المرأة والقاضي

بمناسبة دعوة الأمم المتحدة البلدان النامية في أواخر سنة 1966 للانخراط في تنفيذ برنامجها الذي كان يهدف إلى تنمية السياحة في هذه البلدان حتى تنفتح على باقي العالم، خط الكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم في الصحيفة اليومية المسماة الحقيقة (صدرت من سنة 1966 حتى سنة 1972) مقالا تناول هذه الدعوة بطريقته وأسلوبه الفريد، كاشفا اللثام بعيون أجنبية عن بعض العيوب الراسخة في المجتمع، التي لا تبدو عيوبا إلا لمن يراقبها من الخارج،  بطريقة لا تخلو من سخرية هادفة وبناءة، تبدو صارمة وغير مألوفة لبعض المختلفين الذين كانوا ينظرون إلى هذا الكاتب الظاهرة بنوع من الريبة والحقد بل واتهامه بالخروج عن الدين والملة من بعض المتشددين المتحجرين حتى قبل أن يحل يوم الحساب، وهو الذي لم يكن ملتزما أو مرتبطا بإيديولوجية معينة أو مذهب من المذاهب، بل كان كل همه منحصرا في هموم الإنسان وقضاياه المصيرية في أي مكان من العالم، والله وحده أعلم بالسرائر.
'زوروا ليبيا..واحترقوا في الجحيم' هو عنوان المقال الذي اقتبست منه هذه الفقرات لدوافع موضوعية تجلت في أن لا يكون الاقتباس مقتصرا على حالة ليبيا وحدها بل ليشمل أحوال معظم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج لأن نقاط التشابه بين أقطاره تفوق بدرجة كبيرة أوجه الاختلاف:
مشكلة الزواج بأربع نساء التي لا يحس بها أحد بيننا، تحولت بين أيدي الخبراء إلى مهزلة إنسانية أكثر بربرية من الحرب في فيتنام وفي كوريا وبودابست والجحيم أيضا، فقد اختار أحد الأمريكان أن ينتج فيلما عن تاريخنا رغبة منه في خدمة العلم، وقرر هذا الصديق أن يصور عاداتنا في الزواج باعتبارها أكثر مظاهر ثقافتنا قدرة في التعبير عنا ووضع عنوان الفيلم "السيدة والقاضي" ليشير إلى دور الدين الإسلامي في تشويه وجه العالم الرقيق !
الفيلم مجرد حلقة مشينة من الأكاذيب والنوايا السيئة، ولكن مئات الألوف من المشاهدين الذين تزاحموا لرؤيته من ثمان وتسعين مدينة أوروبية ومئات المدن الأخرى لم يعتبروه أكذوبة وليس ثمة فرصة واحدة لإقناعهم بذلك أبدا..فأعمال الخبراء لا يمكن هدمها بالكلمات.
وحيلة الفيلم واضحة جدا، فقد حمل أحد السواح البيض ووضعه مع زوجته في إحدى المدن العربية، ثم طفق يصوره وهو يحترق فيما  كان (العرب) يطاردون زوجته في كل مكان ويحملقون في وجهها ويغمزونها بأعينهم متسللين وراءها حيثما ذهبت، محاولين إغراءها بشتى الطرق، وزوجها يتذمر غيظا عاجزا عن ردع (هؤلاء المور المتسخي الأقدام)، حتى احترقت أعصابه وقرر أن يقبل مساعدة القاضي، وكانت المفاجأة عندما هز القاضي لحيته وطلب من السائح أن يبيعه زوجته مقابل أربعين جنيها قائلا في رجاء إنه قد وقع في حبها لأنها أسمن سيدة رآها في حياته !
وباقي الفيلم متفرغ لتصوير آلام نساءنا في الحريم وعمليات الختان في حوانيت الحلاقين وفض بكارة البنات مقيدات بالسلاسل، وكي رؤوس العجائز المنهارة الأعصاب، وعمليات الزواج والطلاق التي تتم ليل نهار..وهذا بالضبط ما يحتاجه السائح الأوروبي كي ترتجف مفاصله حتى الموت بمجرد أن يذكر له أحد اسمنا، والفيلم الأخرق الذي يبدو سيئا من جميع الوجوه قد أدى مهمته كلها، وليس ثمة فرصة واحدة لإلغاء أثره من عقول المشاهدين البسطاء طوال حياتهم.
هذا ما تفعله دعايات الأعداء بسمعتنا..وهو عمل عبقري لا يمكن الاستهانة به تحت أية ظروف مزودة بأكثر النوايا الشريرة قدرة على الهدم والتشويه، وليس ثمة شك أننا مطالبون بلحظة المواجهة في أسرع وقت ممكن إذ كنا لا نريد أن نعيش منعزلين إلى الأبد، فهل يستطيع أحد إنقاذنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق