كلما كبر الإنسان وزادت همومه زاد عدد المفاتيح التي يحملها في جيبه، وأنا أحمل في جيبي ربطة من المفاتيح يزيد وزنها على الحد المقرر، هناك مفتاح بيتي ومفتاح بيت أبي ومفتاح الشنطة التي سرقت ومفتاح الدولاب ومفتاح المكتب ومفتاح المكتبة ومفتاح السيارة ومفتاح الطيارة وأكثر من خمسين مفتاحا منها الأصفر والأبيض والسمين والرفيع والطويل والقصير، ومعظمها مفاتيح لا أعرف ماذا تفتح ولا أستطيع إلقاءها في النيل لأنها يمكن أن تكون مفاتيح مهمة نسيت أهميتها، وقد لاحظت أن المفاتيح تقيد حريتي تماما، وكلما حملت عددا أكبر من المفاتيح زاد إحساسي بكثرة المغاليق وانعقد داخلي الإحساس بالإرهاق والبؤس، وعندما أدخل بيتا من البيوت التي أدخلها مثل بيتي أو بيت أبي أقف نصف ساعة أمام الباب للبحث عن المفتاح المناسب للقفل المناسب، وذلك عمل شاق يشبه وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وأزداد إرهاقا فوق إرهاق.
وقد لاحظت حين أسافر خارج مصر أنني أترك مفاتيحي في مصر وفي اللحظة التي أعطي فيها ظهري لجميع المفاتيح أحس أنني حر، انتهى الأمر ولم أعد مقيدا بالأمكنة والبيوت والحجرات والدواليب والمكتبات والمكاتب، لم أعد مقيدا بشيء، سقطت الأغلال حين سقطت العلائق، وتحرر الإنسان حين ذهب حرصه على الأشياء والأماكن، وهذا جوهر الحرية، قطع العلائق واليأس مما في أيدي الخلائق، وأعظم الناس سجنا هو أعظم الناس حملا للمفاتيح، وللمفاتيح نفس العبء سواء أكانت مفاتيح كنوز من الذهب والجواهر أو مفاتيح كنوز من الهموم والمتاعب، وقد حكى القرآن الكريم قصة قارون وحكت الآيات أن مفاتيح كنوزه كانت تنوء بها العصبة أولوا القوة، وكان يخرج على قومه في زينته فتمر الخيل وعليها سروج الذهب وتسطع الشمس على الذهب والجواهر ويزيد ثقل المفاتيح، زاد ثقلها يوما حتى أخذته وغارت به في بطن الأرض،كان قارون سجينا في الدنيا وكان الناس يتمنون ما عنده ثم ابتلعته الأرض فأدرك الذين تمنوا مكانه أنه كان سجينا وهم أحرار، ثمة طريق واحد للحرية: التخلي عن مفاتيح الدنيا فهي سجن وإن كان جيد الإضاءة.
تأملات في عذوبة الكون لأحمد بهجت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق