«لقد انشطرت وحدة الإسلام ثنائية القطب على يد أناس قصروا الإسلام على جانبه الديني المجرد فأهدروا وحدته وهي خاصيته التي ينفرد بها دون سائر الأديان، لقد اختزلوا الإسلام إلى دين مجرد فتدهورت أحوال المسلمين، وذلك لأن المسلمين عندما يضعف نشاطهم وعندما يهملون دورهم في هذا العالم ويتوقفون عن التفاعل معه تصبح السلطة في الدولة المسلمة عارية لا تخدم إلا نفسها، ويبدأ الدين الخامل يجر المجتمع نحو السلبية والتخلف، ويشكل الملوك والأمراء والعلماء الملحدون ورجال الكهنوت، والشعراء السكارى، يشكلون جميعًا الوجه الخارجي للانشطار الداخلي الذي أصاب الإسلام» الأستاذ علي عزت بيغوفيتش الرئيس السابق للبوسنة والهرسك رحمه الله
بحلول شهر رمضان المبارك يلاحظ المرء تحسنا على ما يبدو ظاهريا والله أعلم في حال كثير من المسلمين، بحيث تتضاعف أعداد المصلين لدرجة امتلاء المساجد والساحات المجاورة لها عن آخرها، مع ما يُرافق ذلك من خشوع وبكاء وشهيق أثناء صلاة التراويح تأثرا بقراءة القرآن الكريم، وما يستتبع ذلك من كثرة الأعمال الخيرة الطيبة من صدقات وإعداد لوجبات الفطور للفقراء والمساكين وابن السبيل، ومن توزيع للمواد الغذائية على الأسر المحتاجة والمعوزة.
غير أنه بمجرد نهاية الشهر الفضيل ينجلي الواقع الحقيقي كما هو، وتعود 'حليمة إلى عاداتها القديمة' كما كانت عليه قبل رمضان، فتختفي موائد الإفطار ويختفي معها توزيع المواد الغذائية، ثم تبدأ بعد ذلك صفوف المصلين بالانفراط والتناقص شيئا فشيئا حتى لا تبقى في أحايين كثيرة سوى ثلاثة أو أربعة صفوف منها خلف الإمام، وكأن القوم لا يعرفون الله ولا يعبدونه إلا في رمضان، مع العلم أن حـيـاة المسلم الحق رجلاً كان أو امرأة يجب أن تكون موصولة كل الصلة بالله تعالى كل أيام السنة طوال حياته، وأن يستشعر أن كل ما يقوم به من أعمال شرعية أو حتـى عادية يقصد بها وجه الله تعالى والدار الآخـرة دون ريـاء ولا نفاق للبشر الفاني، والمحزن حقا أن الريـاء والنفاق أصبحا هما العملة الرائجة والسمة الغالبة لدى الكثيرين إلا من رحم ربك، سواء خلال هذا الشهر الفضيل أو حتى في الشعائر التعبدية الأخرى من صلاة وحج وزكاة.
إن المفهوم الحقيقي للإسلام لا يمكن البتة اختزاله في المظاهر الخارجية والشعائر التعبدية كما يظن الكثير من الخلق، بل هو فوق ذلك وأكثر منه بكثير، إنه دين وطريقة شاملة للحياة وسلوك ينظم شؤون الفرد والمجتمع، وليس حبيسا بين أربعة جدران في المساجد وحدها، بل يتعداها ليكون حاضرا حضورا واقعيا فعليا ويوميا في المنازل والأسواق والشوارع والمدارس والإدارات الحكومية وغير الحكومية وجميع مناحي الحياة، ابتداء من نظافة الأزقة والشوارع والساحات العمومية، مرورا بالقانون والتعليم والصحة والسياسة والعلوم والتجارة والصناعة والفلاحة وما إلى ذلك.
