شذرات من التراث 8

شذرات من التراث 8
*حكى راوية العرب أو كما يسمى 'شيطان الشعر' عبدالملك الأصمعي أنه حل يوما بالبادية فإذا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وجرو ذئب مُقْعٍ، فلما نظر الأصمعي إليها قالت: أتدري ما هذا؟ قال: لا، قالت: جرو ذئب أخذناه وأدخلناه بيتنا، فلما كَبُرَ قتل شاتنا، وقد قلت فيه شعرا، فقال لها: ما هو؟ فأنشدت:
بَقَرْتَ شُوَّيْهَتِي وَفَجَعْتَ قَلْبِي      وَأَنْتَ   لِشَاتِنَا   وَلَدٌ   رَبِيبُ
غُذِّيتَ   بِدَرِّهَا  وُرُبِّيتَ  فِينَا      فَمَنْ  أَنْبَاكَ  أَنَّ  أَبَاكَ   ذِيبُ؟
إِذَا كَانَتِ الطِّباَعُ طِباَعَ سُوءٍ      فَلَيْسَ   بِنَافِعٍ   فِيهَا   الأَدِيبُ
*اشترى رجل رأسين وسلمهما لامرأته وقال: اقعدي لنأكل، فأخذت المرأة رأسا ووضعته خلفها وقالت: هذا لأمي، فأخذ الرجل الرأس الآخر ثم وضعه خلفه وقال: هذا لأبي، فقالت المرأة: وماذا نأكل؟ فأجاب الرجل: ضعي رأس أمك وأضع رأس أبي فنأكلهما.
*دعا حائك أبا نواس إلى داره  ولم يقصر في الترحيب به وإكرامه، إذ أحضر له ما لذ وطاب من مأكل وشراب، ولما كان الحائك يحب جارية قال لأبي نواس: يا سيدي قل في حبيبتي شعرا أُسَرُّ به، فقال أبو نواس: أحضرها كي أصفها عن مشاهدة، فأحضرها، فإذا بها أسمج خلق الله، سوداء يسيل لعابها على صدرها، فلما رآها أبو نواس قال: ما اسمها؟ أجاب الحائك: تَنْسِيمْ، فأنشد أبو نواس:
أَسْهَرَ   لَيْلِي    حُبُّ   تَنْسِيمِ      جَارِيَّةٌ   فِي  الْحُسْنِ  كَالْبُومِ
كَأَنَّمَا      نَكْهَتُهَا     كَامِخٌ       أَوْ   حَزْمَةٌ   مِنْ  حُمِّ  الثُّومِ
ضَرَطْتُ مِنْ حُبِّي لَهَا ضَرْطَةً       أَفْزَعْتُ   بِهَا   مَلِكَ   الرُّومِ
*تزوج رجل امرأة على امرأته القديمة، فكانت المرأة الحديثة تمر بالقديمة وتقول:
وَمَا تَسْتَوِي الرِّجْلاَنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ      وَرِجْلٌ  رَمَى  فِيهَا  الزَّمَانُ  فَشَلَّتِ
ثم تعود وتقول:
وَمَا يَسْتَوِي الثَّوْبَانِ ثَوْبٌ بِهِ البَلَى     وَثَوْبٌ  بِأَيْدِي   الْبَائِعِينَ  جَدِيدُ
وعندما تمر المرأة القديمة على الحديثة تنشد قائلة:
نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى      مَا   الْقَلْبُ   إِلاَّ   لِلْحَبِيبِ  الأَوَّلِ
كَمْ مَنْزِلٍ فِي الأَرْضِ  يَأْلَفُهُ  الْفَتَى      وَحَنِينُهُ     أَبَداً     لِأَوَّلِ     مَنْزِلِ
*وقال أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد البصري الضرير النديم في ذم الهوى:
وَمَا كَيِّسٌ فِي النَّاسِ  يُحْمَدُ  رَأْيُهُ       فَيُوجَدُ إِلاَّ وَهُوَ فِي الْحُبِّ أَحْمَقُ
مَا مِنْ فَتَى مَا ذَاقَ  بُؤْسَ  مَعِيشَةٍ       مِنَ  الدَّهْرِ  إِلاَّ  ذَاقَهَا حِينَ يَعْشَقُ
* وقال أبو العيناء في ذم الدنيا وأهلها:
تَوَلَّتْ    بَهْجَةُ    الدُّنْيَا       فَكُلُّ    جَدِيدِهَا   خَلَقُ
وَخَانَ    النَّاسُ   كُلُّهُمُ       فَمَا   أَدْرِي   بِمَنْ  أَثِقُ
رَأَيْتُ    مَعَالِمَ   الْخَيْرَا       تِ سُدَّتْ دُونَهَا الطُّرُقُ
فَلاَ  حَسَبٌ  وَلاَ  أَدَبٌ       وَلاَ   دِينٌ   وَلاَ   خُلُقُ
*ادعى أحدهم النبوة في زمن المهدي فاعتُقِلَ وسِيقَ إلى الحاكم فسأله: أأنت نبي؟ قال: نعم، فقال المهدي: إلى من بُعِثْتَ؟ قال: أَوَ تركتموني أُبْعَثُ إلى أحد؟ بُعِثْتُ في الصباح واعتقلتموني في المساء.
*قيل لأحد الفقهاء: ماذا تصنع عند فلان؟ فأجاب: إنه مثل المرحاض أذهب إليه إذا كانت لي إليه حاجة.
*قيل لأشعب: أرأيت أطمع منك؟ فأجاب: نعم، كلبة فلان رأت رجلا يمضغ علكا فتبعته فرسخين تظن أنه يأكل شيئا.
*الحطيئة الذي لم يسلم أحد من لسانه، لدرجة أنه هجا أمّه حتى إنّه هجا نفسه بسبب عدم معرفته نسبه في بيئة تتفاخر بالأنساب، وقد قال في هجاء أمه الضراء لما سألها عن أبيه فخلطت عليه الأمر حتى لا يدري شيئا أو لا يدري 'شعبان من رمضان' كما نقول في المغرب، فقال فيها:
  تَقُولُ  لِي  الضَّرَّاءُ  لَسْتَ  لِوَاحِدٍ      وَلاَ اثْنَيْنِ فَانْظُرْ كَيْفَ شِرْكُ أَوْلَئِكَ
وَأَنْتَ امْرُؤٌ  تَبْتَغِي أَباً   قَدْ  ضَلَلْتَهُ       هَبِلْتَ  أَلَمَّا  تَسْتَفِقْ  مِنْ  ضَلاَلِكَا
*وقف سائل أعمى على باب دار، وكانت صاحبة الدار تبول، فسمع صوت بولتها وظنه نشيش المقلى، فقال: أطعمونا من هذا الذي تقلونه، فضرطت المرأة وقالت: حَطَبُنَا رَطْبٌ ليس يُشعل.
*قال رجل للشافعي: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل، فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فأجابه: الأفضل أن يكون وجهك إلى ثيابك لئلا تُسرق.
*قدمت امرأة إلى أحد القضاة فقال لها: جَامَعَكِ شُهُودُكِ؟ فسكتت، فقال لها الكاتب موضحا: يقول لك حضرة القاضي: جاء شُهُودُكِ مَعَكِ؟ فقالت: نعم، هلا قلت ما قال كاتبك، كبُر سنك وقل عقلك وعظمت لحيتك حتى غطت على لُبِّكَ، ما رأيت ميتا يقضي بين الأحياء غيرك.
*قال الشاعر الضرير بشار بن برد، الذي اتُّهِمَ بالزندقة وقُتِلَ ضربا بالسياط، في هجاء يعقوب بن داود:
بَنِي   أُمَيَّةَ   هُبُّوا   طَالَ   نَوْمُكُمُ       إِنَّ  ا لْخَلِيفَةَ  يَعْقُوبَ  بْنُ   دَاوُدِ
ضَاعَتْ خِلاَفَتُكُمْ يَا قَوْمُ فَالْتَمِسُوا      خَلِيفَةَ   اللهِ   بَيْنَ   النَّايِ  وَالْعُودِ
*قيل لرجل ومعه غلام: أيسرك أن تعطى ألف درهم وتسقط من فوق البيت؟ قال: لا، فقال الغلام: وددت لو أنها لي وأسقط من فوق الثريا، فقيل له: ويحك! إذا سقطت مُتَّ، فرد الغلام: وما يدريك، لعلي أسقط على فراش زبيدة.
*التقى أشعب بصديق لأبيه، فقال له هذا الأخير: ويحك يا أشعب، كان أبوك ألحى وأنت خفيف اللحية، فمن أشبهت؟ فأجاب أشعب: أشبهت أمي.
*قال شاعر البلاغة صفي الدين الحلي صاحب " الكافية البديعية في المدائح النبوية " في هجاء رجل أبخر:
فَمٌ  لِيَحْيَى  رِيحُهُ  مُنْتِنٌ     لَمْ  يُرَ  يَوْماً مِثْلُهُ قَطُّ
لَوْ أَنَّهُ عَضَّ  عَلَى فَأْرَةٍ     لَعَافَ أَنْ يَأْكُلَهَا القِطُّ
*وقال الحكم بن عبدل بن جبلة الأسدي الغاضري أحد شعراء بني أمية في هجاء رجل أبخر أيضا:
لاَ تُدْنِ فَاكَ مِنَ  الأَمِيرِ  وَنَحِّهِ      حَتَّى يُدَاوِي مَا  بِأَنْفِكَ  أَهْرَنُ
إِنْ  كَانَ  للِظُّرْبَانِ جُحْرٌ مُنْتِنٌ      فَلَجُحْرُ  أَنْفِكَ يَا مُحَمَّدُ  أَنْتَنُ
أَشْبَهْتَ أُمَّكَ غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ       أَنْ قَدْ  خُتِنْتَ وَأَنَّهَا لَمْ  تُخْتَنِ
*ومن طريف ما قاله شعرا أبو نواس:
كَتَبَتْ   عَلَى  فَصٍّ  لِخَاتِمَهَا:       'مَنْ  مَلَّ  مَحْبُوباً  فَلاَ  رَقَدَا'
فَكَتَبْتُ   فِي   فَصٍّ   لِيَبْلُغَهَا:       'مَنْ نَامَ لَمْ يَعْقِلْ كَمَنْ سَهَدَا'
فَمَحَتْهُ    وَاكْتَتَبَتْ   لِيَبْلُغَنِي:       'لاَ نَامَ مَنْ يَهْوَى وَلاَ  هَجَدَا'
فَمَحَوْتُهُ    ثُمَّ   اكْتَتَبْتُ  'أَنَا        وَاللَّهِ    أَوَّلُ   مَيِّتٍ   كَمَدَا'
فَمَحَتْهُ  وَاكْتَتَبَتْ  تُعَارِضُنِي:       'وَاللَّهِ    لاَ     كَلَّمْتُهُ    أَبَدَا'
*سأل رجل أبا نواس: أيهما أفضل، المشي أمام الجنازة أم وراءها؟ فأجابه أبو نواس: المهم ألا تكون في النعش، وسر أينما شئت.
هوامش:
مُقْعٍ: جلس باسطا ذراعيه مفترشًا رجليه وناصبًا يديه.
نَكْهَتُهَا: رائحة فمها.
كَامِخٌ: خَلٌّ، والْخَلُّ بطبيعة الخال ينتج عن عملية تخمر.
ظَرَطَ(ت): خرجت ريح من مؤخرته(ا).
كَيِّسٌ: مُهذب ينظر للأمور بتَأَنٍ وتُؤَدَة.
أَبْخَرُ: كريه النفس ورائحة الفم
الظُّرْبَانُ: حيوان صغير كريه الرائحة لدرجة أن جميع مخلوقات الله تفر منه، فسلاحه الوحيد في مواجهة أعدائه هي رائحته المنفرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق