
قِيلَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِي بن أَبِي طَالِب كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ فِي بَعْضِ الحُرُوبِ: لَوِ اتَّخَذْتَ الْخَيْلَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَنَا لاَ أَفِرُّ عَمَّنْ كَرَّ، وَلاَ أَكُرُّ عَلَى مَنْ فَرَّ، وَالْبَغْلَةُ تَكْفِينِي.
قَالَ الإِمَامُ عَلِي بن أبي طَالِب كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: خَفِ الضَّعِيفَ إِذَا كَانَ تَحْتَ رَايَةِ الإِنْصَافِ أَكْثَرَ مِنْ خَوْفِكَ القَوِيَّ تَحْتَ رَايَةِ الْجَوْرِ، فَإِنَّ النَّصْرَ يَأْتِيهِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُ، وَجُرْحُهُ لاَ يَنْدَمِلُ، اخْتَرْ أَنْ تَكُونَ مَغْلُوباً وَأَنْتَ مُنْصِفٌ، وَلاَ تَخْتَرْ أَنْ تَكُونَ غَالِباً وَأَنْتَ ظَالِمٌ، زَمَانُ الْجَائِرِ مِنَ السَّلاَطِينِ وَالوُلاَةِ أَقْصَرُ مِنْ زَمَانِ الْعَادِلِ، لأَِنَّ الْجَائِرَ مُفْسِدٌ وَالْعَادِلُ مُصْلِحٌ، وَإِفْسَادُ الشَّيْءِ أَسْرَعُ مِنْ إِصْلاَحِهِ، يَا عَجَباً للِنَّاسِ قَدْ مَكَّنَهُمُ اللهُ مِنَ الاقْتِدَاءِ بِهِ، فَيَدَعُونَ ذَلِكَ إلَى الاقْتِدَاءِ بِالْبَهَائِمِ.
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَصِيرَ مِنْ الأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ فَحَوِّلْ خُلُقَكَ إِلَى بَعْضِ خُلُقِ الأَطْفَالِ، فَفِيهِمْ خَمْسُ خِصَالٍ لَوْ كَانَتْ فِي الْكِبَارِ لَكَانُوا أَوْلِيَاءَ: لاَ يَهْتَمُّونَ للِرِّزْقِ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ مُجْتَمِعِينَ، وَلاَ يَشْكُونَ مِنْ خَالِقِهِمْ إِذَا مَرِضُوا، وَإِذَا تَخَاصَمُوا سَارَعُوا إِلَى الصُّلْحِ، وَإِذَا خَافُوا جَرَتْ عُيُونُهُمْ بِالدُّمُوعِ.
قَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الِإيمَانَ: مَنْ إِذَا رَضِيَ لَمْ يُخْرِجْهُ رِضَاهُ إِلَى البَاطِلِ، وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنَ الْحَقِّ، وَإِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَيْسَ لَهُ.
وَقِيلَ الْقَلِيلُ مِنَ الطَّمَعِ يُسَبِّبُ كَثِيرًا مِنَ الضَّرَرِ، مَنْ يَأْكُلُ وَهُوَ شَبِعٌ يَحْفُرُ قَبْرَهُ بِأَسْنَانِهِ، وَمَتَى دَخَلَ قَلْبُ الإِنْسَانِ التَّعَبُّدُ لِلْمَالِ خَرَجَ مِنْهُ الدِّينُ وَالِإيمَانُ وَحُرِّيَّةُ الضَّمِيِر.
وَقَالَ مَحْمُودُ الشَّاعِرُ: النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ حَتَّى الأَصْدِقَاءُ، الظُّلْمُ جُنُونٌ، وَأَفْضَلُ الِْجهَادِ جِهَادُ الظُّلْمِ.
وَقِيلَ الْغَضَبُ حُلْوٌ وَثَمَرُهُ مُرٌّ، وَالنَّصِيحَةُ مُرَّةٌ وَثَمَرُهَا حُلْوٌ، الْمُدَاهَنَةُ لاَ يَقَعُ فِيهَا إِلاَّ الأَحْمَقُ، يَصُمُّ الأَحْمَقُ أُذُنَيْهِ عَنِ الْحَقِّ وَيَفْتَحُهُمَا لِلتَّمَلُّقِ، الأَحْمَقُ وَالعَنِيدُ يَزِيدَانِ ثَرْوةَ الْمُحَامِي.
وَقِيلَ إِيَّاكَ أن تَبْخَسَ النَّاسَ أَشْيَاءَهَمْ وَتُعْلِي شَأْنَ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَزْدَرِي أَمْرًا أَوْ تَذَمَ رَصِيفًا لَكَ فِي مِهْنَةٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى قُبْحِ الذَّوْقِ وَقِلَّةِ الِْهمَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ غَيَّاظًا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَذىً لاَ يُحْتَمَلُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَيْلَ إِلَى إِغَاظَةِ الأَطْفَالِ أَوِ الْقِطَطِ أَوْ الْكِلاَبِ لَا يدُلُّ إِلاَّ عَلَى رُعُونَةِ الْفُؤَادِ.
قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: صِفِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: جَمَّةُ الْمَصَائِبِ، سَرِيعَةُ النَّوَائِبِ، كَثِيرَةُ الْعَجَائِبِ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الأَكَابِرِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْتُ آسِفاً عَلَى أَمْسِي كَارِهاً لِيَوْمِي مُتَّهِماً لِغَدِي.
قِيلَ لِفِيثَاغُورَسْ مَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ مُعَادَاةِ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَيْرٌ وَلاَ شَرٌّ، قِيلَ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ خَيْرٌ عَادَاهُ الأَشْرَارُ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ شَرٌّ عَادَاهُ الأَخْيَارُ.
قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ لِمَ لاَ تَصْحُبُ النَّاسَ؟ فَقَالَ: إِنْ صَحِبْتُ مَنْ هُوَ دُونِي آذَانِي بِجَهْلِهِ، وَإِنْ صَحِبْتُ مَنْ هُوَ فَوْقِي تَكَبَّرَ عَلَيَّ، وَإِنْ صَحِبْتُ مَنْ هُوَ مِثْلِي حَسَدَنِي، فَاشْتَغَلْتُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صُحْبَتِهِ مَلاَلٌ، وَلاَ فِي وَصْلِهِ انْقِطَاعٌ، وَلاَ فِي الأُنْسِ بِهِ وَحْشَةٌ.
قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَالدُّنْيَا غَمِّي وَالآخِرَةُ هَمِّي، وَقِيلَ لِصُوفِيٍّ مَا صِنَاعَتُكُمْ؟ فَقَالَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ وَسُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ.
قِيلَ لِبَعْضِ الحُكَمَاءِ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أًخُوكَ أَمْ صَدِيقُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أُحِبُّ أَخِي إِذَا كَانَ صَدِيقاً.
قِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ: مَا الفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى فَقَالَ: الْهَوَى يَحِلُّ فِي الْقَلْبِ وَالْمَحَبَّةُ يَحِلُّ فِيهَا الْقَلْبُ.
قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَيُّ إِخْوَانِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ مَنْ سَدَّ خَلَلِي، وَقَبِلَ عِلَلِي، وَغَفَرَ زِلَلِي.
وَجَاءَ فِي كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ لِابْنِ الْمُقَفَّعِ: لاَ يَنْبَغِي لِذِي العَقْلِ أَنْ يَحْتَقِرَ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً مِنَ النَّاسِ وَلاَ مِنَ البَهَائِمِ، وَلَكِنَّهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يَبْلُوَّهُمْ، وَيَكُونُ مَا يَصْنَعُ إِلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْهُمْ.
وَجَاءَ فِي كِتَابِ الأَذْكِيَاءِ لِابْنِ الجُوزِي: قِيلَ لِلذِّئْبِ مَا بَالُكَ تَعْدُو أَسْرَعَ مِنَ الكَلْبِ، فَقَالَ: لِأَنِّي َأعْدُو لِنَفْسِي وَالْكَلْبُ يَعْدُو لِصَاحِبِهِ.
وَجَاءَ فِي كِتَابِ الإِمْتَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ لِأَبِي حَيَّانَ التَّوْحِيدِي: إِنَّ الَّذِي يَسْلُكُ طَرِيقاً لاَ يَعْرِفُهُ لاَ يَدْرِي إِلَى َأيِّ مَوْضِعٍ يُؤَدِّيهِ، كَذَلِكَ الَّذِي يَسْمَعُ كَلاَماً لاَ يَعْرِفُ الْغَرَضَ فِيهِ لاَ يَرْبَحُ مِنْهُ إِلاَّ التَّعَبَ.
وَقِيلَ لِدْيُوجَانْسَ: أَيُّهُمَا أَوْلَى طَلَبُ الغِنَى أَمْ طَلَبُ الحِكْمَةِ؟ فَقَالَ: لِلدُّنْيَا الْغِنَى، وَلِلْآخِرَةِ الحِكْمَةُ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى تَطِيبُ الدُّنْيَا؟ فَأَجَابَ: إِذَا تَفَلْسَفَ مُلُوكُهَا ومَلَكَ فَلاَسِفَتُهَا.
وَقِيلَ لِدْيُوجَانْسَ: أَيُّهُمَا أَوْلَى طَلَبُ الغِنَى أَمْ طَلَبُ الحِكْمَةِ؟ فَقَالَ: لِلدُّنْيَا الْغِنَى، وَلِلْآخِرَةِ الحِكْمَةُ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى تَطِيبُ الدُّنْيَا؟ فَأَجَابَ: إِذَا تَفَلْسَفَ مُلُوكُهَا ومَلَكَ فَلاَسِفَتُهَا.
وَجَاءَ أَيْضاً فِي كِتَابِ الإِمْتَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ لِأَبِي حَيَّانَ التَّوْحِيدِي: أَنَّ إِبْلِيسَ نَصَحَ فَقَالَ: إِيَّاكَ وَالْكِبْرُ، فَإِنِّي تَكَبَّرْتُ فَلُعِنْتُ، وَإِيَّاكَ وَالْحِرْصُ، فَإِنَّ أَبَاكَ حَرِصَ عَلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ فأُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكَ وَالْحَسَدُ فَإِنَّ أَحَدَ بَنِي آدَمَ قَتَلَ أَخَاهُ بِالْحَسَدِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق