وعندما تجتمع موهبة الحكمة وموهبة الكلام الشعري بميزاته السالف ذكرها وقواعده وموازينه وموسيقاه في نفس واحدة فذلكم هو الشاعر الكبير، ومن بين هؤلاء على سبيل الذكر لا الحصر:
دِعْبل الخُزاعي:
يَمُوتُ رَدِيئُ الشِّعْرِ مِنْ قَبْلِ أَهْلِهِ وَجَيِّدُهُ يَبْقَى وَإِنْ مَاتَ قَائِلُهُ
محمد بن إدريس الشافعي:
إِذَا الْمَرْءُ لاَ يَرْعَاكَ إِلَّا تَكَلُّفَا فَدَعْهُ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَأَسُّفَا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ رَاحَةٌ وَفِي الْقَلْبِ صَبْرٌ لِلْحَبِيبِ وَلَوْ جَفَا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قَلْبُهُ وَلاَ كُلُّ مَنْ صَافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الْوِدَادِ طَبِيعَةً فَلاَ خَيْرَ فِي وِدٍّ يَجِيءُ تَكَلُّفَا
وَلاَ خَيْرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ الْمَوَدَّةِ بِالْجَفَا
وَيُنْكِرُ عَيْشاً قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلاَمٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا
***
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ وَعَاشَ قَـوْمٌ وَهُمْ فِي النّاسِ أَمْوَاتُ
أبو العتاهية:
يَا جَامِعَ الْمَالِ فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهِ هَلْ أَنْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْتَفِعُ
***
صَدِيقِي مَنْ يُقَاسِمُنِي هُمُومِي وَيَرْمِي بِالعَدَاوَةِ مَنْ رَمَانِي
وَيَحْفَظُنِي إِذَا مَا غِبْتُ عَنْهُ وَأَرْجُوهُ لِنَائِبَةِ الزّماَنِ
***
يَا وَاعِظَ النّاسِِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَماً إِذَا عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُوراً أَنْتَ تَأْتِيهَا
كَالْمُلْبِسِ الثَّوْبَ مِنْ عُرْيٍ وَعَوْرَتُهُ لِلنَّاسِ بَادِيَةٌ مَا إِنْ يُوَارِيهَا
***
رَأَيْتُ النَّفْسَ تَحْقِرُ كُلَّ مَا لَدَيْهَا وَتَطْلُبُ كُلَّ مُمْتَنِعٍ عَلَيْهَا
المتنبي:
رَمَانِي الدَّهْرُ بِالْأَرْزَاءِ حَتَّى فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ
فَصِرْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهَامٌ تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ
***
وَإِذَا خَامَرَ الْهَوَى قَلْبَ صَبٍّ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ عَيْنٍ دَلِيلُ
***
لَيْسَ الْجَمَالُ لِوَجْهٍ صَحٍّ مَارِنُهُ أَنْفُ العَزِيزِ بِقَطْعِ الْعِزِّ يُجْتَدَعُ
***
يُخْفِي العَدَاوَةَ وَهْيَ غَيْرُ خَفِيَّةٍ نَظَرُ الْعَدُوِّ بِمَا أَسَرَّ يَبُوحُ
أبو العلاء المعري:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ فَاشِياً تَجَاهَلْتُ حَتَّى ظُنَّ أَنِّيَ جَاهِلُ
فَوَاعَجَباً كَمْ يَدَّعِي الفَضْلَ نَاقِصٌ وَوَاأَسَفاً كَمْ يُظْهِرُ النَّقْصَ فَاضِلُ
***
إِنْ مَازَتِ النَّاسَ أَخْلاَقٌ يُعَاشُ بِهَا فَإِنَّهُمْ عِنْدَ سُوءِ الطَّبْعِ أَسْوَاءُ
أَوْ كَانَ كُلُّ بَنِي حَوَّاءَ يُشْبِهُنِي فَبِئْسَ مَا وَلَدَتْ فِي الدَّهْرِ حَوَّاءُ
***
وَالْخِلُّ كَالْمَاءِ يُبْدِي لِي ضَمَائِرَهُ مَعَ الصَّفَاءِ وَيُخْفِيهَا مَعَ الْكَدَرِ
***
وَالدَّهْرُ كَالدَّهْرِ وَالأَيَّامُ وَاحِدَةٌ وَالنَّاسُ كَالنَّاسِ وَالدُّنْيَا لِمَنْ غَلَبَا
***
ضَحِكْنَا وَكَانَ الضَّحِكُ مِنَّا سَفَاهَةً وَحُقَّ لِسُكَّانِ الْبَسِيطَةِ أَنْ يَبْكُوا
يُحَطِّمُنَا صَرْفُ الزَّمَانِ كَأَنَّنَا زُجَاجٌ وَلَكِنْ لاَ يُعَادُ لَهُ سَبْكُ
أحمد شوقي:
وَإِذَا أُصِيبَ القَوْمُ فِي أَخْلاَقِهِمْ فَأَقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْثَماً وَعَوِيلاَ
***
سَاءَتْ ظُنُونُ النَّاسِ حَتَّى أَحْدَثُوا للِشَّكِّ فِي النُّورِ الْمُبِينِ مَجَالاَ
وَالشَّكُّ يَأْخُذُ مِنْ ضَمِيرِكَ مَأْخَذاً حَتَّى يُرِيكَ الْمُسْتَقِيمَ مُحَالاَ
***
إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي القُلُوبِ كَثِيرَةٌ وَوَجَدْتُ شُجْعَانَ العُقُولِ قَلِيلاَ
***
إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى الشُّعُوبِ فَلَمْ أَجِدْ كَالْجَهْلِ دَاءً للِشُّعُوبِ مُبِيدَا
الْجَهْلُ لاَ يَلِدُ الْحَياةَ مَوَاتُهُ إِلاَّ كَمَا تَلِدُ الرِّمَامُ الدُّودَا
السمؤل:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُدَنِّسْ مِنَ اللَّوْمِ عِرْضَهُ فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ
كعب بن زهير:
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ يَوْماً عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أبو فراس الحمداني:
إِنَّ الْغَنِيَّ هُوَ الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ عَارِيَ الْمَنَاكِبِ حَافِ
مَا كُلُّ مَا فَوْقَ البَسِيطَةِ كَافِيَا وَإِذَا قَنَعْتَ فَكُلُّ شَيْءٍ كَافِ
الطغرائي:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلاَ فُسْحَةُ الأَمَلِ
***
تَرْجُو الْبَقَاءَ بِدَارٍ لاَ ثَبَاتَ لَهَا فَهَلْ سَمِعْتَ بِظِلٍّ غَيْرَ مُنْتَقِلِ
أبو تمام:
رَأَيْتُ الْحُرَّ يَجْتَنِبُ الْمَخَازِيَ وَيَحْمِيهِ مِنَ الْغَدْرِ الْوَفَاءُ
طرفة بن العبد:
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
***
وَأَمَرُّ مَا لَقِيتُ مِنْ أَلَمِ الْهَوَى قُرْبُ الْحَبِيبِ وَمَا إِلَيْهِ وُصُولُ
كَالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
أَيَا بَدْرُ كَمْ سَهِرَتْ عَلَيْكَ نَوَاظِرِي أَيَا غُصْنُ كَمْ نَاحَتْ عَلَيْكَ بَلاَبِلُ
الْبَدْرُ يَكْمُلُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً وَهِلاَلُ وَجْهِكَ كُلُّ يَوْمٍ كَامِلُ
أَرْضَى فَيَغْضَبُ قَاتِلِي فَتَعَجَّبُوا يَرْضَى القَتِيلُ وَلَيْسَ يَرْضَى الْقَاتِلُ
النابغة الشيباني:
كَمْ مِنْ مُؤْمِلِ شَيْءٍ لَيْسَ يُدْرِكُهُ وَالْمَرْءُ يُزْرِي بِهِ فِي دَهْرِهِ الأَمَلُ
يَرْجُو الثَّرَاءَ وَيَرْجُو الْخُلْدَ مُجْتَهِداً وَدُونَ مَا يَرْتَجِي الأَقْدَارُ وَالأَجَلُ
حاتم الطائي:
فَنَفْسَكَ أَكْرِمْهَا فَإِنَّكَ إِنْ تَهُنْ عَلَيْكَ فَلَنْ تَلْقَى لَهَا الدَّهْرَ مُكْرِمَا
حسان بن ثابت:
لاَ بَأْسَ بِالقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ عِظَمِ جِسْمُ الْبِغَالِ وَأَحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ
بهاء الدين زهير:
مَا كُلُّ مَخْضُوبِ اْلبَنَانِ بُثَيْنَةٌ وَلاَ كُلُّ مَسْلُوبِ الْفُؤَادِ جَمِيلُ
سليم الخوري (الشاعر القروي):
أَغْضِبْ صَدِيقَكَ تَسْتَطْلِعْ سَرِيرَتَهُ للِسِرِّ نَافِذَتَانِ: السُّكْرُ وَالْغَضَبُ
مَا صَرَّحَ الْحَوْضُ عَمَّا فِي قَرَارَتِهِ مِنْ رَاسِبِ الطِّينِ إِلاَّ وَهْوَ مُضْطَرِبُ
محمود سامي البارودي:
وَالدَّهْرُ كَالدُّولاَبِ يَخْفِضُ عَالِيّاً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَيَرْفَعُ سَافِلاَ
معروف الرصافي:
وَشَرُّ الْعَالَمِينَ ذَوُو خُمُولٍ إِذَا فَاخَرْتَهُمْ ذَكَرُوا الْجُدُودَا
أبو الحسن التهامي:
ثَوْبُ الرِّيَاءِ يَشِفُّ عَمّا تَحْتَهُ فَإِذَا التَحَفْتَ بِهِ فَإِنّكَ عَارِ
ابن دريد:
وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ سَالِماً وَلَوْ أَنّهُُ ذَلِكَ النَّبِيُّ الْمُطَهَّرُ
هوامش:
العيس: الإبل التي يخالط بياضها شيء من الصُّفْرَةِ