هذا هو حال البشرية اليوم في جميع أنحاء المعمور: اشتر ثم ارم، لقد دخلنا عهد الاستهلاك المفرط من بابه الواسع، دائما جريا وراء حب التملك واقتناء أكبر قدر ممكن من الثياب، الهواتف النقالة، الكمبيوترات، السيارات، اللعب، شاشات البلازما المسطحة الخ ....من الخردة، استهلاك على ما يبدو سطحيا وظاهريا بشكل مضلل علامة ازدهار ورفاه ووفرة وتحديث، لكنه باطنيا وواقعيا يقلب رأسا على عقب التوازن البيئي العالمي برمته ويقوده إلى انتحاره وحتفه.
لقد أضحت السمة الأساسية لمظاهر حياة معظم الناس تتلخص بدرجة كبيرة في الشراء والتبضع من الأسواق ليس للضرورة، ولكن غالبا للمتعة وملئ الخواء والفراغ الداخلي المهول الذي تُعاني منه البشرية في هذا العصر، لدى أصبح التوجه العام لدى المنتجين والشركات على مستوى الكوكب مبني على مبدأ واحد ووحيد يتمثل في الاستهلاك إلى أقصى الدرجات، فمعظم مشترياتنا تذهب مباشرة نحو القمامة بعد استعمال واحد، لأننا أصبحنا نعيش عصر 'استعمل لمرة واحدة'، ولسوف أقدم هنا مثالان حيان لما يمكن أن يحدث من كوارث بيئية، قابلة للتكرار، نتيجة غباء الإنسان وأنانيته المفرطة في سعيه الذؤوب نحو الكسب والربح أكثر من أجل الاستهلاك أكثر فأكثر.
لقد أضحت السمة الأساسية لمظاهر حياة معظم الناس تتلخص بدرجة كبيرة في الشراء والتبضع من الأسواق ليس للضرورة، ولكن غالبا للمتعة وملئ الخواء والفراغ الداخلي المهول الذي تُعاني منه البشرية في هذا العصر، لدى أصبح التوجه العام لدى المنتجين والشركات على مستوى الكوكب مبني على مبدأ واحد ووحيد يتمثل في الاستهلاك إلى أقصى الدرجات، فمعظم مشترياتنا تذهب مباشرة نحو القمامة بعد استعمال واحد، لأننا أصبحنا نعيش عصر 'استعمل لمرة واحدة'، ولسوف أقدم هنا مثالان حيان لما يمكن أن يحدث من كوارث بيئية، قابلة للتكرار، نتيجة غباء الإنسان وأنانيته المفرطة في سعيه الذؤوب نحو الكسب والربح أكثر من أجل الاستهلاك أكثر فأكثر.
إن 80 % من الملابس التي تعرض في محلات الموضة العالية الأناقة والساطعة الأنوار تُخفي وراءها وجها آخر مرعبا لصناعة القطن في العالم، هذه الصناعة التي أحدثت تغييرا خطيرا ومدمرا للبيئة الطبيعية من المستحيل إصلاحه وإعادته إلى حالته الأولى، ولعل منطقة كسينجيانغ الواقعة في الشمال الشرقي للصين التي تنتج 40 % من القطن الصيني و 15 %من الإنتاج العالمي لدرس مثالي، بعد درس بحر آرال، يصلحان أن يلقنا تلقينا في مدارس الهندسة الزراعية، ويعتبر القطن إحدى المنتجات الفلاحية التي تستهلك كميات ضخمة من المياه، فمن أجل إنتاج كيلوغرام واحد من القطن يتم استهلاك 5.263 لتر من المياه في المتوسط، وهي كمية كبيرة تكفي لسد حاجيات أسرة متوسطة مكونة من ستة أفراد في بلد نام لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور، وحسب وزارة الزراعة الأمريكية فإن الإنتاج العالمي للقطن خلال سنة 2010 يقدر ب 22,60 مليون طن، يتربع على رأس المنتجين الصين ب 6,90 مليون طن، تليه الهند ب 5,10 مليون طن، ثم الولايات المتحدة الأمريكية ب 2,70 مليون طن، ثم باكستان ب 2,10 مليون طن فالبرازيل ب 1,30 مليون طن، هذا بالإضافة إلى بعض المنتجين الصغار مثل أوزبكستان، أستراليا، تركيا، تركمنستان، سوريا، اليونان والأرجنتين، وعليه إذا أخذنا في الاعتبار الاستهلاك المتوسط لإنتاج كيلوغرام واحد من القطن وضربناه في الإنتاج السنوي العالمي من هذا المحصول، فسوف نحصل على كمية من المياه المستعملة في السقي تصل إلى 120 مليار متر مكب، كمية تكفي لإنتاج 200 مليون طن من القمح أي ما يمثل 30,19 % من الإنتاج العالمي للقمح برسم سنة 2010 والبالغ 662,50 مليون طن (الاستهلاك المتوسط لإنتاج كلغ واحد من القمح هو 600 لتر من المياه).
يعود مشروع زراعة القطن بمنطقة كسينجيانغ في الشمال الشرقي من الصين، وسقيها عن طريق ضخ المياه من نهر تاريم، أهم مورد مائي سطحي بهذه المنطقة، إلى أيام حكم ما وتسي تونغ، وبعد خمسين عاما على انطلاقة هذا المشروع لم يبق غير قنوات خرسا نية على مئات الكيلومترات تحمل الخيوط الضئيلة لجريان النهر المُتعب مما تبقى من النفس الأخير للموارد المائية السطحية، لقد أدى الاستغلال المفرط من أجل سقي المساحات الشاسعة من القطن إلى اضمحلال النهر وجفافه ثم موته تماما في عدة أماكن، ولم تعد الحصص المائية المخصصة للمزارعين كافية لتغطية الاحتياجات المائية للقطن، فاتجه معظمهم إلى استنزاف الفرشة المائية للمياه الجوفية قصد المحافظة على المداخيل المغرية التي توفرها زراعة القطن، والتي تصل في المتوسط إلى 1.800 دولار شهريا للفلاح، ولم تستطع حتى الحكومة الصينية ثنيهم عن زراعة القطن بالرغم من الدعم المادي الذي وفرته لمن يتجه نحو زراعات أقل استهلاكا للمياه كالحبوب مثلا، لقد أدى هذا المشروع إلى تخريب بيئي واسع النطاق، سرق حياة الآلاف من القرويين البسطاء الذين هجروا منازلهم وقراهم وتركوها خاوية على عروشها لا يسمع فيها غير صفير وهزيز الرياح، مما جعل المسؤولين الصينيين يتخوفون من تكرار كارثة بحر آرال على أراضيهم.
وعلى ذكر بحر آرال، فلقد سعت أوزبكستان إحدى جمهورية الاتحاد السوفييتي السابق إلى زراعة مكثفة للقطن منذ سنة 1960، هذا البحر الذي كان إلى غاية هذا التاريخ يغطي مساحة 68.000 كيلومتر مربع ويتغذى عن طريق نهري أموداريا وسيرداريا، ونظرا لانحسار مياه النهرين التي تم تحويلها عن طريق قناة كَرَاكُوم لري مساحات شاسعة من محاصيل القطن، بدأ مستوى مياه بحر آرال يهبط سنويا ما بين 0,20 و 0,60 متر سنويا لدرجة فقدانه سنة 2010 تسعين في المائة من مساحته، مما زاد في ملوحته وقتل أي أثر للحياة فيه، وأصبحت عواقب هذه السياسة الزراعية الكارثية غير قابلة للإصلاح نتيجة الاستغلال المفرط لموارد المياه السطحية التي كانت تزرع الحياة في حقول القطن التي تزهر وتتفتح، بينما كان بحر آرال، ضحية جهل الإنسان، يموت تدريجيا تحت تأثير الاختناق الداخلي، إنه مثال للكارثة البيئية المثالية التي يمكنها أن تتكرر في أي مكان من العالم لأن الطلب على القطن لم يصل للمستويات التي وصل إليها الآن في أي وقت من الأوقات، فأكثر من مائة دولة حاليا حول العالم تعتبر منتجة للقطن، وخلال الخمسين سنة الماضية ارتفع الإنتاج العالمي للقطن 300 %، ورغم ذلك فإن حمى استهلاك المنتجات القطنية لم تزدد إلا استعارا لدى البشر.
نشتري ثم نرمي، وعادة ما تكون مشترياتنا فوق احتياجاتنا الحقيقية، وتعتبر سراويل 'الجينـز' موضة العصر لدى الجنسين عارا وفضيحة إيكولوجية، فإضافة لما تتطلبه من كميات هائلة من القطن في صناعتها الذي بدوره يستنزف ويهدر مياه الكوكب هدرا غبيا، فإن لونها الأزرق المميز الذي يدبغ القطن الأبيض ويجعله أزرقا يخضع لعملية صباغة كاملة السرية بواسطة أصباغ تحتوي على سموم قاتلة تخلف وراءها كميات ضخمة من المياه الخطيرة الملوثة يُقذف بها في الأنهار والبحيرات والحقول وفي أي مكان من المجال الطبيعي في غياب أية مراقبة أو محاسبة ودون أية معالجة مسبقة.
وعلى ذكر بحر آرال، فلقد سعت أوزبكستان إحدى جمهورية الاتحاد السوفييتي السابق إلى زراعة مكثفة للقطن منذ سنة 1960، هذا البحر الذي كان إلى غاية هذا التاريخ يغطي مساحة 68.000 كيلومتر مربع ويتغذى عن طريق نهري أموداريا وسيرداريا، ونظرا لانحسار مياه النهرين التي تم تحويلها عن طريق قناة كَرَاكُوم لري مساحات شاسعة من محاصيل القطن، بدأ مستوى مياه بحر آرال يهبط سنويا ما بين 0,20 و 0,60 متر سنويا لدرجة فقدانه سنة 2010 تسعين في المائة من مساحته، مما زاد في ملوحته وقتل أي أثر للحياة فيه، وأصبحت عواقب هذه السياسة الزراعية الكارثية غير قابلة للإصلاح نتيجة الاستغلال المفرط لموارد المياه السطحية التي كانت تزرع الحياة في حقول القطن التي تزهر وتتفتح، بينما كان بحر آرال، ضحية جهل الإنسان، يموت تدريجيا تحت تأثير الاختناق الداخلي، إنه مثال للكارثة البيئية المثالية التي يمكنها أن تتكرر في أي مكان من العالم لأن الطلب على القطن لم يصل للمستويات التي وصل إليها الآن في أي وقت من الأوقات، فأكثر من مائة دولة حاليا حول العالم تعتبر منتجة للقطن، وخلال الخمسين سنة الماضية ارتفع الإنتاج العالمي للقطن 300 %، ورغم ذلك فإن حمى استهلاك المنتجات القطنية لم تزدد إلا استعارا لدى البشر.
ليس هذا سوى مثال واحد عما أحدثته زراعة القطن من كوارث بيئية وصحية ابتداء من المراحل الأولى لزراعتها حتى المراحل الأخيرة لتحويلها ثم تسويقها بعد ذلك وراء واجهات زجاجية براقة ومضاءة تسر الناظرين، أما فيما يخص مخلفات السيارات والهواتف النقالة، والكمبيوترات وشاشات البلازما التلفزيونية المسطحة، والكثير من التجهيزات الميكانيكية والإلكترونية الحديثة التي يسيل لها لعاب معظم البشر لدرجة أضحى كل اهتمامهم الحياتي منصب على اقتناءها، إضافة إلى الأواني والأكياس البلاستيكية التي أصبحت لوفرتها وكثرتها تستقر حتى في أمعاء الأبقار والأغنام فذلك غول نائم عندما يصحو سوف يجـز بسيفه في كل ضربة ألف رأس على اليمين وألف رأس أخرى على اليسار من الرؤوس التي قد أينعت وحان قطافها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق