رأيت فيما يرى النائم أنني وقفت أمام الزمن إلا أني لم أعد أتذكر ماهيته وهيئته، غير أني شعرت به كشيئ رهيب وخارق، فاستجمعت قواي وتجرأت على طرح الأسئلة المحرجة التالية عليه: سيدي ومولاي الزمن هل للماضي علاقة بالحاضر والمستقبل؟ وهل الماضي والحاضر والمستقبل حقيقية وواقع ملموس؟ أو ليسوا سوى مجرد هلوسات تسكن أدمغتنا نشترك فيها جميعنا ونعتقدها هي الحقيقة؟
وهل من الممكن أن يسافر المرء عبر الزمن ماضيا ومستقبلا؟ فشعرت بخلجات تهزني هزا عنيفا وتسري في جسدي عندما رأيت ذلك الكائن الخارق يُصاب بالدوار، لأن المسكين نفسه لا يدري من يكون بالرغم من شعوره بكيانه يتدفق عبر ذاته بدون انقطاع، إلا أنه استدرك الأمر وأخذ المبادرة من بعد تردد، ثم أخرج من حيث لم أر ولم أدر ساعة ضخمة بميناء وعقارب وقال لي: روحي هي التي تحرك عقارب هذه الساعة، وروحي هي التي تحرك الكون الذي يبدو لكم معشر البشر متناهيا بجميع عوالمه ومجراته وكواكبه وأفلاكه، وروحي هي التي تسكن فيكم جميعكم بإنسكم وجنكم وحيواناتكم ونباتكم وجمادكم، وتزرع فيكم جميعكم هيئاتكم وتماسككم منذ خَلْقِكم وطوال سعيكم حتى مماتكم، ذلك هو الزمن الذي ترونه أمامكم متدفقا كالنهر بدون انقطاع في يقظتكم ونعاسكم من قبلكم ومن بعدكم.
وهل من الممكن أن يسافر المرء عبر الزمن ماضيا ومستقبلا؟ فشعرت بخلجات تهزني هزا عنيفا وتسري في جسدي عندما رأيت ذلك الكائن الخارق يُصاب بالدوار، لأن المسكين نفسه لا يدري من يكون بالرغم من شعوره بكيانه يتدفق عبر ذاته بدون انقطاع، إلا أنه استدرك الأمر وأخذ المبادرة من بعد تردد، ثم أخرج من حيث لم أر ولم أدر ساعة ضخمة بميناء وعقارب وقال لي: روحي هي التي تحرك عقارب هذه الساعة، وروحي هي التي تحرك الكون الذي يبدو لكم معشر البشر متناهيا بجميع عوالمه ومجراته وكواكبه وأفلاكه، وروحي هي التي تسكن فيكم جميعكم بإنسكم وجنكم وحيواناتكم ونباتكم وجمادكم، وتزرع فيكم جميعكم هيئاتكم وتماسككم منذ خَلْقِكم وطوال سعيكم حتى مماتكم، ذلك هو الزمن الذي ترونه أمامكم متدفقا كالنهر بدون انقطاع في يقظتكم ونعاسكم من قبلكم ومن بعدكم.
غير أن كلامه لم يقنعني البتة، فقلت له: ولكن سيدي الزمن فبالرغم من أنني أشعر بك إلا أني أحتار وأصاب بالعجز التام إن أردت تفسيرك للآخرين أو أراد الآخرون تفسيرك لي، فما الدليل الجلي على أن الماضي والمستقبل لا يمكنهما أن يتطابقا تطابقا تاما في نفس اللحظة؟ وما البرهان الواضح على أن اللحظة المقصودة تجري فقط على البرهة الزمنية المتناهية الصغر التي أشهق وأزفر فيها؟ وما الحجة القاطعة على عدم وجود زمن آخر غيرك أنت؟ بل أين هو الماضي وأين هو المستقبل؟ وهل الزمن خط مستقيم أو خط مغلق دوري؟ وما المانع من أن ينقلب الزمن فيُضحي الماضي مستقبلا والمستقبل ماضيا، كأن تتوصل مثلا برسالة بريدية من صديق لم يولد بعد؟ أو ترى والديك أطفالا صغارا أصغر منك سنا بكثير؟
فانفجر الزمن ضاحكا من تساؤلاتي الغريبة والمريبة وقال: كما تعرف مسبقا ليس هنالك على الإطلاق مخلوقا مثاليا دقيقا بالمطلق وخال من العيوب والتشوهات، فأنا مهما قيل عني فإنني في كل الأحوال أستاذ رائع، غير أن نقطة ضعفي تكمن في أني أقتل جميع تلامذتي بدون استثناء آخر المطاف، فخل عنك هذا الموضوع الشائك المستعصي على الفهم والمستحيل على البرهنة، وما أرى ذلك إلا مضيعة للوقت، لأنك ستقضي حياتك في محاولة فهم الزمن دون أن تدرك كنهه، اختر لك مثل الجميع شيئا سهلا مسليا ومزجيا للوقت تمني به النفس ثم استظل بظل وارف إلى أن يزول.
فرن منبه الساعة ليذكرني بحلول ساعة الذهاب إلى العمل، فاستيقظت منزعجا متأخرا وأنا أبدل كل ما في وسعي محاولا اللحاق بالزمن الذي انسلت هازئا مني كما ينسلت الماء من كفي عندما تخونه فروج الأصابع، ولم يعد فكري منصبا إلا على الحافلة وطول الطريق وقوالب البشر المنصوبة عند كل منعطف وكل زاوية، في معارك يومية متواصلة ومحتدمة من أجل انتزاع كسرة خبز وجرعة ماء.