كرة العدم أفيون الشعوب

كرة العدم أفيون الشعوب
النَّاسُ      تَسْهَرُ     عِنْدَهَا        مَبْهُورَةً     حَتىَّ    الصَّبَاحْ
وَإِذَا   دَعَا   دَاعِي   الْجِهَا        دِ  وَقَالَ  حَيَّ  عَلَى الفَلاَحْ
غَطَّ    الْجَمِيعُ     بِنَوْمِهِمْ        فَوْزُ   الْفَرِيقِ   هُوَ   الْفَلاَحْ
فَوْزُ  الْفَرِبقِ   هُوَ  السّبِيـ        ـلُ إِلىَ الحَضَارَةِ وَالصَّلاَحْ
صَارَتْ    أَجَلَّ     أُمُورِنَا        وَحَيَاتِنَا      هَذَا      الزَّمَنْ
مَا    عَادَ   يُشْغِلُنَا    سِوَا       هَا  فِي  الْخَفَاءِ  وَفِي الْعَلَنْ
أَكَلَتْ    عُقُولَ     شَبَابِنَا       وَيَهُودُ     تَجْتَاحُ    الْمُدُنْ
وَاللاَّعِبُ  الْمِقْدَامُ  تَصْـ        ـنَعُ   رِجْلُهُ  مَجْدَ الْوَطَنْ
عَجَباً     لآلاَفِ    الشَّبَا        بِ  وَإِنَّهُمْ  أَهْلُ    الشَّمَمْ
صُرِفُوا إِلىَ اْلكُرَةِ الْحَقِيـ       ـرَةِ  فَاسْتُبيِحَ  لَهُمْ   غَنَمْ
دَخَلَ    الْعَدَوُّ    بِلاَدَهُمْ        وَضَجِيجُهَا   زَرَعَ  الصَّمَمْ
أَيُسَجِّلُ    التَّارِيخُ     أَنَّا         أُمَّةٌ                مُسْتَهْتِرَهْ
شَهِدَتْ  سُقُوطَ   بِلاَدِهَا        وَعُيُونُهَا     فَوْقَ     الْكُرَهْ
                                                      الأديب السوري وليد قصاب (1)
إنني بتطرقي لهذا الموضوع لست بصدد إدانة الرياضة وكرة القدم على الخصوص، لكنني بالمقابل أُدين بشدة كل مظاهر الهوس الأعمى والتعصب والشوفينية وظواهر الهوليغانز التخريبية المستوردة من بريطانيا التي أصبحت ترافق هذه اللعبة ذات الشعبية الواسعة  النطاق على المستوى العالمي، لدرجة أن التطاحنات والخصامات والعداوات تنتهي أحيانا بمعارك حقيقية حامية الوطيس بين هذه العصابات الإجرامية تستعمل فيها كل أنواع الشتائم والسباب واللعن وكل الأسلحة من كراسي وعصي وسكاكين وحجارة في الملاعب والشوارع والمقاهي والبيوت والدواوين والإدارات بل حتى في المدارس، مما يؤدي إلى  خلق جو من البغض والكراهية بين محبيها، تغذيها بالنار والوقود وتزيد الطين بلة طبول الدعاية من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.
ظهرت كرة القدم  لأول مرة بإنجلترا في جامعة كامبريدج سنة 1846،  أي قبل تأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم 'فيفا' سنة 1904 بمدينة باريس الفرنسية ب 58 سنة، هذا الاتحاد الذي كان في بداية مشواره  يسعى بنوايا حسنة وصادقة إلى تطوير اللعبة ووضع قواعد مضبوطة تقننها، مع تنظيم بطولة تسمى بكأس العالم كل أربع سنوات، لكن بسبب الحرب العالمية الأولى تم إرجاء تنظيم أول بطولة لكأس العالم حتى سنة 1930، وجرت آنذاك بإحدى دول أمريكا الجنوبية وهي الأورغواي، وكان النصر فيها للأورغواي على الأرجنتين بحصة 4-2 في المبارة النهائية أمام 93.000 متفرج، وبذلك حصلت الأوروغواي على أول كأس عالمية في التاريخ، ثم أخذت بعد ذلك اللعبة مجرى ومسارا خرافيا يمكن تشبيهه بإحدى حكايات ألف ليلة وليلة، مسار لم يكن يتوقعه أو يتنبأ به أحد، بحيث انتشرت هذه اللعبة كالنار في الهشيم في جميع أرجاء المعمور، وأصبحت 'الفيفا' في حد ذاتها دولة متعددة الجنسيات  قائمة بذاتها وحذافيرها تمثل 208 جمعية على المستوى العالمي و 301 ألف نادي رياضي و 270 مليون ممارس منهم 265 مليون لاعب من ضمنهم 26 مليون امرأة (أصبحت منذ 1991 تُنضم كأس عالمية خاصة بالنساء- إيوا زغرتوا ها هي المساواة حتى فالجلدة المسخوطة)، 5 ملايين من الحكام والإداريين والمدربين، وإذا جمعنا كل هذه الأرقام فلسوف نحصل على عدد يناهز 4% من سكان المعمور.
لقد أصبحت حاليا كرة القدم عبارة عن ثقافة محملة بإيديولوجية خطيرة يمكن تلخيصها في "استهلك أكثر وتمتع أكثر وفز أكثر  فإنك لن تعيش سوى مرة واحدة "، وكأن بها تساير البروتوكول الثالث عشر  لبروتوكولات حكماء صهيون الذي جاء فيه:" لكي تبقى الجماهير في ضلال، لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يُراد بها، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها، بإنشاء المباهج والمسليات والألعاب الفكاهية، وضروب أشكال الرياضة واللهو، وما به الغذاء لملذاتها وشهواتها، والإكثار من القصور المزوقة والمباني المزركشة، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية"، ولمن له أدنى بصيرة سوف يرى هذا البروتوكول مجسدا بكل حذافيره في كل أرجاء المعمور، ولم تسلم منه حتى الدول الإسلامية والعربية، لقد شوهوا الصورة الجميلة المشرقة لرياضة شعبية نظيفة بعيدة عن كل الشبهات إلى ماخور و'بورديل' تختلج في بواطنه كل أنواع العبث البشري الممزوج بالحقد والكراهية بين الفائز والمهزوم، إنها صورة عصرية ومطلية بالصبائغ والألوان  لكلوسيوم روما الذي كان  يتبارى فيه المتصارعون حتى الفناء من أجل إلهاء الرعاع والأوباش وإعطائهم حيزا لإفراغ مكبوتاتهم كما خطط لذلك جهابذة الحكام الرومان أو إمتاعهم كما يظن هؤلاء المفعول بهم.
فهذه الجلدة المملوء بالريح أصبحت خما ضخما لدجاج كثير يبيض ذهبا، فعلى سبيل المثال ما بين سنة 1998 و 2006 تضاعفت  عائدات حقوق النقل التلفزي لمباريات كأس العالم  إحدى عشر مرة، منتقلة من 131 مليون دولار إلى 1,45 مليار دولار، هذا دون احتساب هبات المساندين الرسميين للجلدة كأمثال دراكولا عفوا كوكاكولا وغيرها، ونظرا للأرباح الطائلة والتي في الحقيقة أصبحت شيئا خارج المعقول سيصاب حتى أرسطو أو سقراط من هول ذلك بالجنون، صعدت في الأعالي بورصة اللاعبين وأصبحوا هم كذلك دجاجا يبيض ذهبا وأبطالا وقدوة ل 'الْـبَـزّْ'، فحسب اليومية الألمانية 'بيلد' فاللاعب الذي نال  أكبر  التعويضات خلال مساره المهني هو اللاعب الفرنسي نيكولا أنيلكا ب 128,6 مليون يورو، يليه الأرجنتيني هيرمان كريسبو ب 121 مليون يورو ، ثم السويدي الجنسية الصربي الأصل زلاتان إبراهيموفيتش ب 117,8 مليون يورو، فالأرجنتيني خوان سيباستيان فيرون ب 117 مليون يورو، فالبرتغالي كريستيانو رونالدو ب 111,5 مليون يورو، فالبرازيلي رونالدو ب 100,9 مليون يورو، فالإيرلندي روبي كاين ب 97,7 مليون يورو، فالإيطالي كريستيان فييري ب 85,7 مليون يورو، فالفرنسي زين الدين زيدان ب 84 مليون يورو، ويحل في المرتبة العاشرة الهولندي أرجن روبين ب 82,3 مليون يورو، أما فيما يخص أعلى أجور العشرة الأوائل للاعبي كرة القدم في العالم برسم سنة 2013 حسب مجلة 'فرانس فوتبول' فقد جاءت كالتالي: ليونيل ميسي 41 مليون يورو، كريستيانو رونالدو 39.5 مليون يورو، نيمار 29 مليون يورو، واين روني 24 مليون يورو، زلاتان إبراهيموفيتش 23.5 مليون يورو، رداميل فالكاو 21.2 مليون يورو، سرجيو أغيرو 19.7 مليون يورو، تياغو سيلفا 17 مليون يورو، إدن هازارد 16.8 مليون يورو، فرانك ريبيري 16.5 مليون يورو، إيوا بقاوا تحسبوا حتى تموتوا بالفقصة.
وبعد كل هذا، قل لي بالله عليك ماذا جنيت  وماذا ربحت وماذا استفدت أنت يا من تطعن معنويا و ماديا إخوانا لك  في الدين في بلدك أو في غيره من البلدان بسبب هذه الجلدة أو بسبب تعصب للاعب أو مدرب أو ناد من الأندية الكروية، غير الحقد والكراهية وخراب الذمم وانحطاط الهمم وتقطع أواصر الأخوة والصداقة بين الأمم، لقد أضحت كرة القدم مجرد أفيون قوي المفعول  لتنويم وتخدير وتضبيع الشعوب.
هوامش:
(1) نشرت في العدد 11 الصفحة 64 من مجلة التوحيد  في 11 ذو القعدة سنة 1418 هجرية