كان الراعي وكلبه المخلص يتابعان من بعيد قطيع الأغنام الذي كان يرعى بسلام وسط المروج الخضراء، تساءل الراعي مع نفسه ما الفائدة من بيعه الصوف الفاسد لهذه الخرفان، وكم يمكنه أن يُرْسِلَ منها عند نهاية فصل الصيف إلى مجازر البشر التي لا تشبع ولا ترتوي من اللحوم، بينما كان الكلب يحرك ذيله كلما مرر سيده يده على رأسه، وفي نفس الوقت كان يسهر أن لا تخرج أي نعجة عن الدائرة التي حددها لها في مخيلته، ثارة ينبح وأخرى يجري اتجاه أي خروف تسول له نفسه بأن يذهب بعيدا للبحث عن عشب أكثر ملوحة ولذة.
لم يكن أحد ليندهش من إذعان وخضوع هذه الأكباش والنعاج المسكينة للسيد وكلبه، بل لم يكن بإمكانها لشدة خوفها حتى الثغاء، فلقد كانت معتادة على الأكل وعلى المشي وعلى العيش ورأسها منحن دائما نحو الأسفل، بدون أن تكون لها أية عزيمة أو شجاعة أو جرأة لترفع بصرها نحو العلا كي ترى الضياء الجميل المنبعث من السماء، ذلكم الضياء الذي يخترق الغيوم وينعكس على مرآة البحر الصافي الحالم، حيث تتحول الغيوم إلى حكايات بلا نهاية، إلى لوحات رائعة تذكرنا بوجوه أناس أحببناهم يوما ما.
لكن الغريب في الأمر، هو ملاحظة أن هذه الأكباش والنعاج غير قادرة أن ترفع بصرها نحو الأعلى أكثر مما تتيحه نظرتها إلى حوافرها وترسله بعيدا بعيدا جدا حيث العشب الأخضر الناضر اللذيذ، طبعا ليس بإمكانها ذلك، فالكلب ينبح عليها كلما همت بالنظر نحو الأعلى، ورغم ذلك كانت هذه الحيونات الساذجة الوديعة الطيعة برؤوسها المنحنية راضية عن عيشها بأكلها في صمت وبدون رأي ولا رأي آخر، بل أحيانا تمتنع حتى عن الثغاء كي لا يلبسه البشر رأيا... وما أخطر أن يكون للكباش والنعاج رأي، والأخطر منه إن كان معارضا للوضع السائد.
لم يكن أحد ليندهش من إذعان وخضوع هذه الأكباش والنعاج المسكينة للسيد وكلبه، بل لم يكن بإمكانها لشدة خوفها حتى الثغاء، فلقد كانت معتادة على الأكل وعلى المشي وعلى العيش ورأسها منحن دائما نحو الأسفل، بدون أن تكون لها أية عزيمة أو شجاعة أو جرأة لترفع بصرها نحو العلا كي ترى الضياء الجميل المنبعث من السماء، ذلكم الضياء الذي يخترق الغيوم وينعكس على مرآة البحر الصافي الحالم، حيث تتحول الغيوم إلى حكايات بلا نهاية، إلى لوحات رائعة تذكرنا بوجوه أناس أحببناهم يوما ما.
لكن الغريب في الأمر، هو ملاحظة أن هذه الأكباش والنعاج غير قادرة أن ترفع بصرها نحو الأعلى أكثر مما تتيحه نظرتها إلى حوافرها وترسله بعيدا بعيدا جدا حيث العشب الأخضر الناضر اللذيذ، طبعا ليس بإمكانها ذلك، فالكلب ينبح عليها كلما همت بالنظر نحو الأعلى، ورغم ذلك كانت هذه الحيونات الساذجة الوديعة الطيعة برؤوسها المنحنية راضية عن عيشها بأكلها في صمت وبدون رأي ولا رأي آخر، بل أحيانا تمتنع حتى عن الثغاء كي لا يلبسه البشر رأيا... وما أخطر أن يكون للكباش والنعاج رأي، والأخطر منه إن كان معارضا للوضع السائد.
غير أنه في يوم من الأيام تعب واحد من القطيع من الأكل ورأسه منحن وعيناه تحدق نحو الأرض، فقرر أن يثور على الوضع المذل الذي هو فيه، فحاول أن يقلد زئير الأسد عدة مرات عسى أن يستفيق رفاقه في القطيع، غير أن القطيع بقي مستمرا على حاله يأكل العشب برأس منحن دائما نحو الأرض، قال الراعي لما لاحظ الخروف على تلك الحالة: "ربما أُصيب هذا الخروف بالجنون بأكله ما لا يجب عليه أن يُأْكَلَ وبتقليده زئير الأسد، وأصبح من اللازم أن يُذْبَحَ حتى لا يُعْدِي باقي القطيع".
جاء فصل الربيع فتم جز صوف الخرفان، وفي نهاية العام تم اقتيادها نحو شاحنات من النوع الرديئ الذي لا يُراعي أدنى حق من حقوق الخرفان والنعاج، وتم حشرها بتعسف وقمع واضطهاد في هذه الشاحنات النتنة المهترئة ورؤوسها منحنية وهي على وشك الاختناق، وفي وسط الزحام والرفس عندما تشابكت قرون الخروف الذي حاول بالأمس أن يقلد زئير الأسد مع خروف آخر، استطاع أن يرى لأول مرة في حياته السماء بغيومها، واستطاع أن يرى الأشجار تمر مرور السحاب في الاتجاه المعاكس فارة بجلودها نحو البحر من جنون ووحشية البشر، كان هذا الخروف المسكين يأمل في أن يدعو الأشجار كي تكتشف الجمال الباهر الذي غفل عنه طوال حياته ورآه لأول مرة، غير أنه حتى ولو أرادت الأشجار أن تفعل ذلك فقد كان الأوان قد فات.
لم تستطع الخرفان أن ترى النجوم وتتغنى بجمال الليل وسكونه ووداعته، فلقد عاشت ليلتها الأخيرة كئيبة حزينة كأنها في وضح نهار مُشاكس مُشاغب، وكان ذلك المساء بالنسبة لها اختصار حياة بأكملها، ولم تكد الشمس تتوسط كبد السماء صبيحة الغد حتى كانت أرواحها تحلق مرفرفة فوق أجسادها الموضوعة فوق الشوايات، وعيونها ما تزال شاخصة محدقة برعب في سكاكين البشر الحادة اللامعة.