وقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

وقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
من المفارقات الصارخة أننا نحن معشر البشر لا ندرك تماما كنه الأشياء ولا كيف تعمل، ومع ذلك تجد لدى الكثير من الناس ألسنة طويلة ثرثارة ومتبجحة بالرغم من كونها لم تؤت من العلم إلا الفتات، ولقد صدق أحد العلماء، الذين يعرفون حق قدرهم ويخشون الله ويدركون جيدا مدى ضعف البشر، لما شبه تاريخ الكرة الأرضية بيوم من أربعة وعشرين ساعة لم يكن للبشرية فيه وجود إلا في الثانيتين الأخيرتين، يا لروعة وعمق التعبير، وتبعا لذلك من الأفضل والأعز أن يعيش المرء يوما واحدا كأسد من أن يعمر لألف سنة كجرذ.
ومن بين الذين يعشقون أن يعمروا لألف سنة طلعت علينا حفنة من الصحفيين الصفر المنتمين لجريدة الدستور المصرية المساندة لجنرالات الانقلاب على صناديق الاقتراع بخبر غريب ملغم ومشبوه مفاده أن المغرب سوف يتعرض ابتداء من 26 ديسمبر 2013 لأكبر عاصفة بحرية في العالم ستمحو من الخارطة جل المدن الساحلية المغربية، تاركة وراءها خسائر بشرية تقدر ب 10 ملايين ضحية وخسائر مادية ب9 ملايين درهم، انتهى خبر أو بالأحرى إشاعة جريدة الدستور المصرية الصفراء، ومن قراءة هذه الإشاعة المغرضة الحاقدة تكونت لدي الاستنتاجات التالية:
أولا أن كاتب هذه الخزعبلات هو إما إنه إنسان جاهل مع أنه يكتب ويقرأ وليس بأمي، لأن الكثير من الأميين لديهم نظر ثاقب ومنطق صائب، وإما أنه 'كاري حنكو' أي أنه يكتب ما يُملى عليه مقابل أجر زهيد من أجل ضرب الإقبال السياحي والاستقرار السياسي والنهضة القائمة على قدم وساق التي يشهدها المغرب عل جميع الأصعدة في كل فج عميق من قراه ومدنه وجباله وسهوله وهضابه بالرغم من إمكانياته المالية المحدودة، مقابل الفوضى العارمة والفشل الذريع والاقتتال على السلطة الذي تستحم في مستنقعه معظم الدول العربية.
ثانيا في طريقة كتابتها الركيكة المفتقدة لكل مصداقية لعدم استنادها على معطيات ومراجع علمية دقيقة ومنطق رصين، وخلطها بطريقة تدعو للتهكم والسخرية بين أمرين جوهرين مختلفين هما الغلاف الجوي وما يكتنفه من أمطار وعواصف من جهة وطبيعة التكوين التكتوني والجيولوجي لقشرة الأرض وما يكتنفه هو الآخر من زلازل وبراكين وتصدعات وانهيارات أرضية من جهة أخرى.
ثالثا أن كاتب هذه الإشاعة حدد موعد هذه الكارثة في يوم 26 دجنبر 2013 الذي يصادف احتفالات رأس السنة الميلادية !!، وزاد الطين بلة عندما استطاع أيضا بعلمه الذي جاب كل الآفاق أن يقدر حتى عدد القتلى في 10 ملايين والخسائر المالية في 9 ملايين درهم، وهو يجهل جهلا مطلقا لا شفاء له منه أن ليس هنالك من أصل سبعة ملايير ومائة مليون نسمة على كوكب الأرض شخص واحد باستطاعته أن يحدد بدقة تاريخ حدوث ولو زلزال واحد، ويبدو أن صاحبنا  زيادة على جهله المطبق كان كسولا جدا في مادة الرياضيات، لأن الخسائر المالية التي حددها في 9 ملايين درهم لا تكفي حتى لبناء حي في مدينة من المدن الصغرى المغربية.
رابعا إن الأعاصير التي هي عبارة عن عواصف عنيفة دوارة هائلة تدور حول مساحة من الضغط الجوي المنخفض و لاتقل سرعتها عن 120كلم/ الساعة هي في الأصل عواصف استوائية عاتية شديدة، وهي مظهر عادي وروتيني من مظاهر مناخ الكرة الأرضية يتكرر باستمرار منذ آلاف السنين، وتكمن أهمية هذه الأعاصير في نقلها للحرارة والطاقة من المنطفة الاستوائية إلى المناطق الباردة باتجاه القطبين الشمالي والجنوبي، وتنشأ جنوبي المحيط الأطلنطي وبحر الكاريبي وخليج المكسيك وشرق المحيط الباسفيكي، وتضرب بشكل خاص مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية وبعض مناطق  الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما تصل إلى اليابسة تتسبب في أمطار غزيرة وفيضانات تغمر مساحات شاسعة من اليابسة، وتنجم عن رياحها القوية أمواج ساحلية تجرف الأشجار والمباني والسيارات وكل ما يعترض طريقها.
خامسا أن ما اعتبره هو أكبر عاصفة بحرية في العالم كان يقصد به تسونامي، ولعدم درايته وإلمامه حتى بالمصطلحات التي كتب بها إشاعته وقع لديه خلط بين معنى العاصفة البحرية ومعنى التسونامي، فالعاصفة البحرية المحملة حتى بأمطار طوفانية تكون عادة مرتبطة بالغلاف الجوي وأحوال الطقس ويكون خطرها أكبر وسط البحر أو المحيط أما أضرارها على الشواطئ فغالبا ما تكون متمركزة في شريط جد محدود من البنيات الساحلية التي تكون في مستوى منخفض، أما تسونامي فيكون في 80 من الحالات ناتج عن إزاحة كتلة هائلة من المياه بطاقة هائلة نتيجة انهيار كتلة ضخمة من الصخور والأتربة في بحيرة أو بحر أو محيط  إثر زلزال ضخم أو انهيار بركاني فيها، ويمكن لذلك أن يُحدث أمواجا عاتية بعلو يتراوح  ما بين 5 حتى 40 مترا بالنسبة للتسونامي العادي، أما التسونامي الضخم أو ميغاتسونامي فيمكن أن تصل أمواجه لعلو خيالي يصل حتى 600 متر، ويخترق اليابسة على مسافات تقدر بعشرات الكيلومترات كي يتركها أثرا بعد عين خالية على عروشها.
لقد كان معظم الناس يجهلون مصطلح تسونامي إلى غاية سنة 2004 عندما ضربت موجة عملاقة بعلو 15 مترا كل الشريط  لدول أندونيسيا، ماليزيا، التايلاند، الهند وسيرلانكا على إثر زلزال قوي بقوة 9.1 إلى 9.3 درجات على سلم ريختر، فدمرت كل شيء في طريقها وأدت إلى مقتل مائتين وعشرين  ألف شخص في أكبر الكوارث الطبيعية في العصر الحديث، وكلمة تسونامي هو مصطلح أصله ياباني معناه موجة مينائية، لأنه في المياه العميقة التي تفوق 4000 متر يكون مداه غير محسوس، لكنه سرعان ما يظهر على شكل حائط مائي هائل في المياه الضحلة عند اقترابه من السواحل ليهلك الحرث والنسل ويدمر كل حياة وبناء مقام عليها.
إن المد الضخم أو الميغاتسونامي مختلف تمام الاختلاف عن المد العادي أو تسونامي سواء تعلق الأمر بالسبب أو تجليات الظاهرة، فالتسونامي العادي ينجم عن تحركات القشرة الأرضية ويحدث أمواجا مدية لا يتجاوز ارتفاعها بالقرب من السواحل 40 مترا، أما الميغاتسونامي فعادة ما يكون نتيجة انهيارات أرضية ضخمة في مياه البحيرات والبحار والمحيطات، الشيء الذي يتولد عنه حدوث أمواج مدية عاتية تسير بسرعة مابين 700 حتى 1000 كلم/ساعة وبارتفاع يبلغ مئات الأمتار بالقرب من السواحل وذلك حسب كتلة المياه الـمُزاحة والطاقة المخزنة فيها نتيجة الانهيار الأرضي.
فلو عدنا إلى التاريخ القديم نجد أن انقراض الديناصورات منذ 65 مليون سنة حسب العديد من الأبحاث والدراسات، كان بسبب سقوط مذنب على كوكب الأرض بقطر عشر كيلومترات بالمكسيك، ورافقه حدوث ميغاتسونامي بأمواج عاتية تراوحت ما بين 500 و3000 متر.
أما لو عدنا إلى 258 سنة خلت وبالضبط إلى سنة 1755، وهو تاريخ معروف لدى علماء الجيولوجيا والزلازل والبراكين ومنه كانت انطلاقة علم الزلازل، لراعنا حدث زلزال لشبونة الكبير الذي محا 85 من المدينة المنكوبة عن بكرة أبيها، قدر العلماء قوته ما بين 8.5 و 8.7 درجة على سلم ريختر، وتم الشعور بالهزة الأرضية في كل أرجاء القارة الأوروبية، وكانت بؤرته على مايبدو بالمحيط الأطلسي على بعد حوالي 200 كلم بين الغرب والجنوب الغربي ل'رأس سانت فنسنت'، وقد أحدث هذا الزلزال أمواج تسونامي بارتفاع يتراوح ما بين 5 و20 مترا جابت جميع سواحل البرتغال والأندلس والمغرب، واضطربت الأرقام بخصوص عدد الوفيات إثر الزلزال القوي المدمر والتسونامي المرافق له وتراوحت ما بين خمسين ألفا ومائة ألف قتيل، منهم عشرة آلاف قتيل خاصة بمدن فاس، مكناس، مراكش وجل المدن الساحلية المغربية.
أما في سنة 1958 فقد حدث زلزال مدمر بقوة 8.5 درجات على سلم ريختر، وكانت ثورته على بعد عشرات الكيلومترات من خليج ليتويا بولاية ألاسكا الأمريكية على ساحل المحيط الهادي، نتج على إثره انهيار أرضي ضخم أدى إلى حدوث أمواج مدية هائلة بلغت من الارتفاع حوالي 520 مترا، ولحسن الحظ أن المنطقة لم تكن مأهولة بالسكان وحالت أيضا تضارسها الجبلية دون امتداد هذا المد المدمر إلى المحيط الهادي، وإلا لكانت تلك أكبر كارثة في العصر الحديث، ولم يؤد الحادث سوى إلى تدمير الطبيعة وقتل عدد محدود من صيادي القوارب.
وفي إيطاليا أدى حادث انهيار أرضي سنة 1963 إلى تدفق ما يناهز 260 مليون متر مكعب من الصخور في حقينة سد 'فاجون' إلى فاجعة، وكان ذلك نتيجة خطأ قاتل في التقدير في حسابات المهندسين المسؤولين المكلفين بمراقبة وتتبع حالة الانهيار الأرضي عن كثب، حيث أن كل حساباتهم التي كانت أنذاك تتم بدون حواسب تُشير على أن الإنهيار سوف يُحدث موجة مد أو تسونامي لا يتجاوز  ارتفاعها 20 مترا، وتبعا لذلك يمكن احتوائها في حقينة السد العليا الفارغة التي كانت تصل إلى 25 مترا، لكن  وقع ما لم يكن في حسبان المهندسين وحدث تسونامي أكبر 10 مرات مما كان متوقعا، مما تولد عنه ميغاتسونامي بأمواج بلغ ارتفاعها 200 متر مرت فوق جدار السد الذي بقي سالما، فانقضت على مدينة 'لونجارون' في سافلته ودمرتها تدميرا وقتلت من سكانها 2000 شخص، وأمام هذه الفاجعة قام أحد المسؤولين المباشرين عن تتبع حالة السد بالانتحار، وتم الحكم على المهندس رئيس المشروع بخمس سنوات سجنا، وتم إخلاء حالة باقي السؤولين التقنيين والسياسيين  عن المشروع لعدم ثبوت أدلة كافية لإدانتهم.
وفي سنة 2011 ضرب زلزال عنيف بقوة 9 درجات على سلم ريختر السواحل الشمالية الشرقية لليابان في المحيط الهادي، وقد تم تحديد بؤرته على بعد 300 كلم شمال طوكيو، وشعر به سكان مدينة بكين الصينية التي تقع على بعد 2500 كلم إلى الغرب، وتبع هذا الزلزال العنيف الذي لم تشهد له اليابان مثيلا في تاريخها الحديث موجة مد أو تسونامي بلغ ارتفاعها ما بين 20 و 30 مترا، اخترقت اليابسة إلى عمق 10 كيلومترات محدثة خرابا واسعا على طول 600 كلم من السواحل، ومدمرة بشكل جزئي أو كلي العديد من المدن والموانئ بما في ذلك المحطة النووية فوكوشيما التي كادت أن تخرج عن السيطرة وتتحول إلى كارثة نووية عالمية مميتة، وتسبب هذا التسونامي في 15880 قتيل و 2694 مفقود و 315000 شخص بدون مأوى، وقد رصدت الحكومة اليابانية مبلغ 150 مليار أورو لإعادة إعمار المناطق المدمرة والمتضررة.
أما المرجع الوحيد المتوفر حاليا حول نظرية ميغاتسونامي جزيرة لاس بالماس بجزر الكناري الواقعة بالمحيط الأطلسي فهو برنامج من إنتاج قناة البي بي سي يعود إلى سنة  2000 إضافة إلى بعض الكتابات المتفرقة والقليلة في الصحافة الأمريكية، حيث يعتقد أصحاب هذه النظرية من المنظرين الإنجليز الغير الدقيقين في تحرياتهم رفقة حفنة من صحافيي الإثارة أنه من المحتمل حدوث ميغاتسونامي بالجزر البركانية 'لاريونيون' الواقعة في الجنوب الغربي من المحيط الهندي و'هاواي' أكبر جزر أرخبيل هاواي بالمحيط الهادي، لأن بنيتهما الجيولوجية غير مستقرة  وتتوالى عليهما انفجارات بركانية متعاقبة، غير أن هؤلاء يتفقون على أن المرشح الأكثر احتمالا لحدوث ميغاتسونامي هي جزيرة 'لاس بالماس' الواقعة بجزر الكناري بالمحيط الأطلسي، ويعتقدون بأن الثوران البركاني القادم والذي من المستحيل التنبؤ بوقت حلوله، سوف يؤدي حسب العديد من نماذج المحاكاة إلى انجراف النصف الغربي من الجزيرة وتدفق ما بين 200 إلى 500 مليون متر مكعب من الصخور في مياه المحيط الأطلسي دفعة واحدة حسب النموذج الأكثر تشاؤما، لكن ما ليس معروفا لحد الآن حسب رأيهم هو كم عدد الثورات البركانية اللازمة لإحداث هذا الانهيار وما هو تاريخ حلولها، هل خلال شهر أو سنة أو عشر سنوات أو مائة سنة أو أكثر من ذلك، غير أن هذا الانهيار المحتمل في حال حدوثه سوف تتولد عنه كما يدعون أمواج عاتية سيبلغ ارتفاعها حسب نماذج المحاكاة ما بين 400 حتى 650 متر عند المركز بجزيرة لاس بالماس نظرا لضخامة كمية المياه الْمُزاحة، التي سوف تجتاز المحيط الأطلسي بسرعة 720 كلم/ساعة لتضرب سواحل الأمريكتين الجنوبية والشمالية في ظرف زمني يتراوح ما بين 7 و 9 ساعات بأمواج يتراوح علوها ما بين 40 و 50 مترا، بعد أن تكون ضربت السواحل الغربية لأفريقيا بأمواج يتراوح علوها ما بين 60 و 100 مترا، وسواحل الجزيرة الإبيرية بأمواج يتراوح علوها ما بين 40 و 60 مترا، وسواحل فرنسا والمملكة المتحدة وإيسلندا بأمواج يتراوح علوها ما بين 10 و 20 مترا.
إن المغرب كما هو الشأن بالنسبة لجميع دول العالم ليس بمنأى عن الكوارث الطبيعية بما في ذلك مصر نفسها وجميع دول العالم، لسبب جد بديهي يتجلى أولا في التهديد الخطير لملايين النيازك والكويكبات والصخور التي تدور في مدارات ليس من المستبعد من أن يتقاطع مدارها مع مدار الأرض وتهدد كوكب الأرض برمته وليس دولة بعينها، ثانيا في كون قشرة كوكب الأرض التي تطأها أقدامنا ونظنها ثابتة ليست كذلك البتة، لأنها عبارة عن صفائح متحركة بصفة دائمة ومن تحتها يغلي الكوكب كالمرجل بحممه المنصهرة التي لا تنتظر سوى الساعة الموعودة لإعلان الثوران، ثالثا لعدم استقرار الطقس على نمط روتيني واحد على كوكب الأرض، وللتذكير يتم تسجيل ما بين 500 ألف ومليون هزة أرضية في كل بقاع الأرض سنويا بدون استثناء ولو دولة واحدة، ولا يشعر البشر سوى بمائة ألف  منها،  و1000 منها فقط بإمكانها إحداث أضرار مادية وبشرية.
ومن يظن أن بلاده في منأى عن الكوارث الطبيعية من سائر البلدان فهو إما أخرق أو جاهل تماما بطبيعة الكوكب الذي يعيش عليه، لأن احتمال بنسبة صفر في المائة فيما يخص الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير وجفاف وانهيارات أرضية وحرائق غابات إلى غير ذلك لا وجود له بتاتا على كوكب الأرض.