عودة مرة أخرى إلى فولتير الفيلسوف الموسوعة، صاحب الذهن المتطلع إلى كل شيء، من الرياضيات إلى الفلك، والطبيعيات، والكيمياء والفيزياء، والجغرافيا، وعلم الأحياء، وعلم النفس، والتاريخ، والفنون التطبيقية، والفنون الجميلة، والأخلاق والسياسة، فيلسوف يتعلم كل شيء بدون مركب نقص، ويتحدث عن كل شيء بثقة عالية وتمكن، وله إلمام واسع بكل شيء، تأتي أفكاره بذهن كامل الحرية والتجرد بعيدا عن الأفكار المسبقة، فكل شيء عنده يجب أن يكون معقولا واضحا مبينا بالبرهان وثابتا بالحجة الدامغة، إذ لا شيء يسمو على العقل في البحث عن الحقيقة بالرغم من الصعوبة الكبيرة في الوصول إليها، وأن الإنسان لا يعرف شيئا عن العالم إلا بالتجربة، وإذا ادعت البشرية معرفة أي شيء عن هذا العالم مسبقا وبالمحاكمة فما ذلك إلا جنون.
لذلك كان دائما كثير الجدل والعراك مع الأكثرية التي تحب الحياة السهلة الوديعة الخاضعة خضوعا مطلقا للأفكار المسبقة، التي غالبا ما تكون قائمة على الكثير من الخزعبلات والأراجيف، وتبعا لما سلف، يمكن اعتبار فولتير فيلسوفا مناضلا بكل ما في الكلمة من معنى خلافا للكثير من الفلاسفة الذين كانوا يستحمون في السكونية.
لذلك كان دائما كثير الجدل والعراك مع الأكثرية التي تحب الحياة السهلة الوديعة الخاضعة خضوعا مطلقا للأفكار المسبقة، التي غالبا ما تكون قائمة على الكثير من الخزعبلات والأراجيف، وتبعا لما سلف، يمكن اعتبار فولتير فيلسوفا مناضلا بكل ما في الكلمة من معنى خلافا للكثير من الفلاسفة الذين كانوا يستحمون في السكونية.
فولتير ليس فيلسوفا عدميا يكفر بوجود خالق لهذا الكون كما حاول البعض أن يتهمه بذلك، فلقد اعترف هو شخصيا في الكثير من مؤلفاته بوجود إرادة عليا وكائن أسمى، لكنه حارب دائما وبحزم عز نظيره كاد أحيانا أن يكلفه حياته بفكره وقلمه العقائد والشعائر التي غالبا ما كانت سببا في التعصب والانقسام والاقتتال، وعلى رأسها الكنسية التي كانت تنوم عقول الناس وتقودهم كالأغنام البريئة إلى مجازر اللئام، لذلك رفضها رفضا قاطعا ودعا إلى السلام والتسامح وحرية الاعتقاد، وقد جاء ذلك واضحا في 'صلاة إلى الله':
إنني لا أتوجه بكلامي هذا إلى البشر، بل إليك إلاه كل الخلق وكل العوالم وكل الأزمنة، وإذا كان مسموحا لمخلوقات ضعيفة تائهة في هذه الفضاء اللامحدود، وغير محسوسة بالنسبة لبقية الكون.. أن تتجرأ لتطلب منك شيئا، منك أنت الذي وهبت كل شيء، ووضعت قوانين سرمدية غير قابلة للتغيير، أن تتكرم للنظر بعين الشفقة إلى الأخطاء المرتبطة بطبيعتنا البشرية، وأن لا تكون هذه الأخطاء وبالا من المصائب علينا، فلم تكن لتمنحنا قلبا لنتكاره بيننا وأيدي ليذبح بعضنا بعضا، اجعل منا متعاونين بيننا كي نتحمل عبئ هذه الحياة الصعبة العابرة، أن تكون الاختلافات الصغيرة للهدوم التي تغطي أجسامنا الضعيفة، والاختلافات بين جميع لغاتنا الناقصة، بين جميع عاداتنا السخيفة، بين جميع قوانينا القاصرة، بين جميع آراءنا الحمقاء، بين جميع حالاتنا الغير متكافئة جدا في أعيننا، فإن تساوينا أمامك، فلا كانت جميع هذه الفروق الضئيلة التي تميز الذرات المسماة بشرا إشارات للكراهية والاضطهاد، فليتحمل أولئك الذين يضيئون الشموع وسط النهار للإشادة بك الآخرين الذين يكتفون بضوء شمسك، وليتجنب الكراهية أولئك الذين يغطي ملابسهم قماشا أبيضا تعبيرا عن حبك، الآخرين الذين يكنون نفس الحب تحت معطف من الصوف الأسود، ليكن مساويا أن نعبدك بلغة تتألف من لغة قديمة أو من مصطلحات أحدث، وليتمتع بدون تباهي بما يسمونه العظمة والثروة أولئك الذين صبغت معاطفهم بالأحمر أو بالبنفسجي، ويسيطرون على رقعة أرضية صغيرة من ركام طيني تافه من هذا العالم، ويمتكلون بعض الشظايا المستديرة من معدن معين، وأن ينظر إليهم الآخرون بدون حسد وضغينة، لأنك تعرف أنه لا يوجد في هذه الأباطيل ما يدعو بالفعل إلى الحسد أو إلى التباهي.
فليتذكر كل البشر أنهم إخوة يكرهون الطغيان المسلط على الأنفس مثلما يلعنون السرقة التي تحرم بالقوة العاملين وأصحاب الصناعات المسالمين من ثمرة عملهم، فإن كانت كوارث الحرب لا مفر منها، فعلينا أن لا نتكاره فيما بيننا وأن لا يمزق بعضنا البعض أيام السلم، ولنكرس كل لحظة من حياتنا لنبارك جميعنا بألف لغة مختلفة، من سيام حتى كاليفورنيا، رحمتك التي منحتنا هذه اللحظة.
ترجمة شخصية للمدون عن 'رسالة في التسامح' لفولتير
من أقوال فولتير:
*وجود الله هو أقرب شيء إلى الاحتمال يمكن للبشر أن يفكروا فيه، والقول المعاكس من أبعد الأشياء عن العقل والمنطق.
*حين أرى النظام والآلة العظيمة والقوانين الميكانيكية والهندسية التي تسود الكون، والوسائل والغايات التي لا عدد لها لجيمع الأشياء، يسيطر علي الإعجاب والاحترام، وأرى حالا أنه إذا كانت أعمال البشر وحتى أعمالي تضطرني إلى أن أُقِرَّ بوجود العقل فينا، وجب علي أن أُقِرَّ بوجود عقل ذي نشاط أكبر في هذه الآثار التي لا حَصْرَ لها، وأُقِرُّ بوجود هذا العقل الأعظم دون أن أخشى أحدا يغير رأيي، فليس من شيء يهز اعتقادي بهذا المبدإ، كل عمل يثبت وجود عامل.
*نعم إننا نريد دينا، إلا أننا نريده بسيطا، حكيما، جليلا، أَلْيَقُ بالله وَأَقْرَب إلينا، بكلمة مختصرة نريد أن نخدم الله والبشر.
*أقولها لكم مرة أخرى، أيها الجهَلة الحمقى الذين أقنعهم جهَلة آخرون بأنَّ الدِّينَ المحمديَّ شهواني، إن هذا ليس صحيحًا، لقد خَدَعُوكُمْ في هذه المسألة كما في مسائل متَعَدِّدة أخرى، أيها القساوسة والأحبار، لو فُرض عليكم أن تمتنعوا عن الطعام والشراب من الرابعة صباحًا إلى العاشرة مساءً في شهر يوليوز عندما يصادف الصيام هذا الشهر، ولو مُنِعَ عنكم القِمَارُ بكل أنواعه، ولو حُرِّمَتْ عليكم الخمر، ولو كُتِبَ عليكم الحج في الصحراءِ الـمُـحْرِقَةِ، ولو أُمِرْتُمْ بإخراج اثنين ونصف بالمائة من دَخْلِكُمْ للفقراء، ولوِ اقْتَصَرْتُمْ على أربع زوجات أنتم الذين أَلِفْتُمْ التَّمَتُّعَ بِثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأة، هل يمكن - بكل صِدْقٍ - أن تقولوا عن هذا الدين إنه شهواني؟
*إن دين محمد حكيمٌ وصارم وطاهر وإنساني، حكيم لأنه لا يسقط في جنون الإشراك بالله وليس فيه طلاسم، وهو صارم لأنه يُحَرِّم القمار والخمر ويأمر بخمس صلوات في اليوم، وهو طاهر لأنه يُحَدِّد عدد الزوجات بأربع، وهو إنساني لأنه يأْمُرُ بالصَّدَقَةِ أكثر من الحج، وأُضِيفُ إلى خَصَائِصِ الحق هذه سِمَةٌ أخرى هي التَّسَامُحُ.