*قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: أيامي أربعة، يوم أخرج فألقى فيه من هو أعلم مني فأتعلم منه فذلك يوم غنيمتي، ويوم أخرج فألقى من أنا أعلم منه فأعلمه فذلك يوم أجري، ويوم أخرج فألقى من هو مثلي فأذاكره فذلك يوم درسي، ويوم أخرج فألقى من هو دوني وهو يرى أنه فوقي فلا أكلمه وأجعله يوم راحتي.
*نظر مطرف بن عبدالله بن الشخير يوما إلى المهلب بن أبي صفرة عليه حلة يسحبها ويمشي الخُيَلاَءَ، فقال مطرف: يا أبا عبدالله، ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ فقال المهلب: أما تعرف من أكون؟ قال مطرف: بلى أعرف، أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ (فاسدة)، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَحَشْوُكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَوْلٌ وعَذِرَةٌ (خَرَاءٌ) وقاله شعرا منظوما:
عَجِبْتُ مِنْ مُعْجَبٍ بِصُورَتِهِ كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً مَذِرَهْ
وَفِي غَدٍ بَعْدَ حُسْنِ صُورَتِهِ يَصِيرُ إِلَى اللَّحْدِ جِيفَةً قَذِرَهْ
وَهْوَ عَلَى تِيهِهِ وَنَخْوَتِهِ مَا بَيْنَ ثَوْبَيْهِ يَحْمِلُ الْعَذِرَهْ
*وقف جَدْيٌ على سطح مرتفع، فمر به الذئب، فأقبل الجدي يشتم الذئب شتما بذيئا، فقال له الذئب قولته الشهيرة: لست أنت الذي تشتمني، إنما يشتمني المقام الذي أنت فيه.
*قال الحجاج لامرأة: اقرئي شيئاً من القرآن، فقرأت: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس (يخرجون) من دين الله أفواجاً}، فقال: ويحك (يدخلون)!، قالت: ذلك في عهد أسلافك، وأما في عهدك فيخرجون.
*قيل لابن سيابه قد كرهت امرأتك شيبك فمالت عنك إلى آخر، فقال: إنما مالت إلى آخر لقلة المال، والله لو كنت في سن نوح وشيبة إبليس وخِلْقَةِ منكر ونكير ومعي مال لكنت أحب إليها من فقير في جمال يوسف وخلق داوود وسن عيسى وجود حاتم وحلم أحنف بن قيس.
*دخل أحد الشهود إلى المحكمة وكان أصلع ومبتور الساق من فوق الركبة، فسأله القاضي عن حادثة كان شاهدا فيها، فقال: أقسم بالله سيدي القاضي أنني عندما شاهدت الحادثة وقف شعر رأسي ورجفت ركبتاي، فرد القاضي على التو: اغرب عن وجهي يا شاهد الزور.
*قال عبد الرحمان بن مخلد: دفعت امرأة رغيفا إلى رجل يقرأ عند القبور، وقالت له: اقرأ عند قبر ابني، فقرأ: ''يوم يُسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر'' (سورة القمر الآية 48)، فنطقت المرأة: أهكذا يُقرأ عند القبور؟ فقال لها الرجل: أوتريدين برغيف '' متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان''؟ (سورة الرحمن الآية 54).
*اجتمع يوما المال والعلم والشرف ولما هموا بالافتراق، قال المال: إنني ذاهب، فإذا أردتم أن تجدوني فابحثوا عني في ذلك القصر العظيم، فقال العلم: أما أنا فابحثوا عني في تلك الجامعة الكبرى، بينما ظل الشرف صامتا، فلما سأله المال والعلم أين نجدك إذا ذهبت؟ قال: إذا ذهبت فإنني لن أعود قط.
*قالت الأوائل ثلاثة يجب ضبطها: اللسان، النفس، الأعصاب؛ وثلاثة تجب حمايتها: الدين، الشرف، الوطن؛ وثلاثة يجب التخلص منها: التملق، الوشاية، التبذير؛ وثلاثة يجب اجتنابها: الحسد، الغرور، كثرة المزاح؛ وثلاثة لا بد منها: الموت، الهواء، الماء؛ وثلاثة محبوبة: التقوى، الشجاعة، الصراحة؛ وثلاثة ممقوتة: الكذب، النفاق، الكبر؛ وثلاثة من الفواحش: الربا، الزنا، شرب الخمر؛ وثلاثة مشرفة: الجهاد، الأمانة، الصدق؛ وثلاثة ممتازة: الحب في الله، العفو عند المقدرة، الصمت.
*كان بشار بن برد جالسا مع أحد الحكام، وكان في المجلس أحد الثقلاء ينتقص دوما من شعر بشار ويصفه بالتافه والركيك، فتوجه إلى بشار بالسؤال مستهزئا: ما سلب الله من مؤمن كريمتيه (يقصد عينيه) إلا عوضه عنهما إما الحفظ أو الذكاء أو حسن الصوت، فما الذي عوضك عن عينيك؟، فقال بشار بن برد: عوضني العمى حتى لا أنظر إلى بغيض ثقيل مثلك.
*قعد أبو الحارث إلى المغنية قينة بالمدينة صدر نهاره، فبقيت تحدثه في مختلف الأمور ولا تذكر له الطعام، فلما طال به الأمر قال لها: "مالي لا أسمع للطعام ذكرا لديك؟"، فردت غاضبة: "سبحان الله، أما تستحيي! أما في وجهي ما يشغلك عن الطعام!، فقال: "جُعِلْتُ فداك لو أن جميلا وبثينة قعدا ساعة واحدة لا يأكلان لمل كل واحد منهما صاحبه وافترقا".
*جاء رجل إلى شيخ من المشايخ وقال له: أنا أعبد الله على مذهب الإمام ابن حنبل، وإني توضأت وصليت، فبينما أنا في الصلاة إذ أحسست ببلل ينزلق في سراويلي، فشممته فإذا رائحته كريهة خبيثة، فقال له الشيخ: عافاك الله، فلقد خريت بإجماع المذاهب.
*مرض رجل وعنده زوجته التي مات عنها ستة أزواج، فجلست تبكي عند رأسه وتقول: لمن ستتركني يا حبيبي، فرفع رأسه وهو يبتسم وقال لزوجك السابع.
*ادعى رجل النبوة أيام المأمون وزعم أنه إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال له المأمون: إن إبراهيم الخليل عليه السلام كانت له معجزات وبراهين، فقال الرجل: وما هي براهينه؟، قال المأمون: أُضْرِمت له نار وأُلْقِيَ فيها فكانت عليه بردا وسلاما، ونحن نوقد لك نارا ونطرحك فيها، فإن كانت عليك كما كانت عليه آمنا بك، قال الرجل: أريد واحدة أخف من هذه، قال المأمون: فبراهين موسى عليه السلام، قال الرجل: وما هي براهينه؟، أجاب المأمون: ألقى عصاه فإذا هي حية تسعى، وضرب بها البحر فانفلق، وأدخل يده في جيبه فأخرجها بيضاء، قال الرجل: وهذي علي أصعب من الأولى، فقال المأمون: فبراهين عيسى عليه السلام، قال الرجل: وما هي؟، فأجاب المأمون: إحياء الموتى، فلمعت عيناي الرجل مكرا وقال: في هذه أستطيع، أنا أضرب رقبة القاضي يحيى بن أكتم وأحييه لكم الساعة، ارتج القاضي يحيى وارتعش بدنه من الخوف وصاح قائلا: أشهد أنني أول من آمن بك وصَدَّق وإنك لنبي كريم.
*عن أبي عثمان الجاحظ قال: كان لي جار من أهل فارس وكان ذا لحية ما رأيت أطول منها قط، وكان طول الليل يبكي، فشدني ذات ليلة بكاؤه ونحيبه وهو يشهق ويضرب على صدره ويردد من كتاب الله تعالى، فلما رأيت ما نزل به قلت: لأسمعن هذه الآية التي قتلت هذا وأذهب لنومي، فأنصت إليه وإذا به يردد: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى" فعلمت أن طول اللحية لا يخلف.
*سئل كلثوم بن عمرو التغلبي: لم لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب؟، قال: لأني رأيته يعطي عشرة آلاف من غير شيء، ويرمي من السور من غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون.
*قيل لرجل من الأعراب: ما بال الحب اليوم على غير ما كان عليه قبل اليوم؟ فأجابه بقوله: نعم كان الحب بالأمس في القلب فانتقل اليوم إلى المعدة.
*أوقد أعرابي نارا يتقي بها برد الصحراء الليلي القارس، ولما جلس يستدفئ وسرى في أطرافه الدفء، ردد مرتاحا: اللهم لا تحرمني منها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
*قيل لأشعب ويحك لما خففت صلاتك، فقال: لأنها صلاة لا يخالطها رياء.
*قيل لأحد الفلاسفة: ألا تخاف على عينيك من كثرة القراءة؟، فأجاب: البصيرة عندي أهم من البصر.
*قيل لأعرابي: كيف أنت في دينك؟ فقال: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق