التَّكَبُّرُ عَلَى الـمُتَكَبِّرِ قِمَّةُ التَّوَاضُعِ

التَّكَبُّرُ عَلَى الـمُتَكَبِّرِ قِمَّةُ التَّوَاضُعِ
*جاء في كتاب بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية لمؤلفه  أبي سعيد الخادمي الحنفي: التَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّهُ إِذَا تَوَاضَعْتَ لَهُ تَمَادَى فِي ضَلاَلِهِ وَإِذَا تَكَبَّرْتَ عَلَيْهِ تَنَبَّهَ، ومن هنا قال الشافعي تَكَبَّرْ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ مَرَّتَيْنِ، وقال الزهري التًَّجَبُّرُ عَلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْثَقُ عُرَى الإِسْلاَمِ، وعن أبي حنيفة أنه قال أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ مَنْ تَوَاضَعَ لِمَنْ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وقيل قد يكون التكبر لتنبيه المتكبر لا لرفعة النفس فيكون محموداً كالتكبر على الجهلاء والأغنياء، قال يحيى بن معاذ: التَّكَبُّرُ عَلَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْكَ بِمَالِهِ تَوَاضُعٌ.
*قيل لأحد الفلاسفة: من الذي لا عيب فيه؟ قال: الذي لا يموت، وقال بعض الحكماء: الغِنَى وَالعِزُّ خَرَجَا فَلَقِيَا القَنَاعَةَ فَاسْتَتَرَا، وقيل من رضي بالقليل من الرّزق رضي منه بالقليل من العمل، وقال بوذرجمهر عاداني الأعداء فلم أر عدواً أعدى لي من نفسي، وواجهت الشجعان والسباع فلم يغلبني أحد كصاحب السوء، وأكلت الطيب وضاجعت الحسان فلم أر ألذ من العافية، وأكلت الصبر وشربت الْمُرَّ فما رأيت أشد من الفقر، وصارعت الأقران وبارزت الشجعان فلم أر أَغْلَبَ من المرأة السليطة، وَرُمِيتُ بالسهام وَرُجِمْتُ بالأحجار فلم أجد أصعب من كلام السوء يخرج من فم مطالب بحق، وتصدقت بالأموال والذخائر فلم أر صدقة أنفع من رد ذي ضلالة إلى الهدى، وسررت بقرب الملوك وصلاتهم فلم أر أحسن من الخلاص منهم.
*أنشد الإمام عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه  في الصبر واحتمال الشدائد:
إِنِّي   أَقُولُ   لِنَفْسِي   وَهِيَ   ضَيِّقَةٌ      وَقَدْ   أَنَاخَ  عَلَيْهَا   الدَّهْرُ  بِالْعَجَبِ
صَبْراً   عَلَى  شِدَّةِ   الأَيَّامِ  إِنَّ  لَهَا       عُقْبَى وَمَا الصَّبْرُ إِلاَّ عِنْدَ ذِي حَسَبِ
سَيَفْتَحُ    اللهُ   عَنْ    قُرْبٍ   يُعَقِّبُهُ       فِيهَا  لِمِثْلِكَ   رَاحَاتٍ   مِنَ  التَّعَبِ
*وقال عليّ بن الجهم أيضا في الصبر:
سَهِّلْ عَلَى نَفْسِكَ الأُمُورَا      وَكُنْ  عَلَى  مُرِّهَا  صَبُورَا
وَإنْ أَلَمَّتْ صُرُوفُ   دَهْرٍ     فَاسْتَعِنِ   الْوَاحِدَ   الْقَدِيرَا
فَكَمْ   رَأَيْنَا   أَخَا  هُمُومٍ      أُعْقِبَ مِنْ بَعْدِهَا   سُرُورَا
وَرُبَّ   عُسْرٍ  أَتَى  بِيُسْرٍ      فَصَارَ   مَعْسُورُهُ     يَسِيرَا
*قال عبد الله بن ثابت في الصبر:
الصَّبْرُ  مِن  كَرَمِ  الطَّبِيعَهْ     وَالْمَنُّ   مَفْسَدَةُ   الصَّنِيعَهْ
وَالْحُرُّ     أَمْنَعُ     جَانِباً     مِنْ  ذِرْوَةِ  الْجَبَلِ  الْمَنِيعَهْ
تَرْكُ   التَّعَاهُدِ   للِصَّدي‍ـ     ـق يَجُرُّ أَسْبَابَ  القَطِيعَهْ
*أنشد العباس بن الأحنف:
إِذَا مَا  دَعَوْتُ الصَّبْرَ  بَعْدَكِ  وَالبُكَا       أَجَابَ البُكَا طَوْعاً وَلَمْ يُجِبِ الصَّبْرُ
فَإِنْ    يَنْقَطِعْ   مِنْكِ   الرَّجَاءُ   فَإِنَّهُ       سَيَبْقَى  عَلَيْكِ  الْحُزْنُ  مَا بَقِيَ الدَّهْرُ
*قال الجاحظ: رأيت بهلول المجنون بجامع الكوفة يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: أنا جائع، فقلت: عليك بالصّبر، فرد علي منشدا:
يَقُولُونَ لِي فِي الصَّبْرِ رُوحٌ  وَرَاحَةٌ      وَلاَ عَهْدَ لِي بِالصَّبْرِ مُذْ خُلِقَ الصَّبْرُ
وَلاَ شَكَّ أَنَّ الصَّبْرَ كَالصُّبَّرِ  طَعْمُهُ      وَإِنِّي   رَأَيْتُ  الصُّبَّرَ   مُمْتَنِعٌ  وَعْرُ
*أنشد أبو العتاهية في الصبر:
الدَّهْرُ  لاَ  يَبْقَى عَلَى  حَالَةٍ      لاَ  بُدَّ  أَنْ  يُقْبِلَ  أَوْ يُدْبِرَا
فَإِنْ     تَلَقَّاكَ    بِمَكْرُوهِهِ      فَاصْبِرْ فَإِنَّ الدَّهْرَ لاَ يَصْبِرَا
*وقال آخر في الصبر أيضا:
وَعَوَّدْتُ  نَفْسِي  الصَّبْرَ  حَتَّى  أَلِفْتُهُ      وَأَسْلَمَنِي  حُسْنُ  الْعَزَاءِ  إِلَى الصَّبْرِ
وَصَيَّرَنيِ   يَأْسِي  مِنَ  الْيَأْسِ   وَاثِقاً      بِحُسْنِ صَنِيعِ اللهِ مِنْ حَيْثُ لاَ أَدْرِي
*قال بعض العباد: خرجت يوماً إلى المقابر فرأيت البهلول فقلت له ما تصنع هنا؟ قال: أجالس قوماً لا يؤذونني، وإن غفلت عن الآخرة يذكرونني، وإن غبت لم يغتابوني، وقيل لبعض المجانين وقد أقبل من المقبرة من أين جئت؟ فقال من هذه القافلة النازلة، فقيل له: ماذا قلت لهم، قال: قلت لهم متى ترحلون؟ فقالوا حين تقدمون.
*قال أبو الربيع الزاهد لداود الطائي: عظني، فقال: صم عن الدنيا واجعل فطرك على الآخرة، وفر من الناس فرارك من الأسد، وكان بعض أصحاب الحال يقول يا إخوان الصفا هذا زمن السكوت وملازمة البيوت وذكر الحي الذي لا يموت، وقيل للفضيل إن إبنك يقول قد وددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني، فبكى الفضيل وقال يا ويح إبني أفلا أتمها لا أراهم ولا يروني، وقال محمد بن الحنفية (رض) من كرمت عليه نفسه هانت عليه دنياه، وقال بعض الأعراب الصبر مر لا يتجرعه إلا حر، وقال المحاسبي لكلّ شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل الصبر.
*أنشد أبو الفتح البستي في الغرور بالحياة الدنيا:
أَلَمْ   تَرَ   أَنَّ  الْمَرْءَ   طُولَ  حَيَاتِهِ      مُعْنَى   بِأَمْرٍ   لاَ   يَزَالُ   يُعَالِجُهُ
كَدُودِ     الْقَزِّ     يَنْسُجُ    دَائِماً       وَيَهْلَكُ غَمّاً وَسَطَ مَا هُوَ نَاسِجُهُ
*وأنشد أبو العتاهية في الغرور بالحياة الدنيا:
عِشْ   مَا   بَدَا   لَكَ سَالِماً     فِي   ظِلِّ   شَاهِقَةِ  الْقُصُورِ
يُسْعَى  إِلَيْكَ  بِمَا  اشْتَهَيْتَ     لَدَى   الرَّوَاحِ  وَفِي  الْبُكُورِ
فَإِذَا     النُّفُوسُ    تَغَرْغَرَتْ     فِي وَقْتِ  حَشْرَجَةِ  الصُّدُورِ
فَهُنَاكَ      تَعْلَمُ      مُوقِناً      مَا   كُنْتَ   إِلاَّ   فِي  غُرُورِ
*وأنشد ابن بسام في الحقراء وأدنياء النفوس:
وَلَقَد صَبَرْتُ عَلَى الْمَكْرُوهِ  أَسْمَعُهُ      مِنْ مَعْشَرٍ فِيكَ لَوْلاَ أَنْتَ مَا نَطَقُوا
وَفِيكَ  دَارَيْتُ قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ       لَوْلاَكَ مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّهُمْ خُلِقُوا
*أما أبو الفرج الببغاء فانشد وأجاد في الوداع:
يَا   سَادَتِي   هَذِ هِ  نَفْسِي  تُوَدِّعُكُمْ      إِذْ كَانَ لاَ الصَّبْرُ يُسَلِّيهَا وَلاَ الْجَزَعُ
قَدْ كُنْتُ  أَطْمَعُ فِي رُوحِ الْحَيَاةِ لَهَا      وَالآنَ  إِذْ  بِنْتُمْ  لَمْ   يَبْقَ  لِي  طَمَعُ
لاَ عَذَّبَ  الله   نَفْسِي  بِالْحَيَاةِ  فَمَا      أَظُنُّنِي    بَعْدَكُمْ    بِالْعَيْشِ     أَنْتَفِعُ
*وحدثنا  ابْن دُرَيْد فقَالَ أنشدنا أَبُو حَاتِم عن معاداة الدهر للأحرار والكرام ورفعة اللئام:
رَأَيْتُ الدَّهْرَ بِالأَحْرَارِ يَكْبُو      وَيَرْفَعُ   رَايَةَ  الْقَوْمِ  اللِّئَامِ
كَأَنَّ الدَّهْرَ  مَوْتُورٌ  حَقُودٌ      فَيَطْلُبُ  وِتْرَهُ عِنْدَ  الْكِرَامِ
*وأنشد أَبُو حَاتِم أَيْضا عن غدر الدهر بالأحرار فقال:
أَظُنُّ  الدَّهْرَ  أَقْسَمَ  ثُمَّ  بَرَّا     بِأَنْ لَا يَكْسِبَ الأَمْوَالَ حُرَّا
لَقَدْ  قَعَدَ  الزَّمَانُ بِكُلِّ حُرٍّ     وَنَقَّضَ  مِنْ  قِوَاهُ مَا اسْتَمَرَّا
*وأختم هذه المشاركة بشاعر من الشعراء العراقيين المعاصرين ألا وهو خلدون جاويد في قصيدته الجد معبرة والمستمدة من واقع الحياة المعاش، بالرغم من شدة وقع عباراتها على الرومانسيين الحالمين بعالم وردي جميل لا يوجد إلا في الخيال وحكايات أليس في بلاد العجائب:
إِذَا لَمْ تَكُنْ ذِئْباً  عَلَى الأَرْضِ أَجْرَدَا        كَثِيرَ  الأَذَى  بَالَتْ   عَلَيْكَ  الثَّعَالِبُ
وَإِنْ  لَمْ تَكُنْ  نِسْرًا عَلَى قِمَّةِ  السَّمَا        عَلَيْكَ   جَرَابِيعُ   الْكُهُوفِ   تَكَالَبُوا
فَكُنْ شَامِخاً  كَيْ لاَ  تُدَاسَ  بِأَرْجُلٍ        لِكَيْ لاَ  تُوَارَى  بِالتُّرَابِ  الْكَوَاكِبُ
وَكُنْ   جَنَّةً   لِلْخُلْدِ   لَيْسَ   تَنَالُهَا         وَتَطْلُقُ    غِرْبَاناً    عَلَيْهَا   الْخَرَائِبُ
أَعِيذُكَ   مِنْ   دُنْيَا   غُرُورٌ   مَتَاعُهَا        بِهَا   حَاقِدٌ  يَسْتَافُ   مِنْكَ  وَكَاذِبُ
وَلاَ    تَتَقَرَّبْ   مِنْ   صِغَارٍ   بِرُفْقَةٍ        وَحَلِّقْ  كَصَقْرٍ فِي  الفَضَا لاَ يُصَاحَبُ
وَلاَ تَبْدُ   فِي  الأَيَّامِ   هَيِّناً   وَوَاهِيّاً        وَكُنْ   كُلَّ   حِينٍ  صَخْرَةً  تَتَصَالَبُ
وَمُتْ مِثْلَمَا الرُّهْبَانُ فِي دِيرِ صَمْتِهِمْ        فَأَجْمَلُ  مَا  فِي  عَابِرِ  الْكَوْنِ رَاهِبُ
وَأَطْبِقْ   شِفَاهاً   بِالنَّزِيفِ   حَبِيسَةً        فَبِالصَّمْتِ  لاَ  بِالسَّيْفِ أَنْتَ مُحَارِبُ
وَأَبْهَى   ثَبَاتاً   أَنَّ   طَيْفَكَ  ذَاهِبُ        وَأَسْمَى  حُضُوراً  أَنَّ وَجْهَكَ  غَائِبُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق