كان الحجاج بن يوسف الثقفي جبارا متعطشا لسفك دماء علماء المسلمين، ومن هؤلاء العلماء الإمام الزاهد سعيد بن جبير، ففي يوم من الأيام أُوقف سعيد بن جبير وهو في قيوده وأصفاده أمام المتجبر الطاغية الحجاج الذي سأله: ما اسمك ؟ وكان يعرفه حق المعرفة، ولكنه أراد بالسؤال إذلاله كما هي عادة الطواغيت.
فقال سعيد: سعيد بن جبير،
فقال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير،
قال سعيد: أمي أعلم باسمي منك،
فقال سعيد: تعني محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه،
قال الحجاج: نعم،
فقال سعيد: خير من جاء من البشر وخير من مضى، حمل الرسالة وأدى الأمانة ونصح لله وكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم ،
فقال الحجاج: فما تقول في أبي بكر ؟،
فقال سعيد: هو الخليفة الصديق عاش حميدا ومضى حميدا ولم يغير ولم يبدل،
فقال الحجاج: فما تقول في عمر؟
قال سعيد: هو الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل ولقد مضى على منهاج صاحبيه، فعاش حميدا ومات شهيدا،
فقال الحجاج: فما تقول في عثمان ؟ ،
فقال سعيد: هو الـمُجَهِّز لجيش العُسرة الحافر بئر رومة المشتري لنفسه بيتا في الجنة، صهر رسول الله (ص) على ابنتيه، ولقد زوجه النبي (ص) بوحي من السماء عاش حميدا وقُتل مظلوما.
قال الحجاج: فما تقول في علي ؟،
فقال سعيد: ابن عم رسول الله (ص)، وأول من أسلم من الفتيان، وهو زوج فاطمة عليها السلام البتول وأبو الحسن والحسين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنة.
ثم سأله الحجاج، وها هنا بدأ بأسئلة محرجة،
قال الحجاج: أي الخلفاء من بني أمية أعجب لك ؟،
فقال سعيد: أرضاهم لخالقهم،
فقال الحجاج: أيهم أرضى للخالق؟،
قال سعيد: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم،
قال الحجاج: فما تقول في ؟،
فقال سعيد : أنت أعلم بنفسك،
قال الحجاج: بل أريد علمك أنت،
فقال سعيد: إذن يسوءك ولا يسرك،
قال الحجاج: لا بد أن أسمع منك،
فقال سعيد: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى تُقْدِم على أمور تريد بها الهيبة وهي تُوقعك في التهلكة وقد تدفعك إلى النار دفعا.
فقال الحجاج وقد بلغ الغيظ والغضب أقصاه: أما والله لأقتلنك،
فقال سعيد: إذن تُفسد علي دنياي وأُفسد عليك آخرتك،
قال الحجاج : اختر لنفسك أي قتلة شئت؟،
فقال سعيد: بل اخترها أنت يا حجاج فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة،
وهنا حاول الحجاج استنزال سعيد، فقال: أتريد أن أعفو عنك؟،
فقال سعيد: إن العفو من عند الله تعالى، أما أنت فلا براءة لك ولا عذر،
فما ملك الحجاج إلا أن نادى بالسيف فتبسم سعيد رحمه الله.
فلما رآه الحجاج قال: وما تبسمك؟،
فقال سعيد: تبسمت من جرأتك على الله وحلم الله عليك،
فصرخ الحجاج بجلاده، وقال: اقتله يا غلام،
فلما وجهه إلى القبلة قال سعيد:" وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين" الأنعام: ٧٩،
فنادى الحجاج على غلامه وقال أديروه إلى غير القبلة،
فقال سعيد:" فأينما تولوا فثم وجه الله" البقرة: ١١٥،
فاغتاظ الحجاج وصرخ قائلا:" كبوه على وجهه"،
فقال سعيد:" منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" طه: ٥٥،
فقال الحجاج: "اذبحوا عدو الله فما رأيت رجلا أدعى منه لآيات القرآن"،
وهنا رفع سعيد يده بالدعاء وقال:" اللهم لا تسلطه على أحد من بعدي، فحملت ملائكة الرحمن دعوة سعيد إلى أعلى عليين إلى رب العالمين، فما مضت غير أيام قلائل حتى وقع الحجاج فريسة للمرض، واشتد عليه مرضه وكان يغفو ويفيق ويقول : "سعيد بن جبير آخذ بخناقي"، ثم يبكي وينتحب ويقول: "ما لي ولسعيد بن جبير.. ما لي ولسعيد بن جبير"، حتى مات.....وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ قُتِلَ بِهِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق