الغباؤقراطية The idiocracy

"كلما ازداد الإنسان غباوة، ازداد يقينا أنه أفضل من غيره في كل شيء" عالم الاجتماع العراقي علي الوردي رحمة الله عليه
الغباؤقراطية The idiocracy
في عام 1976 نشر الإيطالي كارلو ماريا سيبولا (1922-2000) الذي عمل أستاذا للتاريخ الاقتصادي بجامعة بيركلي بكاليفورنيا ابتداء من سنة 1957، كتاب القوانين الأساسية للغباء البشري 'The Basic Laws of Human Stupidity'، وقد امتنع الكاتب لمدة 12 سنة على ترجمته لأية لغة، معتبرا أن كتابه لا يمكن تقدير قيمته وتذوقه إلا باللغة الأصلية التي كُتب بها وهي الإنجليزية، ولم يسمح بترجمته حتى إلى لغته الأم الإيطالية إلا سنة 1988، ولم تتم تَرجمته إلى اللغة الفرنسية إلا سنة 2012، أي بعد 36 سنة من نشره لأول مرة.
يناقش المؤلف في هذا الكتاب القوانين الأساسية لما اعتبره أكبر تهديد للبشرية المتمثل في الغباء، وكما وضح المفكر المغربي المهدي المنجرة رحمه الله في مؤلفه 'انتفاضات في زمن الذلقراطية' على أن الذلقراطية هي تركيبة خماسية تضم الجهلقراطية والفقرقراطية والشيخوقراطية والمخزنقراطية (المخزنقراطية بالنسبة لحالة المغرب)، فإن كارلو ماريا سيبولا سبق أن وضع في السبعينيات من القرن الماضي مصطلحا أكثر خطورة ألا وهو الغباؤقراطية، التي أصبحت تهدد البشرية اليوم في القرن الواحد والعشرين أكثر من أي وقت مضى في كيانها ووجودها واستمراريتها، وذلك بالرغم من علومه وتكنولوجيته وحداثته، وكما يقول المثل الشعبي المغربي : آلَـمْزَوَّقْ مَنْ بَرَّا آشْ خْبَارَكْ مَنْ الْدَاخَلْ".
وأشار كارلو ماريا سيبولا في مؤلفه هذا الذي لا يتعدى الثلاثين صفحة، على أن الأشخاص الأغبياء كثيرون جدا، وهم غير منطقيين وغير عقلانيين، ويخلقون مشاكل كثيرة للآخرين من دون أن يجنوا أي فائدة من ذلك، مما يتسبب في إضعاف المجتمع، إذ لا توجد أية حماية أو مضادات صادة ضد الغباء، والسبيل الوحيد حتى لا ينجرف العالم برمته نحو الهاوية تحت ضغط ووطأة هؤلا الأغبياء الذين أصبحوا يشكلون أكثرية كبيرة، هو أن تعمل الأقلية من ذوي  العقول بوثيرة أكبر، وأن يُبدعوا وسائل وطرق أكثر ذكاء وفعالية لضحد الغباء العالمي الذي أصبح يغلف ويخيم على أجواء الكرة الأرضية بِرُمَّتِهَا.
وحتى يكون أصحاب العقول على بينة من الأمر، فيعتبر كارلو ماريا سيبولا أن القوانين الأساسية الخمسة للغباء البشري غير قابلة للتغيير ويمكن تلخيصها على الوجه التالي:
القانون رقم 1: دائماً نستهين ونقلل حتما من عدد الأفراد الأغبياء الذين يرتعون من حولنا في حرية تامة، فبغض النظر عن عدد الأغبياء الذين تتخيلهم من حولك، فإنك تقلل وتنتقص دائمًا من إجمالي عددهم، لماذا؟ لأنك تنطلق من مبدإ خاطئ أصلا عندما تعتبر بأن بعض الناس أذكياء وفقا لعملهم، ومستوى تعليمهم، ومظاهرهم الخارجية، ونجاحاتهم في الحياة، غير أن المنطق والتفكير العقلاني السليم يقول: "ما هكذا تورد الإبل".
القانون رقم 2: احتمالية أن الشخص غبي هو مستقل عن الخصائص الأخرى لهذا الشخص، والغباء هو متغير ثابت في جميع التجمعات البشرية، وفي جميع الفئات التي يمكن تخيلها من ناحية الجنس، العرق، الدين، الجنسية، مستوى التعليم والدخل توجد دائما نسبة ثابتة من الأشخاص الأغبياء، هناك أساتذة جامعيون أغبياء، كما أن هناك أشخاص أغبياء في منتدى دافوس، بل حتى في الأمم المتحدة وفي جميع أمم الأرض، كم هو عددهم بالضبط؟ لا أحد يعرف، أنظر القانون رقم 1.
القانون رقم 3: الشخص الغبي هو الشخص الذي يخلق مشاكل كثيرة لشخص آخر أو مجموعة من الناس دون أن يجني لصالحه (لصالحها) أية فائدة تُذكر، ففي الوقت الذي يقوم الأفراد الأذكياء بالإضافة والزيادة في رخاء المجتمع، فإن الأفراد الأغبياء يسببون انحطاطاً وانحدحارًا في كل شيء من حولهم وفي جميع الاتجاهات.
وهذا القانون يفيد ضمنيا أن هناك ثلاثة أنواع أخرى من الناس: الأذكياء الذين يفيدون أنفسهم والآخرين بأفعالهم وأعمالهم، ثم الحقراء الأوغاد الذين لا يُفيدون سوى أنفسهم ولكن على حساب الآخرين، ثم أولئك الذين ينمون ثروة الآخرين على حسابهم، أما الذين ليسوا أغبياء فإنهم يتصرفون للأسف بطرق متقلبة وغير متسقة، أحيانًا بذكاء، وأحيانًا أخرى كالحقراء الأوغاد، وأحيانًا ضد مصالحهم.
ويعتبر كارلو ماريا سيبولا أن الأغبياء أكثر خطورة لأنهم مثابرون على ما يفعلون، وهم خطيرون للغاية، ويُوَلِّدُونَ الضرر أولاً وقبل كل شيء، لأن الأشخاص العقلانيين يواجهون صعوبة في تخيل وفهم السلوك الشاذ والمنحرف للأغبياء، فالشخص الذكي يمكنه أن يفهم منطق الوغد الحقير بعقلانيتهِ المقيتةِ، ولكنها في كل الأحوال تبقى  نوعا من العقلانية،  يمكنك تخيلها والدفاع عن نفسك آنذاك،  بينما بالنسبة للشخص الغبي، من المستحيل على الإطلاق أن تتخيل أو تتنبأ بما يمكن أن يُقْدِمَ عليه، سيضايقك بدون أدنى سبب وبدون أن يجني من ذلك أية  فائدة، بلا خطة ولا استراتيجية، وليس لديك طريقة عقلانية لمعرفة متى وأين وكيف ولماذا سيهاجمك مخلوق غبي، وعندما تواجه شخصًا غبيًا فأنت تحت رحمته تمامًا.
القانون رقم 4: الناس الغير الأغبياء يقللون دائما من مستوى الأضرار الذي يمكن أن يسببها لهم الأشخاص الأغبياء، إنهم ينسون باستمرار أن إبرام صفقة أو إقامة شراكة مع أشخاص أغبياء هو خطأ مكلف للغاية في كل الأوقات والأمكنة وتحت أية ظروف، لأنهم يقللون على مسؤوليتهم الخاصة من شأن الغباء الذي يواجههم.
القانون رقم 5: الشخص الغبي هو أخطر الناس، فهو أخطر من الوغد الحقير، لأننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً أو أقل شيء ضد الغباء، والفرق بين المجتمعات التي تنهار تحت وطأة مواطنيها الأغبياء والمجتمعات التي تتغلب على هذه الصعوبة هو شيء واحد: القدرة على إنتاج وتكوين مواطنين يتصرفون بذكاء لمصلحة الجميع، وما يميز الدول المتطوِّرة عن الدول المتخلِّفة ليس في قلة نسبة الأغبياء فيها، بل في كون نسبتهم في الدوائر الفاعلة والمؤثِّرة والحاكمة أقل بكثير من الدول المتخلفة.
وعندما تصبح نسبة الحقراء الأوغاد والأشخاص الذين يتصرفون ضد مصالحهم مرتفعة ضمن السكان الغير الأغبياء: عن ذلك "يتحول البلد إلى جحيم" يستنتج ماركو سيبولا، وهو ما هو واقع في العالم اليوم كما يعترف بذلك الجميع بما فيهم حزب الأكثرية من الأغبياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق