بركان يلوستون الوحش النائم في أحشاء أمريكا

بركان يلوستون الوحش النائم في أحشاء أمريكا
سنة 1971 ضربت أمطار طوفانية المنطقة الواقعة شرق ولاية نيبراسكا التي تقع على بعد 500 كلم من المنتزه الوطني يلوستون بولاية وايومينغ الذي يمتد على مساحة 9000 كلم²، حينها اكتشف عالم الحفريات الأمريكي 'مايك فوريس' اكتشافا مذهلا عبارة عن 200 حيوان متحجر من فصيلة وحيد القرن وحيوانات أخرى تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ كالإبل والزواحف والخيول والسلاحف، وقد بدا للوهلة الأولى أن هذه الحيوانات لقيت مصرعها فجأة وفي ظرف زمني وجيز بالرغم من كون معظمها كان صغيرا في السن وإناثها كانت تتمتع بصحة جيدة.
وبما أن هذه الحيوانات لم تنفق  نتيجة شيخوخة أو قتال أو غرق، استنتج العالم الأمريكي أن هذا الموت الجماعي المفاجئ لا يمكن أن يحدث إلا نتيجة كارثة عظمى، فقرر قصد التثبت من ذلك إرسال عينات من عظام  تلك الحيوانات إلى الأستاذ 'كارل رينهارد' بجامعة نيبراكسا قصد إجراء التحاليل اللازمة عليها، وكانت الهياكل العظمية للحيوانات مغطاة بمادة عضوية لها ارتباط بمرض مريم، وهو مرض يمكن أن يُصيب الحيوانات عن طريق الاتصال المباشر مع الهواء، فيهاجم الرئتين ويحدث بها أضرارا شبيهة بالتي يحدثها الالتهاب الرئوي، كانت جميع الحيوانات المتحجرة مصابة بالمرض بدون استثناء، ومع تعميق البحث لاحظ 'كارل رينهارد' أن رئاتها لم تكن ممتلئة بالسوائل كما يحدث في داء الالتهاب الرئوي بل كانت ممزقة وممتلئة بالرماد، لقد تم بالحجة الدامغة والتقصي العلمي إثبات أن تلك الحيوانات ماتت فجأة نتيجة اختناقها بسحاب كثيف من الرماد البركاني  من بعد تعرضها لآلام مبرحة وبصق دم وغليان وتجفيف لأحشائها الداخلية حتى الهلاك.
غير أن الإشكال المطروح بقوة يكمن في كون ولاية نيبراسكا عبارة عن سهول مترامية الأطراف ولا يوجد بها أي أثر لفوهة بركان وأقرب البراكين منها يوجد على مسافة 1600 كلم بغرب ولاية إيداهو، أما بالنسبة لجبل 'سانت هيلين' الذي يقبع على قمته أحد البراكين المتوسطة الخطورة والمصنف في المرتبة الخامسة فهو أبعد من ذلك بكثير ويوجد بولاية واشنطن بالقرب من ساحل المحيط الهادي، وبالعودة إلى الأرشيف لوحظ أن منطقة نيبراسكا لم تكن في زمن من الأزمنة منطقة بركانية وبالرغم من ذلك فإن النصف الشمالي من الولايات المتحدة الأمريكية مغطى بطبقة سميكة من الرماد الأصفر بعمق مترين، الشيء الذي لا يمكن حدوثه إلا على إثر انفجار بركان أو براكين أقوى مئات المرات من البراكين العادية.
لقد تمت تسمية المنتزه الوطني يلوستون بهذه التسمية نسبة إلى التربة  الصفراء البركانية التي تغطي أراضيه، فبالرغم من مظاهر الطبيعة الخلابة والمياه الساخنة التي يأتي الزوار من كل أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية للتمتع بها فإن هذه المنطقة تتعرض لما يناهز 25 هزة أرضية أسبوعيا وتصنف في المرتبة الثانية من حيث المناطق ذات النشاط الزلزالي الكثيف بعد كاليفورنيا، وفوق ذلك كله ينام في أحشائها أضخم بركان على كوكب الأرض على طول 85 كيلومتر وبعرض 45 كيلومتر، ويعد هذا البركان من البراكين العظمى التي بإمكانها إحداث تفجيرات ذات أبعاد عالمية كارثية مهولة تهلك الحرث والنسل في أماكن شاسعة ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي قد يمحوها من الخارطة، بل كذلك بالنسبة لكوكب الأرض برمته الذي سوف يدخله الرماد المرتفع في الطبقات العليا من الجو في شتاء بركاني وليل سرمدي بارد يقضي على الحيوانات والنباتات، ويتسبب بمجاعات عظمى يعد فيها الموتى بالملايير وليس بالملايين، فمؤشر الانفجار البركاني المكون من ثمان درجات يرتب يلوستون في الدرجة القصوى للبراكين الكارثية العظمى، وانفجاراته الثلاث التي سجلت عبر التاريخ كانت  كلها كذلك منذ 2 مليون سنة  ثم منذ 1.30 مليون سنة وأخيرا منذ 640000 سنة، وحسب تكهنات الكثير من العلماء والخبراء والمختصين فإن الانفجار الرابع جد وشيك.
إن ثورات البراكين العظمى على كوكب الأرض تأتي بشكل دوري، وليست قصصا خرافية للعفاريت أو أساطير يونانية، لأن العلم الحديث أثبت تعرض كوكب الأرض خلال تاريخه لعشرين منها على الأقل، نصفها حدث بأمريكا الشمالية، ويبقى التساؤل المطروح في الوقت الراهن الذي لن يستطيع الإجابة عنه أحد: متى سوف تدق ساعة الانفجار العظيم الرابع الذي لو حدث سوف يكون حسب تخمينات الجيولوجيين وعلماء البراكين أضخم انفجار تشهدها البشرية في تاريخها، بحيث أن قوته التدميرية ستكون مليون مرة أقوى من القنبلة النووية التي ضربت بها  الولايات المتحدة الأمريكية مدينة هيروشيما باليابان إبان الحرب العالمية الثانية؟