في الجزء الخامس من سلسلة اقرأ للمرحوم الأستاذ أحمد بوكماخ الذي كان مقررا لتلامذة السنة الخامسة من التعليم الابتدائي أو ما كان يُطلق عليه آنذاك 'بيت الشهادة'، كنت غالبا ما أغفل المعلم المنهمك في تصحيح دفاترنا أثناء قراءة أحد التلاميذ لموضوع في وسط الكتاب، وأنتقل أنا إلى نهايته حيث تقع قصة من أروع القصص العالمية ألا وهي قصة 'الأمير السعيد'، وتطرقي لهذا الموضوع هو في الحقيقة رسالة عرفان وامتنان للأستاذ أحمد بوكماخ رحمه الله الذي استطاع أن يرتقي بأذواق وخيال تلامذة تلك الحقبة منذ نعومة أظافرهم إلى مستوى عمالقة الأدب العالمي كأوسكار وايلد (1854- 1900)، الكاتب والمؤلف المسرحي و الروائي و الشاعر الأيرلندي، صاحب المجموعة الرائعة من القصص والحكايات القصيرة التي تضمها مجموعة 'الأمير السعيد'، 'العندليب والوردة '، 'العملاق الأناني'، 'الخلّ الوفي' وغيرها.
والحق يقال أن هذا الكاتب يتميز عن غيره بشفافية عالية وشاعرية مؤثرة وعمق رمزي مستوحى من صميم الحياة بل هو الحياة نفسها إن جاز التعبير، الشيء الذي يُفيد ويُثري فكريا حتى الكبار أيضا، بحيث يمكن اعتبار أعماله من الروائع الأدبية العالمية الأصيلة وذات البعد الإنساني والأخلاقي والتهذيبي في جميع محاورها على الرغم من أن البعض يضع أدب هذا الكاتب في خانة الأدب الموجه للصغار، وأوسكار وايلد هو صاحب المقولة الشهيرة: "ذوقي بسيط جداً... يعجبني دائماً الأفضل"، وسوف نقف من خلال قصة 'الأمير السعيد' المترجمة على يد الدكتور أحمد خالد توفيق على التجسيد الحقيقي لمقولة وايلد هاته:
والحق يقال أن هذا الكاتب يتميز عن غيره بشفافية عالية وشاعرية مؤثرة وعمق رمزي مستوحى من صميم الحياة بل هو الحياة نفسها إن جاز التعبير، الشيء الذي يُفيد ويُثري فكريا حتى الكبار أيضا، بحيث يمكن اعتبار أعماله من الروائع الأدبية العالمية الأصيلة وذات البعد الإنساني والأخلاقي والتهذيبي في جميع محاورها على الرغم من أن البعض يضع أدب هذا الكاتب في خانة الأدب الموجه للصغار، وأوسكار وايلد هو صاحب المقولة الشهيرة: "ذوقي بسيط جداً... يعجبني دائماً الأفضل"، وسوف نقف من خلال قصة 'الأمير السعيد' المترجمة على يد الدكتور أحمد خالد توفيق على التجسيد الحقيقي لمقولة وايلد هاته:
في موضع عال من المدينة فوق عمود عال يقف تمثال الأمير السعيد، كان مكسوا بالكامل برقائق الذهب، وكانت عيناه حجرين براقين من الزفير، وثمة ياقوتة حمراء كبيرة تلمع على مقبض سيفه، كان الكل يعجب به وقد وصفه أحد أعيان المدينة راغبا في أن يعرف عنه تذوقه للفنون:
-إنه جميل كدوارة الرياح، لكنه ليس مفيدا مثلها لأنه يخشى أن يحسبه الناس مفتقرا إلى التفكير العملي وهو لم يكن كذلك، وقالت أم حساسة لابنها الذي كان يبكي طالبا القمر: "لماذا لا تكون مثل الأمير السعيد؟ إنه لا يبكي لأي سبب"، وقال رجل محطم الآمال وهو ينظر إلى التمثال الرائع: "يسرني أن هناك شخصا سعيدا بحق في هذا العالم"، وقال الأطفال: "إنه يبدو كملاك"، فقال لهم معلم الرياضيات: "كيف تعرفون؟.. أنتم لم تروا ملاكا من قبل"، فرد الأطفال: "رأيناه في أحلامنا، فقطب المعلم جبينه وبدا صارما لأنه لا يحب فكرة أن يحلم الأطفال".
-إنه جميل كدوارة الرياح، لكنه ليس مفيدا مثلها لأنه يخشى أن يحسبه الناس مفتقرا إلى التفكير العملي وهو لم يكن كذلك، وقالت أم حساسة لابنها الذي كان يبكي طالبا القمر: "لماذا لا تكون مثل الأمير السعيد؟ إنه لا يبكي لأي سبب"، وقال رجل محطم الآمال وهو ينظر إلى التمثال الرائع: "يسرني أن هناك شخصا سعيدا بحق في هذا العالم"، وقال الأطفال: "إنه يبدو كملاك"، فقال لهم معلم الرياضيات: "كيف تعرفون؟.. أنتم لم تروا ملاكا من قبل"، فرد الأطفال: "رأيناه في أحلامنا، فقطب المعلم جبينه وبدا صارما لأنه لا يحب فكرة أن يحلم الأطفال".
ذات ليلة حلق طائر سنونو صغير فوق البلدة، كان رفاقه قد هاجروا إلى الجنوب منذ ستة أسابيع، لكنه بقى لأنه كان واقعا في غرام عصفورة جميلة قابلها يوما وهو يسعى وراء دودة صفراء، هل لي أن أحبك؟ كذا سألها السنونو الذي يختصر الطريق إلى مقصده، فهزت رأسها هزة خفيفة، ومن تم راح يحلق حولها مرارا لامسا الماء بجناحيه فيترقرق السطح الفضي، كانت هذه هي مغازلته وقد دامت طيلة الصيف.
قالت العصافير الأخرى: "هذا ارتباط سخيف، تلك العصفورة ليس لديها مال وعلاقاتها عديدة، وكان النهر مليئا بالعصافير الحسان لكنها ما لبثت أن طارت جميعها مع حلول فصل الخريف، وبعد رحيلها شعر بالوحشة وبدأ يسأم حبيبته، إنها لا تجيد المحادثة ويؤسفني أنها كثيرة الدلال لأنها تعبث مع الريح كثيرا، أوافق على أنها تهوى البيت، لكنني أهوى الترحال وعلى امرأتي أن تهوى الترحال كذلك.
سألها أخيرا: هل ستأتين معي؟، فهزت رأسها بعدم القبول فقد كانت شديدة التعلق ببيتها،
قال لها: كنت تسخرين مني وتخدعيني كي أبقى بجوارك، لسوف أرحل إلى حيث الدفئ.. وداعا،
وفارقها وطار بعيدا، وظل يطير طيلة اليوم ظل حتى وصل إلى المدينة مع حلول المساء،
فقال مع نفسه: تُرى أين سأهبط؟ أرجو أن تكون المدينة معدة لذلك ثم رأى التمثال على عموده الشامخ، سأهبط هناك.. إنه مكان جيد وهناك الكثير من الهواء النقي، ثم حط بين ساقي الأمير السعيد بالضبط.. ونظر حوله وقال لنفسه: لدي الآن غرفة نوم ذهبية، فاستعد للنوم، لكن ما إن وضع رأسه تحت جناحيه حتى سقطت قطرة من الماء عليه، أي شيء غريب هذا!.. لا توجد سحابة واحدة في السماء..النجوم لامعة متألقة..وبرغم هذا السماء تمطر..إن الطقس في شمال أوروبا غريب حقا، هنا سقطت قطرة أخرى فوقه، ما نفع التمثال إن لم يستطع منع الأمطار؟.. يجب أن أبحث عن فتحة مدفأة، فتهيأ للطيران..هنا سقطت قطرة ثالثة عليه فرفع رأسه للأعلى ليرى.. فماذا رآه؟ كانت عينا الأمير السعيد مغرورقتين بالدموع التي كانت تنهمر على خذيه الذهبين، وكان وجهه جميلا متلألئ في ضوء القمر حتى أن السنونو شعر بالشفقة.
وقال: من أنت؟
أنا الأمير السعيد،
ولماذا تبكي إذن؟ لقد أغرقتني بالماء،
قال التمثال: حين كنت حيا ولي قلب إنسان لم أكن أعرف كنه الدموع، كنت أعيش في قصر لا يسمح للحزن بدخوله، في النهار كنت ألهو مع رفاقي في الحديقة وفي المساء أقود جماعة الرقص، كان هناك سور عال حول القصر، لكنني لم أحاول قط أن أرى ما وراء هذا السور، كان ندمائي يطلقون علي اسم 'الأمير السعيد'، وقد كنت بالفعل سعيدا لو كانت السعادة هي اللذة، كذا عشت وكذا مت، والآن وضعوني في هذا الموضع العالي كي أرى كل القبح والبؤس والشقاء في مدينتي، وبالرغم من أن قلبي مصنوع من الرصاص فإنه ليس بوسعي إلا أن أبكي،
قال السنونو مع نفسه: ماذا؟ أليس من الذهب؟ فقد كان مهذبا لا يعلن عن ملحوظات كهذه بصوت عال، هنا واصل التمثال الكلام: بعيدا في شارع ضيق يوجد بيت صغير إحدى نوافذه مفتوحة ومنها أرى امرأة جالسة إلى منضدة وجهها نحيل منهك ويداها حمراوان خشنتان مليئتان بثقوب الإبر لأنها خياطة، إنها تطرز الزهور في تنورة ستلبسها أجمل وصيفات الملكة في حفل الرقص القادم، وفي الفراش يرقد ابنها المريض المحموم ويطلب برتقالا، وليس لدى أمه ما تعطيه إياه إلا ماء النهر لذا يصرخ، أيها السنونو.. أيها السنونو الصغير.. هلا أعطيتها الياقوتة الموجودة على مقبض سيفي؟ إن قدمي مثبتتان إلى هذه القاعدة ولا يمكنني الحركة،
قال السنونو: إن هناك رفاقا لي ينتظرونني عند النهر في الجنوب، يتكلمون مع زهور اللوتس الكبيرة.. ولسوف ينامون سريعا في مقبرة الملك الأعظم.. إن الملك ينام هناك في تابوت ملون وقد التف بالكتان الأصفر وحُنط بالطيب، يداه كالأوراق المجعدة وحول عنقه سلسلة من اليشنب الأخضر،
قال الأمير: أيها السنونو الصغير.. هلا بقيت معي ليلة واحدة وصرت مبعوثي؟ إن الصبي محموم وظمآن.. والأم حزينة،
قال السنونو: لا أحسبني أحب الصِّبْيَة، في الصيف الماضي كنت عند النهر وكان هناك صبيان هما ابنا بائع الحبوب يقذفاني بالحجارة، بالطبع لم يصيباني لأننا معشر العصافير نجيد الطيران، أضف إلى هذا أنني أنحدر من أسرة تمتاز بالسرعة، لكن كانت هذه علامة قلة أدب وعدم احترام برغم كل شيء، لكن الأمير بدا حزينا إلى حد أن السنونو ندم على ما قال، فأردف قائلا: الطقس هنا بارد للغاية، لكنني سوف أبقى معك ليلة وأكون مبعوثك.
قال الأمير: شكرا أيها السنونو، وهكذا التقط السنونو الياقوتة من مقبض السيف وحملها في منقاره وحلق فوق أسقف البيوت، مر فوق برج الكاتدرائية حيث التماثيل الرخامية، ومر فوق القصر وسمع صوت الرقصات، وخرجت حسناء إلى الشرفة مع حبيبها فقال لها: كم هي النجوم جميلة! وكم هو الحب أقوى!، فقالت له: أتمنى أن يكون ثوبي جاهزا للحفل الراقص.. لكن الخياطة كسولة.
طار السنونو فوق النهر ورأى الفوانيس المعلقة فوق الزوارق، وطار فوق الجيتو ورأى اليهود المسنين يساومون ويزنون الدراهم، في النهاية بلغ المنزل ونظر بالداخل، كان الصبي يتقلب في فراشه والأم نائمة، رفرف إلى الداخل ووضع الياقوتة على المنضدة بجوار الأم، ثم حلق فوق الفراش ليجلب بعض الهواء إلى جبين الطفل الملتهب.
وعند عودته قال السنونو: هذا غريب ! إنني أشعر بالدفء بالرغم من أن الطقس بارد،
قال الأمير: هذا لأنك قمت بعمل خير،
فكر السنونو قليلا ثم غرق في النوم، كان التفكير دوما يجلب النعاس إلى عينيه، حين بزغت الشمس طار إلى النهر واستحم، قال أستاذ علم الطيور وهو يمشي على الجسر: هذا غريب! سنونو في الشتاء!، فكتب خطابا طويلا عن هذه الظاهرة إلى الجريدة المحلية، وكان الخطاب مليئا بكلمات معقدة لم يفهمها أحد.
قال السنونو وقد ارتفعت معنوياته: الليلة أنطلق إلى الجنوب، زار كل المعالم المهمة في المدينة وكلما قصد مكانا غردت العصافير وقالت: يا له من غريب متميز!
وحين ارتفع القمر عاد إلى الأمير السعيد: هل لديك مهمات في الجنوب؟ أنا سأنطلق الآن،
قال الأمير : أيها السنونو.. أيها السنونو الصغير.. هلا مكثت معي ليلة أخرى؟،
رد السنونو: هم ينتظرونني في هناك، غدا يسافر رفاقي إلى الشلال الثاني حيث أفراس النهر تتوارى بين الشجيرات، وعلى عرش ضخم من الجرانيت يجلس تمثال ممنون الذي يرقب النجوم طيلة الليل وحين تبزغ شمس النهار يطلق صيحة سرور ثم يعود إلى الصمت، وعند الظهيرة تأتي الأسود الصفراء إلى ضفة النهر لتشرب وزئيرها أعلى من زئير الشلال،
قال الأمير: عبر المدينة أرى شابا يعيش في سقيفة، إنه ينحني على منضدة تغطيها الأوراق وبجواره باقة أزهار بنفسج ذابلة، له عينان حالمتان واسعتان وشفتان حمراوان، وهو يحاول إنهاء كتابة مسرحية لمسرح المدينة، لكن البرد يمنعه من الاستمرار في الكتابة، لا نار في السقيفة والسغب يجعله يفقد الوعي،
قال السنونو الذي كان طيب القلب بالفعل: لسوف أبقى معك ليلة أطول، هل أحمل إليه ياقوتة أخرى؟،
رد الأمير السعيد: للأسف لم يعد لدي ياقوت، عيناي هما ما بقي لي، وهما مصنوعتان من الزفير النادر الذي جيء به من الهند منذ ألف عام، انتزعهما وخذهما له، ولسوف يبيعهما للصائغ ويبتاع طعاما وحطبا ومن تم ينهي كتابة مسرحيته،
قال السنونو وهو يبكي: أيها الأمير العزيز.. ليس بوسعي أن أفعل هذا،
قال الأمير : أيها السنونو.. أيها السنونو الصغير.. افعل ما آمرك به،
هكذا وجد السنونو نفسه مرغما على انتزاع الزفير، وحلق نحو غرفة الكاتب، كان الدخول سهلا لأن السقف كانت فيه فتحة واسعة، كان الشاب قد دفن رأسه بين كفيه فلم يسمع صوت رفرفة جناحي السنونو، وحين رفع رأسه وجد قطعة الزفير فوق أزهار البنفسج الذابلة، ثم صاح: لقد بدأ الناس يشعرون بقيمتي، هذه الجواهر من معجب عظيم ولا شك، الآن يمكنني أن أنهي مسرحيتي، وبدا مسرورا جدا..
في الصباح التالي طار العصفور إلى الميناء، وراح يراقب البحارة وهم يرفعون صناديق كبيرة مربوطة بالحبال ،صاح السنونو: أنا ذاهب إلى الجنوب! لكن أحدا لم يبال به، وحين ارتفع القمر عاد إلى الأمير السعيد.
في الصباح التالي طار العصفور إلى الميناء، وراح يراقب البحارة وهم يرفعون صناديق كبيرة مربوطة بالحبال ،صاح السنونو: أنا ذاهب إلى الجنوب! لكن أحدا لم يبال به، وحين ارتفع القمر عاد إلى الأمير السعيد.
قال السنونو: جئت كي أودعك،
رد الأمير السعيد: أيها السنونو.. أيها السنونو الصغير.. ألا تبقى معي ليلة أخرى؟،
قال السنونو: إنه الشتاء، ولسوف يأتي الجليد سريعا بينما في الجنوب الشمس الدافئة تشرق على أشجار النخيل والتماسيح تنعس في الوحل ناظرة في كسل إلى ما حولها، رفاقي يبنون عشا في المعبد واليمام الأبيض يراقبهم، أيها الأمير العزيز يجب أن أتركك لكنني في الربيع سأجلب لك جوهرتين جميلتين بدلا من اللتين تخليت عنهما، ولسوف تكون الياقوتة أكثر احمرارا من الوردة، والزفير سيكون أكثر زرقة من البحر،
قال الأمير: في الميدان تحتي هنالك بائعة ثقاب صغيرة، لقد سقط الثقاب منها في البالوعة، ولسوف يضربها أبوها بسبب هذا.. إنها تبكي.. رأسها الصغير عار وقدماها حافيتان.. خذ عيني الأخرى وأعطها لها،
قال السنونو: سأبقى ليلة أخرى.. لكن لو انتزعت عينك الوحيدة الباقية ستصير أعمى تماما،
رد الأمير السعيد: أيها السنونو.. أيها السنونو الصغير.. افعل ما آمرك،
ومن تم انتزع الزفير وانطلق إلى حيث بائعة الثقاب الصغيرة.. وألقى الجوهرة في كفها، صاحت الفتاة: يا لها من قطعة زجاج جميلة ! وانطلقت نحو البيت وهي تضحك،
عاد السنونو إلى الأمير وقال له: أنت الآن أعمى.. ولسوف أبقى معك إلى الأبد،
رد الأمير السعيد: لا أيها السنونو الصغير.. يجب أن تذهب إلى الجنوب،
قال السنونو: بل سأبقى معك إلى الأبد،
فنام عند قدمي الأمير، في اليوم التالي ظل يقف على كتف الأمير ويحكي له قصصا غريبة عما شاهده، حكى له عن طيور أبو منجل التي تقف صفوفا على ضفة النيل لتصطاد السمك بمناقيرها، وعن أبي الهول الذي هو أقدم من الدنيا ذاتها ويعرف كل شيء، وعن التجار الذين يمشون الهوينى بجوار جمالهم ويحملون مسابح من العنبر بين أصابعهم، وعن ملك جبال القمر الذي هو أكثر سوادا من الأبنوس ويعبد جوهرة كبيرة، وعن الثعبان الأخضر العظيم الذي يعيش في شجرة ويعتني به عشرون كاهنا، وعن الأقزام الذين يسبحون في النهر راكبين على أوراق شجر ضخمة وهم في حرب دائمة مع الفراشات،
قال الأمير: أيها السنونو الصغير العزيز.. أنت تحكي لي أشياء مذهلة، لكن الأكثر غرابة هو معاناة الناس، لا يوجد لغز أكثر استغلاقا من الشقاء.. طر فوق المدينة واخبرني بما تراه هناك،
قال الأمير: أيها السنونو الصغير العزيز.. أنت تحكي لي أشياء مذهلة، لكن الأكثر غرابة هو معاناة الناس، لا يوجد لغز أكثر استغلاقا من الشقاء.. طر فوق المدينة واخبرني بما تراه هناك،
طار السنونو فوق المدينة ورأى الأغنياء في قصورهم بينما الشحاذون يتسولون أمام الأبواب، وطار فوق الأزقة ورأى وجوه الأطفال الجياع البيضاء الشاحبة، وتحت الجسر رأى غلامين ينامان وقد احتضنا بعضهما طلبا للدفء وهم يتهامسان كم نحن جائعان!،
صاح خفير الدرك: ليس لكما أن تناما هنا!، ثم فر الغلامان إلى المطر وعاد السنونو إلى الأمير يخبره بما رأى،
قال الأمير السعيد: أنا مغطى برقائق الذهب، انتزعها واحدة تلو الأخرى، أعطها للناس الذين يحسبون أن الذهب سيجعلهم أكثر سعادة، التقط السنونو ورقة تلو الأخرى من الذهب يحملها إلى الفقراء، حتى ازدادت وجوه الأطفال توردا وراحوا يضحكون ويلعبون، في حين صار الأمير السعيد رماديا كئيب المنظر، ثم جاء الثلج وبعده الجليد، فبدت الشوارع كأنما هي من فضة، وارتدى الجميع الفراء، ازداد شعور السنونو البائس بالبرد ولكنه لم يرد أن يفارق الأمير. فقط راح يحاول أن يتدفأ بتحريك جناحيه.. لكنه في النهاية عرف أن موته قريب.. استجمع قواه وطار إلى كتف الأمير وقال له: وداعا أيها العزيز.. هل لي أن ألثم يدك؟،
قال الأمير السعيد: يسعدني أنك ذاهب إلى الجنوب أخيرا أيها السنونو الصغير، لكن أرجو أن تلثم شفتي لأنني أحبك،
رد السنونو: لست ذاهبا إلى الجنوب ولكن إلى بيت الموت.. إن الموت شقيق النوم.. أليس كذلك؟، ولثم ثغر الأمير ثم هوى ميتا عند قدميه، في هذه اللحظة دوى صوت شرخ غريب من داخل التمثال كأنما تحطم شيء، الحقيقة أن قلب الأمير الرصاصي انشطر إلى نصفين،
في الصباح كان العمدة يمشي في الميدان مع أعيان البلدة، مروا بالعمود فرأوا التمثال: رباه ما أقبح الأمير السعيد!، صاح الأعيان الذين لم يختلفوا قط مع العمدة: ما أقبحه فعلا.. لم تعد الياقوتة في سيفه وعيناه تلاشتا.. ولم يعد مكسوا بالذهب، إنه ليس أفضل حالا من الشحاذين.. وهناك طير ميت عند قدميه، علينا أن ننشر إعلانا يمنع الطيور أن تموت هنا، وقال أستاذ الفنون في الجامعة: ما دام لم يعد جميلا فهو لم يعد مفيدا، وهكذا أخذوا التمثال وأذابوه في فرن كبير، ثم عقد العمدة اجتماعا للمجلس البلدي لتحديد ما يمكن عمله بالمعدن المنصهر وقال: سنصنع تمثالا آخر، ولسوف يكون هذا التمثال لي،
تخاصم وتعارك الأعيان فيما بينهم وكل منهم يريد صُنْعَ تمثال لنفسه، وآخر ما سمعت أنهم ما زالوا يتشاجرون.. ولاحظ العمال أن القلب لا ينصهر لهذا تخلصوا منه في القمامة حيث اجتمع مع جثة السنونو.
قال الخالق جل جلاله لملائكته: هاتوا لي أثمن شيئين في تلك المدينة، وعادت الملائكة للخالق تعالى بقلب التمثال الرصاصي وجثة السنونو، لقد أحسنتم الاختيار لأنه في حدائق جنتي سوف يغرد هذا الطائر للأبد.. وفي مدينتها الذهبية سيُسبِّحُ هذا الأمير السعيد بحمدي.
تخاصم وتعارك الأعيان فيما بينهم وكل منهم يريد صُنْعَ تمثال لنفسه، وآخر ما سمعت أنهم ما زالوا يتشاجرون.. ولاحظ العمال أن القلب لا ينصهر لهذا تخلصوا منه في القمامة حيث اجتمع مع جثة السنونو.
قال الخالق جل جلاله لملائكته: هاتوا لي أثمن شيئين في تلك المدينة، وعادت الملائكة للخالق تعالى بقلب التمثال الرصاصي وجثة السنونو، لقد أحسنتم الاختيار لأنه في حدائق جنتي سوف يغرد هذا الطائر للأبد.. وفي مدينتها الذهبية سيُسبِّحُ هذا الأمير السعيد بحمدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق