آخر الفرسان العرب: مصطفى العقاد

فقد المسلمون والعرب في شخص المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد الذي سقط شهيدا في معركة الشرف ضحية التفجيرات الإرهابية الجبانة التي استهدفت فندق 'غراند حياة' في العاصمة الأردنية عمان في الحادي عشر من نونبر سنة 2005 سفيرهم الأول والمدافع الصلب الذي لا يستسلم ولا يلين في الدود عن قضيتهم بالصوت و الصورة في المجتمعات الغربية، بحيث كانت الأفلام التي أنتجها وأخرجها هي الوحيدة، بعد إخفاق جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في ذلك، التي أحدثت تغييرا نحو التحسن في وجهة النظر السلبية لرجل الشارع في الغرب تجاه العرب والمسلمين، حينما كانت الصورة النمطية السائدة التي وضفتها سينما هوليود بخبث ومكر ودهاء منذ منتصف القرن العشرين هي تلك التي تُضفي على الإنسان العربي والمسلم صورة الأمير الثري المغرم بالحريم والبعير أو صورة الجبان والكذاب والنصاب واللص والقاتل والإرهابي.
فهذا الرجل العصامي المنحدر من أسرة فقيرة من مدينة حلب بسورية بانتقاله لدراسة السينما في أمريكا نقل معه أصول الثقافة العربية والتربية الإسلامية التي نشأ عليها، فانصهرت في أعماق وجدانه قيم الشرق العربي جنبا إلى جنب مع أدوات الإبداع والإنتاج الغربي، وفهم جيدا العقلية الغربية وخاصة منها الأمريكية فأحسن مخاطبتها بالطرق الملائمة والوسائل الفعالة، وعلى الرغم من كل العراقيل والصعاب الكثيرة التي تحملها لمجرد كونه يحمل اسم مصطفى، تابع عمله بتحد وإصرار في غياب أي دعم أو مساندة من أحد، واستطاع أن يفرض فرضا اسم مصطفى على الجميع في هوليود وخارجها، وتوج مسيرته بتقديمه للعرب والمسلمين والعالم أجمع خلاصة تعبه وتصميمه وتضحيته في فيلمه الرائع ’’الرسالة’’ الذي أبدع في رسم الصورة المشرقة للحضارة العربية الإسلامية وما قدمته للإنسانية من تعاليم وقيم سامية عندما كان الغرب يغط في ظلمات الجهل والهمجية، وأردفه بفيلم ’’عمر المختار’’ الذي لا يقل روعة، أعطى من خلاله صورة واضحة للشجاعة والنبل والثبات على المبدأ التي يتحلى بها المسلم دحضا لما كانت تروج له استوديوهات هوليود العنصرية.
وعلى ذكر فيلم الرسالة لا يفوتني هنا أن أشير إلى الواقعة التي كادت أن تعصف بهذا الفيلم لولا صلابة وقوة شخصية المرحوم مصطفى العقاد وإصراره على تبليغ رسالته، ففي عز تصوير لقطات فيلم الرسالة بالمغرب استيقظت فجأة المملكة العربية السعودية وأعلنت بأن هذا الفيلم غير لائق ويسيئ للإسلام وهددت بعدم مشاركتها في مؤتمر القمة الإسلامي الذي كان سينعقد آنذاك بالمغرب إن لم يتم إيقاف تصوير الفيلم، مما أحرج المغرب كثيرا واضطر المرحوم الحسن الثاني تحت الضغوط الكبيرة والغير مبررة التي مورست عليه أن يطلب غير راض وغير مقتنع من المرحوم مصطفى العقاد بالإسراع في تصوير اللقطات التي تحتاج للديكورات الموضوعة مسبقا ثم إيقاف التصوير، واستطاع بعد ذلك المرحوم مصطفى العقاد أن يُكمل تصوير باقي فيلم الرسالة بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى بعد قبول وترحيب المرحوم معمر القذافي بذلك.
 وكان الراحل يتمنى تنفيذ فيلم صلاح الدين الأيوبي الذي يحتاج إنتاجه إلى ما يناهز ثمانين مليون دولار، ودق جميع الأبواب من أجل إيجاد ممول له طيلة عشرين سنة ولكنه لم يتمكن من ذلك لأن العربان اتفقوا هذه المرة على أن يتفقوا كي يساوموا هذا الرجل النظيف عن مقابل يحسن من صورتهم المهزوزة، وهو الرجل الحر ذو الفكر الحر الذي لم يرض أبدا أن يبيع نفسه وشرفه وعزه مقابل حفنة من الدولارات الملوثة، وتشاء الأقدار أن يتوفى الأجل المحتوم آخر الفرسان العرب كما سماه الممثل الكوميدي والمخرج السوري الكبير دريد لحام، وكان حين ذاك رفقة ابنته عندما طالتهما أيادي الغدر العربية الإرهابية الهمجية في بهو فندق دولة عربية دون أن يحقق ذلك المشروع الضخم الذي كان يتوخى من وراء إنجازه إثبات عُروبة القدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق