"إِنَّنَا نَسْتَنْشِقُ الْفَسَادَ مَعَ الْهَوَاءِ، فَكَيْفَ
تَأْمُلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمُسْتَنْقَعِ أَمَلٌ حَقِيقِيٌّ !" نجيب محفوظ رحمه الله
في كتابه بعنوان 'الذهب الإفريقي نهب تهريب وتجارة دولية' يقول عالم الأجناس والصحفي السويسري 'جيل لابارت': "هناك حفنة من الشركات الغربية التي يدعمها البنك الدولي لا تتوانى في استغلال الذهب الإفريقي وإحداث تقلبات في نمط عيش السكان المحليين تحت إيقاعات جهنمية، وفي غياب تام لمعايير السلامة وقمع أي حركة نقابية، إضافة لما ينجم عن أعمالها المخربة للبيئة الطبيعية من تلوث كارتي.
هذه الشركات الخاصة الأخطبوطية التي تستغل اليوم 80 % من مناجم الذهب الإفريقية الضخمة لها علاقات متشعبة مع تجار الأسلحة، عائلة بوش، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية واللوبي النووي، ونجدها منتشرة في مالي، غانا، تنزانيا، جنوب افريقيا ودول أخرى، بل حتى في مناطق النزاع مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تدعم أحيانا حركات التمرد المسلحة، إنهم جد أقوياء لدرجة عجز منظمة الأمم المتحدة عن فرض عقوبات عليهم، أرباحهم الكبيرة يتم ترحيلها بطرق ملتوية وغير مشروعة إلى جنان ضرائبية، بينما الشعوب الإفريقية الغنيةُ أراضيها بالذهب وشتى أنواع المعادن والأحجار الكريمة لا تزداد إلا فقرا وبؤسا.
هذه الشركات الخاصة الأخطبوطية التي تستغل اليوم 80 % من مناجم الذهب الإفريقية الضخمة لها علاقات متشعبة مع تجار الأسلحة، عائلة بوش، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية واللوبي النووي، ونجدها منتشرة في مالي، غانا، تنزانيا، جنوب افريقيا ودول أخرى، بل حتى في مناطق النزاع مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تدعم أحيانا حركات التمرد المسلحة، إنهم جد أقوياء لدرجة عجز منظمة الأمم المتحدة عن فرض عقوبات عليهم، أرباحهم الكبيرة يتم ترحيلها بطرق ملتوية وغير مشروعة إلى جنان ضرائبية، بينما الشعوب الإفريقية الغنيةُ أراضيها بالذهب وشتى أنواع المعادن والأحجار الكريمة لا تزداد إلا فقرا وبؤسا.
تُشير التقديرات على أن القارة الإفريقية تتوفر على 30 % من مجموع احتياطي المعادن على كوكب الأرض، 10 % من احتياطي النفط العالمي المكتشف لحد الآن (من الممكن أن ترتفع هذه النسبة بكثير عندما يتم الإعلان عن اكتشافات جديدة)، 40 % من الطاقة الكهرومائية العالمية، أكبر خزان من الماس والكروم على وجه الكرة الأرضية، 50 % من احتياطي الذهب العالمي، 90 % من احتياطي الكوبالت العالمي، 70 % من احتياطي الفوسفات العالمي و 90 % من احتياطي البلاتين والبلاديوم والرديوم والإيريديوم إلخ....، ناهيك عن الإمكانيات الهائلة من موارد الخشب بحوض الكونغو الذي يعتبر ثاني رئة خضراء لكوكب الأرض، دون نسيان الفرص والاستثمارات الضخمة التي من الأكيد توفرها في الاستعمالات الكثيرة والمتعددة للطاقة الشمسية النظيفة.
غير أن المرء يُصاب بالحيرة والذهول أمام هذه المعادلة المتناقضة والمفارقة الكبيرة، فهذا الفيض والتنوع والغنى في الموارد الطبيعية للقارة السمراء لا يظهر له أثر فعال وتأثير كبير على نموها وتقدمها ورخائها وتحضر ساكنتها التي ما تزال تعيش في أكثر من ركن من أركانها في ضباب ما قبل التاريخ، وإذا ظهر السبب بطل العجب، فحسب تقرير لبنك التنمية الإفريقي تم تهريب ما يناهز 700 مليار دولار بطرق غير شرعية وملتوية من القارة الإفريقية في الفترة الممتدة من سنة 1970 حتى سنة 2008، وهو مبلغ حسب نفس البنك كان كفيلا بخفض معدل البطالة في مجموع القارة الإفريقية إلى أقل من 6 %، وتمكينها من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة بحلول سنة 2015، وفي نفس السياق يرى معهد النزاهة المالية العالمية المتخصص في الجرائم الاقتصادية أن الأموال التي تم تهريبها خارج القارة المنهوبة في نفس الفترة تصل إلى 1800 مليار دولار منها 854 مليار دولار تم تعقبها بطرق محكمة ودقيقة، وهو ما يوازي 7 مرات ديون القارة الإفريقية برمتها التي وصلت سنة 2008 إلى 250 مليار دولار، وكل ذلك بالطبع تحت سمع وأنظار وكاميرات وأقمار اصطناعيه وجواسيس وعملاء ذئاب الشمال الشقراء ذات العيون الزرقاء التي تقتل الميت وتشيع جنازته وتعود لتأكل عشاءه وتوزع تريكته.
إن تداعيات هذا النزيف التراجيدي المستمر يظهر جليا في ارتفاع المديونية الخارجية بشكل تصاعدي وغياب أو ضعف أي تنمية بشرية باستثناء على شاشات التلفزيون الحكومي، ويعتبر بدون منازع من أخطر الجرائم الاقتصادية التي ما تزال قوانين الكثير من الدول الإفريقية في ظل غياب الرغبة السياسية لدى حكامها عاجزة أو مقصرة في التصدي لها بقوة وحزم، وما من شك أن تهريب هذه الأموال يزيد من تفاقم عدم المساواة والفوارق الاجتماعية الصارخة وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بصورة مقلقة على وقع الفقر والهشاشة والمرض والأمية والجهل، ويعرض استقرار الدول المعنية لهزات اجتماعية عنيفة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، والأشخاص المستفيدون من هذه اللصوصية إن صح التعبير هم في الأصل الشركات المتعددة الجنسيات والأبناك الربوية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بتواطئ مع نخب المجتمع من المترفين الذين لا يتجاوزون في الغالب 10% من مجموع السكان، أولئك الذين يسيطرون على السلطة السياسية أو يرشونها من أجل احتكار اقتصاد بلدانهم، كي يتمادون بعد ذلك في الغش والخديعة والتزوير والتحايل على القوانين، من أجل تسمين ثرواتهم وحساباتهم البنكية المفتوحة بدون أسماء في جنان ضرائبية بدول أوروبية وجنوب أمريكية تتمتع أنظمتها المصرفية بصرامة فائقة في الحفاظ على سرية حسابات عملائها من اللصوص والنهابين، الذين يسرقون ثروات شعوبهم، مستغلين نفوذهم ومناصبهم السياسية ومراكزهم الاقتصادية والاجتماعية، على حساب شقاء فئة عريضة من المواطنين المستحمين في الفقر والأمية والجهل والتعاسة والبؤس، تلكم هي أقصى درجات الخيانة والأنانية عندما يستولي طابور من الحكام والأغنياء في تواطئ صارخ مع الغرب على خيرات قارة برمتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق