وفي الواقع أن اصطحاب المراحيض وكثير من الأغراض الأخرى خلال رحلات الكثير من الرؤساء والملوك والأمراء خارج أوطانهم هي أمور جاري بها العمل في الأعم، لتفويت الفرصة على أجهزة المخابرات للدول المتربصة على جمع الفضلات السامية لأصحاب السعادة والفخامة والسمو، فهي تعتبر من أسرار الدولة التي يجب الحفاظ على سريتها، إذ من الممكن للمخابرات المناوءة أن تقوم بتحليلها في مختبراتها العالية التقنية في حال الحصول عليها، ومن تم اكتشاف معلومات عن الحالة الصحية لأصحاب السعادة والفخامة والسمو، من خلال تشخيص حالة القولون والجهاز الهضمي بكامله ومعرفة الأدوية التي يتناولها هؤلاء، ومن تم معرفة نقط الضعف التي يمكن استعمالها بمكر ودهاء عندما يحين وقتها.
وذكرتني هذه الواقعة بأقصوصة 'العظم وراقد الريح' للكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم، وهي حكاية غاية في الطرافة والساتيرية حول الرجل القصير ذي الطاقية الحمراء الذي انتقل إلى دار الآخرة ووجد الشيطان في انتظاره ومرحبا به أمام باب جهنم، وكيف استطاع هذا الرجل بالحجة البينة والبرهان الدامغ أن يقنع الشيطان على أن مكر وغدر وخبث البشر قد أدخل إلى جهنم ضعفين ممن أدخلهم الشيطان إلى الجحيم طوال حياته، وذلك بالرغم من معارضة الشيطان بادئ الأمر وفي ظنه أنه هو الأمكر، غير أنه اقتنع في الأخير لما نزل إلى مدينة ليبية وهي بنغازي، وبنغازي في الواقع هي عينة تمثيلية لأي مدينة أخرى في الوطن العربي، وكيف اكتشف الشيطان بنفسه ما لم يختر على باله وما لم يكن يتخيله مطلقا في حياته.
يقول الراوي: يُحكى، والله أعلمُ بغيبهِ وأحكمُ، وأعزُّ وأكرمُ، وألطفُ وأرحمُ أن الشيطانَ كان يقف ذات يوم كعادته أمام بوابة الجحيم يُحصي ضحاياه الجُدد الذين وصلوا لتوهم من دار الدنيا، وكان يضحك ملئ شدقيه ويهز ذيله القبيح العاري من الشعر صارخا بأعلى صوته:" هذه حصيلة يوم واحد، انظر هنا يا حارس الجنة، لقد جمعت هذا القطيع كله بنفسي خلال يوم واحد، أنا ألقي شبكتي في دار الدنيا وأعود بها كل يوم مليئة بالخنازير، انظر بنفسك، كل خنزير هنا يساوي ثقله ذهبا، وأنا أشتريه بنصف درهم".
وكان ضحايا الشيطان يبكون الدم، وكانوا يصرخون بكل اللغات، ويمزقون ثيابهم ويتمرغون على الأرض ويلعنون الشيطان الذي نصب لهم هذا الفخ، ما عدا رجل قصير القامة يلبس طاقية حمراء، كان يقف في مقدمة الطابور واضعا يديه في جيوبه ويتفرج على الجحيم.
وقد رآه الشيطان على الفور وطفق يراقبه برهة ثم اقترب منه وسأله بسخرية:" قل أيها المواطن، هل أعجبتك الجحيم؟".
ونظر إليه الرجل القصير القامة في هدوء ثم قال له:" لا، إنها لم تعجبني، ابتعد قليلا يا سيدي، إن رائحتك لا تُطاق".
وابتعد الشيطان خطوتين إلى الوراء ثم وضع يده تحت ذقنه وسأله بحيرة:" حسنا إذن أيها المواطن، لماذا لا تتمرغ على الأرض وتمزق ثيابك وتلعنني؟".
وفي هدوء مد الرجل القصير القامة يده إلى طاقيته الحمراء وأخرج من تحتها عقب سيجارة محلية الصنع ثم أشعله من سور الجحيم وقال للشيطان:" لماذا تريدني أن ألعنك يا سيدي؟ أنت لم تتسبب في ذهابي إلى الجحيم، إن امرأتي وحدها هي التي فعلت ذلك، ولو كان الأمر يخصك وحدك لما كان بوسعك أن تحملني خطوة واحدة إلى أي مكان، أنت مجرد شيطان صغير كريه الرائحة، ولكن امرأتي يا سيدي..أجل امرأتي التي تتضوع برائحة الحناء والقرنفل"، وقاطعه الشيطان بغضب:" انتظر أيها المواطن، لا تدعني أحطم رأسك على بعد شبر واحد من الجحيم، إنه ليس ثمة مخلوق آخر في العالم يقود الناس إلى هذا المكان سواي".
وهز الرجل القصير القامة رأسه ورمى عقب السيجارة على الأرض ثم قال بهدوء:" أجل أنت مخلوق مغرور مضحك على الدوام، أنت مستعد لأن تخلد في النار لكي ترضي غرورك القبيح، اسمع يا سيدي الشيطان، إنه لا يهمني أن تصدقني، ولكني سأقول لك إن كل امرأة حافية القدمين في بنغازي قد وضعت في الجحيم أكثر مما وضعته أنت طوال حياتك مرتين على الأقل".
وجلس الشيطان على الأرض من فرط الدهشة ثم شرع يهز رأسه ويردد في ذهول:" هذه مجرد كذبة محلية، ليس ثمة أحد غيري يطعم الجحيم بيديه، أي مخلوق مضحك يضع فوق رأسه طاقية حمراء ويكذب هكذا على باب جهنم يا إلهي، انظر إلى هذا القزم المحشو بالكذب، إنني أتمنى أن أكسر رأسه مقابل افترائه الأحمق على نساء بنغازي، أجل إن الأمر كله مجرد افتراء".
ولكن الشيطان لم يحس بالسلام طوال ذلك اليوم، وقد ظل مشغول البال بنساء بنغازي، وظلت الشكوك تراوده حتى نفذ صبره في آخر النهار والتقط عكازه وأقفل باب بيته في الجحيم لكي لا يسرق اللصوص قطع الأثاث، ثم انطلق يبحث عن مدينة بنغازي مزمعا أن يكتشف حقيقة الأمر.
وقد وجدها على بعد خمسة أميال من جهنم، وكانت المدينة مضاءة كالعادة بنور الإيمان وبعض مصابيح الغاز، وكانت تستعد لاستقبال عيد الأضحى المبارك اليوم التالي، وكان الأهالي يملأون الجوامع والطرقات، والقضاة يجلسون فوق أسقف البيوت ويبحثون عن الهلال، والعجائز تنتقل بين أضرحة الأولياء لإيفاء النذور المتبقية من العيد الماضي.
وقد طار الشيطان فوق مدينة بنغازي قائلا في ذات نفسه:" هذه المدينة تفوح مثل إسطبل للنعاج، يا إلهي لماذا يضع كل امرئ هنا نعجة في سقيفة بيته؟"، ثم وضع يده على أنفه وقرر أن يهبط لكي يكتشف حقيقة الأمر، وكان الشيطان قد جلس على حافة الجدار لتوه عندما وصل الحمال المدعو مسعود بن تفاحة إلى بيته وأدخل حماره في السقيفة، ثم تسلل عبر الباب الجواني مطرق الرأس.
وقال الشيطان في ذات نفسه:" هذا الحمال فقد كيس نقوذه، ذلك واضح من مشيته، إنه يكاد يموت من الحزن"، ولكن الشيطان كان مخطئا كعادته في التنبؤ بسلوك الناس في بنغازي، وقد مد الحمال يده إلى حذائه وأخرج كيس النقود الملوث بالعرق ووضعه بين يدي زوجته.
وهز الشيطان كتفه وتساءل:" حسنا إذن.. ماذا دهاه؟"، ثم رفع أذنيه الكبيرتين وشرع ينصت فاغرا فمه، فقد كانت المرأة تصرخ بملء رئتيها:" ما هذا يا مسعود بن تفاحة، ماذا تعتقد أنني أستطيع أن أفعل بخمسة دراهم، أنا قلت لك أن تُحضر نعجة العيد، هذا ما قلته لك، ولم أطلب منك أن تلقي في وجهي كيسك الملوث بالعرق، أُخرج الآن.. أجل الآن.. في هذه الساعة وأحضر نعجة العيد.. اتْفُو.. ماذا تعتقد أنك ستفعل هنا؟".
وقال الحمال مكسور القلب:" يا امرأة، لا تبصقي فوق وجهي، ماذا دهاك؟ إنني لا أملك ما أشتري به نعجة العيد".
ووقفت المرأة على قدميها وقالت بغضب:" اذهب واسرق واحدة.. أجل.. اذهب الآن واسرق لنا نعجة، إنني لا أستطيع أن أواجه جيراننا غدا بدون أُضحية، تحرك يا مسعود بن تفاحة، اذهب إلى سوق الغنم واسرق نعجة من هناك".
وقال الشيطان في ذات نفسه:" هذا الحمال لا يستطيع أن يسرق ذُبابة، ذلك واضح من سلوكه، إنه مجرد مرابط سيء الحظ".
ولكن الحمال قال مكسور القلب:" يا امرأة انتظري.. أنا لا أحتاج إلى مشورتك، لقد ذهبت هذا الصباح إلى سوق الغنم وسرقت نعجة، أجل، لقد فعلت ذلك حقا، ولكن راقد الريح يلقي العظم في الكرشة.. لقد كانت مجرد كلب مغطى بنطع وضعه اللصوص في السوق".
وضحك الشيطان حتى كاد أن يسقط من فوق الجدار، ولكن المرأة لم تضحك على الإطلاق، لقد أطرقت برأسها برهة، ثم لمعت عيناها فجأة وقالت بصوت منخفض:" اذهب واسرق نعجة جارنا، إنني لا أستطيع أن أتحمل رؤية امرأته العرجاء وهي تركب تلك النعجة العظيمة عبر الصراط فيما أمشي أنا على قدمي، أجل.. اذهب الآن، هل تريد أن تتركني أضحوكة يوم القيامة يا مسعود بن تفاحة".
وهز الحمال رأسه وقال مكسور القلب:" يا امرأة، أنا لا أريد أن أتركك أضحوكة في أي يوم، ولكن تلك النعجة ليست نعجة على الإطلاق، اسمعي لقد سرقتها أيضا هذا الصباح واكتشفت أنها مجرد دمية مغطاة بالصوف لخداع الجيران".
وقالت المرأة بغضب:" ولكنها كانت تثغو طوال النهار، أنا سمعتها بنفسي".
ولوح الحمال بيده وقال مكسور القلب:" أجل.. لقد سمعتها أنا أيضا، ولكن ذلك في الواقع كان جارنا بنفسه الذي وضعته امرأته في السقيفة وجعلته يثغو طوال النهار".
وهز الشيطان رأسه بضع مرات وقال في ذات نفسه:" هذه مدينة غريبة حقا، ما هذا يا إلهي؟ هل قلت لأهالي بنغازي إن النعجة فداء للإنسان أم الإنسان فداء للنعجة.. وماذا يفعل القاضي في هذه المدينة؟".
وكان الشيطان على وشك أن يذهب للبحث عن بيت القاضي عندما سمع المرأة تقول فجأة:" اسمع يا مسعود بن تفاحة، أنت ستذهب في هذه الساعة لكي تسرق كبش القاضي، إنه الإنسان الشريف الوحيد الذي لن يضع دمية تحت النطح لخداع جيرانه.. اسمع، لا تقل لي إن القاضي أيضا يفعل ذلك".
وهز الحمال كتفه وقال مكسور القلب:" لا.. أنا لا استطيع أن أقول ذلك، إنه في الواقع يملك كبشا عظيما بوسعه أن يحملك عبر الصراط عشر مرات، وقد نقلته إلى بيته هذا الصباح بنفسي، أجل إن كبش القاضي ليس دمية وليس كلبا مغطى بنطع.. ولكن اسمعي يا امرأة أنا لا أعرف كيف أدخل بيت القاضي".
وهز الشيطان رأسه موافقا على حافة الجدار وقال في ذات نفسه:" أجل هذه حقيقة واقعة، إن بيت القاضي يحرسه عادة مائة شرطي"، ولكن المرأة أطلقت على الفور ضحكة عالية وخبطت صدرها بيدها ثم قالت بلهجة تقطر حنانا:" هذه مهمتي أنا يا مسعود بن تفاحة، لا تشغل بالك بأمر الدخول إلى بيت القاضي، أنا سأدخلك إليه أمام القاضي نفسه، اسمع، ارقد على الأرض"، واتكأ الشيطان على حافة الجدار وطفق يراقب ما تفعله المرأة فاغرا فمه، وقد رآها تطلع من أحد الأكياس جلد نعجة كاملة مزودا بالرأس والأرجل، ورآها تربط الجلد حول جسد الحمال وتحشر رأسه في رأس النعجة وتخيط الثقوب بإحكام ودقة حتى بدا الحمال في لمحة عين مثل نعجة حقيقة، ثم سمعها تقول بمرح:" تعالى إلى المرآة يا زوجي العزيز، تعال وانظر بنفسك، إنك نعجة كاملة الصفات، أجل.. لماذا تعتقد أنك لا تستطيع أن تدخل بيت القاضي، تعال الآن.. أنا سوف أجعل القاضي يشتريك بنقوده لكي تسرق كبشه، أجل.. من قال لك إن راقد الريح يلقي العظم في الكرشة".
ونهض الشيطان واقفا على قدميه وطفق يراقب المرأة فيما كانت تلف عباءتها حول جسدها وتجر النعجة وراءها، وقد تبعها عبر الأزقة الضيقة والشوارع العريضة، ورآها تمشي مرفوعة الرأس مثل أي سيدة عادية تخرج للنزهة بكلبها، وقال الشيطان في ذات نفسه:" هذه امرأة مجنونة، إن القاضي لن يَشْتَرِ تلك النعجة، ما دام قد اشترى كبشا، أجل ماذا يفعل المرء بضحيتين على أي حال؟".
ولكن الشيطان كان مخطئا كالعادة في التنبؤ بسلوك الناس في بنغازي، وقد سارع القاضي إلى شراء النعجة في الحال لأن المرأة لم تطلب في مقابلها سوى نصف درهم، ولأن القاضي لا يرفض قط أن يشتري مطية إضافية ما دام يعرف أكثر من سواه صعوبة المشي على الصراط.
وطوال المساء كان الشيطان يجلس على حافة الجدار ويضحك بملء رئتيه.
وكان القاضي لأمر ما قد هجر النوم عينيه وجعله يجلس على بساطه العجمي أمام المربوعة وينصت لكل حركة وراء الباب، وكان الكبش الفظيع الهائل الضخامة يقفز فوق ظهر الحمال وينطحه بقرونه، وكان الحمال غاضبا إلى حد الحنق وقد شرع يلكم الكبش على رأسه بطريقة غير شائعة بين النعاج، وطفق يلتمس الحماية مستندا بذيله إلى الجدار، ولكن المخلوق الأبله المحترق بالشبق عاد يقفز فوق ظهره بعناد لا يُبارى، واضطر الحمال في لحظة طيش هائلة إلى أن يقف على قدميه ويلكمه على أسنانه.
في تلك اللحظة اعتقد الشيطان أن القاضي قد رأى كل شيء، ولكنه كان مخطئا لأن الحمال قام بحركته في سرعة خاطفة، ولأن القاضي والكبش معا كانا يديران رأسيهما في اتجاه الباب الذي أصدر لتوه صوت ثلاث طرقات خفيفة.
ومد الشيطان عنقه لكي يرى القادم الجديد ثم سمع صوت امرأة تقول للقاضي بصوت خافت:" هل تأخرت عليك يا فضيلة القاضي؟"
وقبلها القاضي في عنقها ثم قال ضاحكا:" لستُ فضيلة القاضي، دعينا من الألقاب قولي لي يا منصور فقط"، ومالت المرأة إلى الوراء وعادت تهمس بدلال:" هل تأخرت عليك يا منصور؟ أنت تعرف لقد كنت أخاف أن يحضر زوجي على حين غرة، إن أحدا لا يستطيع أن يتنبأ متى يحضر ذلك البغل، ولكنه يبدو أنه اضطر للبقاء في السوق حتى يشتري نعجة العيد".
وقادها القاضي إلى البساط العجمي ثم جلس بجانبها وقال وهو يحك قدمه:" ما إسمك يا سيدة الملاح، أنا لم أر هذا الوجه الحلو من قبل.. إن الدَّلاَّلَةَ لم تصف لي نصف جمالك؟"
ومطت المرأة شفتيها ولوحت بيدها ثم أطلقت صرخة عالية على حين غرة.
وكان الكبش واقفا على قدميه، وكان يهز قرونه ويصرخ بأعلى صوته:" أيتها العاهرة.. أيتها المرأة الوضيعة العاهرة، ماذا تفعلين هنا؟ أنا سأخنقك بيدي وسوف أخنق هذا القاضي ابن العاهرة.. اتْفُو.. أيها الزانيان.. هل خطر ببالكما أنكما تستطيعان أن تخدعاني، لقد أخبرتني الدَّلاَّلَة بكل شيء، أجل.. أيها القاضي الخنزير، لقد أخبرتني الدَّلاَّلَة بجميع فضائحك، أنا سوف أخنقك بيدي".
ووضع الشيطان يده على فمه وتجمد من الرعب فيما كان الكبش يطلع من جلده ويضع يديه حول عنق القاضي، ثم سمع المرأة تقول بصوت عال:" انظر يا زوجي العزيز.. لا تجعل الغضب يعمي بصيرتك، اغفر لنا هذه المرة يغفر الله لك، إننا لن نعود قط إلى هذا العمل المشين"، ثم سمع القاضي يقول متضرعا:" أجل يا سيدي لا تجعل الغضب يعمي بصيرتك، إننا لم نفعل شيئا بحقك حتى الآن، فاغفر لنا يغفر الله لك".
ولكن الكبش صاح بغضب:" اسكت أيها العجوز الزاني، إنك لا تستحق سوى الموت هكذا خنقا باليدين"، ثم طفق يعصر عنق القاضي حتى كاد أن يقصفه فيما صرخت المرأة فجأة:" انتظر يا زوجي العزيز، لا تلطخ يديك بدم القاضي، إنه يستطيع أن يشتري نفسه منك بمائة درهم".
وتوقف الكبش عن خنق القاضي فيما أضافت المرأة:" أجل يا زوجي العزيز لا تدع الغضب يعمي بصيرتك، إن هذا العجوز البائس يستطيع أن يفدي نفسه منك بمائة درهم، أليس كذلك يا فضيلة القاضي؟"، وهز القاضي رأسه ثم قال بصوت مختنق:" أجل يا سيدتي، ولكني لا أملك درهما واحدا في البيت، لقد دفعت كل ما معي ثمنا لهذه النعجة، انظري بنفسك، إنها تساوي أكثر من مائة درهم".
وهز الشيطان رأسه وخبط الجدار بقبضته قائلا في ذات نفسه:" هذه أكذوبة فظيعة، إن القاضي لم يدفع سوى نصف درهم ثمنا للحمال البائس"، فيما توقف الكبش مفكرا برهة ثم قال بغضب:" حسنا أيها العجوز الخنزير، أنا سآخذ هذه النعجة مقابل رأسك لأنك في الواقع لا تساوي أكثر من ذلك، أما زوجتي العاهرة فلا بد أن أقتلها بيدي بمجرد أن نعود إلى البيت".
وتحرك الحمال داخل جلد النعجة وعاد إلى الوراء محاولا أن يحتمي بالجدار فيما كان القاضي يضع الحبل حول عنقه قائلا:" أجل سيدي، اقتل زوجتك العاهرة، أعني اقتل من تشاء لقد كانت ليلة عجيبة على أي حال، وكما قيل منذ سالف الأمد راقد الريح يلقي العظم في الكرشة".
وفي عتمة الليل الخريفي البارد مشى الشيطان وراء النعجة ومشت النعجة وراء الكبش ومشى الكبش وراء امرأته التي كانت تقول له من تحت عباءتها:" يا زوجي العزيز ألم أقل لك إنني أستطيع أن أدخلك إلى بيت القاضي أمام القاضي نفسه، يا زوجي العزيز ألم أقل لك إنني أستطيع أن أخرجك منه أمام القاضي نفسه أيضا، يا زوجي العزيز من قال لك إن راقد الريح يلقي العظم في الكرشة".
وفي صباح اليوم التالي كان الشيطان يقف كعادته أمام بوابة الجحيم ويحصي ضحاياه الذين وصلوا لتوهم من دار الدنيا، ولكنه لم يكن يضحك ملء شدقيه، ولم يكن يهز ذيله القبيح العاري من الشعر، لقد ظل جالسا على الأرض واضعا يده تحت ذقنه، وظل يراقب الحمال الذي وقف صامتا في مقدمة الطابور ووضع يديه في جيوبه وشرع يتفرج على الجحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق