الحكمة في شعر المتنبي

المتنبي الشاعر المبدع صاحب الإنتاج الغزير، والحكم والأمثال السائرة، والمعاني المبتكرة، ومفخرة الأدب العربي، الذي مهما قيل عنه من طرف البعض في كون معظم قصائده تدور حول مدح الملوك والأمراء والتزلف لهم، فيكفيه فخرا تميزه وبراعته وتبريزه في شعره الذي لا يضاهيه فيه أي من الأولين ولا من الآخرين، فهو باب من أبواب الأدب العربي قائم بذاته، من خلال إضفائه على شعره التفكير الحر والقول الجريئ والأداء السامي، ويكفيه فخرا أيضا أن تراثه الشعري الذي خلفه من بعده يعد من أعظم وأجود وأجمل ما أنتجه الشعراء على مر العصور، ولعل أبلغ وصف للمتنبي هو ما جاء على لسان الأديب المصري الكبير أحمد حسن الزيات (1885-1968):
"عقلية المتنبي عقلية بدوية خالصة: تتعلق بالحس أكثر من تعلقها بالمعنى، وتعتد بالواقع أكثر من اعتدادها بالخيال، وتعتمد على القوة أكثر من اعتمادها على الحيلة، لذلك كان ذهول الصوفية نابياً في عقله، وشعور الجمال خابياً في قلبه، وأثر الدين ضعيفاً في حياته، ثم كانت فلسفته حاجة الدنيا، وخطته سنة الطبيعة، وفكرته صورة الواقع، وغايته غاية الرجل الطماح: شخصيته تبغي الظهور، وشهوته ترغب المال، وحيويته تطلب الغلبة، وعظمته تريد الحكم، لذلك كان أخص ما يميزه بروز شخصيته في شعره، وصدق إيمانه برأيه، وقوة اعتداده بنفسه، وصحة تعبيره عن طبائع النفس ومشاغل الناس وأغراض الحياة.
عبقرية أبى الطيب سباحة الجناح، لماحة الطرف، مبسوطة الأفق، ولكنه قيدها بالمادة وحصرها في ما تدور عليه من كاذب المدح ولاذع الهجاء، فقرت قرار الطائر الحبيس، تخافت بالأغاريد المزورة على طبيعتها، وتكابد الشوق الملح إلى الهواء والسماء والروض، ثم تفلت أحيانا من ربقة القيد فتحلق في سماء الإلهام، وتهتف بالمعجز من قلائد الحكم وشوارد الأمثال وطرائف الذهن، حتى في الأغراض المبتذلة والمواقف الوضيعة.
وهكذا كانت قوى المتنبي ومواهبه مقهورة معذبة! ولعله كان أقسى ما يكون على قريحته وعبقريته! فقد أرادهما على الابتكار في مدح لا يعتقده، ووصف لا يحسه، فجاءت معانيه في أمثال هذه الأغراض توليداً في عقله، لا نقلا عن شعوره، ومن ثم كثر فيها الإغراق لقيامها على الدعاوى المرسلة، والغموض لانتزاعها من الخوالج المبهمة، والتناقض لتعبيرها عن غير كائن، والتشابه لتفصيلها على غير معين.
أما في ما يشعر به كالهجاء والعتاب والنقد والفخر والشكوى، فسيل لا يحجزه سد، وبحر لا يحصره ساحل، وهو في تدافع السيل وعمق البحر وسعة العباب، مثله في بطء الحركة واختلاج الأداء وضيق الفكرة: شخصية مفروضة على الذهن، وروح شعاعة على الإحساس، وزفيف في الارتفاع والإسفاف يدل على جناح النسر! 
والحق أن المتنبي شاعر القوة، شاعر الحرب، شاعر المغامرة، شاعر المجد! فلو كان سياسيا لكان مكيافللي، أو قائداً لكان نابليون، أو فيلسوفاً لكان نيتشه!"
ولعل ما يزخر به شعر المتنبي من أمثال سائرة وحكم مصوغة صياغة محكمة، وبلاغة مدهشة، وإبداع قل نظيره لخير دليل على ذلك، وهذا ما يتجلى بوضوح في الأبيات التالية التي انتقيتها بكل عناية من أشعاره التي تسمو بلغة الضاد إلى ما فوق الشهب: 
أَيَّ   مَحَلٍّ  أَرْتَقِي       أَيَّ   عَظِيمٍ  أَتَّقِي
وَكُلُّ مَا خَلَقَ  اللهُ       وَمَا    لَمْ    يَخْلُقِ
مُحْتَقَرٌ  فيِ  هِمَّتِي      كَشَعْرَةٍ فِي  مَفْرِقِي
* * *
وَإِنِّي   لَمِنْ   قَوْمٍ  كَأَنَّ   نُفُوسَهُمْ      بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ  وَالعَظْمَا
كَذَا  أَنَا  يَا  دُنْيا إِذَا شِئْتِ  فَاذْهَبِي     وَيَا  نَفْسِ زِيدِي فِي كَرَائِهِهَا  قُدْمَا
فَلاَ  عَبَرَتْ   بِي  سَاعَةٌ  لاَ  تُعِزُّنيِ      وَلاَ  صَحِبَتْنِي مُهْجَةٌ  تَقْبَلُ  الظُّلْمَا
* * *
إِذَا مَا النَّاسُ جَرَّبَهُمْ لَبِيبٌ      فَإِنِّي  قَدْ   أَكَلْتُهُمْ  وَذَاقَا
فَلَمْ أَرَ  وُدَّهُمْ إِلاَّ  خِدَاعاً      وَلَمْ  أَرَ دِينَهُمْ  إِلاَّ  نِفَاقَا
* * *
مَا   مُقَامِي   بِأَرْضِ   نَخْلَةَ  إِلاَّ        كَمُقَامِ   الْمَسِيحِ   بَيْنَ    الْيَهُودِ
أَبَداً    أَقْطَعُ    الْبِلاَدَ   وَنَجْمِي        فِي نُحُوسٍ  وَهِمَّتِي  فِي   سُعُودِ
عِشْ عَزِيزاً أَوْ  مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ        بَيْنَ  طَعْنِ   القَنَا  وَخَفْقِ   البُنُودِ
فَرُؤُوسُ  الرِّمَاحِ   أَذْهَبُ  لِلْغَيْظِ       وَأَشْفَى    لِغِلِّ   صَدْرِ    الْحَقُودِ
فَاطْلُبِ الْعِزَّ فِي لَظَى وَدَعِ   الذُّ        لَّ  وَلَوْ  كَانَ  فِي جِنَانِ  الْخُلُودِ
لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا  بِي        وَبِنَفْسِي  فَخَرْتُ  لاَ   بِجُدُودِي
أَنَا تِرْبُ  النَّدَى وَرَبُّ   القَوَافِي        وَسِمَامُ  الْعِدَى  وَغَيْظُ  الْحَسُودِ
أنَا  فِي   أُمَّةٍ   تَدَارَكَهَا   اللّـ         ـهُ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فـِي ثَمودِ
* * *
بِأَبِي   الشُّمُوسُ  الْجَانِحَاتُ  غَوَارِبَا       اللاَّبِسَاتُ    مِنَ    الْحَرِيرِ    جَلاَبِبَا
الْمُنْهِبَاتُ        عُقُولَنَا      وَقُلُوبَنَا        وَجَنَاتِهِنَّ       النّاهِِبَاتِ       النَّاهِبَا
النَّاعِمَاتُ      الْقَاتِلاَتُ    الْمُحْيِيَا        تُ   الْمُبْدِيَّاتُ   مِنَ  الدَّلاَلِ   غَرَائِبَا
حَاوَلْنَ    تَفْدِيَّتِي  وَخِفْنَ    مُرَاقِبَا        فَوَضَعْنَ     أَيْدِيَهُنَّ    فَوْقَ     تَرَائِبَا
كَيْفَ الرَّجَاءُ مِنَ الْخُطُوبِ تَخَلُّصاً       مِنْ   بَعْدِ   مَا  أَنْشَبْنَ   فِيَّ   مَخَالِبَا
أَظْمَتْنِي    الدُّنْيَا     فَلَمَّا    جِئْتُهَا       مُسْتَسْقِياً    مَطَرَتْ   عَلَيَّ    مَصَائِبَا
* * *
وَمَنْ   صَحِبَ   الدُّنْيَا  طَوِيلاً   تَقَلَّبَتْ       عَلَى  عَيْنَيْهِ  حَتَّى  يَرَى  صِدْقَهَا كَذِبَا
أَرَى    كُلَّنَا    يَبْغِي   الْحَيَاةَ   لِنَفْسِهِ       حَرِيصاً   عَلَيْهَا   مُسْتَهَاماً   بِهَا   صَبَّا
فَحُبُّ   الْْجَبَانِ  النَّفْسَ  أَوْرَدَهُ   الْبَقَا        وَحُبُّ  الشُّجَاعِ  الْحَرْبَ أَوْرَدهُ الْحَرْبَا
وكُلَّمَا     لَقِيَ     الدِّينَارُ     صَاحِبَهُ       فِي   مُلْكِهِ   افْتَرَقَا  مِنْ   قَبْلِ  يَصْطَحِبَا
فَالْمَوْتُ أَعْذَرُ لِي وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ  بِي        وَالْبَرُّ    أَوْسَعُ    وَالدُّنْيَا    لِمَنْ    غَلَبَا
* * *
وَلَيْسَ حَيَاءُ الْوَجْهِ فِي الذِّئْبِ  شِيمَةً       وَلَكِنَّهُ   مِنْ  شِيمَةِ   الأَسَدِ  الْوَرْدِ
فَجُدْ  لِي  بِقَلْبٍ  إِنْ  رَحَلْتُ فَإِنَّنِي       مُخَلِّفُ قَلْبِي عِنْدَ مَنْ فَضْلُهُ  عِنْدِي
* * *
إِذَا    أَنْتَ   أَكْرَمْتَ    الْكَرِيمَ   مَلَكْتَهُ       وَإنْ   أَنْتَ    أَكْرَمْتَ   اللَّئِيمَ   تَمَرَّدَا
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالفَتىَ        مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
* * *
حُسْنُ  الْحَضَارَةِ   مَجْلُوبٌ  بِتَطْرِيَّةٍ        وَفِي  الْبَدَاوَةِ  حُسْنٌ  غَيْرُ  مَجْلُوبِ
مَا أَوْجُهُ الْحَضَرِ المـُسْتَحْسَنَاتُ بِهِ        كَأَوْجُهِ      الْبَدَوِيَّاتِ     الرَّعَابِيبِ
* * *
وَفِي الْجِسْمِ نَفْسٌ لاَ تَشِيبُ   بِشَيْبِهِ        وَلَوْ  أَنَّ  مَا  فِي الْوَجْهِ مِنْهُ  حِرَابُ
وَإنِّي   لَنَجْمٌ  تَهْتَدِي  صُحْبَتِي   بِهِ        إِذَا حَالَ  مِنْ  دُونِ  النُّجُومِ سَحَابُ
وَللِسِرِّ   مِنِّي    مَوْضِعٌ   لاَ    يَنَالُهُ        نَدِيمٌ    وَلاَ    يُفْضِي   إِلَيْهِ   شَرَابُ
أَعَزُّ مَكَانٍ  فِي الدُّنَى سَرْجُ   سَابِحٍ        وَخَيْرُ   جَلِيسٍ  فِي  الزَّمَانِ   كِتَابُ
أَيَا أَسَداً فِي جِسْمِهِ  رُوحُ    ضَيْغَمٍ        وَكَمْ    أُسُدٍ    أَرْوَاحُهُنَّ    كِلاَبُ
وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ   فَطَانَةٌ        سُكُوتِي    بَيَانٌ   عِنْدَهَا    وَخِطَابُ
إِذَا نِلْتُ مِنْكَ الوُدَّ  فَالْمَالُ     هَيّنٌٌ        وَكُلُّ   الَّذِي   فَوْقَ   التُّرَابِ  تُرَابُ
* * *
بِمَ    التَّعَلُّلُ   لاَ   أَهْلٌ    وَلاَ   وَطَنُ      وَلاَ   نَدِيمٌ  وَلا   كَأْسٌ   وَلاَ   سَكَنُ
أُرِيدُ   مِنْ    زَمَنِي   ذَا  أَنْ    يُبَلَّغنِي      مَا   لَيْسَ    يَبْلُغُهُ  مِنْ  نَفْسِهِ   الزَّمَنُ
لاَ   تَلْقَ   دَهْرَكَ  إِلاَّ   غَيْرَ  مُكْتَرِثٍ       مَا  دَامَ  يَصْحَبُ  فِيهِ  رُوحَكَ الْبَدَنُ
فَمَا   يُدِيمُ   سُرُورٌ   مَا   سُرِرْتَ بِهِ       وَلاَ    يَرُدُّ   عَلَيْكَ   الْفَائِتَ   الْحَزَنُ
مِمَّا    أَضَرَّ    بِأَهْلِ  الْعِشْقِ   أَنَّهُمُ       هَوُوا  وَمَا   عَرَفُوا  الدُّنْيَا  وَمَا  فَطِنُوا
تَفْنَى   عُيُونُهُمْ     دَمْعاً   وَأَنْفُسُهُمْ       فِي   إِثْرِ   كُلِّ  قَبِيحٍ  وَجْهُهُ   حَسَنُ
يَا  مَنْ  نُعِيتُ  عَلَى  بُعْدٍ  بِمَجْلِسِهِ       كُلٌّ   بِمَا    زَعَمَ   النَّاعُونَ    مُرْتَهَنُ
كَمْ قَدْ قُتِلْتُ وَكَمْ قَدْ مِتُّ عِنْدَكُمُ        ثُمَّ   انْتَفَضْتُ   فَزَالَ  الْقَبْرُ   وَالكَفَنُ
قَدْ   كَانَ  شَاهَدَ  دَفْنِي قَبْلَ قَوْلِهُمُ       جَمَاعَةٌ   ثُمَّ   مَاتُوا   قَبْلَ  مَنْ  دَفَنُوا
مَا  كُلُّ  مَا  يَتَمَنَّى  الْمَرْءُ  يُدْرِكُهُ        تَجْرِي  الرِّيَّاحُ  بِمَا لاَ تَشْتَهِي السُّفُنُ
* * *
وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الْحُرِّ أَنْ يَرَى       عَدُوّاً   لَهُ   مَا   مِنْ  صَدَاقَتِهِ  بُدُّ
أَذُمُّ    إِلَى   هَذَا   الزَّمَانِ    أُهَيْلَهُ       فَأَعْلَمُهُمْ   فَدْمٌ   وَأَحْزَمُهُمْ   وَغْدُ
وَأَكْرَمُهُمْ  كَلْبٌ   وَأَبْصَرُهُمْ  عُمٍ       وَأَسْهَدُهُمْ   فَهْدٌ  وَأَشْجَعُهُمْ   قِرْدُ
سَأَطْلُبُ  حَقِّي   بِالْقَنَا   وَمَشَايِخٍ      كَأَنَّهُمُ  مِنْ  طُو لِ مَا  الْتَثَمُوا  مُرْدُ
ثِقَالٍ  إِذَا  لاَقَوْا  خِفَافٍ إِذَا دُعُوا       كَثِيرٍ  إِذَا  اشْتَدُّوا  قَلِيلٍ  إِذَا  عُدُّوا
* * *
بِذَا  قَضَتِ الأَيَّامُ مَا  بَيْنَ  أَهْلِهَا       مَصَائِبُ  قَوْمٍ  عِنْدَ  قَوْمٍ فَوَائِدُ
فَإِنَّ قَلِيلَ الْحُبِّ  بِالْعَقْلِ  صَالِحٌ       وَإِنَّ كَثِيرَ الْحُبِّ بِالْجَهْلِ فَاسِدُ
* * *
وَكَاتِمُ الْحُبِّ  يَوْمَ  البَيْنِ   مُنْهَتِكٌ      وَصَاحِبُ الدَّمْعِ لاَ تَخْفَى  سَرَائِرُهُ
يَا  مَنْ تَحَكَّمَ  فِي نَفْسِي  فَعَذَّبَنِي      وَمَنْ فُؤَادِي   عَلَى  قَتْلِي  يُضَافِرُهُ
مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ لَيْلِي لاَ صَبَاحَ لَهُ      كَأَنَّ   أَوَّلَ   يَوْ مِ  الْحَشْرِ   آخِرُهُ
