ذو الأنف الكبير وصاحب الوجه الأملس

كان سيرانو (سيرانو دي برجيريك هو بطل قصة كتبها الشاعر الفرنسي إدْمُوند رُسْتَان في القرن التاسع عشر) ذا أنف كبير جدا، إلى درجة تلفت النظر، وتثير الدهشة، وكان يعلم ذلك من نفسه، ويتألم بسببه تألما كبيرا، لأن أعداءه كانوا يتخذونه سبيلا إلى السخرية والتهكم عليه، وهو لا يطيق ذلك ولا يحتمله، فكان النزاع بينه وبينهم دائما لا ينقطع، وكان لا ينتهي إلا بمبارزة، يخرج سيرانو منها في الغالب فائزا منتصرا، ولكن كثير الخصوم والأعداء.

وذات يوم كان جالسا في حانة، فأراد أحد أعداءه مضايقته، فتقدم نحوه، وظل يردد النظر في وجهه طويلا، ثم قال: إن أنفك، أيها الرجل، قبيح جدا، فرفع سيرانو نظره إليه بهدوء، وقال له: ثم ماذا؟ قال: لا شيء سوى أن أقول لك مرة أخرى: إن أنفك أعجوبة من أعاجيب الزمان.
قال سيرانو: لقد كنت أظن أنك أذكى من ذلك، قال: وماذا تريد أن أقول؟ رد سيرانو: إن مجال القول في الأنوف ذو سعة، ولو أن لك بعض العلم بأساليب الخطاب ومناهجه لاستطعت أن تقول أن لي في هذا الموضوع شيئا كثيرا: كأن تقول بلغة المتطفلين: حبذا لو صنعت يا سيدي لأنفك هذا كأسا خاصة به، فإني أراه يشرب معك من كأسك التي تشرب منها، وبلغة الفضوليين: ما هذا الشيء الناتئ في وجهك يا سيدي؟ أمحارة مستطيلة؟ أم دواة للكتابة؟ أم صندوق للأمواس؟ أم علبة للمقاريض؟ وبالبساطة الريفية: ما هذا يا سيدي؟ أأنف ضخم؟ أم لفتة كبيرة؟ أم شمامة صغيرة؟ وباللهجة العسكرية: صوب هذا المدفع إلى فرقة الفرسان أيها الجندي! وبلغة المداهنين: هنيئا لك سيدي هذا القصر الفخم، الذي شيدته لنفسك على هذه الربوة البديعة.
ذلك ما كان يجب أن تقوله لي، لو كان في رأسك ذرة واحدة من الفطنة والذكاء، على أنك لو استطعت لحال بينك وبين ذلك الخوف والرعب، لأنك تعلم أنني إن سمحت لنفسي بالسخرية من أنفي أحيانا، فإنني لا أسمح لأحد بالسخرية مني مطلقا.
نعم، إن أنفي لا يكبره أنف في هذا البلد! وذلك ما أفخر به: لأن الأنف الكبير عنوان الشرف والشجاعة، وأما الوجه الأملس، المجرد من هذا العنوان الشريف، كوجهك، فلا يستحق غير اللطم، ثم هوى على وجه الرجل بلطمة هائلة، انخلع لها قلبه من الرعب، ففر هاربا وهو يصيح: النجدة! النجدة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق