كان زهير بن أبي سلمى شاعرا مبتكرا ذا همة وذا خصال حميدة، لأنه من النفر الذين كانوا يحاسبون أنفسهم كثيرًا ليقتربوا من الخير، ويبتعدوا عن الشر، ولهذا استقام خُلُقُهُ، وباعد بينه وبين الـمُوبِقَاتِ كالخمر والميسر والأزلام، ولقد تسامت بذلك نفسه، وابتعدت عن تدني المجتمع ورذائله وزلاته.
يمتاز شعره بالحكمة والسمو المعتمدين على البساطة الشديدة والعمق الفلسفي والشمول الأوفى واللحن الجميل، وهو شاعر مبتكر للمعاني قصد الوصول إلى حلول مقنعة لمسألة الإنسان والوجود بطريقة راقية بعيدة كل البعد عن الإسفاف وفحش الكلام وساقطه، شعر زهير حَسَنُ السَّبْكِ مع خلوه من التكلف الممقوت والبديع المقصود، منسجم في موسيقاه، متناسب بين فقره وجمله، خال من الفضول اللفظي والغلو المعنوي، ومهذب بلفظه المصقول الخالي من الغريب والمتنافر، ولا غرابة في ذلك عندما ننصت لما قاله فيه ابن الأعرابي: "كان لزهير ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعرا، وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبـجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة"، وهو من أصحاب المعلقات، توفي زهير بعد عمر مديد عن مائة وثمان سنين، وذلك قبل بعثة النبي (ص) بسنة:
كَأَنَّ امْرُأً لـَمْ يَلْقَ عَيْشًا بِنَعْمَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمَرْءِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ
******
وَالإِثْمُ مِنْ شَرِّ مَا يُصَالُ بِهِ وَالْبِرُّ كَالْغَيْثِ نَبْتُهُ أَمِرُ
******
لِأَيِّ زَمَانٍ يُخْبِئُ الْمَرْءُ نَفْعَهُ غَدًا فَغَدًا وَالدَّهْرُ غَادٍ وَرَائِحُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْفَعْكَ حَيًّا فَنَفْعُهُ قَلِيلٌ إِذَا رُصَّتْ عَلَيْهِ الصَّفَائِحُ
******
ثَلاَثٌ يَعُزُّ الصَّبْرُ عِنْدَ حُلُولِهَا وَيَذْهُلُ عَنْهَا عَقْلُ كُلُّ لَِبيبِ
خُرُوجُ اضْطِرَارٍ مِنْ بِلاَدٍ يُحِبُّهَا وَفُرْقَةُ إِخْوَانٍ وَفَقْدُ حَبِيبِ
******
وَلاَ تُكْثِرْ عَلَى ذِي الضِّغْنِ عَتْباً وَلاَ ذِكْرَ التَّجَرُّمِ لِلذُّنُوبِ
وَلاَ تَسْأَلْهُ عَمَّا سَوْفَ يُبْدِي وَلاَ عَنْ عَيْبِهِ لَكَ بِالْمَغِيبِ
مَتَى تَكُ فِي صَدِيقٍ أَوْ عَدُوٍّ تُخَبِّرْكَ الْوُجُوهُ عَنِ القُلُوبِ
******
نَامَ الْخَلِيُّ فَنَـوْمُ الْعَينِ تَقْرِيرُ مِمَّا اذَّكَرْتُ وَهَمُّ النَّفْسِ مَذْكُورُ
ذَكَرْتُ سَلْمَى وَما ذِكْرِي بِرَاجِعِهَا وَدُونَهَا سَبْسَبٌ يَهْوِي بِهِ الْمُورُ
وَمَا ذكَرْتُكِ إلاَّ هِجْتِ لِي طَرَباً إِنَّ الْمُحِبَّ بِبَعْضِ الأَمْرِ مَعْذُورُ
لَيْسَ الْمُحِبّ بِمَنْ إنْ شَطٌّ غَيّرَهُ هَجْرُ الْمُحِبِّ وَفِي الْهِجْرَانِ تَغْيِيرُ
******
إِنْ يُدْرِكْكَ مَوْتٌ أَوْ مَشِيبٌ فَقَبْلَكَ مَاتَ أَقْوَامٌ وَشَابُوا
تَلَبَّثْنَا وَفَرَّطْنا رِجَالاً دُعُوا وَإذَا الأَنَامُ دُعُوا أَجَابُوا
وَإِنَّ سَبِيلَنَا لَسِبيلُ قَوْمٍ شَهِدْنَا الأَمْرَ بَعْدَهُمْ وَغَابُوا
فَلاَ تَسْأَلْ سَتَثْكَلُ كُلُّ أُمٍّ إِذَا مَا إِخْوَةٌ كَثُرُوا وَطَابُوا
******
هَلْ فِي تَذَكُّرِ أَيَّامِ الصِّبَا فَنَدُ؟ أَمْ هَلْ لِمَا فَاتَ مِنْ أَيَّامِهِ رِدَدُ
أَمْ هَلْ يُلاَمَنَّ بَاكٍ هَاجَ عَبْرَتُهُ بِالْحِجْرِ إِذْ شَفَّهُ الْوَجْدُ الَّذِي يَجِدُ
أَوْفَى عَلَى شَرَفٍ نَشْزٍ فَأَزْعَجَهُ قَلْبٌ إِلَ ى آلِ سَلْمَى تَائِقٌ كَمِدُ
مَتَى تُرَى دَارُ حَيِّ عَهْدُنَا بِهِمُ حَيْثُ الْتَقَى الْغَوْرُ مِنْ نَعْمَانَ وَالنُّجُدُ
لَهُمْ هَوىً مِنْ هَوَانَا مَا يُقَرِّبُنَا مَاتَتْ عَلَى قُرْبِهِ الأَحْشَاءُ وَالْكَبِدُ
******
أَعْلَمُ أَنِّي مَتَى مَا يَأْتِنِي قَدَرِي فَلَيْسَ يَحْبِسُهُ شُحٌّ وَلاَ شَفَقُ
بَيْنَا الفَتَى مُعْجَبٌ بِالعَيْشِ مُغْتَبِطٌ إِذَا الْفَتَى لِلْمنَايَا مُسْلَمٌ غَلِقُ
وَالْمَرْءُ وَالْمَالُ يَنْمِي ثُمَّ يُذْهِبُهُ مَرُّ الدُّهورِ وَيُفْنِيهِ فَيَنْسَحِقُ
كَالغُصْنِ بَيْنَا تَرَاهُ نَاعِماً هَدِباً إِذْ هَاجَ وَانْحَتَّ عَنْ أَفْنَانِهِ الْوَرَقُ
كَذَلِكَ الْمَرْءُ إِنْ يُنْسَأْ لَهُ أَجَلٌ يُرْكَبْ بِهِ طَبَقٌ مِ ن بَعْدِهِ طَبَقُ
قَدْ يُعْوِزُ الْحَازِمُ الْمَحْمُودُ نِيَّتَهُ بَعْدَ الثَّرَاءِ وَيُثْرِي العَاجِزُ الْحَمِقُ
فَلاَ تَخَافِي عَلَيْنَا الْفَقْرَ وَانْتَظِرِي فَضْلَ الَّذِي بِالغِنَى مِن عِنْدِهِ نَئِقُ
إِنْ يَفْنَ مَا عِنْدَنَا فاللهُ يَرْزُقُنَا وَمَنْ سِوَانَا وَلَسْنَا نَحْنُ نَرْتَزِقُ
******
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَرَى النّاسُ مَا أَرَى مِنَ الأَمْرِ أَوْ يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا
بَدَا لِي أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ فَزَادَنِي إِلَى الْحَقِّ تَقْوَى اللَّهِ مَا كَانَ بَادِيَا
بَدَا لِي أَنَّ النَّاسَ تَفْنَى نُفُوسُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَرَى الدَّهْرَ فَانِيَا
أَرَانِي إِذَا مَا بِتُّ بِتُّ عَلَى هَوىً وَأَنِّي إِذَا أَصْبَحْ تُ أَصْبَحْتُ غَادِيَا
إِلَى حُفْرَةٍ أُهْدَى إِلَيْهَا مُقِيمَةً يَحُثُّ إِلَيْهَا سَائِقٌ مِنْ وَرَائِيَا
كَأَنِّي وَقَدْ خَلَّفْتُ تِسْعِينَ حِجَّةً خَلَعْتُ بِهَا عَنْ مَنْكِبَيَّ رِدَائِيَا
بَدَا لِ ي أَنِّي عِشْتُ تِسْعِينَ حِجَّةً تِبَاعاً وَعَشْراً عِشْتُهَا وَثَمَانِيَا
بَدَا لِي أَنّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى وَلاَ سَابِقاً شَيْئاً إِذَا كَانَ جَائِيَا
أَرَانِي إِذَا مَا شِئْتُ لَاقَيْتُ آيَةً تُذَكِّرُنِي بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ نَاسِيَا
أَلاَ لاَ أَرَى عَلَى الْحَوَادِثِ بَاقِيّاً وَلاَ خَالِداً إِلاَّ الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَا
وَإِلاَّ السَّمَاءَ وَالْبِلاَدَ وَرَبَّنَا وَأَيَّامَنَا مَعْدُودَةً وَاللَّيَالِيَا
******
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ثَمانِينَ حَوْلاً لاَ أَبَا لَكَ يَسْأَمِ
وأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ وَلكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
رَأَيْتُ الْمنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأْ بِمَنْسِمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِرْهُ وَمَنْ لاَ يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ يُهَدَّمْ وَمَنْ لاَ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوّاً صَدِيقَهُ وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَمْ يُكَرَّمِ
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق