إِذَا مَا ظَالِمٌ يَسْتَحْسِنُ الظُّلْمَ مَذْهَباً وَلَجَّ عُتُوّاً فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ
فَكِلْهُ إِ لَى صَرْفِ اللَّيَالِي فَإِنَّهَا سَتُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِماً مُتَمَرِّداً يَرَى النَّجْمَ تِيهاً تَحْتَ ظِلِّ رِكَابِهِ
فَعَمَّا قَلِيلٍ وَهُوَ فِي غَفَلاَتِهِ أَنَاخَتْ صُرُوفُ الْحَادِثاتِ بِبَابِهِ
فَأَصْبَحَ لاَ مَالٌ وَلاَ جَاهٌ يُرْتَجَى وَلاَ حَسَنَاتٌ تَلْتَقِي فِي كِتَابِهِ
وَجُوزِيَ بِالأَمْرِ الَّذِي كَانَ فَاعِلاً وَصَبَّ عَلَيْهِ اللهُ سَوْطَ عَذَابِهِ
من يتمعن في تاريخ المغرب السياسي بصفة عامة ومن خلال ما كتب المؤرخون القدامى والمحدثون من عهد اليعقوبي وابن عبدالحكم إلى عهد أبي القاسم الزياني ومحمد بن عبدالسلام الضعيفي السوسي أصلا الرباطي نشأة يتوصل إلى حكم أن الشعب في المغرب العربي الكبير لم يعرف قط حكما صالحا شبه ديمقراطي بلغة العصر، فضلا على أن يكون شوريا إسلاميا صادقا وسليما، باستثناء فترات جد قليلة تمثلت في العهد الذي كان الحكم فيه بواسطة جماعة من المغاربة يتقدمهم عبدالحميد الأَوْرَبِي زعيم قبيلة أَوْرَبَة التي احتضنت إدريس الأول في صدر الإسلام، والذين بواسطة اتفاقهم وبلا أنانية أُسْنِدَ الحكم إلى إدريس بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالكامل، أول مؤسس لدولة الأدارسة الشرفاء بالمغرب، بل وهم الذين حافظوا على كيان الدولة إلى أن بلغ إدريس الثاني الرشد.
ثم بعد زوال دولة الأدارسة وقيام دولة المرابطين عرف المغرب أمثال أبي بكر بن عمر اللمتوني أمير جماعة المرابطين بالمغرب، ثم يوسف بن تاشفين قاهر الصليبيين في معركة الزلاقة التاريخية الشهيرة، ومن بعده ولده علي بن يوسف بن تاشفين، ومن الموحدين المهدي محمد بن تومرت وعبدالمؤمن بن علي الكَومي مؤسس دولة الموحدين، إلى عهد السعديين الذين كان منهم عبدالملك السعدي الملقب بالغازي وبأبي مروان، الذي حطم سطوة البرتغال في معركة وادي المخازن التاريخية الشهيرة وهو طريح فراش المرض، وفيها توفي ليحل مكانه أخوه أحمد المنصور الذهبي باني تحفة قصر البديع إحدى عجائب الدنيا قبل تخريبه، وفي عهد العلويين وبعدما تمكنت الدولة كان المولى سليمان بن محمد بن عبدالله ثم خلفه من بعده عبدالرحمان بن هشام وولده محمد بن عبدالرحمان ثم المولى عبدالحفيظ وصنوه يوسف وولده واسطة عقد العلويين وأب المغاربة ومحقق استقلالهم الملك العظيم محمد الخامس رحمه الله.
ثم بعد زوال دولة الأدارسة وقيام دولة المرابطين عرف المغرب أمثال أبي بكر بن عمر اللمتوني أمير جماعة المرابطين بالمغرب، ثم يوسف بن تاشفين قاهر الصليبيين في معركة الزلاقة التاريخية الشهيرة، ومن بعده ولده علي بن يوسف بن تاشفين، ومن الموحدين المهدي محمد بن تومرت وعبدالمؤمن بن علي الكَومي مؤسس دولة الموحدين، إلى عهد السعديين الذين كان منهم عبدالملك السعدي الملقب بالغازي وبأبي مروان، الذي حطم سطوة البرتغال في معركة وادي المخازن التاريخية الشهيرة وهو طريح فراش المرض، وفيها توفي ليحل مكانه أخوه أحمد المنصور الذهبي باني تحفة قصر البديع إحدى عجائب الدنيا قبل تخريبه، وفي عهد العلويين وبعدما تمكنت الدولة كان المولى سليمان بن محمد بن عبدالله ثم خلفه من بعده عبدالرحمان بن هشام وولده محمد بن عبدالرحمان ثم المولى عبدالحفيظ وصنوه يوسف وولده واسطة عقد العلويين وأب المغاربة ومحقق استقلالهم الملك العظيم محمد الخامس رحمه الله.
هؤلاء حسب اجتهادي ومعرفتي بتاريخ المغرب الذي انقطعت لمعرفته والتمعن فيه من الذين ذكرت حسب اجتهاد المؤرخ وأمانته، وأما بالنسبة لأقطار المغرب الأخرى فقد كانت إلى بداية العقد الثالث من القرن العاشر تعيش متحدة من نواق الشوط (الإبل التي كانت تسير على شواطئ المحيط الأطلسي) إلى قبيلة لعبيدات شرق ليبيا، ولم تعرف التجزئة إلا حين حكمها الأتراك 925 ه-1519 م، وبلا مبالغة لم يعرف الشعب في المغرب العربي الكبير من حكامه إلا القهر والإذلال والإرهاق، وإذا لم يكن من الحاكم أعلى أو كان ضعيفا فمن حوله كانوا يجدون التأييد من أشباه الزعماء والفقهاء والعلماء ما يبرون به أعمالهم، خصوصا تلك التي يرفضها الشرع ولا يقبلها العقل، ونضرب المثل بالواقع المعاش والذي عرفته شعوب المغرب العربي الكبير في كل أقطارها باستثناء القطر الليبي منذ أن اختفى عميل الاستعمار إدريس بن المهدي السنوسي، والذي لو بقي لتحولت ليبيا التي قبل تقسيمها إلى ولاية أمريكية أو إنجليزية، لكنها بفضل ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 تحررت ليبيا، والتي قام بها رجل لم تكن له سابقة في ميدان المضاربات ولا هو من المتطلعين إلى ضخامة الأرصدة في البنوك بمختلف الدول الأوروبية، وهو معمر الكَدافي بالكاف المعطشة، الذي أدرك حقيقته جمال عبدالناصر فلقبه من أول وهلة بأمين القومية العربية، وذلك ما شغله زمنا طويلا ثم هو عمل من أجله بمختلف الوسائل، لكن القومية العربية دخلتها العلة بواسطة المسؤولين في مختلف أقطارها، الأمر الذي جعل معمر الكَدافي يهتم "باتحاد الأفارقة"، فتوجه لذلك وقد حقق بعض ما كان يقصد، لكن توجهات الاستعمار الجديد وأهدافه ثم بدافع العدو الأكثر حقدا على معمر الكَدافي وهم الإسرائيليون ناصبوه العداء، ومع ذلك فإن عمله وما يخططه لشعبه نلمس فيه الصدق والإخلاص والاقتداء بجمال عبدالناصر الذي كان أحيانا وكما عشنا في القاهرة بعضا من حياته 1952-1958، وأنه كان أحيانا يبلغ به التأثر في بعض خطبه التي كانت كلها صدق وأمانة، أنه كلما طال به الكلام حول مصر وواقع ومعاناة الشعب المصري تسيل عبراته ويختنق صوته، وهو ما لا نعرفه في معمر الكَدافي الذي هو الآخر نلاحظ من خطبه الواقعية وخلوها من العاطفة.
وإذا كان جمال عبدالناصر ورفاقه الذين مهد لهم حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين قد حقق في حياته أكبر مكرمة سياسية وهي تحرير الشعب المصري من إرهاق فاروق وصنائعه أمثال حسنين والهلالي وإبراهيم عبدالهادي وحيدر بل والإيطالي بولي واللبناني ثابت، وما كان يهدد مصر من تدخل الإنجليز وإجهاض استقلالها ماديا وقد أنجز السد العالي وحرر القنال وقام بالإصلاح الزراعي وفي المقدمة ما يملكه الخديوي 600 ألف فدان (242812 هكتار أو 2428 كلم² كان يملك دولة لوحده) أدخلها جمال عبدالناصر ضمن الإصلاح الزراعي من غير أن يكون لآل جمال عبدالناصر أي نصيب منها، والذي لو طال عمره لكانت له مكرمات أكثر، أما معمر الكَدافي هو الآخر فإنه أنجز لشعبه عملا عظيما سوف يجعله بحق ضمن قافلة الخالدين، ذلك هو النهر العظيم الذي سُمِي بالنهر الصناعي، والذي لا محالة سيغير الطبيعة والواقع على وجه الأرض وحياة الشعب الليبي المجاهد وينسيه آلام العذاب الذي عرفه من الإيطاليين والقبور الجماعية التي خلفوها زمن الأسلاك الشائكة وما يُعْرَفُ عند الليبيين ب "اشْبَرْدَكَ"، والتي كان الأحرار من رجال عمر المختار يُتركون للعذاب داخلها إلى أن يموتوا بالعشرات، حيث يدفنون في نفس المكان، وجمال عبدالناصر نعم المسلم العربي الذي وُلِدَ بغيط العنب 84 بالإسكندرية، والذي لم يملك في حياته من متاع الدنيا غير منزل بالعباسية منشية البكري، كان بكل ما فيه يمثل البساطة في أجمل مظاهرها، فيه عاش وفيه كان يستقبل الأحرار كما عرفناه، وفيه مات عظيما ولم يترك لأولاده الثلاث خالد وعبدالحميد وعبدالحكيم غيره، ومثله البيت الذي يملكه معمر الكَدافي صاحب خيمة الاستقبالات وربما دونه حسبما رأيناه يوم قَنْبَلَهُ أحط شخص يسمى 'ريغن' عُرِفَ كمضحك للناس (مهرج)، تطفل على الحكم ثم أصبح رئيسا يحكم شعبا أمريكيا تعداده مئات الملايين، دفعه الحقد والكراهية للعرب والمسلمين في شخص معمر الكَدافي أن يهاجمه في منزله بالطائرات والقنابل نيابة عن 'إسرائيل'، ثم يكتشف أنه خاب سعيه، لكنه ارتكب جريمة قتل صبية أذل الله وقتها بذنبها البيت الأبيض ومن فيه.
كان هذا كافيا للدلالة على مثالية الرجلين، فالأول حاولت دولة الدولار أن تجربه وتغريه بهدية الملايين من الدولار، يقول 'كوبلاند' في كتابه لعبة الأمم ص 169-204 لكنه استغنى عنها بكبرياء وعزة نفس وبها بُنِيَ برج القاهرة، وقد كانت كافية لبناء قصر أحسن من قصر عابدين وأجمل من قصر القبة لو كان جمال مثل آخرين، لكن تاريخ أصحاب القصور وما تتطلبه الحياة في القصور ليس هو تاريخ أصحاب المبادئ عشاق الصفات والذين يحلون بأجمل الصفات، والثاني الذي صد عن قصور الإيطاليين ثم أراد له القدر أن يتصرف في عشرات الآلاف من ملايين الدولارات، 30 مليار دولار سنويا من مداخيل النفط، فكان هدفه الصادق الذي تفرغ له بصدق هو الرفع من مستوى شعبه، وقد حقق له الكثير، فكان بحق معمر الكَدافي والذين معه بالنسبة لليبيا رُسُلَ خير قد رفعوا مستواها المعاشي، وإن كان قد ظهر فيها شخص فَعَلَ ببلاده وثروة الشعب ما فعله أمثال رفعت الأسد بسوريا، وخالد نزار بالجزائر وعبدالقادر كوجيتي الذي تبرع على جامعة أمريكية بعشرة ملايين دولار، وفَعَلَ أكثر من هؤلاء جميعا الليبي يحيى عمر الذي فعل بملايير وقود ليبيا ما فعله صنوه في المغرب الشرطي المعدم ابن حارس السجن الذي أصبح وزيرا للداخلية في المغرب ابتداء من 27/10/1977 إلى شهر نونبر 1999، ولعل ما فعله إدريس البصري الشرطي ابن حارس السجن في تاريخ المغرب وبالشعب المغربي لم يفعله أحد قط سواء في عهد الاستعمار أو في عهد الاستقلال، ويكفي أن يعرف القارئ أن أصوات الأحرار المغاربة بحت بطلب محاكمته ومحاسبته عن الملايير التي تحولت إلى الدولار والأورو والتي جُمعت من الشعب بواسطة 800 ألف مكتب أُسِّسَتْ لجمع المال في مختلف جهات المغرب، ثم أمر الولاة والعمال ورجال السلطة بالإشراف عليها، ودفع المواطنين بقوة السلطة للمساهمة بالمال ابتداء من يوم 8 يوليوز 1988، وما فعله الشرطي ابن حارس السجن وأولاده بما فيهم البنت وداد سوف يبقى مما يتناوله المؤرخون لسياسة الظلم والاستبداد على طول الدهر، بل أوسخ صفحة في تاريخ المغرب المعاصر، ومهما يكن فإن العهد الذي سيطر فيه أمثال الشرطي ابن حارس السجن عرف ظروفا كلها تزوير في الانتخابات وإذلال للمغرب والمغاربة بشكل يقرأ التاريخ والناس أن المغرب ما عرف مثلها قط، ظروف هي أوسخ ما عرف المغرب، ظروف صنعها قوم اتفقوا على إذلال الشعب بالتزوير وإجهاض مقاصد الاستقلال، ظروف عرفها القريب والبعيد صنعت طغمة من الذين عرفتهم المحاكم ثم عرفت فظائعهم وفضائحهم أمثال عبدالمغيث السليماني والعفورة، والملايير التي لم يختلسها إلا اللصوص من أولاد مراحيض البادية، بل حتى التي اعتبرت من الأسرار التي هدد بإفشائها الشرطي ابن حارس السجن، والتي دُسَّتْ في الحقائب وهُرِّبَتْ إلى ما وراء البحار لتحقق النصر للمشارك في الفضائح التي حركتها بصمات 'جون بيير توكوا' مضافة إلى فظائع وفضائح المرتزقة أمثال 'جيل بييرو' و 'إنياس دال' وغيرهم من المحترفين الذين ضاق مجال استرزاقهم في فرنسا فالتجأوا إلى أسواق السمسرة في المغرب التي انكشفت فيها فضائحهم بالكذب والبهتان الذي جعلهم سخرية الرجال والصبيان، ويكفي أن يعرف الناس الحساب الطويل الذي للمستعمرين وأبناء المستعمرين الذين منهم 'إنياس دال' مع محمد الخامس رحمه الله الذي أذل فرنسا وتاريخ فرنسا بطريقة لم تعرفها عبر تاريخها الملوث.
ونعود إلى الظروف التي دفعت أمثال هؤلاء المرتزقة من الفرنسيين الذي كان الواجب يقتضي فضحهم من خلال أعمالهم، لكن الذين كان يمكنهم ذلك لم يفعلوا ما دام هناك موسخ للمملكة وهو الجاسوس المشهور الذي تطفل على المهمة والذي سوف يقرأ المغاربة وغير المغارية فضيحته وما دفعه الجهل والتطفل إليه من سرقات مكشوفة، لم يتعرف عليها الذين همهم الشاغل هو التعرف على تلك الفضائح والسرقات التي لا يقدم عليها إلا من أراد الله به شرا وأراد به الجهل ومركب النقص أن يصبح سخرية بين الناس.
وفي الظروف التي هي أسوأ ما عرف تاريخ المغرب الأقصى والتي تزعمها عميل فرنسي تأكدت خيانته وكراهيته لمحمد الخامس رحمه الله وهو أحمد رضى كَديرة الذي لم يكن من مهاجري الأندلس، بل لا صلة له بأولاد كَديرة وإنما جاء بأصوله قريبا من صيد القراصنة في الإبحار، والذي ما تبث أن محمد الخامس رحمه الله وصف أحدا بمثل ما وصف به العميل الحقير أحمد ولد التهامي كَديرة وفاطمة بوعلو الزعرية، نتيجة فضائحه التي أهلت عددا من السفهاء الخونة وأبناء الخونة لأعلى مناصب الدولة من أجل تحقيق أهداف مكشوفة، ومنهم عمر بن مسعود طوليدانو الذي جر مجموعة من الوزراء إلى السجن بفضائحهم التي هي أقل ما عُرِفَ مما نشرته الصحافة عن الشرطي ابن حارس السجن إدريس البصري السطاتي الشاوي، الذي هو وقومه وأبوه وجده وأخوه وحموه كانوا يحارون في قوت يومهم، أصبح إدريس وعائلته يلعبون بالملايير المنتزعة من الشعب قهرا باسم بناء الجامع الذي وُضِعَ تخطيطه على الماء، وتمويله باكتتاب بدأ يوم 8 يوليوز 1988، وخُصِّصَ لجمع المال 800 ألف مكتب في عموم المغرب، حيث أمر العمال وكل رجال السلطة بدفع عامة الشعب للمساهمة، وإذا كان الإشراف على البناء فرنسي، وتسيير العمال فرنسي، فقد قيل إن شركة رخام الجنوب اشتغل عمالها 16 مليون ساعة، والمسماة وداد بنت إدريس البصري هي المديرة للشركة وأجرتها في الشهر مائة ألف درهم (عشرة ملايين سنتيم)، وربما هي لا تعرف معنى شركة الرخام ولا أين تقع، وإذا كان الجامع كما نشرت الصحف تكلف صيانته مليار سنتيم في الشهر، فما قول الشرع فيه وفي الصلاة فيه عبر التاريخ، وما عشت من زمن طويل مع تاريخ شعب المغرب العربي الكبير وغيره من الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، بل والتي ترجع الأوائل منها إلى أقدم العهود وأكثرها غورا في سابق الأيام أنه ما من أحد يجب أن يـُحَاسَبَ ويُسْأَلَ عن أعماله قبل الحاكم، إذ الحكام والوزراء المكلفون بحكم الشعوب وتدبير شؤونها، هم الذين يحاسبهم التاريخ ويهتم بأعمالهم لأنهم المسؤولون أولا في تاريخ كل شعب، وفي صحفهم يُكْتَبُ الخير والشر والتقدم والتخلف، وهذا ما عشناه وأدركناه من حياة الذين عاصرناهم من بعض الحكام الذين أُسْنِدَ لهم التسيير، فهم إن كانوا من الطغاة المغرورين الذين يلهثون وراء شهواتهم البهيمية العاجلة، فهم مُسْتَهْدَفُونَ وبتركيز قوي وعنيف لخداع المخادعين وتملق المتملقين وافتراء الكاذبين وتدليس المدلسين وتغرير المغَرِّرِينَ، الذين لا يحققون مقاصدهم السافلة من وراء الشعوب وعلى حسابها وبواسطة الحاكم الذي وصفناه، إلا بتلك الوسائل والطرق السافلة المنحطة كذلك، لكن إذا هم وُجِدُوا أمام قوي سليم ذو حصانة بالعلم والدين والخلق وحسن السلوك وسلامة التدبير باءوا بالفشل والتحقير والخزي الذميم.
فإذا كان الحاكم خائنا يتاجر في رعيته من صنف الطغاة المغرورين المشغولين بشهواتهم البهيمية العاجلة فلسوف يجر الـمُخَادِعُونَ والـمُتَمَلِّقُونَ والـمُفْتَرُونَ والـمُدَلِّسُونَ والـمُغرِّرُونَ عليه وعلى من في حكمه وتحت سلطانه الويل والتمزيق والانحطاط والانهيار، بل العذاب الأليم وسوء المصير، والذي يقرأ التاريخ ولا يستفيد منه هذه الحقائق إنما يضيع الوقت ولا يستفيد من الحياة.
المدون بتصرف عن: التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير-الجزء الأول للمؤرخ المغربي عبد الكريم الفيلالي رحمة الله عليه
هوامش:
لَجَّ: تمادى
أَنَاخَتْ: حَلَّتْ
يجتبي: يختار لنفسه