خذ الحكمة أين رأيتها

حدثنا الفيلسوف المتصوف أبو حيان التوحيدي عن نفسه فقال:''اعلم أني بشري أزل إذا قلت، وأضل إذا ارتأيت، وأخطئ إذا توخيت، وأصيب إذا وُفقت، وأحقق إذا أُلهمت، وأنال إذا قُربت، وأسعد إذا لُوطفت، وأتخلص إذا رحمت، فإذا لُمْتَ فليكن لوماً هوناً''.
وأنشد فأجاد الشاعر الأندلسي يحيى بن الغزال عن حقيقة الإنسان فقال:
إذا  أخبرت عن  رجل بريء       من  الآفات  ظاهره  صحيح
فسلهم  عنه  هل  هو  آدمي       فإن قالوا  نعم  فالقول  ريح
ولكن   بعضنا   أهل  استتار       وعند   الله   أجمعنا   جريح
ومن   إنعام   خالقنا   علينا       بأن   ذنوبنا   ليست   تفوح
فلو فاحت لأصبحنا   هروبا       فرادى   بالفلا  ما   نستريح
وضاق بكل منتحل  صلاحا       لنتن   ذنوبه   البلد  الفسيح
وحدثنا الشيخ أحمد الرفاعي أحد أقطاب الطريقة الصوفية فقال: "لا تزن الخَلْقَ بميزانك...خذ الحكمة أين رأيتها، فإن العاقل يأخذ الحكمة لا يبالي على أي حائط كُتبت، وعن أي رجل نُقلت، ومن أي كافر سُمعت"، وحدثنا فقال أيضا:"أتيت الأبواب كلها فوجدتها مزدحمة بالعباد ما عدا باب التواضع، فإني وجدته خاليا فسلكته وحدي".
وأنشد الفقيه الشيخ الزاهد أبو إسحاق الشيرازي عن الخل الوفي فقال:
سألت الناس عن خل  وفي       فقالوا  ما  إلى  هذا  سبيل
تمسك إن ظفرت بذيل حر       فإن  الحر  في  الدنيا  قليل
وأنشد ابن السيد البطليموسي الأندلسي عن العلم والجهل فقال:
أخو   العلم  حي   خالد   بعد   موته       وأوصاله     تحت     التراب     رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى       يُظَنُّ    من    الأحياء    وهو    عديم
وأنشد فأطرب وأجاد الشاعر ابن وكيع التنيسي عن مخاطر تبوأ المناصب العليا فقال:
بقدر الصعود يكون الهبوط       فإياك     والرتب    العالية
وكن في مكان إذا سقطت       تقوم   ورجلاك  في  عافية
وأنشد شعرا بليغا بديعا الشاعر البغدادي ابن الرفاء الناظر الملقب ب 'غلام ابن المَنِّي' نسبة للشيخ الإمام أبي الْفَتح نَصْرٍ ابْنِ المَنِّي البَغدادي فقال في حرص الإنسان على الدنيا ثم مغادرته لها وهو لا يلوي على نصف فلس:
دليل  على  حرص  ابن  آدم أنه      ترى كفه مضمومة وقت وضعه
ويبسطها  وقت  الممات  إشارة      على صفرها مما حوى بعد جمعه
من الممكن الحكم على الناس من خلال الكم الهائل من الجدية الذي يظهرونه خلال عملية الأكل، وكلما ازدادت وحشيتهم ونهمهم ازدادت جديتهم في المضغ بطريقة  رهيبة وسريعة تُثير الرعب في أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان على العكس منهم يقول بصوت عال:" أثقل الساعات علي: ساعة آكل فيها".
وكما أن علو الهمم تتفاوت عند الإنسان فهي أيضا تتفاوت عند الحيوانات: فالعنكبوت من حين يولد يبني لنفسه بيتا ولا يقبل منة الأم، والحية تطلب ما حفر غيرها لأن من طبعها الظلم، والغراب يسعى وراء الجيف، والصقر لا يقع إلا على الحي، والأسد لا يأكل طعاما بائتا، والفيل يتملق كي يأكل، والخنفساء تُطْرَدُ فتعود.