قسمة ضيزى

قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر، وكان عند الرجل دجاج كثير وله امرأة وابنان وبنتان، فقال الأعرابي لزوجة الرجل: اشوي دجاجة وقدميها لنا نتغذى بها، فلما حضر وقت الغذاء جلس الجميع، الرجل وامرأته وابناه وبنتاه و الأعرابي، فدفع الرجل للأعرابي بالدجاجة وقال له: اقسمها بيننا يريد بذلك أن يهزأ منه، قـال الأعرابي: لا أحسن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم، قال الجمع : فإنا نرضى بقسمتك، أخذ الأعرابي الدجاجة وقطع رأسها ثم ناوله للرجل وقال الرأس للرئيس، ثم قطع الجناحين وقال والجناحان للإبنين، ثم قطع الساقين فقال الساقان للإبنتين، ثم قطع المؤخرة وقال العجز للعجوز، ثم قال والزور للزائر وأخذ الدجاجة بأكملها! فلما كان الغد قال الرجل لامرأته اشوي لنا خمس دجاجات.
وعندما حضر وقت الغذاء قال الجمع للأعرابي اقسم بيننا، فرد الأعرابي: أظنكم غضبتم من قسمتي أمس، قال الجمع لا والله لم نغضب فاقسم بيننا، قال الأعرابي شفعا أو وترا ؟ قال الجمع وترا، قال الأعرابي مخاطبا الزوج أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة ورمى بدجاجة، ثم أضاف قائلا وابناك ودجاجة ثلاثة ورمى بالدجاجة الثانية، ثم قال وابنتاك ودجاجة ثلاثة ورمى بالدجاجة الثالثة، ثم قال وأنا ودجاجتان ثلاثة، واحتفظ بالدجاجتين، فرأى الأعرابي أن الكل ينظر إلى دجاجتيه بحنق كبير، فقال إلى ما تنظرون؟ لعلكم كرهتم قسمتي؟ فالوتر ما تجيء إلا هكذا، قـال الجمع فاقـسـمها شـفـعا، فأعاد الخمس دجاجات إليه ثم قال للزوج أنت وابناك ودجاجة أربعة ورمى إليـهم دجاجة، والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة ورمى إليهن بدجاجة، ثم قال وأنا و ثلاث دجاجات أربعة وضم إليه ثلاث دجاجات، ثم رفع رأسه إلى السـماء وقال الحـمد لله أنت فهّـمْتَها لي.
إن قصة الأعرابي هذه تحيلنا إلى موضوع جد مهم وحساس ألا وهو العدل بين الناس، إذ أن تدعيم العدل والعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو الطريق الصحيح والجوهري الذي يجب أن يسلكه أي مجتمع من المجتمعات للخروج من غياهب الظلمات إلى النور، ومن المحاباة والمجاملات وحب السلطة والجاه والمال إلى النزاهة في الحكم والإخلاص للحق وحده في سبيل تحقيق التوازن في المجتمع والسير به نحو أفق السلم والعدالة المنشودة، إذ ليس أضر وأقسى بالمعاملات بين الناس ولا أدعى لوقوع الخلل فيها من الاختلاف في تأويل القانون وتطبيقه، اختلافا يحار معه الناس بين ما يعد خطأ وما يعد صوابا من أحكام القانون، بيد أن هذا الاختلاف واقع لا محالة في أحكام القوانين الإدارية والقضائية منها بسبب تفاوت مراتب المجتهدين في تأويل القوانين على قدر تفاوتهم في العلم والخبرة، ولا ضير قي ذلك ما دام الالتزام بروح القوانين يتم بكل نزاهة ومسؤولية، ولكن الخطير في الأمر هو أن يتم أحيانا تأويل القانون بعيدا عن مقصده وذلك حسب الأهواء في المحاباة لزيد لأنه ذو مكانة أو حصانة أو وساطة والانتقام من عَمر لأنه لا يلو على شيء، والسماح بتناقض الأحكام وتضاربها في قضايا متشابهة حتى التطابق حول تطبيق القواعد القانونية يؤدي في النهاية إلى اضطراب النظام القانوني بأكمله وينال من فاعليته ومصداقيته لدى الناس.