"لم يكن الشيعة (روافض) في أول أمرهم، وكذلك السنة (نواصب)، إنما هو التطرف أو ما أسميناه بالتراكم الفكري، الذي أدى بهما إلى هذه النتيجة الـمحزنة، وإذا أراد الشيعة وأهل السنة في هذا العصر أن يتحدوا فليرجعوا إلى شعارهم القديم الذي اتخذه زيد بن علي وأبو حنيفة، أي شعار الثورة على الظلم في شتى صوره، لا فرق في ذلك بين الظالم الشيعي أو الظالم السني، إن هدف الدين هو العدل الاجتماعي، وما الرجال فيه إلا وسائل لذلك الهدف العظيم."
عن 'وعاظ السلاطين' لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي رحمه الله
عن 'وعاظ السلاطين' لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي رحمه الله
لعل شهرة الشاعر الأندلسي أبي البقاء الرندي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي (1204-1285م) تعود بالأساس إلى قصيدته الشهيرة رثاء الأندلس ولولاها لكان نسيا منسيا، إذ تعتبر هذه القصيدة التي نقلت صورة حقيقية وصادقة عن أحوال المسلمين بالأندلس إحدى الروائع والبدائع في تاريخ الشعر العربي برمته، عند بداية انهيار الدولة المركزية أمام الضربات الموجعة والمتكررة للصليبيين الصبليون، وتَتَابُعِ سقوط قلاع المسلمين الواحدة تلو الأخرى، حتى السقوط المدوي لآخر معاقلهم غرناطة سنة 1492م.
والقصيدة في حد ذاتها كانت رثاء على أحوال المسلمين، ولـِمَا أَلَـمَّ بهم من قتل وتشريد وإهانة عز نظيرها في تاريخ الحروب والإبادات الجماعية، وما الفظائع المروعة لمحاكم التفتيش إلا صورة طبق الأصل لذلك، وفي نفس الوقت كانت هذه القصيدة صرخة استغاثة موجهة لدولة المرينيين (1244-1465م) بالمغرب الأقصى قصد التحرك لصد اعتداءات الصبليون، ووضع حد لتهور وتهتك ملوك بني الأحمر المخنثين، الذين فضلوا البقاء على كراسيهم الوثيرة وحياتهم الباذخة ودفع الجزية للصبليون عوض الجهاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ورغم استجابة دولة المرينيين للنداء، إلى أنها لم تستطع الوقوف طويلا في وجه الاتحاد المسيحي بين مملكتي أراغون بقيادة فرديناند ومملكة قشتالة بقيادة إيزابيلا، خصوصا بعد تمزق كيان الشمال الأفريقي (ليبيا تونس الجزائر والمغرب) الذي كان آنذاك تحت حكم الدولة المغربية القوية والـمُهابة الجانب دولة الموحدين.
ورغم مرور ما يزيد على سبعة قرون على نظم هذه القصيدة الرائعة والحزينة في آن واحد، فإن كل بيت منها كأنه قد كُتب لتوه الآن في هذه السنين العجاف التي تكالب فيها الغرب الصليبي على بلاد المسلمين كما تتكالب الأكلة على قصعتها، وبمساعدة وتواطؤ ملوك طوائف جدد كملوك بني الأحمر آنذاك، فما أشبه اليوم بالبارحة.
إن هذه القصيدة التاريخية بكل المعاني التي تحوي في أحشائها من الحسرة والألم في بلاغة وإيجاز ما لن تستوعبه كتب ومجلدات أدباء الدولار واليورو في حشوها وإطنابها ونفاقها وتمسحها بأعتاب أولياء النعمة من الحكام الظلمة، سوف تبقى خالدة تذكر العرب والمسلمين، إن نفعت الذكرى، بأخطاء حكامهم الفادحة والقاتلة في تولي أمورهم، وهي درس ومحك حقيقي لحكام وولاة أمور العرب والمسلمين في العصر الحديث، وكيفية تعاطيهم بكل مسؤولية أخلاقية وتاريخية، وبكل صدق وأمانة مع كل الشؤون التي لها ارتباط وثيق بمصير الأمة العربية والإسلامية، وما يُحاك ضدها من مؤامرات التقسيم والتفتيت وضرب أسس الدول لإضعافها، ثم الإجهاز عليها إجهاز الذئاب على فرائسها، ثارة باسم الديمقراطية وثارة باسم الحرية وأخرى باسم النكتة السخيفة لحماية المدنيين وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحقوق الفردية والعرقية والطائفية والثقافية وهلم جرا.
فاسألوا أهل الحرب من المجرمين السفاحين القتلة إن كنتم لا تعلمون، كم قتل الفرنسيس من المدنيين في الجزائر والمغرب وإفريقيا عموما، وكم قتل الإنجليز في إمبراطوريتهم التي كانت لا تغيب عتها الشمس، والتي قامت على أشلاء ودماء مئات الملايين من الشعوب التي ليس لها جلد أبيض وعيون زرق، وكم قتل الأمريكان من الهنود الحمر ومن السود ومن المدنيين في فيتنام والكمبودج واليابان وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من أمم الأرض، وكم قتل الناتو في السنين الأخيرة من المدنيين في أفغانستان وليبيا، هؤلاء الأوغاد الفجرة القتلة الذين يقتلون الإنسان ظلما وعدوانا ثم يشيعون جنازته وهم متباكون ومتغامزون فيما بينهم في آن واحد.
والقصيدة في حد ذاتها كانت رثاء على أحوال المسلمين، ولـِمَا أَلَـمَّ بهم من قتل وتشريد وإهانة عز نظيرها في تاريخ الحروب والإبادات الجماعية، وما الفظائع المروعة لمحاكم التفتيش إلا صورة طبق الأصل لذلك، وفي نفس الوقت كانت هذه القصيدة صرخة استغاثة موجهة لدولة المرينيين (1244-1465م) بالمغرب الأقصى قصد التحرك لصد اعتداءات الصبليون، ووضع حد لتهور وتهتك ملوك بني الأحمر المخنثين، الذين فضلوا البقاء على كراسيهم الوثيرة وحياتهم الباذخة ودفع الجزية للصبليون عوض الجهاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ورغم استجابة دولة المرينيين للنداء، إلى أنها لم تستطع الوقوف طويلا في وجه الاتحاد المسيحي بين مملكتي أراغون بقيادة فرديناند ومملكة قشتالة بقيادة إيزابيلا، خصوصا بعد تمزق كيان الشمال الأفريقي (ليبيا تونس الجزائر والمغرب) الذي كان آنذاك تحت حكم الدولة المغربية القوية والـمُهابة الجانب دولة الموحدين.
ورغم مرور ما يزيد على سبعة قرون على نظم هذه القصيدة الرائعة والحزينة في آن واحد، فإن كل بيت منها كأنه قد كُتب لتوه الآن في هذه السنين العجاف التي تكالب فيها الغرب الصليبي على بلاد المسلمين كما تتكالب الأكلة على قصعتها، وبمساعدة وتواطؤ ملوك طوائف جدد كملوك بني الأحمر آنذاك، فما أشبه اليوم بالبارحة.
إن هذه القصيدة التاريخية بكل المعاني التي تحوي في أحشائها من الحسرة والألم في بلاغة وإيجاز ما لن تستوعبه كتب ومجلدات أدباء الدولار واليورو في حشوها وإطنابها ونفاقها وتمسحها بأعتاب أولياء النعمة من الحكام الظلمة، سوف تبقى خالدة تذكر العرب والمسلمين، إن نفعت الذكرى، بأخطاء حكامهم الفادحة والقاتلة في تولي أمورهم، وهي درس ومحك حقيقي لحكام وولاة أمور العرب والمسلمين في العصر الحديث، وكيفية تعاطيهم بكل مسؤولية أخلاقية وتاريخية، وبكل صدق وأمانة مع كل الشؤون التي لها ارتباط وثيق بمصير الأمة العربية والإسلامية، وما يُحاك ضدها من مؤامرات التقسيم والتفتيت وضرب أسس الدول لإضعافها، ثم الإجهاز عليها إجهاز الذئاب على فرائسها، ثارة باسم الديمقراطية وثارة باسم الحرية وأخرى باسم النكتة السخيفة لحماية المدنيين وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحقوق الفردية والعرقية والطائفية والثقافية وهلم جرا.
فاسألوا أهل الحرب من المجرمين السفاحين القتلة إن كنتم لا تعلمون، كم قتل الفرنسيس من المدنيين في الجزائر والمغرب وإفريقيا عموما، وكم قتل الإنجليز في إمبراطوريتهم التي كانت لا تغيب عتها الشمس، والتي قامت على أشلاء ودماء مئات الملايين من الشعوب التي ليس لها جلد أبيض وعيون زرق، وكم قتل الأمريكان من الهنود الحمر ومن السود ومن المدنيين في فيتنام والكمبودج واليابان وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من أمم الأرض، وكم قتل الناتو في السنين الأخيرة من المدنيين في أفغانستان وليبيا، هؤلاء الأوغاد الفجرة القتلة الذين يقتلون الإنسان ظلما وعدوانا ثم يشيعون جنازته وهم متباكون ومتغامزون فيما بينهم في آن واحد.
وأختم هذه التدوينة بما قاله عالم الاجتماع
العراقي علي الوردي رحمه الله في مؤلفه القيم 'مهزلة العقل البشري' أو
بالأحرى مهزلة العقل المسلم: "قد يعتقد المسلمون اليوم أنّهم لو كانوا يعيشون
في زمان الدعوة لدخلوا فيها حالما يسمعون بها، ولست أرى مغالطة أسخف من هذه
المغالطة، يجب على المسلمين اليوم أن يحمدوا ربهم ألف مرة لأنّه لم يخلقهم في تلك
الفترة العصيبة، ولو أنّ الله خلقهم حينذاك لكانوا من طراز أبي جهل أو أبي سفيان
أو أبي لـهب، أو لكانوا من أتباعهم على أقل تقدير، ولرموا صاحب الدعوة بالحجارة
وضحكوا عليه واستهزأوا بقرآنه ومعراجه، تصور يا سيّدي القارئ نفسك في مكة أبان
الدعوة الإسلامية، وأنت ترى رجلاً مستضعفاً يؤذيه الناس بالحجارة ويسخرون منه،
ويقولون عنه إنّه مجنون، وتصور نفسك أيضاً قد نشأت في مكة مؤمناً بما آمن به آباؤك
من قدسية الأوثان، تتمسح بها تبركاً وتطلب منها العون والخير، ربّتك أمك الحنونة
على هذا وأنت قد اعتدت عليه منذ صغرك، فلا ترى شيئاً غيره، ثم تجد ذلك الرجل
المستضعف يأتي فيسب هذه الأوثان التي تتبرك بها، فيكرهه أقرباؤك وأصحابك وأهل
بلدتك وينسبون إليه كل منقصة ورذيلة، فماذا تفعل؟ أرجو أن تتروى طويلاً قبل أن تجيب عن هذا السؤال".