صاحب الذوق السليم: مزاجه مستقيم، يتخذ التواضع سنة والعطاء من غير منة، والعفو عند المقدرة والتغفل عن الْمَعْيَرة، لا يزدري فقير ولا يتعاظم بأمير، لا ينهر سائل ولا هو عما لا يعنيه سائل، كريم طروب قليل العيوب، كثير المزاح جميع خصائله ملاح، صاحب الأصحاب حبيب الأحباب، ليس بكذاب ولا مُغتاب ونطقه صواب، عفيف شريف كيس لطيف ليس بكثيف، مليح الصفات ليس بقتات، يواسيك ويسليك ويتوجع إليك، يعظك ويتحفك بعلمه وماله ولا يحوجك إلى سؤاله، ينظر إلى المضطر بعين الفراسة ويواسيه بكياسة، رجل همام والسلام.
المسلوب الذوق الأحمق: عقله ممزق وعيناه تتبحلق يعيط ويبقبق، لا يهتدي لصواب ولا يتأمل رد جواب، إذا مدحته ازدراك وإن تركته عاداك وهجاك، ما لعلته دواء والخير والشر عنده سواء، لو فرشت خدك بالأرض ظن أن ذلك عليك فرض، إذا لبس الشيء الجديد يظن الناس كلهم له عبيد، في نفسه غلطان ويظن أنه سلطان، فهو من أنكاد الدهر والخلق جميعا منه في قهر، رجل مطلاق سيء الأخلاق.
النذل من الرجال: قليل الوفاء مصفوع القفا، قليل الغَيْرة مع كل خيل مُغِيرة، قليل الأدب كثير الضحك بلا عجب، كثير النوم قليل الهمة بين القوم، لا يقضي حاجة كثير اللجاجة، يأكل الكد الكثير ولا يرى لذلك تأثير، لو خُرِّبَتْ الشام وسائر الثغور تراه من غير فكر في البجاقات يدور، يغوي الخصال القباح ويترك الخصال الملاح، كثير العيوب وهو من الذوق مسلوب، رحم الله من تأمل هذه الخصال وجعل بينه وبينها انفصال.
صاحب الذوق السليم من القضاة: لا يقبل الرشوة ويترفق من الدعوة، لا يسعى في وظيفة ويتأمل ما كان عليه أبو حنيفة، ينظر في حال المسكين ويحصل له عليه من المشقة كمن ذُبح بغير سكين، رَضِيُّ الخلق سَيُّوس ضاحك غير عبوس، يساوي بين الخصمين وينظر في حقيقة الدّيْن، لا يميز صاحب ألف دينار على من يملك قنشار، ويعلم أن قاض في الجنة وقاضيين في النار، لا يُراعي في الحكم جار ويخشى أن يُحرق بالنار، له معان وبيان وفقه وتصريف بإمكان، فهو خير إنسان نطقه سعيد وخيـره يزيد، وقد أقامه الله تعالى لمصالح العبيد، فهو خائف من الله متوكل على الله لا يحكم إلا بحكم الله، لا يقبل شهادة الزور ولو كان على وزن الخردلة في كل الأمور، فرحم الله من تأمل هذه الخصال وجعل بينه وبينها اتصال.
مسلوب الذوق من القضاة: لا فقه ولا معان ولا بيان ألكن اللسان، لا يسوي بين الخصمين ويقبل الرشوة ولو كانت فلسين، لا يرافق العلماء ويزدري الفقراء، يقبل شهادة الزور ولا ينظر في عواقب الأمور، كأنه لا يرى التنقل من القصور إلى القبور فهو رجل مغرور أو مسحور، فلا يُفيق من الغفلة وهو أضعف من نملة، ليس هو أهل الوظيفة ولا يتأمل ما قال أبو حنيفة، فرحم الله من اتبع النعمان وأعرض عن القضاة في هذا الزمان.
المدون بتصرف عن صفة صاحب الذوق السليم ومسلوب الذوق اللئيم لجلال الدين السيوطي