من المعلوم أن الرحمة والإحسان والرفق بالحيوان تعتبر من أهم الخصال التي من الواجب أن تتوفر في المسلم، وقد توافرت النصوص على أن الإحسان إلى الحيوان والرفق به عبادة من العبادات التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أعلى درجات الأجر وأقوى أسباب المغفرة، وبنفس القدر الذي أوصلت به الشريعة الإسلامية الإحسان إلى الحيوان والرفق به إلى أعلى درجات العبادة أوصلت الإساءة للحيوان وتعذيبه إلى أعمق دركات الإثم والمعصية، فقد أخبرنا النبي (ص) أن امرأة دخلت النار لأنها حبست قطة ومنعتها من الطعام والشراب عندما قال: "دخلت امرأة النار في هِرَّة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" (حديث صحيح متفق عليه)، ودخل النبي (ص) مرة بستانًا لرجل من الأنصار فوجد جملا، فما إن رأى الجملُ النبي (ص) حتى حنَّ وانهمرت الدموع من عينيه، فذهب النبي (ص) إلى الجمل ومسح خلف أذنيه فهدأ، فلما سأل عن صاحبه جاءه فتى من الأنصار فقال: "أنا صاحبه يا رسول الله"، فقال النبي (ص): "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تُجيعه وتُدئبه" رواه أحمد وأبو داود.
وحرمت الشريعة الإسلامية الإساءة إلى الحيوان بتحميله من الأثقال ما لا يُطيق، وكان الصحابة الكرام يعرفون أن من حمّل دابة ما لا تُطيق حُوسب على ذلك يوم القيامة وفي ذلك رُوي عن أبي الدرداء أنه قال لبعير له عندما حضره الموت: "يا أيها البعير لا تخاصمني عند ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك"، ومن حق الدابة المعدة للركوب أن لا يركب عليها ثلاثة في آن واحد فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال: " نهى رسول الله (ص) أن يركب ثلاثة على دابة"، وفي رواية أبي سعيد: "لا يركب الدابة فوق اثنين"، وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال:"لينزل أحدكم فإن رسول الله (ص) لعن الثالث" وأخرج الطبراني عن علي رضي الله عنه قال: "إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم".
فأين نحن في الواقع اليومي من التعاليم الإسلامية السامية في الرفق بالحيوان، فحيثما وليت وجهك وجدت حميرا وبغالا وهنت والتصق الجلد منها على العظم تجر عربات محملة بأثقال تنوء عن حملها الفيلة، قد تصل أحيانا إلى ثلاثة أطنان دون احتساب وزن العربة المجرورة، أي ما يوازي حمولة حافلة سياحية للركاب، وترى تلك الدواب المليئة بالكدمات والجروح تتحرك بصعوبة واضحة وصاحبها في عجلة من أمره يُكيلها الشتائم ويُرهقها بالضرب المبرح حتى تسيل دماءها أو تتهاوى أحيانا من فرط الإنهاك، ولقد رأيت مرارا وتكرارا سياحا أجانب من النصارى وليس من العرب والمسلمين للأسف في شوارع باب الجديد وباب دكالة وعرصة المعاش بمدينة مراكش واقفين مشدوهين لما يحدُث ومُعبرين في نفس الوقت عن امتعاضهم واستنكارهم وإدانتهم لمثل هذه المعاملات المشينة والبربرية والهمجية للحيوانات، إنها بكل أسف صور من الحياة اليومية التي أصبحت مألوفة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بفعل الفقر وأب الرذائل الجهل واللامبالاة وعدم الاكتراث، صورة مخزية تُشرق عليها شمس أيامنا المتردية وتغرب لكنها في مجملها تخلف لدى السياح الأجانب انطباعا سيئا لواقع أسوأ ينم عن مدى جهلنا وتخلفنا وعدم التزامنا فوق ذلك بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
هوامش:
تُدئبه: تعمل عليه عملا متواصلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق