خورخي بوكاي Jorge Bucay طبيب نفساني أرجنتيني، رأى النور بمدينة بيونس إيرس عام 1949 وسط
أسرة جد متواضعة في حي فلوريستا، بدأ العمل وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره كبائع
متجول للجوارب والكتب والملابس الرياضية، وتخرج عام 1973 طبيبا
متخصصا في الأمراض العقلية من جامعة بوينس أيرس، واشتغل طبيبا ومعالجا نفسيا
وكاتبا ومحاضرا.
ألف العديد من الكتب التي لاقت نجاحا عالميا كبيرا مثل
'رسائل إلى كلاوديا'، 'دعني أحكي لك'، 'حكايات للتفكير'، 'ولدت اليوم عند شروق
الشمس'، 'اسمح لي أن أقول لك'، 'مسارات حياة' و'حب بأعين مفتوحة'، كما ألف أيضا
'طريق الاعتماد على الذات'، 'طريق اللقاء'، 'طريق الدموع' و 'طريق السعادة'، لاقت
أعماله هذه سمعة عالمية واسعة وتمت ترحمتها إلى أكثر من سبع عشرة لغة.
في مقدمة مؤلفه 'حكايات للتفكير' يقول خورخي بوكاي:"عاش
كل منا يبحث عن الحقيقة، وفي طريقنا وجدنا العديد من الأفكار التي استهوتنا
وسكنتنا بما يكفي من قوة، بحيث أضحت تؤثر على منظومة معتقداتنا، ومع ذلك وبمرور
الوقت، انتهينا إلى استبعاد الكثير من الحقائق لأنها لم تتحمل تساؤلاتنا الداخلية،
لأن حقيقة جديدة متناقضة مع تلك الحقائق كانت تتنافس في الحيز نفسه، أو بكل بساطة
لأن تلك الحقائق لم تعد كذلك، وعلى كل حال فإن تلك المفاهيم التي اعتبرناها
مرجعياتنا لم تعد كذلك، ووجدنا أنفسنا فجأة سائرين على غير هدى، فقد أصبحنا نقود
دفة مركبنا، مدركين ما بأيدينا من إمكانات، ولكننا غير قادرين على رسم طريق موثوق
فيه".
وكل الحكايات الثمانية والعشرين التي تطرق إليها المؤلف في
كتابه 'حكايات للتفكيير' جديرة بالاهتمام لأنها في الخقيقة متعة في القراءة لتلقائيتها
وبساطتها وسلاسة أسلوبها وعمقها الفلسفي والنفسي على طريقة خورخي بوكاي، وقد حِرْتُ
في البداية في اختيار واحدة من هذه الحكايات، غير أني اهتديت في الأخير-سعيا وراء
الاختصار- إلى اختيار أقصرها وأعمقها في مغزاها ألا وهي حكاية 'الحزن والغضب':
يُحكى في مملكة مسحورة- حيث يصبح الخيال واقعا ملموسا- لم
يستطع البشر الوصول إليها، أو ربما كانوا يمرون عبرها في طريق حياتهم السرمدي دون
أن يدركوا ذلك، كانت توجد بحيرة عجيبة ذات مياه بلورية ونقية، تسبح فيها أسماك بكل
الألوان، وينعكس فيها اللون الأخضر بكل درجاته وأطيافه.
حتى حَلَّ ذلك اليوم الذي اقترب فيه الغضب والحزن من البحيرة
السحرية ذات المياه الصافية الرقراقة كي بسبحا فيها معا، نزع كل من الغضب والحزن
ثيابهما ونزلا إلى البحيرة عاريين.
أخذ الغضب الذي كان متعجلا دون معرفة السبب يسبح سريعا-كما
هي عادة الغصب دائما- وسرعان ما خرج من المياه، وكما هو معروف عن الغصب أنه أعمى،
أو لنقل بأنه لا يمكنه تمييز الواقع بوضوح، لذا كان في عجلة من أمره وهو عار،
فارتدى مسرعا الثياب التي وجدها أمامه دون أن يدري أنها كانت ثياب الحزن.
وفي هذا الوقت كان الحزن- بهدوئه وبطئه الشديدين
واستعداده كعادته أن يظل في مكانه- قد انتهى من استحمامه دون أية عجلة، أو بالأحرى
دون أن يدرك مرور الوقت، ثم خرج من البحيرة ببطء، وعلى ضفاف البحيرة أدرك الحزن أن
ثيابه قد اختفت.
وكما هو معلوم فإن الشيء الوحيد الذي يكرهه الحزن هو أن
يظل عاريا، لذلك اضطر إلى ارتداء الثياب الوحيدة التي وجدها أمامه، لقد كانت ثياب
الغضب.
ومنذ تلك اللحظة، كثيرا ما يجد المرء نفسه أمام الغضب
الأعمى والقاسي والمخيف، ولكن لو تمهلنا قليلا وأمعنا النظر جيدا لأدركنا أن الغضب
الذي نراه ما هو في حقيقته إلا قناع يختبئ الحزن وراءه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق