القَانُونُ لاَ يَحْمِي المُسْتَضْعَفِينَ وَيَحْمِي المُتْرَفِينَ وَالمُسْتَكْبِرِينَ

"مصطلح الديمقراطية الأوروبي مستمد من دستور رأسمالي لا يحمي المغفلين، ومصطلح الشورى الإسلامي مستمد من دستور موجه لحماية المغفلين قبل سواهم" الأديب الليبي الراحل الصادق النيهوم رحمه الله
القَانُونُ لاَ يَحْمِي المُسْتَضْعَفِينَ وَيَحْمِي المُتْرَفِينَ وَالمُسْتَكْبِرِينَ
يعتبر مُؤَلَّفُ 'مِحْنَةُ ثَقَافَةٍ مُزَوَّرَةٍ'  للكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم رحمه الله  إحدى الروائع لهذا الأديب الروائي  الفيلسوف الظاهرة، الذي تهكم على الجميع وفضح نفاق الجميع، ابتداء من الأسرة مرورا بالمجتمع والحكام وفقهائهم ، وانتهاء بالعالم أجمع، ثم جلس في الأخير وحده من بعدما جف الحبر بين أصابعه، ودب المرض في جميع أنحاء جسده المنهك المتداعي، ثم ما لبث أن غادر هذه الحضارة الفاسدة المتعفنة الغارقة في الظلم والظلمات وحيدا بمدينة جنيف بسويسرا في أواسط تسعينيات القرن الماضي، حيث حلق في الأعالي بعيدا عن نفاق وكذب وانتهازية وفساد وجحود بني البشر، ولم يشيع جنازته التي مرت بصمت إلا نفر قليل من الناس، وكثير من الغموض الذي طبع حياته، وموته، ومواقفه، وأفكاره المرفرفة وحيدة في سماء الفكر الحر.
من باكورة أعماله في التهكم والسخرية اللذان برع فيهما براعة فائقة، ولا يضاهيه فيهما أي كاتب عربي آخر، تحدث مرة عن المحتالين والنصابين من السياسيين، من أولئك الذين يتبححون أمام المستضعفين بكونهم دكاترة وأساتذة ومفكرين ومنظرين ومدافعين عن حقوق الناس، بينما هم في حقيقة الأمر مجرد لصوص ونصابين ومزورين ومنتحلين لصفات لا تتوافق على الإطلاق مع ما يبطنون من فساد وخسة ونذالة فقال: 
إذا اجتمع خمسة محتالين في المحطة واقترح أحدهم أن يبيعوا القطار للعُمْدَة، وتَمَّ قبول الاقتراح بعد مناقشة بأغلبية الأصوات، وقَبِلَ العمدة أن يشتري لنفسه قطارا فإن ذلك إسمه ديمقراطية، لكنه ليس بِشُورَى لأن المصطلح الأوروبي مستمد من دستور رأسمالي لا يحمي المغفلين، والمصطلح الإسلامي مستمد من دستور موجه لحماية المغفلين قبل سواهم.
والقول بأن القانون لايحمي المغفلين مبدأ رأسمالي لا مَفَرَّ منه لضمان حرية الكسب، لكن المغفل الذي يعنيه هذا القانون ليس هو العُمْدَة، بل هو كل مواطن لا يحمي حقه أو لا يستطيع أن يحميه، ابتداء من سكان المستعمرات إلى الزنوج والعمال والنساء والأطفال والشيوخ، وبموجب هذا التشريع لم يتمكن مظلوم واحد في التاريخ من أن ينال حقه سلميا أمام محكمة رأسمالية، فلم يكن بوسع سكان المستعمرات أن يستعيدوا أراضيهم إلا بمعارك دامية، ولم يكن بوسع الزنوج والعمال والنساء أن يظفروا بحق المساواة والعمل إلا بحروب حقيقية جرت داخل المدن الرأسمالية نفسها تحت سمع وبصر القانون، ولا تزال تجري يوميا حتى الآن.
فالمغفلون أمام القانون الرأسمالي هم المستضعفون الذين فرض القرآن الجهاد من أجلهم، لأن رأس المال ليس شريعة لتحرير الناس من الإقطاع، بل مرحلة متطورة من مراحل الإقطاع نفسه، لا تهمه شرعية الربح بقدر ما يهمه الربح لذاته.
والواقع أن حي بروكلين قلعة الرأسمالية الحديثة الـمُقام على أرض اشتراها المهاجرون الهولنديون من الهنود الحمر بمبلغ قدره خمسة عشر دولارا فقط لا غير، وهي صفقة أسوأ من بيع القطار للعمدة، لأن أحفاد الهنود الحمر الذين تقدموا إلى القضاء الأمريكي مطالبين بتعويضهم من هذه الخدعة ما زالوا يدفعون أتعاب المحامين حتى الآن.