* * *
جَمَحَ   الزَّمَانُ  فَلاَ  لَذِيذٌ  خَالِصٌ     مِمَّا  يَشُوبُ  وَلاَ   سُرُورٌ  كَامِلُ
مَا  نَالَ   أهْلُ   الْجَاهِلِيَّةِ   كُلُّهُمُ      شِعْرِي وَلاَ سَمِعَتْ بِسِحْرِيَ بَابِلُ
وَإِذَا    أَتَتْكَ  مَذَمَّتِي  مِنْ  نَاقِصٍ      فَهِيَ   الشَّهَادَةُ  لِي  بِأَنِّيَ  كَامِلُ
* * *
يَا   أَعْدَلَ   النَّاسِ  إِلاَّ   فِي  مُعَامَلَتِي      فِيكَ الْخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ  وَالْحَكَمُ
أُعِيذُهَا    نَظَرَاتٍ     مِنْكَ    صَادِقَةً       أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ
وَمَا   انْتِفَاعُ   أَخِي   الدُّنْيَا   بِنَاظِرِهِ       إِذَا   اسْتَوَتْ   عِنْدَهُ  الأَنْوَارُ   وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ  الْجَمْعُ  مِمَّنْ  ضَمَّ  مَجْلِسُنَا       بِأَنَّنِي   خَيْرُ   مَنْ   تَسْعَى   بِهِ   قَدَمُ
أَنَا  الَّذِي  نَظَرَ  الْأَعْمَ ى إِلَى   أَدَبِي       وَأَسمَعَتْ   كَلِمَاتِي   مَنْ   بِهِ   صَمَمُ
وَجَاهِلٍ  مَدَّهُ  فِي  جَهْلِهِ   ضَحِكِي       حَتَّى     أَتَتْهُ     يَدٌ    فَرَّاسَةٌ     وَفَمُ
إِذَا   رَأَيْتَ   نُيُوبَ   اللَّيْثِ   بَارِزَةً       فَلاَ     تَظُنَّنَّ    أَنَّ    اللَّيْثَ    يَبْتَسِمُ
الْخَيْلُ    وَاللَّيْلُ   وَالْبَيْدَاءُ    تَعْرِفُني       وَالسَّيْفُ  وَالرُّمْحُ   والْقِرْطَاسُ  وَالْقَلَمُ
يَا   مَنْ   يَعِزُّ   عَلَيْنَا  أَنْ   نُفَارِقَهُمْ       وِجْدَانُنَا  كُلَّ   شَيْءٍ   بَعْدَكُمْ   عَدَمُ
* * *
صَحِبَ    النَّاسُ   قَبْلَنَا    ذَا    الزَّمَانَا        وَعَنَاهُمْ     مِنْ     شَأْنِهِ    مَا    عَنَانَا
وَتَوَلَّوْا      بِغُصَّةٍ       كُلُّهُمْ     مِنْـ        ـهُ    وَإنْ    سَرَّ    بَعْضَهُمْ    أَحْيَانَا
رُبَّمَا     تُحْسِنُ     الصَّنِيعَ     لَيَالِيـ        ـهِ      وَلَكِنْ      تُكَدِّرُ     الْإِحْسَانَا
وَكَأنَّا   لَمْ   يَرْضَ   فِينَا  بِرَيْبِ  الـ        ـدَّهْرِ    حَتَّى    أَعَانَهُ    مَنْ     أعَانَا
كُلَّمَا      أَنْبَتَ      الزَّمَانُ      قَنَاةً         رَكَّبَ    الْمَرْءُ    فِي    الْقَنَاةِ    سِنَانَا
وَمُرَادُ    النُّفُوسِ    أَصْغَرُ   مِنْ   أَنْ          تَتَعَادَى       فِيهِ      وَأَنْ       تَتَفَانَى
غَيْرَ    أَنَّ    الْفَتَى    يُلاَقِي   الْمَنَايَا         كَالِحَاتٍ     وَلاَ     يُلاَقِي      الْهَوَانَا
وَلَوْ    أَنَّ     الْحَيَاةَ    تَبْقَى    لِحَيٍّ         لَعَدَدْنَا         أَضَلَّنَا          الشُّجْعَانَا
وَإذَا   لَمْ   يَكُنْ   مِ نَ  الْمَوْتِ   بُدٌّ         فَمِنَ    الْعَجْزِ    أَنْ    تَكُونَ    جَبَانَا
كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الأَنْـ        ـفُسِ   سَهْلٌ   فِيهَا   إِذَا   هُوَ  كَانَا
رُبَّ   أَمْرٍ   أَتَاكَ   لا  تَحْمَدُ  الْفَعَّـ        ـالَ      فِيهِ     وَتَحْمَدُ      الأفْعَالاَ
وَإِذَ ا   مَا    خَلاَ    الْجَبَانُ    بِأَرْضٍ       طَلَبَ     الطَّعْنَ     وَحْدَهُ     وَالنِّزَالاَ
أقْسَمُوا    لاَ    رَأَوْكَ    إلاَّ    بِقَلْبٍ       طَالَمَا     غَرَّتِ     الْعُيُونُ     الرِّجَالاَ
* * *
كَذَا الدُّنْيَا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي       صُرُوفٌ لَمْ  يُدِمْنَ عَلَيْهِ  حَالاَ
فَمَا حَاوَلْتُ فِي أرْضٍ  مُقَاماً        وَلاَ  أزْمَعْتُ عَنْ أرْضٍ زَوَالاَ
ومَنْ يَكُ  ذَا فَمٍ  مُرٍّ  مَرِيضٍ        يَجِدْ  مُرّاً  بِهِ  الْمَاءَ  الزُّلاَلاَ
* * *
وَالْهَمُّ    يَخْتَرِمُ   الْجَسِيمَ   نَحَافَةً        وَيُشِيبُ   نَاصِيَّةَ   الصَّبِيِّ   وَيُهْرِمُ
ذُو  الْعَقْلِ  يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ        وَأَخُو   الْجَهَالَةِ  فِي الشَّقَاوَةِ  يَنْعَمُ
لاَ  يَخْدَعَنَّكَ   مِنْ   عَدُوٍّ   دَمْعُهُ        وَارْحَمْ  شَبَابَكَ  مِنْ  عَدُوٍّ   تُرْحَمُ
لاَ  يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى       حَتَّى   يُرَاقَ   عَلَى   جَوَانِبِهِ   الدَّمُ
وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ        ذَا     عِفَّةٍ     فَلِعِلَّةٍ     لاَ    يَظْلِمُ
وَمِنَ  الْبَلِيَّةِ  عَذْلُ  مَنْ لاَ يَرْعَوِي       عَنْ  جَهْلِهِ  وَخِطَابُ  مَنْ  لاَ  يَفْهَمُ
وَجُفُونُهُ     مَا    تَسْتَقِرُّ   كَأَنَّهَا       مَطْرُوفَةٌ    أوْ   فُتَّ   فِيهَا   حِصْرِمُ
وَإذَا     أَشَارَ    مُحَدِّثاً    فَكَأَنَّهُ       قِرْدٌ   يُقَهْقِ   أوْ    عَجُوزٌ     تَلْطِمُ
وَتَراهُ   أَصْغَرَ   مَا  تَرَاهُ    نَاطِقاً       وَيَكُونُ  أَكْذَبَ  مَا  يَكُونُ  وَيُقْسِمُ
وَالذُّلُّ  يُظْهِرُ  فِي الذَّلِيلِ   مَوَدَّةً        وَأَوَدُّ    مِنْهُ   لِمَنْ    يَوَدُّ    الأرْقَمُ
وَمِنَ  الْعَدَاوَةِ  مَا يَنَالُكَ    نَفْعُهُ        وَمِنَ   الصَّداقَةِ   مَا   يَضُرُّ   وَيُؤْلِمُ
* * *
أَنَا    السَّابِقُ  الْهَادِي  إِلىَ  مَا  أَقُولُهُ      إِذِ   الْقوْلُ   قَبْلَ    الْقَائِلِينَ   مَقُولُ
وَمَا   لِكَلاَمِ   النَّاسِ   فِيمَا   يُرِيبُنِي       أُصُولٌ    وَلاَ     لِقَائِلِيهِ      أُصُولُ
أُعَادَى عَلَى مَا يُوجِبُ الْحُبَّ لِلْفَتَى       وَأَهْدَأُ     وَالْأَفْكَارُ     فِيَّ    تَجُولُ
سِوَى   وَجَعِ   الْحُسَّادِ   دَاوِ  فَإِنَّهُ       إِذَا   حَلَّ   فِي  قَلْبٍ  فَلَيْسَ  يَحُولُ
وَلاَ  تَطْمَعَنْ  مِنْ  حَاسِدٍ فِي مَوَدَّةٍ        وَإنْ    كُنْتَ   تُبْدِيهَا    لَهُ   وَتُنِيلُ
يَهُونُ  عَلَيْنَا  أَنْ  تُصَابَ  جُسُومُنَا        وَتَسْلَمَ     أَعْرَاضٌ    لَنَا    وَعُقُولُ
* * *
وَلَمَّا   صَارَ   وُدُّ   النَّاسِ   خِبّاً       جَزَيْتُ   عَلَى   ابْتِسَامٍ   بِابْتِسَامِ
وَصِرْتُ   أَشُكُّ  فِيمَنْ  أَصْطَفِيهِ       لِعِلْمِي     أَنَّهُ    بَعْضُ     الأَنَامِ
يُحِبُّ  الْعَاقِلُونَ  عَلَى  التَّصَافِي       وَحُبُّ  الْجَاهِلِينَ  عَلَى   الْوَسَامِ
وَآنَفُ   مِنْ  أَخِي  لِأَبِي  وَأُمِّي       إِذَا  مَا  لَمْ  أَجِدْهُ  مِنَ    الْكِرَامِ
أَرَى   الْأَجْدَادَ   تَغْلِبُهَا   كَثِيراً       عَلَى   الْأَوْلاَدِ   أَخْلاَقُ    اللِّئَامِ
وَلَمْ  أَرَ  فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئاً       كَنَقْصِ  الْقَادِرِينَ  عَلَى   التَّمَامِ
وَمَلَّنِي   الْفِرَاشُ  وَكَانَ  جَنْبِي       يَمَلُّ   لِقَاءَهُ   فِي   كُلِّ     عَامِ
قَلِيلٌ   عَائِدِي   سَقِمٌ   فُؤَادِي      كَثِيرٌ    حَاسِدِي  صَعْبٌ  مَرَامِي
عَلِيلُ   الْجِسْمِ   مُمْتَنِعُ  الْقِيَامِ       شَدِيدُ  السُّكْرِ  مِنْ  غَيْرِ الْمُدَامِ
وَزَائِرَتي    كَأَنَّ    بِهَا   حَيَاءً        فَلَيْسَ   تَزُورُ   إلاَّ  فِي  الظَّلاَمِ
بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا       فَعَافَتْهَا   وَبَاتَتْ   فِي   عِظَامِي
يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفَسِي وَعَنْهَا       فَتُوسِعُهُ      بِأنْوَاعِ     السَّقَامِ
* * *
ودَهْرٌ    نَاسُهُ    نَاسٌ   صِغَارٌ      وَإنْ كَانَتْ لَهُمْ جُثَثٌ ضِخَامُ
وَمَا  أَنَا  مِنْهُمُ  بِالْعَيْشِ  فِيهِمْ      وَلَكِنْ مَعْدِنُ  الذَّهَبِ  الرَّغَامُ
خَلِيلُكَ أَنْتَ لاَ مَنْ قُلْتَ خِلِّي      وَإِنْ  كَثُرَ  التَّجَمُّلُ  وَالْكَلاَمُ
وَشِبْهُ  الشَّيْءِ  مُنْجَذِبٌ   إِلَيْهِ      وَأَشْبَهُنَا   بِدُنْيَانَا   الطَّـغَامُ
* * *
إِذَا  غَامَرْتَ  فِي  شَرَفٍ مَرُومٍ       فَلاَ   تَقْنَعْ   بِمَا  دُونَ  النُّجُومِ
فَطَعْمُ   الْمَوْتِ  فِي  أَمْرٍ حَقِيرٍ      كَطَعْمِ  الْمَوْتِ  فِي أَمْرٍ  عَظِيمِ
يَرَى  الْجُبَنَاءُ  أَنَّ  الْعَجْ زَ عَقْلٌ      وَتِلْكَ   خَدِيعَةُ   الطَّبْعِ   اللَّئِيمِ
وَكُلُّ  شَجَاعَةٍ  فِي الْمَرْءِ تُغْنِي      وَلاَ مِثْلَ الشَّجَاعَةِ  فِي  الْحَكِيمِ
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً  صَحِيحاً      وَآفَتُهُ    مِنَ    الْفَهْمِ    السَّقِيمِ
* * *
لاَ   تَلُومَنَّ   الْيَهُودِيَّ   عَلَى      أنْ يَرَى الشَّمْسَ فَلاَ يُنْكِرُهَا
إِنَّمَا   اللَّوْمُ   عَلَى  حَاسِبِهَا      ظُلْمَةً  مِنْ  بَعْدِ  مَا  يُبْصِرُهَا
* * *
نَحْنُ مَنْ ضَايَقَ الزَّمَانُ لَهُ فِيـ      ـكَ  وَخَانَتْهُ   قُرْبَكَ  الأَيَّامُ
كُلَّ  يَوْمٍ  لَكَ  احْتِمَالٌ جَدِيدٌ      وَمَسِيرٌ   لِلْمَجْدِ   فِيهِ   مُقَامُ
وَإِذَا   كَانَتِ  النُّفُوسُ  كِبَاراً      تَعِبَتْ  فِي   مُرَادِهَا  الْأَجْسَامُ
كُلُّ  عَيْشٍ مَا لَمْ  تُطِبْهُ حِمَامٌ      كُلُّ شَمْسٍ مَا لَمْ تَكْنَهَّا ظَلاَمُ
* * *
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزائِمُ     وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا     وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
* * *
لاَ  افْتِخَارٌ  إِلاَّ  لِمَنْ ل اَ يُضَامُ       مُدْرِكٍ   أَوْ  مُحَارِبٍ  لاَ   يَنَامُ
لَيْسَ عَزْماً  مَا مَرَّضَ الْمَرْءُ فِيهِ       لَيْسَ  هَمّاً مَا عَاقَ عَنْهُ   الظَّلاَمُ
وَاحْتِمَالُ الْأَذَى وَرُؤيَةُ جَانِيـ       ـهِ غِذَاءٌ  تَضْوَى  بِهِ  الْأَجْسَامُ
ذُلَّ  مَنْ  يَغْبِطُ  الذَّلِيلَ  بِعَيْشٍ       رُبَّ  عَيْشٍ  أَخَفُّ  مِنْهُ الْحِمَامُ
كُلُّ   حِلْمٍ  أَتَى  بِغَيْرِ   اقْتِدَارٍ      حُجَّةٌ    لاَجِىءٌ   إِلَيْهَا    اللّئََامُ
مَنْ  يَهُنْ  يَسْهُلِ  الْهَوَانُ عَلَيْهِ       مَا    لِجُرْحٍ    بِمَيّتٍٍ    إِيلاَمُ
إِنَّ  بَعْضاً  مِنَ  الْقَرِيضِ هُذَاءٌ       لَيْسَ   شَيْئاً   وَبَعْضَهُ   أَحْكَامُ
* * *
وَأَتْعَبُ   خَلْقِ   اللهِ  مَنْ   زَادَ   هَمُّهُ     وَقَصَّرَ   عَمَّا  تَشْتَهِي  النَّفْسَ  وَجْدُهُ
فَلاَ  يَنْحَلِلْ  فِي  الْمَجْدِ  مَالُكَ  كُلَّهُ      فَيَنْحَلَّ   مَجْدٌ   كَانَ  بِالْمَالِ  عَقْدُهُ
وَدَبِّرْهُ   تَدْبِيرَ   الَّذِي   الْمَجْدُ  كَفُّهُ      إِذَا   حَارَبَ  الأَعْدَاءَ  وَالْمَالَ   زَنْدُهُ
فَلاَ  مَجْدَ  فِي  الدُّنْيَا  لِمَنْ  قَلَّ مَالُهُ      وَلاَ  مَالَ  فِي  الدُّنْيَا  لِمَنْ قَلَّ مَجْدُهُ
وَفِي النَّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيْسُورِ عَيْشِهِ      وَمَرْكُوبُهُ   رِجْلاهُ   وَالثَّوْبُ   جِلْدُهُ
* * *

إِذَا  سَاءَ   فِعْلُ  الْمَرْءِ  سَاءَتْ  ظُنُونُهُ       وَصَدَّقَ    مَا    يَعْتَادُهُ    مِنْ   تَوَهُّمِ

وَعَادَى     مُحِبِّيهِ     بِقَوْلِ     عُدَاتِهِ       وَأَصْبَحَ   فِي  لَيْلٍ  مِنَ  الشَّكِّ  مُظْلِمِ

أُصَادِقُ  نَفْسَ  الْمَرْءِ  مِنْ قَبْلِ جِسْمِهِ       وَأعْرِفُهَا      ِفي      فِعْلِهِ     وَالتَّكَلُّمِ

وأَحْلُمُ    عَنْ    خِلِّي    وأَعْلَمُ   أَنَّهُ       مَتَى  أَجْزِهِ  حِلْماً  عَلى  الْجَهْلِ  يَنْدَمِ

وَإنْ  بَذَلَ  الإنْسَانُ  لِي  جُودَ عَابِسٍ       جَزَيْتُ     بِجُودِ    التَّارِكِ    الْمُتَبَسِّمِ

فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الْوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ       وَأَيْمَنُ    كَفٍّ    فِيهِمْ   كَفُّ   مُنْعِمِ

وَأَشْرَفُهُمْ   مَنْ  كَانَ   أَشْرَفَ  هِمَّةً        وَأَكْثَرَ    إِقْدَاماً   عَلَى   كُلِّ   مُعْظَمِ

* * *
جُودُ  الرِّجَالِ  مِنَ الأَيْدِي  وَجُودُهُمُ      مِنَ  اللِّسَانِ  فَلاَ  كَانُوا  وَلاَ  الْجُودُ
مَا يَقْبِضُ الْمَوْتُ نَفْساً مِنْ  نُفُوسِهِمُ      إِلاَّ   وَفِي   يَدِهِ   مِنْ   نَتْنِهَا    عُودُ
الْعَبْدُ    لَيْسَ    لِحُرٍّ   صَالِحٍ   بِأَخٍ       لَوْ   أَنَّهُ   فِي   ثِيَابِ   الْحُرِّ  مَوْلُودُ
لاَ  تَشْتَرِ   الْعَبْدَ  إِلاَّ  وَالْعَصَا   مَعَهُ       إِنَّ     الْعَبِيدَ     لَأَنْجَاسٌ     مَنَاكِيدُ
مَا  كُنْتُ  أَحْسَبُنِي  أَحْيَا  إِلَى زَمَنٍ       يُسِيءُ  بِي  فِيهِ  عَبْدٌ  وَهْوَ  مَحْمُودُ
* * *
وَمَنْ   لَمْ   يَعْشَقِ   الدُّنْيَا   قَدِيماً       وَلَكِنْ  لاَ   سَبِيلَ   إِلَى   الْوِصَالِ
نَصِيبُكَ  فِي  حَيَاتِكَ  مِنْ  حَبِيبٍ      نَصِيبُكَ   فِي   مَنَامِكَ  مِنْ  خَيَالِ
رَمَانِي    الدَّهْرُ    بِالْأَرْزَاءِ   حَتَّى      فُؤَادِي   فِي   غِشَاءٍ    مِنْ   نِبَالِ
فَصِرْتُ    إِذَا   أَصَابَتْنِي    سِهَامٌ      تَكَسَّرَتِ   النِّصَالُ   عَلَى  النِّصَالِ
وَهَانَ     فَمَا     أُبَالِي    بِالرَّزَايَا      لِأَنِّي   مَا    انْتَفَعْتُ   بِأَنْ   أُبَالِي
وَلَوْ  كَانَ   النِّسَاءُ  كَمَنْ   فَقَدْنَا      لَفُضِّلَتِ   النِّسَاءُ   عَلَى   الرِّجَالِ
وَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ  عَيْبٌ       وَلاَ    التَّذْكِيرُ    فَخْرٌ    لِلْهِلاَلِ
وَأَفْجَعُ  مَنْ  فَقَدْنَا  مَنْ   وَجَدْنَا       قُبَيْلَ    الْفَقْدِ    مَفْقُودَ    الْمِثَالِ
يُدَفِّنُ   بَعْضُنَا   بَعْضاً    وَتَمْشِي      أَوَاخِرُنَا    عَلَى    هَامِ     الْأَوَالِي
فَإنْ  تَفُقِ  الْأَنَامَ  وَأَنْتَ    مِنْهُمْ       فَإِنَّ   الْمِسْكَ  بَعْضُ  دَمِ  الْغَزَالِ
* * *
مَنْ كَانَ فَوْقَ مَحَلِّ الشَّمْسِ مَوْضِعُهُ      فَلَيْسَ   يَرْفَعُهُ   شَيْءٌ   وَلاَ  يَضَعُ
فَقَدْ   يُظَنُّ  شُجَاعاً  مَنْ  بِهِ  خَرَقٌ      وَقَدْ   يُظَنُّ   جَبَاناً  مَنْ  بِهِ  زَمَعُ
إِنَّ  السِّلاَحَ  جَمِيعُ  النَّاسِ  تَحْمِلُهُ       وَلَيْسَ كُلُّ ذَوَاتِ الْمِخْلَبِ  السَّبُعُ
* * *
سَادَاتُ  كُلُّ  أُنَاسٍ مِنْ  نُفُوسِهِمُ      وَسَادَةُ   الْمُسْلِمِينَ  الْأَعْبُدُ  الْقَزَمُ
أَغَايَةُ الدِّينِ أَنْ تُحْفُوا  شَوَارِبَكُمْ      يَا أُمّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا  الْأُمَمُ
أَلاَ  فَتىً  يُورِدُ  الْهِنْدِيَّ    هَامَتَهُ      كَيْمَا تَزُولَ شُكُوكُ  النَّاسِ وَالتُّهَمُ
فَإِنَّهُ  حُجَّةٌ  يُؤْذِي  الْقُلُوبَ بِهَا       مَنْ دِينُهُ الدَّهرُ وَالتَّعْطِيلُ   وَالْقِدَمُ
مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ  يُخْزِيَ  خَلِيقَتَهُ       وَلاَ يُصَدِّقَ قَوْماً فِي الَّذِي زَعَمُوا
* * *
وَالْهَجْرُ   أَقْتَلُ   لِي    مِمّا   أُرَاقِبُهُ      أَنَا  الْغَرِيقُ  فَمَا  خَوْفِي  مِنَ  الْبَلَلِ
قَدْ   ذُقْتُ   شِدَّةَ   أَيَّامِي   وَلَذَّتَهَا      فَمَا حَصَلْتُ عَلَى صَابٍ وَلاَ عَسَلِ
وَمَا   صَبَابَةُ    مُشْتَاقٍ   بِلاَ   أَمَلٍ      مِنَ   اللِّقَاءِِ   كَمُشْتَاقٍ   بِلاَ  أَمَلِ
خُذْ مَا تَراهُ وَدَعْ شَيْئاً سَمِعْتَ  بِهِ      في طَلْعَةِ الْبَدْرِ مَا  يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ
وَلَيْسَ   يَصِحُّ   فيِ  الأَفْهَامِ  شَيْءٌ      إِذَا    احْتَاجَ   النَّهَارُ    إِلىَ   دَلِيلِ
وَقَدْ وَجَدْتَ مَكَانَ الْقَوْلِ ذَا سَعَةٍ      فَإِنْ   وَجَدْتَ  لِسَاناً  قَائِلاً    فَقُلِ
* * *
قَدْ بَلَوْتَ الخُطُوبَ مُرّاً  وَحُلْواً      وَسَلَكْتَ الأَيَّامَ  حَزْناً  وَسَهْلاَ
وَقَتَلْتَ الزَّمَانَ عِلْماً  فَمَا يُغْـ      ـرِبُ  قَوْلاً  وَلاَ  يُجَدِّدُ  فِعْلاَ
أَجِدُ الحُزْنَ فِيكَ حِفْظاً وَعَقْلاً      وَأرَاهُ  فِي النّاسِِ  ذُعْراً وجَهْلاَ
* * *
وَلَذِيذُ  الْحَيَاةِ  أَنْفَسُ  فِي  النَّفْـ     ـسِ وَأَشْهَى مِنْ أَنْ يُمَلَّ وَأَحْلَى
وَإِذَا  الشَّيْخُ  قَالَ  أُفٍّ  فَمَا مَـ      ـلَّ  حَيَاةً  وَإِنَّمَ ا الضَّعْفُ  مَلاَّ
* * *
تَصْفُو  الْحَيَاةُ  لِجَاهِلٍ أَوْ  غَافِلٍ      عَمَّا   مَضَ ى  فِيهِ  وَمَا  يُتَوَقَّعُ
وَلِمَنْ يُغَالِطُ فِي الْحَقَائِقِ  نَفْسَهُ      وَيَسُومُهَا طَلَبَ الْمُحَالِ فَتَطْمَعُ
* * *
ومَنْ  يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ      مَخَافَةَ   فَقْرٍ   فَالَّذِي   فَعَلَ   الْفَقْرُ
وَمَا   قُلْتُ  مِنْ  شِعْرٍ  تَكَادُ  بُيُوتُهُ      إِذَا كُتِبَتْ  يَبْيَضُّ مِنْ  نُورِهَا  الْحِبْرُ
كَأَنَّ  الْمَعَانِي  فِي  فَصَاحَةِ لَفْظِهَا       نُجُومُ   الثُّرَيَّا   أَوْ  خَلاَئِقُكَ  الزُّهرُ
* * *
ذُكِرَ الأَنَامُ لَنَا فَكَانَ  قَصِيدَةً     كُنْتَ الْبَدِيعَ الْفَرْدَ مِنْ أَبْيَاتِهَا
فِي النَّاسِ أَمْثِلَةٌ  تَدُورُ حَيَاتُهَا    كَمَمَاتِهَا  وَمَمَاتُهَا  كَحَيَاتِهَا
* * *
وَقَدْ    ضَلّ    قَوْمٌ   بِأَصْنَامِهِمْ      فَأَمَّا     بِزِقِّ     رِيَّاحٍ     فَلاَ
لَقَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ قَبْلَ الْخَصِيِّ      أَنَّ    الرُّؤُوسَ    مَقَرُّ    النُهَى

فَلَمَّا    نَظَرْتُ     إِلَى    عَقْلِهِ      رَأَيْتُ النُّهَى كُلَّهَا فِي  الْخُصَى
وَمَنْ   جَهِلَتْ   نَفْسُهُ    قَدْرَهُ      رَأَى  غَيْرُهُ  مِنْهُ  مَا  لاَ   يَرَى
* * *
لِعَيْنَيْكِ  مَا    يَلْقَى  الْفُؤَادُ   وَمَا   لَقِي      وَلِلْحُبّ  مَا  لَمْ  يَبْقَ  مِنِّي  وَمَا  بَقِي
وَمَا  كُنْتُ   مِمَّنْ  يَدْخُلُ  الْعِشْقُ  قَلْبَهُ      وَلَكِنَّ   مَنْ   يُبْصِرْ  جُفُونَكِ   يَعْشَقِ
وَبَيْنَ الرِّضَى وَالسُّخْطِ وَالقُرْبِ وَالنَّوَى      مَجَالٌ    لِدَمْعِ    الْمُقْلَةِ     الْمُتَرَقْرِقِ
وَمَا  كُلُّ  مَنْ  يَهْوَى  يَعِفُّ  إِذَا  خَلاَ      عَفَافِي  وَيُرْضِي الْحِبّ  وَالْخَيْلُ تَلْتَقِي
* * *
أُرِيكَ الرِّضَى لَوْ أَخْفَتِ النَّفْسُ خَافِيَا       وَمَا أنَا  عَنْ نَفْسِي  وَلاَ عَنْكَ رَاضِيَا
أمَيْناً    وَإِخْلاَفاً    وَغَدْراً   وَخِسَّةً       وَجُبْناً أَشَخْصاً لُحْتَ لِي أَمْ  مَخَازِيَا
تَظُنُّ   ابْتِسَامَاتِي    رَجَاءً    وَغِبْطَةً       وَمَا  أنَا  إلاَّ   ضَاحِكٌ  مِنْ   رَجَائيَا
فَأَصْبَحْتَ  مَسْرُوراً  بِمَا  أَنَا  مُنشِدٌ      وَإنْ  كَانَ  بِالإِنْشَادِ  هَجْوُكَ  غَالِيَا
* * *
أَعْدَدْتُ  لِلْغَادِرِينَ  أَسْيَافَا     أَجْدَعُ   مِنْهُمْ  بِهِنَّ آنَافَا
لاَ يَرْحَمُ الله أَرْؤُساً  لَهُمْ      أَطَرْنَ عَنْ هَامِهِنَّ  أَقْحَافَا
إِذَا امْرُؤٌ  رَاعَنِي  بِغَدْرَتِهِ      أَوْرَدْتُهُ  الْغَايَةَ  الَّتِي خَافَا
* * *
الرَّأْيُ   قَبْلَ   شَجَاعَةِ   الشُّجْعَانِ        هُوَ   أَوَّلٌ   وَهْيَ   الْمَحَلُّ  الثَّانِي
فَإذَا   هُمَا   اجْتَمَعَا  لِنَفْسٍ  حُرّةٍ        بَلَغَتْ   مِنَ   الْعَلْيَاءِ   كُلَّ  مَكَانِ
وَلَرُبَّمَا    طَعَنَ    الْفَتَى    أَقْرَانَهُ        بِالرَّأْيِ    قَبْلَ    تَطَاعُنِ    الأَقْرَانِ
لَوْلاَ  العُقُولُ  لَكَانَ  أَدْنَى ضَيْغَمٍ        أَدْنَى   إِلَى   شَرَفٍ  مِنَ  الإِنْسَانِ
وَلَـمَا تَفَاضَلَتِ النُّفُوسُ وَدَبَّرَتْ        أَيْدِي    الْكُمَاةِ    عَوَاليَ   الْمُرَّانِ
* * *
فَلا    تَغْرُرْكَ   أَلْسِنَةٌ   مَوَالٍ      تُقَلِّبُهُنّ      أفْئِدَةٌ     أَعَادِي
وَكُنْ كَالْمَوْتِ لاَ يَرْثِي لِبَاكٍ      بَكَى مِنْهُ وَيَرْوَى  وَهْوَ  صَادِ
فَإِنَّ الْجُرْحَ يَنْفِرُ  بَعْدَ  حِينٍ       إِذَا  كَانَ  الْبِنَاءُ  عَلَى  فَسَادِ

وَإِنَّ الْمَاءَ يَجْري مِنْ جَمَادٍ       وَإِنَّ  النَّارَ  تَخْرُجُ  مِنْ  زِنَادِ
* * *
لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ  قُلْتَ  مُعْتَذِراً     بِي  غَيرُ   مَا بِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ
أَبْكَاكَ أَنَّكَ  بَعْضُ مَنْ شَغَفُوا     لَمْ أَبْكِ أَنّي  بَعْضُ مَنْ  قَتَلُوا
إِنَّ  الَّذِينَ  أقَمْتَ  وَارْتَحَلُوا      أَيَّامُهُمْ     لِدِيَارِهِمْ     دُوَلُ
الْحُسْنُ يَرْحَلُ كُلَّمَا  رَحَلُوا      مَعَهُمْ   وَيَنْزِلُ  حَيثُمَا  نَزَلُوا
* * *
أَحَقُّ   عَافٍ   بِدَمْعِكَ  الْهِمَمُ      أَحْدَثُ  شَيءٍ  عَهْداً بِهَا القِدَمُ
وَإنَّمَا   النَّاسُ   بِالْمُلُوكِ   وَمَا      تُفْلِحُ   عُرْبٌ   مُلُوكُهَا  عَجَمُ
لاَ  أَدَبٌ  عِنْدَهُمْ  وَلاَ  حَسَبٌ     وَلاَ   عُهُودٌ   لَهُمْ   وَلاَ   ذِمَمُ
بِكُلِّ   أَرْضٍ    وَطِئْتُهَا    أُمَمٌ      تُرْعَى    بِعَبْدٍ    كَأَنَّهَا    غَنَمُ
يَسْتَخْشِنُ  الْخَزَّ  حِينَ  يَلْمُسُهُ       وَكَانَ   يُبْرَى   بِظُفْرِهِ  الْقَلَمُ
إِنِّي  وَإِنْ  لُمْتُ حَاسِدِيّ  فَمَا      أُنْكِرُ    أَنِّي     عُقُوبَةٌ    لَهُمُ
وَكَيْفَ لاَ  يُحْسَدُ  امْرُؤٌ  عَلَمٌ      لَهُ   عَلَى   كُلِّ    هَامَةٍ   قَدَمُ
يَهَابُهُ     أَبْسَأُ    الرِّجَالِ   بِهِ      وَتَتَّقِي    حَدَّ    سَيْفِهِ    الْبُهَمُ
كَفَانِيَ   الذَّمَّ    أَنَّنِي    رَجُلٌ      أَكْرَمُ   مَالٍ    مَلَكْتُهُ   الْكَرَمُ
يَجْنِي  الْغِنىَ   لِلِئَامٍ  لَوْ  عَقَلُوا      مَا  لَيْسَ  يَجْنِي  عَلَيهِمُ الْعُدُمُ
هُمْ   لِأمْوالهِمْ    وَلَسْنَ    لَهُمْ     وَالعَارُ  يَبْقَى  وَالْجُرْحُ   يَلْتَئِمُ
مَنْ طَلَبَ الْمَجْدَ فَليَكُنْ كَعَلِـ    ـيّ يَهَبُ ا لألْفَ  وَهُوَ يَبْتَسِمُ
* * *
أَبَاعِثَ   كُلَّ   مَكْرُمَةٍ   طَمُوحِ     وَفَارِسَ   كُلَّ   سَلْهَبَةٍ   سَبُوحِ
وَطَاعِنَ   كَلَّ   نَجْلاءٍ   غَمُوسٍ     وَعَاصِيَ  كَلَّ   عَذّالٍ   نَصِيحِ
سَقَانِي  اللهُ  قَبْلَ  الْمَوْتِ  يَوْماً     دَمَ الأَعْدَاءِ مِنْ جَوْفِ الْجُرُوحِ
* * *
كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى الْموْتَ شَافِيَا       وَحَسْبُ   الْمَنَايَا  أنْ  يكُنَّ   أمَانِيَا
تَمَنَّيْتَهَا   لَمَّا    تَمَنَّيْتَ   أَنْ   تَرَى       صَديقاً   فَأَعْيَا  أَوْ   عَدُواً  مُدَاجِيَا
إِذَا  كُنْتَ  تَرْضَى  أَنْ  تَعِيشَ بِذِلّةٍٍ       فَلاَ    تَسْتَعِدَّنَّ    الْحُسَامَ   الْيَمَانِيَا
فَمَا يَنْفَعُ الأُسْدَ الْحَيَاءُ  مِنَ الطَّوَى       وَلاَ   تُتَّقَى   حَتَّى  تَكُونَ  ضَوَارِيَا
وَلِلنَّفْسِ  أَخْلاَقٌ  تَدُلُّ  عَلَى الْفَتَى       أَكَانَ  سَخَاءً  مَا  أَتَى  أَمْ  تَسَاخِيَا
* * *
قَدْ كُنْتُ أُشْفِقُ مِنْ دَمْعِي عَلَى بَصَرِي      فَالْيَومَ    كُلُّ    عَزِيزٍ   بَعْدَكُمْ   هَانَا
تُهْدِي  الْبَوَارِقُ  أَخْلاَفَ  الْمِيَاهِ لَكُمْ       وَلِلْمُحِبِّ     مِنَ     التِّذْكَارِ    نِيرَانَا
إِذَا   قَدِمْتُ   عَلَى  الأَهْوَالِ   شَيَّعَنِي      قَلْبٌ  إِذَا  شِئْتُ  أَنْ   يَسْلاَكُمْ  خَانَا
أَبْدُو  فَيَسْجُدُ  مَنْ  بِالسُّوءِ   يَذْكُرُنِي      وَلاَ      أُعَاتِبُهُ     صَفْحاً     وَإِهْوَانَا

وَهَكَذَا  كُنْتُ  فِي  أَهْلِي وَفِي وَطَنِي      إِنَّ   النَّفِيسَ   غَرِيبٌ   حَيْثُمَا    كَانَا
* * *
أَصْبَحْتَ  تَأْمُرُ   بِالْحِجَابِ  لِخَلْوَةٍ       هَيْهَاتِ لَسْتَ عَلَى الْحِجَابِ بِقَادِرِ
مَنْ   كَانَ    ضَوْءُ   جَبِنِهِ   وَنَوَالُهُ       لَمْ  يُحْجَبَا  لَمْ  يَحْتَجِبْ عَنْ نَاظِرِ
فَإِذَا  احتَجَبْتَ فَأَنْتَ غَيْرُ  مُحَجَّبٍ      وَإِذَا    بَطَنْتَ  فَأَنْتَ   عَيْنُ  الظَّاهرِ
* * *
نَبْكِي  عَلَى الدُّنْيَا  وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ       جَمَعَتْهُمُ     الدُّنْيَا   فَلَمْ   يَتَفَرّقُوا
أَيْنَ   الأَكاسِرَةُ   الْجَبَابِرَةُ  الأُلَى       كَنَزُوا الكُنُوزَ فَمَا بَقِينَ  وَلاَ  بَقُوا
مِنْ كُلِّ مَنْ ضَاقَ الْفَضَاءُ بِجَيْشِهِ       حَتَّى  ثَوَى  فَحَواهُ   لَحْدٌ   ضَيِّقُ
خُرْسٌ  إِذَا نُودُوا كَأَنْ لَمْ  يَعْلَمُوا       أَنَّ  الْكَلاَمَ  لَهُمْ   حَلاَلٌ   مُطْلَقُ
فَالْمَوْتُ  آتٍ  وَالنُّفُوسُ   نَفَائِسٌ       وَالْمُسْتَعِزُّ    بِمَا   لَدَيْهِ  الأَحْمَقُ
وَالْمَرْءُ   يَأمُلُ   وَالْحَيَاةُ   شَهِيّةٌ        وَالشَّيْبُ   أوْقَرُ   وَالشَّبِيبَةُ  أَنْزَقُ
*  * *
رَمَانِي خِسَاسُ النَّاسِ مِنْ صَائبِ إِسْتِهِ      وآخَرَ   قُطْنٌ   مِنْ   يَدَيْهِ   الْجَنَادِلُ
وَمِنْ  جَاهِلٍ  بِي  وَهْوَ  يَجْهَلُ جَهْلَهُ      وَيَجْهَلُ   عِلْمِي   أَنَّهُ   بِيَ    جَاهِلُ
تُحَقِّرُ   عِنْدِي   هِمَّتِي  كُلَّ  مَطْلَبٍ      وَيَقْصُرُ  فِي  عَيْنِي  الْمَدَى الْمُتَطَاوِلُ
* * *
هُوَ   الزَّمَانُ    مَنَنْتَ   بِالَّذِي  جَمَعَا     فِي  كُلِّ يَومٍ   تَرَى مِنْ صَرْفِهِ بِدَعَا
إِنْ شِئْتَ مُتَّ أَسَفاً أَوْ فَابْقَ مُضْطَرِباً     قَدْ  حَلَّ مَا  كُنْتَ تَخْشَاهُ وَقَدْ وَقَعَا

لَوْ    كَانَ    مُمْتَنِعٌ   تُغْنِيهِ    مَنْعَتُهُ      لَمْ يَصْنَعِ  الدَّهْرُ بِالإِخْشِيدِ مَا صَنَعَا
* * *
أَرَكَائِبَ   الأَحْبَابِ  إِنَّ   الأَدْمُعَا      تَطِسُ الْخُدُودَ كَمَا تَطِسْنَ اْليَرْمَعَا
فَاعْرِفْنَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَيْكُنَّ النَّوَى      وَامْشِينَ  هَوْناً  فِي  الأَزِمَّةِ خُضَّعَا
قَدْ كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنَ  اْلبُكَا       فَاليَوْمَ   يَمْنَعُهُ   الْبُكَا   أَنْ  يَمْنَعَا
حَتَّى   كَأَنَّ   لِكُلِّ  عَظْمٍ   رَنَّةً        فِي   جِلْدِهِ  وَلِكُلِّ  عِرْقٍ  مَدْمَعَا
* * *
الْحُبُّ مَا مَنَعَ الكَلاَمَ الأَلْسُنَا     وَأَلَذُّ شَكْوَى عَاشِقٍ مَا أَعْلَنَا
وَانْهَ الْمُشِيرَ عَلَيْكَ فِيَّ بِضِلَّةٍ     فَالْحُرُّ  مُمْتَحَنٌ  بِأَوْلاَدِ الزِّنَا
* * *
إِذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُ النَّسِيبِ كَأَصْلِهِ     فَمَاذَا الَّذِي تُغْنِي كِرَامُ  الْمَنَاسِبِ
* * *
إِذَا أَتَتِ الإِسَاءَةُ مِنْ وَضِيعٍ     وَلَمْ أَلُمِ الْمُسِيءَ فَمَنْ أَلُومُ
* * *
وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ  قَدْرَهُ     رَأَى غَيْرُهُ مِنْهُ مَا لاَ يَرَى
* * *
الْحُزْنُ   يُقْلِقُ  وَالتَّجَمُّلُ  يَرْدَعُ     وَالدَّمْعُ  بَيْنَهُمَا  عَـصِيٌّ   طَيِّعُ
إِنِّي  لأَجْبُنُ  مِنْ   فِرَاقِ  أَحِبَّتِي     وَتُحِسُّ نَفْسِي بِالْحِمَامِ فَأَشْجَعُ
وَيَزِيدُنِي غَضَبُ الأَعَادِي قَسْوَةً     وَيُلِمُّ بِي عَتَبُ الصَّدِيقِ  فَأَجْزَعُ
تَصْفُو  الْحَيَاةُ  لِجَاهِلٍ أَوْ غَافِلٍ     عَمًّا  مَضَى  مِنْهَا   وَمَا   يُتَوَقَّعُ
وَلِمَنْ يُغَالِطُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسَهُ      وَيَسُومُهَا طَلَبَ الْمُحَالِ فَتَطْمَعُ
* * *
قُبْحاً لِوَجْهِكَ يَا زَمَانُ فَإِنَّهُ     وَجْهٌ لَهُ مِنْ كُلِّ قُبْحٍ  بُرْقُعُ
* * *
حَتَّى رَجَعْتُ  وَأَقْلاَمِي  قَوَائِلٌ لِي:     الْمَجْدُ للِسَّيْفِ لَيْسَ الْمَجْدُ لِلْقَلَمِ
* * *
إِذَا  اعْتَادَ  الفَتَى خَوْضَ الْمَنَايَا      فَأَهْوَنُ   مَا   يَمُرُّ  بِهِ  الْوُحُولُ
فَلَوْ قَدَرَ  السِّنَانُ  عَلَى   لِسَانٍ      لَقَالَ  لَكَ  السِّنَانُ  كَمَا  أَقُولُ
وَلَوْ جَازَ الْخُلُودُ خَلَدْتَ فَرْداً       وَلَكِنْ    لَيْسَ   للِدُّنْيَا   خَلِيلُ
* * *

لاَ  تَعْذُلِ  الْمُشْتَاقَ  فِي  أَشْوَاقِهِ      حَتَّى  يَكُونَ حَشَاكَ  فِي أَحْشَائِهِ

إِنَّ    الْقَتِيلَ   مُضَرَّجاً   بِدُمُوعِهِ      مِثْلُ   الْقَتِيلِ   مُضَرَّجاً    بِدِمَائِهِ


وَالعِشْقُ كَالْمَعْشُوقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ        لِلْمُبْتَلَى    وَيَنَالُ   مِنْ   حَوْبَائِهِ

* * *

لَوْلاَ  الْمَشَقَّةُ  سَادَ  النَّاسُ كُلُّهُمُ       الْجُودُ   يُفْقِرُ    وَالإِقْدَامُ   قَتَّالُ

وَإنّمََا    يَبْلُغُ    الإنْسَانُ   طَاقَتَهُ       مَا كُلُّ  مَاشِيَّةٍ بِالرِّحْلِ  شِمْلاَلُ

إِنَّا   لَفِي  زَمَنٍ  تَرْكُ  الْقَبِيحِ  بِهِ      مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ إِحْسَانٌ  وَإجْمَالُ


ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي وَحَاجَتُهُ       مَا  قَاتَهُ  وَفُضُولُ  الْعَيْشِ أَشْغَالُ

* * *
وَمَنْ   عَرِفَ  الأَيَّامَ   مَعْرِفَتِي  بِهَا      وَبِالنَّاسِ  رَوَى  رُمْحَ هُ غَيْرَ  رَاحِمِ
فَلَيْسَ   بِمَرْحُومٍ   إِذَا  ظَفِرُوا   بِهِ      وَلاَ فِي الرَّدَى الْجَارِي عَلَيْهِمْ بِآثِمِ
* * *
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً     وَآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
وَلَكِنْ تَأْخُذُ الأَسْمَاعُ مِنْهُ     عَلَى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَالْفُهُومِ
* * *
جَمَحَ الزَّمَانُ فَمَا لَذِيذٌ خَالِصٌ     مِمَّا يَشُوبُ وَلاَ سُرُورٌ  كَامِلُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق