هكذا علمتني الحياة

لقد كان الأستاذ الجليل الدكتور مصطفى حسني السباعي رحمه الله رجلاً في أمة، وكان زينة الدعاة في عصره، وقرّة عين ديار الشام، وابن حمص الذي تفخر به وتعتز، إذ كان السباعي مِلكا للإسلام والمسلمين، وكانت وفاته خسارة على الإسلام والمسلمين، في إحدى الخواطر التي تجمع بين وضوح الفكر وقوة العرض وجمال الأسلوب والتي استقيتها من كتابه "هكذا علمتني الحياة" الذي ضمنه خلاصة تجاربه في الحياة يقول:
موطنان ابك فيهما ولا حرج: طاعة فاتتك بعد أن واتتك ومعصية ركبتك بعد أن تركتك،
وموطنان افرح فيهما ولا حرج: معروف هُديت إليه وخير دُللت عليه،
وموطنان أكثر من الاعتبار فيهما: قوي ظالم قسمه الله وعالم فاجر فضحه الله،
وموطنان لاتطل الوقوف عندهما: ذنب مع الله مضى وإحسان إلى الناس سلف،
وموطنان لاتندم فيهما: فضل لك جحده قرناؤك وعفو منك أنكره عتقاؤك،
وموطنان لا تشمت فيهما: موت الأعداء وضلال المهتدين،
وموطنان لا تترك الخشوع فيهما: تشييع الموتى وشهود الكوارث،
وموطنان لا تقصر في البذل فيهما: حماية صحتك وصيانة مروءتك،
وموطنان لا تخجل من البخل فيهما: الإنفاق في معصية الله وبذل المال فيما لا حاجة إليه،
وموطنان انس فيهما نفسك: وقوفك بين يدي الله ونجدتك لمن يستغيث بك،
وموطنان لا تتكبر فيهما: حين تؤدي الواجب وحين تجالس المتواضع،
وموطنان لا تتواضع فيهما: حين تلقي عدوك وحين تجالس المتكبر،
وموطنان أكثر منهما ما استطعت: طلب العلم وفعل المكرمات،
وموطنان أقلل منهما ما قدرت: تخمة الطعام ولهو العاطلين،
وموطنان ادخرهما لتغير الأيام: صحتك وشبابك،
وموطنان لا تجزع من مشهد البكاء فيهما: بكاء المرأة حين تتظلم وبكاء المتهم حين يُقبض عليه،
وموطنان لا يغرنك الضحك فيهما: ضحك الطاغية لك وضحك المحزون عندك،
وموطن واحد لا تعلق قلبك فيه إلا باثنين: عمرك لا تحب فيه إلا الله ورسوله،
ووقت واحد لا تفعل فيه إلا شيئا واحدا: ساعة الموت لا ترج فيها إلا رحمة الله.