يحيا القلب بالحكمة كما تحيا الأرض بالمطر*

عقول الناس على قدر زمانهم
 إِبَّانَ حُكْمِ الْمَلِكِ لُوِيسَ الرَّابِعَ عَشَرَ فَرَنْسَا-عِنْدَمَا كَانَ نِظَامُ الْحُكْمِ فِيهَا مَلَكِيٌّ- عَرَضَ سَفِيرُهُ  عَلَى َملِكِ سِيَّامَ الْبُوذِي طَلَبَ مَلِكِهِ لُوِيسَ الرَّابِعَ عَشَرَ بِأَنْ يَعْتَنِقَ الدِّيَّانَةَ الْمَسِيحِيَّةَ، فَأَجَابَهُ مَلِكُ سِيَّامَ الْبُوذِي: مِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ مَلِكَ فَرَنْسَا يَشْغَلُ نَفْسَهُ كَثِيراً فِي مَسْأَلَةٍ تَهُمُّ الله وَحْدَهُ، بَيْنَمَا أَنَّ الله جَلَّ وَعَلاَ الَّذِي يَهُمُّهُ الأَمْرُ يَبْدُو أَنَّهُ قَدْ تَرَكَهُ كُلِّيَّةً لِتَقْدِيرِنَا نَحْنُ الْبَشَرُ، أَكَانَ مِنَ الْمُتَّفَقِ لِلْخَالِقِ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ الأُمَمِ تَدِينُ بِنَفْسِ الْمَشَاعِرِ وَالتَّرْتِيبَاتِ، وَأَنْ يُلْهِمَهُمْ نَفْسَ وَحْيِ الدِّينِ الْحَقِّ، بَدَلَ أَنْ يَهَبَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الأَمْزِجَةِ وَالْمُيُولِ الْمُخْتَلِفَةِ؟ أَلَيْسَ حَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ الله الْحَقِيقِيَّ يَشْعُرُ بِنَفْسِ الْقَدْرِ مِنَ السُّرُورِ فِي أَنْ يَكُونَ مُبَجَّلاً بِعِدَّةِ أَشْكَالٍ وَمَرَاسِيمٍ، مِثْلَمَا أَنَّهُ يُحْمَدُ وَيُمَجَّدُ بِعَدَدِ مَخْلُوقَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ؟

قِيلَ لأحَدِ حُكَمَاءِ الْفُرْسِ: أَيُّ شَيْءٍ لِلْمُرُوءَةِ أَشَدُّ تَهْجِيناً؟ فَأَجَابَ: لِلْمُلُوكِ صِغَرُ الْهِمَّةِ، ولِلْعَامَّةِ الْكَذِبُ وَالصَّلَفُ (التَّكَبُّرُ)، ولِلْفُقَهَاءِ الْهَوَى، وَلِلنِّسَاءِ قِلَّةُ الْحَيَاءِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمُرُوءَةِ صَعْبٌ وتَحَمُّلُهَا عِبْءٌ.

وَقاَلَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: لَولاَ أنَّ الْمُرُوءَةَ اشْتَدَّتْ مَؤُونَتُهَا وَثَقُلَ حِمْلُهَا مَا تَرَكَ اللِّئَامُ لِلْكِرَامِ مِنْهَا شَيْئاً، فَلَمَّا ثَقُلَ مَحْمَلُهَا وَاشْتَدَّتْ مَؤُونَتُهَا حَادَ عَنْهَا اللِّئَامُ وَاحْتَمَلَهَا الْكِرَامُ.

جَاءَ فِي الْحِكَمِ وَالأَمْثَالِ لِلْمَاوَرْدِي أَنَّ الْمَسِيحَ (ع س) نَزَلَ بِمَدِينَةٍ فَآذَاهُ أَهْلُهَا فَدَعَا عَلَيْهِمْ قَائِلاً: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ كُلَّهُمْ رُؤَسَاءَ.

جَاءَ فِي الْحِكَمِ وَالأَمْثَالِ لِلْمَاوَرْدِي: اصْنَعِ الْخَيْرَ عِنْدَ إِمْكَانِهِ يَبْقَ لَكَ حَمْدُهُ عِنْدَ زَوَالِ أَيَّامِهِ، وَأَحْسِنِ وَالدَّوْلَةُ لَكَ، يُحْسَنُ إِلَيْكَ وَالدَّوْلَةُ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْ زَمَانَ رَخَائِكَ عُدَّةً لِزَمَانِ بَلاَئِكَ.

جَاءَ فِي الأَدَبِ الصَّغِيرِ لابْنِ الْمُقَفَّعِ: النَّاسُ-إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللهُ-مَدْخُولُونَ (فَاسِدُونَ) فِي أُمُورِهِمْ: فَقَائِلُهُمْ بَاغٍ، وَسَامِعُهُمْ عَيَّابٌ، وَسَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ، وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ، وَوَاعِظُهُمْ غَيْرُ مُحَقِّقٍ لِقَوْلِهِ بِالْفِعْلِ، وَمَوْعُوظُهُمْ غَيْرُ سَلِيمٍ مِنَ الاِسْتِخْفَافِ، وَالْأَمِينُ مِنْهُمْ غَيْرُ مُتَحَفِّظٍ مِنْ إِتْيَانِ الْخِيَانَةِ، وَذُو الصِّدْقِ غَيْرُ مُحْتَرِسٍ مِنْ حَدِيثِ الْكَذَبَةِ، وَذُو الدِّينِ غَيْرُ مُتَوَرِّعٍ عَنْ تَفْرِيطِ الْفَجَرَةِ، وَالْحَازِمُ مِنْهُمْ غَيْرُ تَارِكٍ لِتَوَقُّعِ الدَّوَائِرِ، َيتَنَاقَضُونَ الْبِنَاءَ، وَيَتَرَقَّبُونَ الدُّوَلَ، وَيَتَعَايَبُونَ بِالْهَمْزِ، مُولَعُونَ فِي الرَّخَاءِ بِالتَّحَاسُدِ، وَفِي الشِّدَّةِ بِالتَّخَاذُلِ.

جَاءَ فِي الأَدَبِ الصَّغِيرِ لابْنِ الْمُقَفَّعِ: لاَ يَنْفَعُ الْعَقْلُ بِغَيْرِ وَرَعٍ، وَلاَ الْحِفْظُ بِغَيْرِ عَقْلٍ، وَلاَ شِدَّةُ الْبَطْشِ بِغَيْرِ شِدَّةِ الْقَلْبِ، وَلاَ الْجَمَالُ بِغَيْرِ حَلاَوَةٍ، وَلاَ الْحَسَبُ بِغَيْرِ أَدَبٍ، وَلاَ السُّرُورُ بِغَيْرِ أَمْنٍ، وَلاَ الْغِنَى بِغَيْرِ جُودٍ، وَلاَ الْمُرُوءَةُ بِغَيْرِ تَوَاضُعٍ، وَلاَ الْخَفْضُ (لَيْنُ الْعَيْشِ وَسَعَتُهُ) بِغَيْرِ كِفَايَةٍ، وَلاَ الاِجْتِهَادُ بِغَيْرِ تَوْفِيقٍ.

جَاءَ فِي الأَدَبِ الصَّغِيرِ لابْنِ الْمُقَفَّعِ: مَنْ لاَ إِخْوَانَ لَهُ فَلاَ أَهْلَ لَهُ، وَمَنْ لاَ أَوْلاَدَ لَهُ فَلاَ ذِكْرَ لَهُ، وَمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ فَلاَ دُنْيَا لَهُ وَلاَ آخِرَةَ، وَمَنْ لاَ مَالَ لَهُ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَالْفَقْرُ دَاعِيَةٌ إِلَى صَاحِبِهِ مَقْتَ النَّاسِ، وَهُوَ مَسْلَبَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ، مَذْهَبَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، وَمَعْدِنٌ لِلتُّهْمَةِ، وَمَجْمَعَةٌ لِلْبَلاَيَا، وَمَنْ نَزَلَ بِهِ الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ تَرْكِ الْحَيَاءِ، وَمَنْ ذَهَبَ حَيَاؤُهُ ذَهَبَ سُرُورُهُ، وَمَنْ ذَهَبَ سُرُورُهُ مَقُتَ، وَمَنْ مَقُتَ أُوذِيَ، وَمَنْ أُوذِيَ حَزِنَ، وَمَنْ حَزِنَ فَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَاسْتُنْكِرَ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ، وَمَنْ أُصِيبَ فِي عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ وَحِفْظِهِ كَانَ أَكْثَرُ قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ فِيمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، فَإِذَا افْتَقَرَ الرَّجُلُ اتَّهَمَهُ مَنْ كَانَ لَهُ مُؤْتَمِنًا، وَأَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ مَنْ كَانَ يَظُنُّ بِهِ حَسَناً، فَإِذَا أَذْنَبَ غَيْرُهُ ظَنُّوهُ (اتَّهَمُوهُ)، وَكَانَ لِلتُّهْمَةِ وَسُوءِ الظَّنِّ مَوْضِعًا، وَلَيْسَ مِنْ خَلَّةٍ (خِصْلَةٍ) هِيَ لِلْغَنِيِّ مَدْحٌ إِلاَّ وَهِيَ لِلْفَقِيرِ عَيْبٌ، فَإِنْ كَانَ شُجَاعًا سُمِّيَ أَهْوَجَ (أَحْمَقَ)، وَإِنْ كَانَ جَوَادًا سُمِّيَ مُفْسِدًا، وَإِنْ كَانَ حَلِيمًا سُمِّيَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ وَقُورًا سُمِّيَ بَلِيدًا، وَإِنْ كَانَ لَسِنًا (ذَا بَيَانٍ وَفَصَاحَةٍ) سُمِّيَ مِهْذَارًا (ثَرْثَاراً) وَإِنْ كَانَ صَمُوتًا سُمِّيَ عَيِيّاً (عَاجِزاً عَنِ التَّعْبِيرِ).

جَاءَ فِي الْحِكَمِ وَالأَمْثَالِ لِلْمَاوَرْدِي دُسْتُورٌ أَخْلاَقِيٌّ مُتَكَامِلٌ مُكَوَّنٌ مِنْ مَجْمُوعَةٍ كَافِيَّةٍ وَوَافِيَّةٍ مِنَ الْحِكَمِ التَّالِيَّةِ: مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ فَبِنَفْسِهِ بَدَا، ومَنْ فَعَلَ الشَّرَّ فعَلَى نَفْسِهِ جَنَى.. مَنْ أبْصَرَ عَيْبَهُ لَمْ يَعِبْ أحَدًا، وَمَنْ عَمِيَ عَنْهُ لَمْ يَرْشُدْ أبَدًا.. مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ زَاجرٌ لَمْ تَنْفَعْهُ الزَّوَاجِرُ.. مَنْ ظَلَمَ يَتِيمًا ظَلَمَ أَوْلاَدَهُ، وَمَنْ أفسَدَ أَمْرَهُ أَفْسَدَ مَعَادَهُ.. مَنْ أَحَبَّ نَفْسَهُ اجْتَنَبَ الآثَامَ، وَمَنْ أَحَبَّ وَلَدَهُ رَحِمَ الأَيْتَامَ.. مَنْ بَخِلَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يتَّصِلْ بِهِ تَأْمِيلٌ، وَمَنْ أَسَاءَ إِلَى نَفْسِهِ لَمْ يُتَوَقَّعْ مِنْهُ جَمِيلٌ.. مَنْ مَكَّنَ مِنْ مَظْلومٍ زَالَ إِمْكَانُهُ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى ظَلُومٍ بَطَلَ إِحْسَانُهُ.. مَنْ قَلَّتْ تَجْرِبَتُهُ خُدِعَ، وَمَنْ قَلَّتْ مُبَالاَتُهُ صُرِعَ.. مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ بِمَوْتِ وَلَدٍ لَمْ يَتَّعِظْ بِقَوْلِ أَحَدٍ.. مَنْ أَرْضَى سُلْطَانًا جَائِرًا أَسْخَطَ رَبّاً قَادِرًا.. الاِجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ أَصْوَبُ مِنَ الاِتِّكَالِ عَلَى الأَمَانِي.. أَبْصَرُ النَّاسِ مَنْ أَحَاطَ بِذُنوبِهُ، وَوَقَفَ عَلَى عُيُوبِهِ.. لاَ يُغُرَّنَّكَ الْمُرْتَقَى السَّهْلُ إِذَا كَانَ الْمُنْحَدَرُ وَعْرًا.. حُسْنُ التَّدْبيرِ مَعَ الكَفَافِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْمَالِ مَعَ الإِسْرَافِ.. صُحْبَةُ بَلِيدٍ نَشَأَ مَعَ الْحُكَمَاءِ خَيْرٌ مِنْ صُحْبَةِ أَرِيبٍ (ذَا دَهَاءٍ وَفِطْنَةٍ) نَشَأَ مَعَ الْجُهَّالِ.. غَضَبُ الْجَاهِلِ فِي قَوْلِهِ، وَغَضَبُ العَاقِلِ في فِعْلِهِ.. مَنْ لَمْ يَرْضَ بِالْقَضَاءِ فَلَيْسَ لِحُمْقِهِ دَوَاءُ.. عُقُولُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ زَمَانِهِمِ.. مَنْ أَخْطَأَهُ سَهْمُ الْمَنِيَّةِ قَيَّدَهُ الْهَرَمُ.. مَنْ شَارَكَ السُّلْطَانَ فِي عِزِّ الدُّنْيَا شَارَكَهُ فِي ذُلِّ الآخِرَةِ.

* مقولة للعالم والشاعر الإنجليزي جون ميلتون (1608-1674 م)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق