المال يُفسد حتى أشد الناس تمسكا بالقيم والمبادئ والأخلاق

"اسمحوا لي أن أسيطر على الموارد المالية لبلد ما وسأهزأ بمن يكتب قوانينه" روتشيلد
هل تفضل؟
'هل تفضل؟' فيلم أمريكي من السلسلة 'ب'، تم إنجازه بميزانية صغيرة، وهو من إنتاج سنة 2012، إلا أن أهمية هذا الفيلم تكمن ليس في الكم ولكن في الكيف، وفي مغزاه الذي يمكن تلخيصه في أن غشاوة المال تطمس البصيرة، وتُفسد إفسادا كبيرا حتى أشد الناس تمسكا بالقيم والمبادئ والأخلاق، وأن الأثرياء هم وحدهم من يديرون مسرحية الدراما البشرية الأرضية بطرقهم وأذواقهم الخاصة، والتي يمكن أن تصل أحيانا إلى درجة السادية، وأن الغالبية العظمى من البشر على الكرة الأرضية هم مجرد دمى مبرمجة سلفا ومتحكم بخيوطها، ولا يمكنها أن تحيد عن السبيل المحدد لها للسير فيه من المهد إلى اللحد من طرف النخب الثرية المتحكمة بناصية العالم. 
'شيبارد لامبريك'  ثري وريث لعائلة من المترفين، وبفضل ثروته الضخمة لم يكن يبخل لمد يد العون للفقراء والمعوزين بطريقته الخاصة والجد متميزة، وكل ما على هؤلاء المعذبين في الأرض فعله سوى النزول عند نزواته السادية له ولابنه الوحيد، وقبول المشاركة بقصره في مسابقة على طاولة عشاء تدور حول موضوع: "هل تفضل؟"، تحت حماية حراسه الغِلاَضِ الشِّدَادِ المدججين بشتى الأسلحة، والفائز الوحيد الذي يبقى في الأخير بدون منافس سوف يفوز بمبلغ كبير من المال يغنيه أبد الدهر عن السؤال.  
غير أن هذه المسابقة في حققية الأمر هي كابوس مرعب حقيقي بالنسبة للمتبارين، الذين يتم تعذيبهم بطرق وحشية وسادية، لتوفير اللذة والمتعة لهذا الثري الذي يستمتع بذلك استمتاعا لا يُتَصَوَّرُ، فماذا بإمكان المرء أن يختار عندما يوضع أمام خيارين لا ثالث لهما: فقأ إحدى عينيه بيديه أو قتل شخص بريء لم يفعل له شيئا، وكل أحداث الفيلم تدور حول مفهوم القسوة والسخرية المظلمة التي يتم تحويلها إلى متعة لعوب تغري بالمتابعة، عن طريق تعذيب الآخر وقتله ببطئ، والاستمتاع بذلك لدرجة النشوة، وكل ذلك من أجل اكتساب بعض المال.
معظم أحداث هذا الفيلم تدور في مكان واحد مغلق، ألا وهو غرفة الأكل بقصر الثري 'شيبارد لامبريك'،  غير أن موضوعه نادر ومغزاه جد عميق، فإلى أي مدى يمكن للمبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية السامية أن تصمد دون أن تتهاوى وتنهار أمام إغراء وإفساد وإذلال المال؟
الفيلم ليس من فصيلة من سيربح المليون وغيرها من المسابقات التي تبدو كلعب أطفال أمام المسابقة الفريدة من نوعها لهذا الفيلم، لأنها مسابقة تقشعر لها الأبدان، وترتعد لها الفرائص، وترتعش من هولها الأفئدة، وتطيش من وقعها العقول، ويشيب لها الولدان، لـِما يمكن أن يُقْدِمَ عليه بشر يبدو سويا في الظاهر من تعذيب بحق بشر آخر، وكل ذلك من أجل توفير المتعة والنشوة السادية للأثرياء، التي يُجَازَى عليها بحفنة من الدولارات القذرة الملوتة بالدماء والكرامة المهدورة للمستضعفين من الأبرياء. 
الفيلم في حد ذاته هو صرخة قوية ومدوية تشجب وتدين بشدة الأساليب الفجة السادية واللاإنسانية التي تستعملها النخب من أجل تسليتها والترويح عن أنفسها المريضة، هذه النخب التي يمتلك ثمانية من أفرادها ثروة هائلة بكل المقاييس تفوق ما يمتلكه ما يزيد على نصف سكان الأرض من الفقراء والمحرومين والمعدمين، والمال هو الوسيلة الفعالة التي تستعملها هذه النخب من أجل التسلية والتفرج على المآسي التي تتسبب فيها القلاقل والحروب والكراهية والعداوات بين الغالبية العظمى من البشر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق