الموروث منذ العهد الاستعماري إذا كانوا يتمنون فعلا
الانخراط في تنمية الديمقراطية وتطورها في بلدانهم.
*تعتمد الفرنكفونية على مركب النقص فينا،
أكثر مما تعتمد على التعاون الثقافي الحقيقي، ففي الوقت الذي تأتي فيه وزيرة
الفرنكفونية في فرنسا، للدفاع عن الفرنكفونية في المغرب العربي، علينا أن نتذكر
مواقف فرنسا فيما يخص تعليم اللغة العربية لأزيد من مليون من أبناء المهاجرين.. إن
الأمر لا يتعلق بتعاون ثقافي، وبانعدام الرغبة في الانفتاح، بل بسياسة هيمنة تريد
أن تتدثر بلبوس التعاون والانفتاح، سأظل أرفض الفرنكفونية.. وفي رأيي الفرنكفونية
ينبغي أن تُقَاوَمَ وتُوَاجَهَ لكي يتم دفنها، ودفنها على ما أظن آت وهو في
الطريق، وبالتأكيد هناك فئة انسلخت عن واقعها، وتغربت بالتمام، وصارت لا هي
بالعربية الأفريقية المسلمة، ولا هي بالأوروبية المسيحية، ولكنها فئة قليلة العدد إلى الحد الذي لا يُقَامُ لها فيه أي اعتبار، إن فرنسا تقع الآن تحت هيمنة أقوى
بكثير من هيمنتها علينا، وهي الهيمنة الأنجلوسكسونية.. فإذا أخذنا حاليا الإحصائيات،
سنجد أن اللغة الفرنسية تأتي في المرتبة الثامنة عالميا.. فلغة هذا وضعها العالمي،
لا يمكنها أن تفرض نفسها منطقيا على شعوب لا تربطهم بها أية علاقة، فعلى مستوى
الإنتاج العلمي، ليس هناك مرجع علمي فرنسي حقيقي، إن لم يكن مبنيا على مراجع
إنجليزية أو يابانية، لذلك أقول بأن الفرنكفونية لا أفق لها، وليست في مستوى
الرهان الذي وضعت نفسها فيه، فانهيار الفرنكفونية أمر حتمي، والمسألة مسألة وقت،
هل 10 أو 15 سنة؟
لكن المؤكد أن الفرنكفونية ستنهار.
*لا أقبل من أي أحد أن يقول إنها قضية
بيداغوجية وأن لنا مشاكل وأن التعريب صعب، وصعب أن نستعمل اللغة العربية في تعليم
الكيمياء والبيولوجيا، فهذا كلام لا أساس له، لأن التجارب في العالم بأسره برهنت
أنه بدون الاعتماد على اللغة الوطنية، وبدون لغة الأم في تعليم العلوم، لن يكون
هناك تقدم حقيقي، وأستطيع أن أقدم لك نماذج من كوريا وتايوان واليابان وماليزيا
والصين وغير ذلك، هناك ضغط من الخارج، وتخوف من نخبة معينة لها مناصبها ووظائفها،
وحياتها كلها مبنية على اللغة الأجنبية، فالاستعمار كان واضحاً.. راح الاستعمار
وخلف أفراداً معينين قائمين بالعمل.. وأظن أنه لم يَتَبَقَّ وقت للكلام في هذا الموضوع،
لأنها ليست قضية تقنية أو فنية، يجب أن نتفق أنها قضية سياسية.
*أكبر استعمار يواجه المغرب الآن هو
الاستعمار الثقافي والحضاري، ووجود نخبة معينة درست في فرنسا وهي الآن تستولي على
القرار في كل مكان.
*الإهانة التي نعيشها أَصْبَحَتْ جزءاً أساسيا في التركيب العقلاني للمجتمعات العربية، وأهم سبب وراء هذا التطور يَكْمُنُ في أننا نَقْبَلُ بها.. هناك قَابِلِيَّة للإهانة بِفِعْلِ تَكْرِيسِهَا باستمرار، وَنَقْبَلُ بمسؤولين يَقْبَلُونَ بها.
*تنبع الإهانة من إرادة واعية في التعدي على كرامة الآخرين، وليس فقط من الهيمنة، إنها إحدى الأمور الأكثر انتشارا اليوم عالميا بفضل مستخدميها ومن يحافظون عليها، وهو الأمر الذي يثير الأقل فالأقل من السخط من جانب الحكومات والشعوب الْمُهَانة نفسها أو من طرف الرأي العام العالمي.
*هذه إهانة للكرة الأرضية، وكتابي عنونته ب"الإهانة"
لأننا أصبحنا نعيش في العالم الآن ونقبل الإهانة، لم يبق للجماليات والعاطفة
والأسرة والعائلة والبيئة والحيوان مكان، وأظن أن هذه نقطة تحول أساسية في الحضارة
الإنساية.. وأسوأ يوم في تاريخ الإنسانية هو ما حصل لتراث بغداد من محو وإبادة..
العدو يمحو الكتاب ويحرقه ونحن من أهل الكتاب.. ما حصل أكثر من كارثة وأكبر من
زلزال.
*إننا نعيش أزمة أخلاقية حقيقية تُضَاعِفُ من الآثار
السيئة لكل أنواع الذل، وهي ناجمة عن الفقر والأمية والمرض وغياب العدالة
الاجتماعية الكاملة وخرق حقوق الإنسان، وحين تبلغ هذه العوامل جميعها الحد الخَطِر
فإن مظاهرها تتجلى للعيان ويختل الاشتغال الاجتماعي وتكثر الانفجارات والعصيان
المدني والحنق الجماهيري التي تؤدي إلى انفجار النظام، وآنذاك يتعلق الأمر بشرخ في
الكرامة، وهذا ما أسميه "انتفاضة".
*إن هذا التصور الجيوسياسي الثقافي
للفرنكفونية سهَّل المحافظة على إفريقيا يعني لصالح فرنسا، وَأَخَّرَ تكتلها، فهو يروج
لتنمية التخلف بإفريقيا، ويشجع التسول بالصدقة الملفوفة داخل غطاء المساعدات.
*الدول المتخلفة ليست هي التي ليس لها
النفط أو الغاز.. الدول المتخلفة هي التي لها فنانوها وتعيش بدون فن، هذا هو
التخلف وليس شيئا آخر، الفن بمفهوم الجماليات هو أيضا في التركيب العقلاني، في
التعامل مع الجمال، أي واحد يعيش بدون جمال هو بالنسبة لي إنسان ميت حي، وإذا أردت
أن ترى ما هي الحرية وحقوق الإنسان وماهي الديمقراطية، تحكم في الطريقة التي
تتعامل فيها البلاد مع الفن وبالخصوص المسؤولين، إذا أردت أن تجد الخلل أنظر من
يشجع البشاعة.
*إن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي هما
أخطر مؤسستين على حاضر ومستقبل بلداننا، وقد كانا كذلك من ذي قبل، لكن الدول التي
تلجأ إليهما هي التي يجب توبيخها ربما أكثر من تلك التي تقبل طلبها، خطر هاتين
المؤسستين يتمثل في نماذج التنمية التي تفرضها والتي ترهن استقلال الدول المتلقية
للمعونات، ولعل الخمسين سنة الماضية كافية لتوضيح النتائج السلبية التي كانت هاتين
المؤسستين ورءاها، فالحكومات التي لا مصداقية لها عند شعوبها، تلتجئ إلى هاته
المؤسسات كي تساعدها للحفاظ على السلطة وضمان الاستقرار (استقرار مَنْ ولِمَنْ
وَبِأَيِّ ثمن؟) هذا هو السؤال.
*لأول مرة في تاريخ البشرية، يستطيع
الإنسان أن يدمر ذاته، ويدمر نوعه، إما بواسطة القوى التدميرية للأسلحة المتطورة،
وإما بواسطة الاختلالات البيئية للتصنيع السائب، إن التحولات البيئية التي حصلت
خلال المائتي سنة الأخيرة، أي العصر الذهبي للثقافة والحضارة الغربية، وذلك منذ
تحرير الطاقة انطلاقا من المتحجرات قد أحدثت أضرارا أكثر من كل التحولات الأخرى
منذ بداية الحياة على الأرض، والتي تعود إلى أكثر من أربعة ملايير سنة.
*السياحة والاستثمار في البنى التحتية جميل
لكنه لا يُعطي السكان شيئا إضافيا، لكل أفضلياته: التجميل للخارج أو تجميل الدكان
من الداخل، لكن بغض النظر عن ذلك فإن المساحيق لم تُعْطِ يوماً أكلا طيبا.
*أنا شخصيا أحترم العديد من الشخصيات التي
تناضل داخل الأحزاب السياسية، لم أنخرط يوما في حزب سياسي ولم أصوت يوما في
استحقاق انتخابي أو في استفتاء، لأن الظروف الموضوعية لم تكن متوفرة، المشكل مشكل
مصداقية ونزاهة وتناسق بين القول والفعل.
*لنا الإعلام الذي نستحق، الإعلام الذي
يترجم مستوى الأمية لدينا، ليس الأمية على مستوى القراءة والكتابة، وإنما الأمية
بصفة عامة السياسية والخلقية وغير ذلك، الإعلام هو من مؤشرات النمو الاقتصادي، وله
علاقة مباشرة بالقدرة الشرائية، له علاقة بالتنمية الاقتصادية، وبتوزيع الثروة في
بلد معين، وللإعلام أيضا علاقة بالسياسة الخارجية وبالتبعية.
*سندخل في سنة 2014 ومازال
البعض يظن أن السيارة وسيلة لإظهار المستوى المعيشي والافتخار، وليست وسيلة للنقل!
ومازال البعض يظن أن الملابس وسيلة للإغراء وإظهار النفس، وليست مجرد سترة للنفس!
ومازال البعض يظن أن المنازل مكان للتفاخر على الضيوف ولفت الانتباه، وليست مكاناً
للعيش! ومازال البعض يحكم على الناس من خلال مظاهرهم ونسى أن هناك قلب وهناك
عقل! نحن نعيش في مجتمع غارق في حُبِّ المظاهر.
*إن الحرية يعيشها الإنسان ويؤدي ثمنها،
وهي مثل النبات يجب دائما مدها بالماء لتعيش، إذن الحرية مصدرها الشخص وتنمو
بالتربية والتعليم.
*الخطر الكبير الذي يواجهه العالم اليوم هو
الهيمنة الثقافية التي يدفع بها مسلسل العولمة ويشجعه.
*أرفض الانطلاق من أوروبا لتحديد مفهوم
الحرية، إن الحرية عمرها من عمر الإنسان، وهذا الأخير له أكثر من 300 ألف سنة
على وجه الأرض، والحضارة الموجودة والمكتوبة لها أزيد من 10 آلاف
سنة من العمر، ومع كل هذا نأتي وننطلق من أوروبا للتأريخ للتاريخ، إنه الاستلاب
العقلي ومركب النقص اللذين ابْتُلِينَا بهما.
*الحرية لم تتبناها أوروبا أو أمريكا، إنها
تراكم إنساني منذ آلاف السنين، إن الغرب هو الذي حارب الحرية، ولم يُحْدِثْ فيها
تراكما، هو من تسبب في قتل ملايين الهنود في أمريكا، إن الحضارة الإنسانية لها
أكثر من عشرة آلاف سنة وآثارها موجودة في النيبال وفي العراق، تاريخ الثورة
الأمريكية لا يتجاوز 200 سنة،
أما التراكم الإنساني فأقدم من ذلك بأضعاف مضاعفة.
*العلاقة بين المغرب وإسبانيا لا يمكن تحليلها على أساس
ثنائي، لأنه في العالم أجمع لم تعد هناك علاقات ثنائية، والعلاقة مع الدول
الأوروبية أصبحت تُطْرَحُ في شيء يسمى معسكر أوروبا الموحدة.. هناك أهداف مخططة منذ
زمن بعيد، عكس ما هو عليه الأمر عندنا، ليس هناك سياسة حقيقية تجاه الآخر، وهذا
يهم كل الدول العربية، وأكيد أن الضعف الذي نعيشه مرتبط بحالة التشرذم التي توجد
عليها كل دول العالم الثالث، وهذا استغله الآخرون إذ لا يتوانون في تدميرنا، وهذا
أمر مفهوم في العلاقات الدولية، فالدول القوية غالبا ما تعمل على زرع الفتنة بين
الشعوب لإضعافها.
*الذلقراطية عنصر تركيبة خماسية تضم
الجهلقراطية والفقرقراطية والشيخوقراطية والمخزنقراطية (بالنسبة لحالتنا بالمغرب)
هي التي أفرزت مُجْتَمِعَةً التخلفقراطية.
*إن ما ينقصنا هو مناخ الحرية، فبدون هذه
الحرية لا نستطيع فعل أي شيء، لأنها حاجة طبيعية ضرورية لا غنى عنها.
*حين تتشكك في المصداقية فلا شك أنك ستتشكك
في جدوى العمل الرسمي، وفي بعض المستقبل، ويهتز أساس القناعة.. المصداقية كلمة
عظيمة.. بل مدهشة.
*القضاء على الجهل لا يمكن تعلمه في الكتب،
هذه أمور لها علاقة بالقيم وترتيب الأولويات والمعاصرة.
*الأساتذة هم الصدمة الكبيرة في حياتي،
فتسعون بالمائة منهم مرتزقة وباعوا أنفسهم بثمن بخس.
*إن الحكام العرب إنما يهدرون أموالنا في
شراء أسلحة لن يستخدموها في شيء، وإذا استخدموها فسوف يقتلون بها شعوبهم.
*عرفت عبدالله إبراهيم حين اشتغلت معه في
حكومة ما بعد الاستقلال، وكنت مديرا للإذاعة، وهو ليس فقط رمزا من رموز هذا البلد،
ولكن كذلك برهانا ساطعا لرجل ظل يناضل طوال حياته، وأنه هناك بعض الرجال لا يبيعون
ضمائرهم وظل محافظا على كرامته، وحين يأتي ذكر إسم مولاي عبدالله إبراهيم يُذكر
باحترام كبير وخاصة من قبل الشباب، صراحة تاريخ المغرب لم يُكتب لحد الآن، وكل ما
لدينا حتى الآن هو كتاب الاستقصاء وهو آخر ما كُتِبَ، وما عدا ذلك هناك تاريخ
المستشرقين الذين كتبوا التاريخ المعاصر والاستعمار مثل ليفي بروفنسال وبلاشير،
وذلك لسببين أولا لأن عددا من المؤرخين المغاربة اختاروا الكتابة عن التاريخ
المتوسطي، وحين تبدأ بالقرن العشرين واتفاقية الحماية يقف تاريخ المغرب، كذلك راجع
إلى غياب التوثيق والأرشيف الغير موجود، لأن الفرنسيين أخذوا معهم التراث الحقيقي
للمغرب والمصادر القديمة، كما أن هدف المستعمر الأول هو حماية الأشخاص الذين
اشتغلوا معه، وعدد منهم صارت لهم مسؤوليات، ولكن ليست هناك أدلة حول حقيقة المهام
التي مارسوها مع الاستعمار، وأيضا نوع من غياب الشجاعة لدى بعض المفكرين الذين لم
يستطيعوا مواجهة الحقائق، ويبقى السبب الأساسي هو غياب التوثيق وندرة
المعطيات..فماضينا ليس في أيدينا وهو مُرَاقَبٌ من قبل المؤسسات الخارجية، وحاضرنا
الله أعلم، ومستقبلنا يفكر فيه آخرون.
*أظن أن الأزمة الكبيرة في المغرب هي الجهل والأمية، وإذا لم نعط القيمة للموارد البشرية سنبقى متأخرين، ثانيا النموذج التنموي، ما هو النموذج التنموي الذي نبني عليه التنمية؟ وهذا ما هو مفروض علينا من المساعدة الفنية من البنك العالمي ومن الخارج، وليس نموذجا مبنيا على الذات، وحسب تجربتي وحياتي كلها في مجال التعاون الدولي ومع منظمة الأمم المتحدة، أن هناك ضررا كبيرا مما يسمى المساعدة الفنية والمالية وغيرها، لأن التعاون هو أنا في بلاد وأنت في بلاد ونتبادل الخبرات، لكن أن أقبل مشاريع مفروضة علي......ولهذا نرى أن النموذج لم يأت بأي نجاح في أي بلاد، لأنه غير مبني على الاعتماد على النفس أولا، وبعد ذلك يأتي التعاون في المرتبة الثانية.. إذا كنتُ في المغرب يجب أن يكون لي نموذج مغربي يساهم فيه كل المغاربة من جميع التيارات بجميع الأفكار.
*عندما نكون في مجتمع ديمقراطي حقيقي، وليس مجازيا تتنكر فيه الكلمات لمعانيها، فالواجب أن نكون ديمقراطيين أولا فيما بيننا، أما عندما تحافظ على استقلاليتك وعلى نظافة يدك وعقلك، وعندما يعجزون على توريطك في سرقة يتضايقون، أكثر من هذا عندما يجدون ألا مقدس لديك إلا الله، وأنك لا تبايع إلا الله وأنك لا تسجد إلا لله فإنهم يشعرون بالارتباك.
*أنا من ناحية معينة قد أُعْتَبَرُ "رِجْعِيّاً" لأنني أومن برضا الوالدين، لدي وصية من الوالد رحمه الله تقول: "لا تدخل يا بني إلى أي إطار أو حلقة أو زاوية أو حزب أو نادي غير مفتوح لخلق الله"، وأنا في هذا السن ما زلت متشبثا بهذه الوصية الغالية، ولهذا لن تجد إسمي في أي حزب أو نادي للغولف أو الروتاري، نعم ناضلت في صفوف الحركة الوطنية وفي صفوف حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي، ولكن على قاعدة المبادئ والقيم الإنسانية.
*علاقتي بالدين
علاقة بالإيمان، أؤمن بالله وأؤمن بالرسول وأؤمن بأركان الإسلام وأمارس هذه
الأركان، لا أمارس تماما الصيام لأسباب صحية، ولكن البقية أمارسها، هذه الأشياء
شخصية، وتعلمنا داخل عائلتنا أن هذه الأمور تهم الشخص نفسه ولا أي أحد آخر،
والاعتماد على النفس.
*لا توجد أي دولة في العالم انطلقت في
المجال التكنولوجي دون الاعتماد على اللغة الأم.
*الفقر هو الشيء الوحيد الذي له مستقبل في
المغرب.
*في نهاية برنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة
الفضائية سنة 2008، سأله مقدم البرنامج سامي كليب: "ما هي أحلامك للأمة العربية؟ فأجاب
المهدي المنجرة:" والله
في الكلمة الواحدة هي الكرامة.. أن نجد كرامة.. وأن مستوى العيش يكون محترما لهذه
الأمة.. وهذا ممكن بالنسبة للإمكانيات اللي عندنا المادية والمالية.. وهذا هو.. لكي
لا نجد الإهانة التي نواجهها حاليا داخل بلداننا وخارج بلداننا.
اقوال رائعة وجد مفيدة في عالمنا المعاصر ، اقوال جديرة بالاهتمام وكل ما قيل في هذا البحث ، نراه اليوم يترجم على ارض الواقع .. بحق كان المرحوم المهدي المنجرة نبراسا لكثير من المفكرين الذين يتابعون نفس الاستشراف في رؤية المستقبل على افكار نيرة وحسابات اكاديمية وفلسفية وتاريخية وسياسية .. رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جنانه .. أنا لله وانا اليه راجعون .
ردحذفيوسف سونة
كاتب وباحث .