غير أنه بمجرد نهاية الشهر الفضيل ينجلي الواقع الحقيقي كما هو، وتعود 'حليمة إلى عاداتها القديمة' كما كانت عليه قبل رمضان، فتختفي موائد الإفطار ويختفي معها توزيع المواد الغذائية، ثم تبدأ بعد ذلك صفوف المصلين بالانفراط والتناقص شيئا فشيئا حتى لا تبقى في أحايين كثيرة سوى ثلاثة أو أربعة صفوف منها خلف الإمام، وكأن القوم لا يعرفون الله ولا يعبدونه إلا في رمضان، مع العلم أن حـيـاة المسلم الحق رجلاً كان أو امرأة يجب أن تكون موصولة كل الصلة بالله تعالى كل أيام السنة طوال حياته، وأن يستشعر أن كل ما يقوم به من أعمال شرعية أو حتـى عادية يقصد بها وجه الله تعالى والدار الآخـرة دون ريـاء ولا نفاق للبشر الفاني، والمحزن حقا أن الريـاء والنفاق أصبحا هما العملة الرائجة والسمة الغالبة لدى الكثيرين إلا من رحم ربك، سواء خلال هذا الشهر الفضيل أو حتى في الشعائر التعبدية الأخرى من صلاة وحج وزكاة.
إن المفهوم الحقيقي للإسلام لا يمكن البتة اختزاله في المظاهر الخارجية والشعائر التعبدية كما يظن الكثير من الخلق، بل هو فوق ذلك وأكثر منه بكثير، إنه دين وطريقة شاملة للحياة وسلوك ينظم شؤون الفرد والمجتمع، وليس حبيسا بين أربعة جدران في المساجد وحدها، بل يتعداها ليكون حاضرا حضورا واقعيا فعليا ويوميا في المنازل والأسواق والشوارع والمدارس والإدارات الحكومية وغير الحكومية وجميع مناحي الحياة، ابتداء من نظافة الأزقة والشوارع والساحات العمومية، مرورا بالقانون والتعليم والصحة والسياسة والعلوم والتجارة والصناعة والفلاحة وما إلى ذلك.
وإن الأخطاء المذمومة التي يقع فيها الكثير من الناس خلال شهر رمضان شهر التكافل والتوبة والغفران بغض النظر عن الطقوس التعبدية لهي النموذج الواضح لانقلاب الأمور رأسا على عقب، وصورة مصغرة لما آلت إليه أوضاع المسلمين لدرجة أن هذه الأخطاء أصبحت عادات متأصلة ومتجذرة في المجتمعات الإسلامية لعل أبرزها:
أولا: الإسراف في الإنفاق بحيث تزداد النفقات وتتجاوز حد الاعتدال إلى التبذير والإسراف الذي لا مبرر له إلا التباهي والافتخار أو الشراهة والاستهلاك، لدرجة أن هناك الكثير من الأسر التي تنفق ثلث نفقاتها السنوية خلال هذا الشهر الفضيل، بل تلجأ أحيانا بعض الأسر إلى السلف من الأبناك الربوية لتغطية النفقات، مع العلم أن الأصل في الصيام والهدف من تشريعه هو الاقتصاد وتعويد النفس الجلد والصبر وقــوة التحمل، والشعور بمعاناة الفقراء والمساكين، وتهذيب النفس وضبط النوازع والشهوات والرغبات، وتجنب ارتكاب الآثام والمعاصي والتوبة إلى الله، ولكن للأسف أن الذي يحصل في واقع الكثير من المسـلمين فـي وقتنا الحاضر هو معاكس تماما للحكمة من تشريع الصيام.
ثانيا: التوسع في تـنـاول الأطعمة والأشربة وسائر الملذات حد التخمة والامتلاء حتى أضحى شهر الصيام في حياة أناسٍ موسماً للنهم والشراهة والمآدب وتنويع المآكل والمشارب وتناول الملذات والتفاخر فيما بين الناس، مما ينافي ويعطل الغرض والهدف من الصيام ومراميه، ولطالما لاحظت غير ما مرة في صلاة التراويح أقواما يتجشؤون ويتنفسون بصعوبة كبيرة ويتصببون عرقا من فرط ما حشوا به أجوافهم من أطعمة ومأكولات، بحيث لا يصبح همك أثناء الصلاة إلا أن تخرج بسلام ولا يتقيأ عليك أحدهم ويفسد عليك نوافلك، ولقمان عليه السلام في نصيحته لابنه يقول: "إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة"، والرسول الكريم (ص) يقول: "لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء"، وفي حديث آخر: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه"، والإمام علي كرم الله وجهه يقول: "ما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافه وتلهو عما يُراد بها، وكأني بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً والروائع الخضرة أرق جلوداً والنباتات البدوية أقوى وقوداً وأبطأ خمودا".
ثالثا: السـهر في الليل والنوم في النهار، بحيث ينقلب الحال في رمضان في حياة الكثيرين، فيُضحي الليل نـهــاراً والنهار ليلاً ووقتاً للاجتماع والسهر، ومتابعة برامج تلفزيونية بائخة تشتت وتبلد وتكلس أذهان الكثير من الصائمين وبالأخص الشباب والنساء، وبالتالي إشغالهم عن استيعاب غايات الصيام ومراميه، والاستفادة منها في إصلاح النـفوس والمجتمعات بالشكل المطلوب، وذلك من خلال المواد التي تقدمها تلك الوسائل والتي تـصب غـالباً في الجانب الترويحي والكوميدي والإشهاري، وما تبقى من مجالات تكون في الغالب سطحية مع اشتمال كثير منها على جوانب مفسدة وفاسدة، كالمسلسلات التي تدعو إلى التفسخ والانحلال الخلقي والتفكير السطحي الساذج الذي يحول أفراد المجتمع إلى غثاء كغثاء السيل، بينما يُضحي النهار وقتاً للراحة والاسترخاء والنوم والكسل في المنازل والإدارات.
وهناك أقوام آخرون من المترفين الذين يستغلون شهر الصيام للسفر والسياحة لا لطلب الجو المريح والمناخ الجميل الذي يعينه على الصيام والقيام، وإنما للهروب من صيام رمضان، دون نسيان بطبيعة الحال فئة من الموظفين الذين يأخذون إجازاتهم في هذا الشهر حتى يصبح ليلُهم ضحكات وسهر ويقظتهم نوم وخمول وكسل.
رابعا: عدم الالتزام بأخلاقيات الصيام وآدابه، بحيث أن بعض الصائمين لمجرد امتناعهم عن الطعام والشراب أو شرب الدخان يصبحون قنابل موقوتة قابلة للانفجار لأدنى احتكاك، يُضحي من الصعب معه السيطرة على الوضع الذي قد يصل درجة ارتكاب الجريمة، ومن الصائمين من يقضي نهاره في الطعن في أعراض الناس واللغو الذي لا فائدة تٌرتجى منه، لا يعف لسانه عن الوقوع في الغيبة والنميمة وأكل لحوم الناس ميتة دون أن يرف له جفن أو يهتز له كيان.
خامسا: بمجرد انتهاء رمضان تختفي الطقوس الروحانية المصاحبة له، وَهِيتَ لَكْ -كما قالت امرأة العزيز- يا أوساك ويا خمور ويا جعة ويا مخدرات ويا علب ليلية ويا مواخير، وَهِيتَ لَكْ يا نسوة ويا بنات من المائلات المميلات من الساقطات المصبوغات، وعظم الله أجركم في رمضان في انتظار أن يُبعث حيا في السنة الموالية إن كان في العمر بقية، ولم يعد رمضان إلا موسما من المواسم التي تنافق فيه الأمة نفسها أيما نفاق، محاولة إخفاء الشمس بالغربال والتغطية على الفساد المستشري كالطاعون في الأمة بمظاهر التدين الـمُرَائِي المغشوش، ولقد أصاب الأستاذ علي عزت بيغوفيتش الرئيس السابق لدولة البوسنة والهرسك رحمة الله عليه - الذي يعرف جيدا معنى قمة تخاذل الأمة اتجاه شعبه المسلم الذي كان يُذَبَّحُ ويُسْلَخُ- عندما اعتبر أن العالم الإسلامي المعاصر يذكرنا بحالة أوضاع المجتمع اليهودي قبيل ظهور عيسى عليه السلام، حيث اهتم المسلمون بالأشكال والقشور والسطحيات وتنافسوا فيها، وأهملوا روح التعاليم الدينية، وأُوكلت أمور الأمة المصيرية إلى أناس لا يهمهم الإسلام من قريب أو بعيد، وفي بعض الأحايين إلى أناس منافقين أو حتى مرتدين عن الإسلام.فنحن مع الأسف الشديد صرنا أمة لا تستحي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وتعبد الدولار واليورو والدرهم والدينار، ومن لم يستحي فليصنع ما شاء كما جاء في الحديث النبوي الشريف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق