رواية تدور جميع أحداثها حول شخصية محورية ألا وهي الأمير ميشكين الأبله والغبي والساذج بحكم الولادة، لأنه يفتقر للجرأة والقدرة على اتخاذ القرارات التي تخص مصيره، لكنه طيب وكريم إلى أقصى الحدود، مهذب وصريح مع الناس، وباستطاعته القيام بتحاليل نفسية عميقة وفي غاية الدقة بمجرد نظرة أولى إلى وجه إنسان وهيأته، يرمق إليه الناس باستعلاء وتحقير ويعتبرونه طفلا ليس له من صفات الرجل الراشد البالغ سوى القامة والوجه، أما من الناحية النفسية والطبع والتكوين وربما الذكاء فما هو براشد، وإنما طفل قد يبقى على هذه الحال حتى الشيخوخة، فهو يكره صحبة الكبار ولا يحب أن يصادقهم، ولا يحس مطلقا بالارتياح في رفقتهم، لأنهم كما يرى انتهازيون، متقلبون، كذابون ومنافقون.
كانت أسعد لحظاته التي يشعر فيها بالارتياح والغبطة والانشراح هي تلك التي يقضيها مع رفاقه الأطفال الصغار، لأنه كان لا يكذب عليهم ولا يخفي عنهم شيئا، وكانوا يبادلونه نفس الإحساس والشعور، لكن الأمير ميشكين المسكين سوف يجد نفسه في خضم مجتمع يحكمه ويسيره 'الكبار البالغون' وليس الأطفال الصغار، مجتمع بشع انتهازي وفاسد حتى النخاع، وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يعبر عن رأيه وفكره ببراءة الأطفال، بكل بساطة وبقوة الكلمة الصادقة والقلب السليم، كي يضيء برؤيته وبكرمه وحنوه وصدقه دروبا حالكة الظلمة في أفئدة الناس، ليكشف عن المستور مما تكنه الصدور، لدرجة أنه فاجأ الجميع، إنه يقتفي ويتحسس ما يجري في القلوب غير عابئ بما يحاك من حوله من دسائس ومؤامرات، وكان يغفر حتى أقسى الخيانات لمن صادفهم في طريقه ويبرر أخطاءهم دائما بالضعف والجهل، لأن حبه أقوى من كل شيء، لكن ماذا في استطاعة إنسان طيب وطاهر أن يفعل اتجاه مجتمع فاسدٍ تَطَبَّع على الفساد، يعج بشتى الرذائل والفواحش والمنكرات من أخمص قدميه حتى أذنيه؟
كانت أسعد لحظاته التي يشعر فيها بالارتياح والغبطة والانشراح هي تلك التي يقضيها مع رفاقه الأطفال الصغار، لأنه كان لا يكذب عليهم ولا يخفي عنهم شيئا، وكانوا يبادلونه نفس الإحساس والشعور، لكن الأمير ميشكين المسكين سوف يجد نفسه في خضم مجتمع يحكمه ويسيره 'الكبار البالغون' وليس الأطفال الصغار، مجتمع بشع انتهازي وفاسد حتى النخاع، وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يعبر عن رأيه وفكره ببراءة الأطفال، بكل بساطة وبقوة الكلمة الصادقة والقلب السليم، كي يضيء برؤيته وبكرمه وحنوه وصدقه دروبا حالكة الظلمة في أفئدة الناس، ليكشف عن المستور مما تكنه الصدور، لدرجة أنه فاجأ الجميع، إنه يقتفي ويتحسس ما يجري في القلوب غير عابئ بما يحاك من حوله من دسائس ومؤامرات، وكان يغفر حتى أقسى الخيانات لمن صادفهم في طريقه ويبرر أخطاءهم دائما بالضعف والجهل، لأن حبه أقوى من كل شيء، لكن ماذا في استطاعة إنسان طيب وطاهر أن يفعل اتجاه مجتمع فاسدٍ تَطَبَّع على الفساد، يعج بشتى الرذائل والفواحش والمنكرات من أخمص قدميه حتى أذنيه؟
رواية تزخر بكثير من الحقائق التي هي أصلا ليست خاصة فقط بالمجتمع الروسي وحده، بل هي مشتركة بين كل المجتمعات الإنسانية، فقط ما يتغير هو المظهر وليس الجوهر، وهنا تظهر عبقرية مؤلف الرواية، والحديث الذي يدور في القطار بين الأمير ميشكين وشخصيتين أخريين هما ليبديف وروجويين هو أصدق تعبير على ذلك عندما قال الأمير محدثا الشخصين: " إن هؤلاء السادة 'العالمين بكل شيء'...لأن فضولهم اليقظ وملكاتهم العقلية تلتقي جميعا في اتجاه واحد، لخلو بالهم طبعا من اهتمامات حيوية ومشاغل جدية أخطر شأنا...على أننا حين نقول 'أنهم يعرفون كل شيء' يجب أن نفهم من ذلك أن ميدان علمهم محدود، وأن ساحة معرفتهم ضيقة، فعلمهم يقتصر على أمور كالتالي: أين يعمل الموظف الكبير فلان، وما هي علاقاته، وما مقدار ثروته، وما هي المقاطعة التي كان حاكما فيها، ومن هي المرأة التي تزوجها، وكم المهر الذي نالته منه زوجته، ومن هو ابن عمه، ومن هو قريبه من الدرجة الثالثة بخ بخ بخ......
وهم يعرفون ذلك كله معرفة مناسبة، وهؤلاء السادة 'العالمون بكل شيء' هم في كثير من الأحيان أناس من الحثالات والصعاليك يسيرون بأكمام مثقوبة أكواعها..... والناس الذين يعرف هؤلاء كل شيء عنهم لا يستطيعون أن يتخيلوا الدوافع التي تحضهم على التماس هذه المعارف وجمع هذه المعلومات، ولكن كثيرا من هؤلاء 'العالمين بكل شيء' تغريهم معارفهم هذه إغراء كبيرا، وهم يستمدون من هذه المعارف التي تساوي في نظرهم علما حقيقيا، يستمدون منها احترامهم لأنفسهم، ويستمدون منها متعة روحية عظيمة، وارتياحا فكريا كبيرا، ثم أن لهذه المعرفة جوانبها المغرية الجذابة، لقد عرفت علماء وأدباء وشعراء وسياسيين وصلوا بفضل هذه المعارف إلى أهداف عالية وبلغوا غاية رفيعة، ووجدوا بواسطتها سكينة الروح وطمأنينة النفس، حتى أنهم مدينون لها بما نالوا من مراكز عالية في مجال عملهم" انتهى الاقتباس وبدون تعليق.
وهم يعرفون ذلك كله معرفة مناسبة، وهؤلاء السادة 'العالمون بكل شيء' هم في كثير من الأحيان أناس من الحثالات والصعاليك يسيرون بأكمام مثقوبة أكواعها..... والناس الذين يعرف هؤلاء كل شيء عنهم لا يستطيعون أن يتخيلوا الدوافع التي تحضهم على التماس هذه المعارف وجمع هذه المعلومات، ولكن كثيرا من هؤلاء 'العالمين بكل شيء' تغريهم معارفهم هذه إغراء كبيرا، وهم يستمدون من هذه المعارف التي تساوي في نظرهم علما حقيقيا، يستمدون منها احترامهم لأنفسهم، ويستمدون منها متعة روحية عظيمة، وارتياحا فكريا كبيرا، ثم أن لهذه المعرفة جوانبها المغرية الجذابة، لقد عرفت علماء وأدباء وشعراء وسياسيين وصلوا بفضل هذه المعارف إلى أهداف عالية وبلغوا غاية رفيعة، ووجدوا بواسطتها سكينة الروح وطمأنينة النفس، حتى أنهم مدينون لها بما نالوا من مراكز عالية في مجال عملهم" انتهى الاقتباس وبدون تعليق.
لقد صيغت رواية الأبله بريشة فنان ماهر بشكل متقن ومؤثر تتخلله الكثير من الحكم والدروس والعبر لكل من له أدنى بصيرة، وهي من أكثر الروايات تعقيدا في دراسة علم النفس البشري، تقدم عرضا مستفيضا لما يزيد على أربعين شخصية بطبائعها المتنافرة والمختلفة، تشابك مؤامرات ودسائس شخصياتها تُفضي إلى تقلبات سريعة غير اعتيادية وغير متوقعة، نجح فيها المؤلف إلى شد القارئ إليه وجعله ينتظر بفارغ الصبر ردة فعل كل شخصية يصف فيها المجتمع الروسي بل البشري من خلال حدس ورؤية ثاقبة لا تخطأ لرجل يتهكم منه الناس ويصفونه بالأبله، لكنه حكيم طيب صادق وصريح، ورغم عدم إلمامه في البداية بغدر البشر وانتهازيته وعدوانيته، فلسوف يكتشف شيئا فشيئا ببطء وبعمق سيكولوجية الإنسان، ويجس أغوار نفسه وما تخفي طويته.
كان الأمير ميشكين خلال كل الأحداث التي مرت عليه مشدودا بقوة إلى الخير، لكنه كان في نفس الوقت مضايقا من كل جانب بالشر الكامن في أمزجة الناس التي كثيرا ما تنتصر وتتمرد على قرارات العقل، والخير غالبا لا يعمر طويلا ويغادر هذه الدنيا ليعمرها الأراذل، فنهاية الأمير ميشكين ستكون مأساوية عندما سيصاب بمرض الصرع ويتم إخضاعه مرة أخرى للعلاج لأنه، حسب الأحكام الصادرة عن الناس، يجب أن يبقى دائما ذلك الأبلـه ليس إلا.
كان الأمير ميشكين خلال كل الأحداث التي مرت عليه مشدودا بقوة إلى الخير، لكنه كان في نفس الوقت مضايقا من كل جانب بالشر الكامن في أمزجة الناس التي كثيرا ما تنتصر وتتمرد على قرارات العقل، والخير غالبا لا يعمر طويلا ويغادر هذه الدنيا ليعمرها الأراذل، فنهاية الأمير ميشكين ستكون مأساوية عندما سيصاب بمرض الصرع ويتم إخضاعه مرة أخرى للعلاج لأنه، حسب الأحكام الصادرة عن الناس، يجب أن يبقى دائما ذلك الأبلـه ليس إلا.
ولعله من البلاهة عدم إتمام هذه الرواية الغاية في الروعة حتى صفحتها الألف ومائة وخمسة وثلاثون، والتي كانت صفحاتها تُطوى أمام أعيني تلقائيا الواحدة تلو الأخرى مع كل ما يكتنفها من فلسفة وحكمة وتهكم وسخرية، والكل محبوك بطريقة رفيعة قل نظيرها، سوف لن تجد مثيلا لها سوى عند الأديب الروسي الكبير فيدور دوستويفسكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق