كانت الحمير في البداية متوحشة، تأكل لما تجوع، وتشرب عندما تعطش، وتجري وتمرح هنا وهناك فوق الروابي الخضراء بدون قيد ولا شرط، أحيانا كان يأتي أسد ويفترس أحد الـحُمر، ثم تفر البقية مذعورة وهي تنهق نهيقا مذويا مثل الحمير، غير أنها في اليوم الموالي تنسىى كل شيء وتتابع حياتها المعتادة وكأن شيئا لم يحدث، تأكل وتشرب وتمرح بكل حرية ثم تنام نومة هنية وهي مرتاحة البال والضمير، فباستثناء الأيام التي يأتي فيها الأسد كانت كل الأمور بالنسبة للحمير تسير على أحسن ما يرام وفي أروع العوالم.
وفي أحد الأيام حل ببلاد الحمير ملوك الخلق كما يحب البشر أن يسموا أنفسهم، فَسُرَّتِ الحمير كثيرا لما رأت هؤلاء الوافدين الجدد، ثم جرت فرحة لاستقبالهم، وخلال جريها كانت الحمير تتحدث فيما بينها عن البشر: إنها حيوانات مضحكة، تمشي فقط على رجلين، ولها أذان جد قصيرة وصورتها قبيحة المنظر، ولكن بالرغم من ذلك يجب إقامة حفلة استقبال على شرفها، وهذا أقل ما يمكن، وبدأت الحمير تتمرغ في العشب وتحرك أرجلها وتغني أغنيىة الحمير، وبدأت تمزح مع البشر للترويح عنهم بدفعهم قصد إسقاطهم أرضا، غير أن البشر بطبعهم المترفع لا يحبون المزاح والنكتة إن لم تأت منهم شخصيا.
ولم تمض خمس دقائق على تواجد ملوك الخلق ببلاد الحمير، حتى وجدت الحمير المسكينة نفسها مكبلة مثل النقانق، باستثناء أصغرها سنا وألطفها، الذي تم ذبحه من طرف ملوك الخلق ووضعه في الشواية، ثم أحاطوا به وكل واحد منهم يحمل سكينا، وما إن نضج لحم الحمار الصغير على النار حتى بدأ البشر يتذوقه، وكل واحد منهم يكشر وجهه تكشيرا لعدم استساغته مذاق لحم الحمار، فرموا سكاكينهم أرضا وبدأ أحدهم يصرخ: هذا لا يساوي لحم البقر..هذا لا يساوي لحم البقر، فرد عليه آخر: هذا ليس طيبا..إنني أحب كثيرا لحم الغنم، بينما آخر بدأ يشتكي من رداءة لحم الحمار وهو يبكي.
ولما رأت الحمير الأسيرة بكاء البشر ظنت أنهم ندموا على ما قاموا به من ظلم ووحشية اتجاهها، وظنت أنهم سوف يطلقون سراحها، غير أن البشر نهضوا وبدأوا يتكلمون جميعا في آن واحد وهم يشيرون إشارات خطيرة (يا لقلوب البشر القاسية)، ويصرخون: هذه الحيوانات غير صالحة للأكل، نهيقها مزعج وكريه، أذانها الطويلة تبعث على السخرية، إنها بكل تأكيد حيوانات غبية لا تعرف لا القراءة ولا الحساب، سوف نسميها 'الحمير'... وهذا بالنسبة لنا متعة... سوف تحمل أمتعتنا لأننا نحن هم ملوك الخلق... هيا إلى الأمام 'شماط'..'شماط'...وهكذا ساق البشر الحمير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق