الفصل فصل شتاء والبرد قارس، أستيقظ في الصباح الباكر وأرتدي هدومي المتواضعة وأحمل محفظتي المهترئة ويداي ترتعشان من شدة البرد، تناولني أمي عشر سنتيمات أو ريالان، كان ذلك أيام الجد والنشاط عندما كنت تلميذا في الإبتدائي، وبمجرد خروجي إلى الشارع يتجمد أنفي وأذناي وتزرق رؤوس أصابع يداي من شدة البرد القارس، ولم تكن لدي حيلة كي أدفئهما سوى النفخ فيهما بفمي، أسرع الخطى في الشارع الخالي إلا من القطط وأزبال مرمية هنا وهناك، أقترب من المدرسة ويلوح لي من بعيد بائع المعجنات بلحيته البيضاء وصحنه المغطى بمنديل فوق رأسه، أناوله ريالا ويخرج لي حلوى دافئة من تحت المنديل ويمرغها في السكر ويناولني إياها، ألتهمها بسرعة وأنا أنظر إلى البخار يتصاعد من فمي وكأنني أدخن سيجارة وأصيح في التلاميذ الآخرين انظروا الدخان يخرج من فمي، فأركض نحو باب مدرسة يوسف بن تاشفين، يرمقني ويحثني حارس المدرسة سي علي رحمه الله بالأسراع حتى لا آكل طرحة من العصا.
كان سي علي رحمه الله بسحنته السوداء وعيناه الحمراوتان وحذائه الذي يشبه حذاء شارلي شابلن رجلا طيبا، ترتسم دائما على محياه ابتسامة خفيفة لا يمكن إخفاء حزنها الدفين العميق الذي يشع في عينيه، فالعيون هي مرآة الروح، كنت أراه طوال أيام الشتاء يرتدي نفس المعطف الأسود أو الأزرق الغامق-لم أعد أذكر جيدا- بعقده المختلفة الألوان والأنواع كمثل الملابس المستعملة التي كانت تُباع في جوطية جامع الفنا، هذه الملابس التي كانت الدول الغربية وخاصة أمريكا آنذاك تجود بها على دول بما كان يسمى بالعالم الثالث مثل المغرب لتوزيعها على الفقراء والمعوزين دون مقابل، ولكن غالبا ما كان ينتهي بها المطاف تُباع لهؤلاء الفقراء أمثال سي علي وأمثالنا نحن من طرف من كنا نعتبرهم إخوان لنا في الدين والوطن.
كان سي علي رحمه الله بسحنته السوداء وعيناه الحمراوتان وحذائه الذي يشبه حذاء شارلي شابلن رجلا طيبا، ترتسم دائما على محياه ابتسامة خفيفة لا يمكن إخفاء حزنها الدفين العميق الذي يشع في عينيه، فالعيون هي مرآة الروح، كنت أراه طوال أيام الشتاء يرتدي نفس المعطف الأسود أو الأزرق الغامق-لم أعد أذكر جيدا- بعقده المختلفة الألوان والأنواع كمثل الملابس المستعملة التي كانت تُباع في جوطية جامع الفنا، هذه الملابس التي كانت الدول الغربية وخاصة أمريكا آنذاك تجود بها على دول بما كان يسمى بالعالم الثالث مثل المغرب لتوزيعها على الفقراء والمعوزين دون مقابل، ولكن غالبا ما كان ينتهي بها المطاف تُباع لهؤلاء الفقراء أمثال سي علي وأمثالنا نحن من طرف من كنا نعتبرهم إخوان لنا في الدين والوطن.
وما إن أدخل القسم وأجلس على المقعد الخشبي البارد حتى أحس بالرعشة تسري في نصفي السفلي لبرودة المكان، لم يكن آنذاك لا مكيفات هواء ولا سخانات، فأحوم ببصري لأنظر إلى حال التلاميذ الآخرين، فتنتابني موجة من الضحك الذي أخفيه حتى لا أتعرض للعقاب حين يترائى لي هؤلاء المساكين مثلي كالحمام عندما ينفش ريشه ويدخل رأسه بين جوانحه ويستقر رأسه على وضعية لا يبارحها اتقاء البرد، وكانت صورة معلقة على الحائط هي الوحيدة التي تشعرني بشيء من الدفئ، كان إسمها مكتوب عليها " الصياد والغراب الأعور"، حيث يظهر صياد مع كلبه وغراب محلق في السماء وسط غابة من الحشائش اليابسة حيث يبدو الجو مشمسا صحوا بسماء زرقاء كأيام الصيف، وكنت غالبا ما أطيل النظر فيها حتى أشعر بشيء من الدفئ يصعد ابتداء من أصابع قدمي التي لم يكن يسري في أوصالها الدفئ في الواقع إلا عندما نخرج إلى الشارع ونبدأ بشغبنا الذي لا يتوقف في الركض هنا وهناك.
ولطالما كان يسرح بي الخيال وأنا داخل الصف نحو العطلة الصيفية، عندئذ لا أشعر إلا ويد تقرعني فوق رأسي، فأنتيه وينتبه الكل، ثم يتوجه نحونا المعلم ويخاطينا قائلا: اليوم الخميس سوف يكون موضوع محفوظتنا هو قصيدة المساء لخليل مطران.
وكانت تسمى بالمحفوظة لأنه كان من اللازم علينا أن نكون قد حفظناها عن ظهر قلب خلال المراقبة التي تأتي في الأسبوع التالي، ومن لم يحفظها فمآله إلى الفلقة وما أدراك ما الفلقة، بعد ذلك يتناول المعلم قطعة من الطباشير الأبيض يكتب التاريخ طبعا بالعربية في أعلى وسط السبورة ثم ينزل سطرا ويكتب على اليمين بلون مخالف محفوظات ويسطر من تحتها، وبعدها يأتي إلى وسط السبورة على نفس مستوى محفوظات ويكتب قصيدة المساء لخليل مطران ويبدأ بكتابة القصيدة ونحن ندون في دفاترنا قي صمت تام.
ولطالما كان يسرح بي الخيال وأنا داخل الصف نحو العطلة الصيفية، عندئذ لا أشعر إلا ويد تقرعني فوق رأسي، فأنتيه وينتبه الكل، ثم يتوجه نحونا المعلم ويخاطينا قائلا: اليوم الخميس سوف يكون موضوع محفوظتنا هو قصيدة المساء لخليل مطران.
وكانت تسمى بالمحفوظة لأنه كان من اللازم علينا أن نكون قد حفظناها عن ظهر قلب خلال المراقبة التي تأتي في الأسبوع التالي، ومن لم يحفظها فمآله إلى الفلقة وما أدراك ما الفلقة، بعد ذلك يتناول المعلم قطعة من الطباشير الأبيض يكتب التاريخ طبعا بالعربية في أعلى وسط السبورة ثم ينزل سطرا ويكتب على اليمين بلون مخالف محفوظات ويسطر من تحتها، وبعدها يأتي إلى وسط السبورة على نفس مستوى محفوظات ويكتب قصيدة المساء لخليل مطران ويبدأ بكتابة القصيدة ونحن ندون في دفاترنا قي صمت تام.