الجحيم خال وكل الشياطين هم هنا على الأرض*

مَا كَانَ فِي مَاضِي الزَّمَانِ مُحَرَّماً       لِلنَّاسِ  فِي  هَذَا  الزَّمَانِ  مُبَاحُ
فَالْفَتْكُ  فَنٌّ   وَالْخِدَاعُ   سِيَّاسَةٌ       وَغِنَى اللُّصُوصِ بَرَاعَةٌ  وَنَجَاحُ
                                                             أحمد شوقي رحمه الله
الجحيم خال وكل الشياطين هم هنا على الأرض
من خلال تجربتي الحياتية المتواضعة تعرفت على أنواع شتى من البشر، أَحَبُّهُمْ إلى نفسي العاملون في صمت بصدق وإخلاص وأمانة وهم أقلية قليلة يكادون-وسط ضجيج التفاهة والعبث اللذين سمما جميع أجواء الدنيا-لا يُسْمَعُ لهم صوت ولا يُأْخَذُ لهم برأي، وَأَبْغَضُهُمْ إليها أولئك الذين يستغلون طيبوبة المستضعفين وقلة حيلتهم بوجوه مبتسمة وقلوب من حجر وهم الأغلبية الساحقة، وهم من كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ كيأجوج ومأجوج نسلهم السيء التربية والسمعة والخلق. 
نصيحتي التي أوجهها دائما إلى نفسي قبل أن أوجهها إلى غيري هي: "مهما تكالب عليك الزمن وطواغيته من البشر، فإياك ثم إياك أن تستسلم لهؤلاء الطواغيت وتصبح إمعة عديمة الشخصية والرأي وميتة الضمير"، وكما قال أيضا الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "عليك أن تقاسي كي تبقى حرا من هيمنة واستبداد المجتمع، غير أنه سوف تبقى وحيدا وأحيانا خائفا، لكن الثمن ليس غاليا في مقابل أن تمتلك نفسك".
إن من تراوده نفسه إلى الاستعلاء والترفع على خلقته وطبيعته البشرية التي خلقه الخالق عليها فإنه يخاطر بأن يهوي من الأعلى نحو الأسفل في هوة سحيقة لا حدود لها، فالإنسان الأكثر اكتمالا يمكنه أن يعود إلى حالة منحطة وفظيعة من البهيمية إذا حاد عن الطريق الصواب لقدره المحتوم.
خمنت في الدنيا ساعة فقلت لها: "أيتها الغدارة عريسك في كل وقت وزمان موجود، ومهرك من الأموال والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة غير محدود، وبهرجة عرسك تتجاوز كل الحدود، غير أنك عندما تهمين بالطلاق فإنك تركلين كالبغلة ركلة قاتلة بدون أن يراك ولو واحدٌ من الشهود".
كثير من الناس ينبهر للجمال، وأنا شخصيا أوافقهم الرأي وأقول لهم بأن الجمال شيء جيد ومرغوب، لكن ومع ذلك أقول لهم حذار ثم حذار، فخلق قسمات أخاذة من الجمال غالبا ما تستخفي وتتستر أعلى درجات الغدر والخيانة والكذب والبهتان.
يقول شكسبير: "الجحيم خال وكل الشياطين هم هنا على الأرض"، معظمهم يعبدون ويقدسون الثالوث الشيطاني الماسوني الذي قمة هرمه السلطة وقاعدتاه الأساسيتان هما الجنس والمال، ومن قال غير غير ذلك فهو لا شك كاذب شاء أم أبى، فمن الممكن أن يقاوم شخص هذه المعبودات الثلاث، ولكن إلى أي مدى يمكنه ذلك؟ فقط إلى درجة معينة ثم ينهار ويستسلم، حاله كحال المعادن مع الحرارة، تقاوم.. وتقاوم.. وتقاوم، غير أنها تذوب وتنصهر في آخر المطاف عند بلوغها درجة حرارة معينة.
وعلى أية حال فإن التاريخ البشري منذ بدايته كله مفروش بالجثت وملطخ بالدماء، لأن القتل والاغتصاب والغش والمكر والخداع والكذب هي من طبيعة البشر المتأصلة فيه، ويمكنني تشبيه تاريخ البشرية منذ بدايته بطريق سريع أُنجز كله من العظام، ومن أراد أن يحرز مكانا على هذا الطريق السريع فعليه أن يكون ذو مال وبأس شديد.. نقطة انتهى الكلام.
هوامش:
*مقولة لشكسبير