أبو العتاهية شاعر الحكمة الواعظ الزاهد

أبو العتاهية شاعر الحكمة الواعظ الزاهد
هو أبو إسماعيل بن القاسم بن سويد ولد سنة 130 ه (747 م) بعين التمر وهي قرية صغيرة بالقرب من الأنبار، ونشأ في الكوفة، وينتسب آباؤه لقبيلة عنزة البدوية، وكان أبوه القاسم حجاما، وكان له ولأخيه زيد دكان صغير لبيع الفخار بالكوفة، ويقال إن الناس الذين كانوا يترددون عليه كانوا يكتبون الأشعار على كسر الخزف.
 كان أبو العتاهية أطبع أهل زمانه شعرا، وأكثرهم قولا حكيما، وأسهلهم لفظا، وأسرعهم بديهة وارتجالا، شعره كالماء الرقراق الصافي الجاري في سهولة ألفاظه ورقتها، ولطافة سبكه، ليس بركيك ولا واهٍ، وهو أول من فتح للشعراء باب الوعظ والتزهيد في الدنيا والنهي عن الاغترار بها، قال الشعر في صباه حتى امتزج بدمه ولحمه.
لما داع صيته كشاعر رحل أبو العتاهية إلى بغداد صحبه المغني إبراهيم الموصلي، إلا أنه لم يستطع بادئ الأمر التبريز في الشعر، فاضطر إلى الاعتكاف بالحيرة المتواضعة فترة من الزمن، وبقي هناك حتى وصلت شهرته إلى مسامع الحاكم العباسي المهدي الذي استدعاه إلى بغداد، غير أن أبا العتاهية لم يستمتع طويلا بحظوة المهدي لأنه لم يكن فطنا، لإقدامه على وصف جارية للمهدي تُدعى عتبة فى أشعاره، مما أثار غضب المهدي كثيرا فأمر بسجنه، ولكنه سرعان ما أطلق سراحه واتصل وده ثانية به، وأصبحت له مكانة رفيعة عنده وعند من جاء من بعده من حكام العباسيين.
ولما كان أبو العتاهية يطوي بين جوانحه منذ حداثته نزعة قوية إلى التقشف، فقد مج حياة العبث بالبلاط العباسي، وما إن تولى هارون الرشيد الحكم، حتى هم أبو العتاهية أن يهجر الشعر، ولكن هارون الرشيد استبد به وأجبره على التخلي عن هذا الرأي بالزج به فى السجن، وتختلف الروايات فى عام وفاته، وتذكر الرواية التى تعزى إلى إبنه محمد أنه توفي عام 210 هـ (825 م)، وتذكر روايات أخرى أنه توفى عام 211 هـ (826 م) أو عام 213 هـ (828 م).
يعتبر أبو العتاهية أبرز الشعراء الذين استخدموا الشعر التعليمي في الموعظة والحكمة، فقد كانت له عدة قصائد تعليمية أسهم بها في ميدان نقل العلم والمعرفة، وكانت هذه الأمثال تأتي بحكم أخلاقية وأمثال سائرة سجّل فيها خلاصة تجاربه وآرائه في الحياة مصوغة صياغة مضغوطة مركزة في أخصر عبارة، بحيث تبدو في صورة الأمثال السائرة- كما هو واضح من إسمها- فتخف على الألسنة، وتعلق بالذاكرة، فيسهل تداولها، ويسرع في الذهن استدعاؤها واستحضارها، ومن هنا يحتسبها من يحتسبها في الشعر التعليمي، ويضعها من يضعها في أدب الحكمة.
ويرجع الفضل لكل من أبي العتاهية وأبي نواس وبشار بن برد في إحداث ثورة غير مسبوقة في الشعر العربي، قضوا فيها على طريقته القديمة التي مضت في عصر بني مروان على جاهليتها العربية، لا تفكر في تجديد، ولا تنظر إلى ما حدث في العرب من أحداث دينية وسياسية واجتماعية، خلقت منهم أمة جديدة، وشعبا يتألف من أجناس مختلفة، وله نظر جديد في الأدب يخالف نظر أولئك العرب الخلص، وذوق أرقى من ذوقهم في الشعر والنثر، وقد بدأت هذه الثورة لينة هادئة في شعر بشار بن برد، شديدة لا تبلغ درجة العنف في شعر الحسن بن هانئ (أبي نواس)، وانتهت بثورة شديدة عنيفة في شعر إسماعيل بن القاسم (أبي العتاهية)، ويمكن اعتبار أبي العتاهية أول شاعر فلسفي فى الأدب العربى انفرد بالحرية في معالجة القوالب الشعرية إلى أبعد الحدود.
وقد اشتهر بلقب أبي العتاهية-وليست هذه  كنيته- فكنيته هي أبو إسحاق كما سبق، وعتاهية كلمة تدل على معان كثيرة، يقول ابن منظور في لسان العرب:"عَتَهَ في العلم أي أُولِعَ به وحرص عليه، والعتاهة مصدر عَتَهَ مثل الرفاهة والرفاهية، والعَتَاهِيَّةُ ضلال الناس من التجنن والدهش، والتَّعَتُّهُ هو المبالغة في الملبس والمأكل، ورجل عَتَاهِيَّةٌ أي أحمق، ويُحكى أيضا أنه كان لأبي العتاهية ولد يُقال له عتاهية، وقيل لو كان الأمر كذالك لقيل أبو عتاهية بغير تعريف، ويُحكى أيضا أن السبب في تلقيبه بهذا اللقب أن الحاكم العباسي المهدي قال له يوما: "أنت إنسان متحذلق-أي متظرف-مُتَعَتِّهٌ، فاستوى له من ذلك لقب غلب عليه دون إسمه وكنيته، ويقول ابن منظور: "لُقِّبَ بذلك لأن الحاكم العباسي المهدي قال له: "أراك متخلطا مُتَعَتِّهاً"، وكان قد نعته بجارية للمهدي واعتقل بسببها، وعرض عليها المهدي أن يزوجها له فأبت، واسم الجارية عتبة، وقيل لُقِّبَ بذلك لأنه كان طويلا مضطربا، وقيل لأنه رُمِيَ بالزندقة ولأنه كان يحب المجون والتعته.
وقد أشاع أهل المجون أن أبا العتاهية زنديق، وقد حدَّث الخليل النوشاني قائلاً: أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا، فقال: "زعم الناس أنّني زنديق، والله ما ديني إلاّ التوحيد"، فقلنا: "قل شيئا نتحدث به عنك"، فقال:
أَلاَ   إنَّنَا     كُلُّنَا    بَائِدُ      وَأَيُّ    بَنِي   آدَمٍ   خَالِدُ
وَبَدْؤُهُمُ كَانَ  مِنْ رَبِّهِمْ       وَكُلٌّ  إِلَى    رَبِّهِ    عَائِدُ
فَيَا عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ  أَمْ كَيْفَ يَجْحِدُهُ الجَاحِدُ؟
وَاللهُ  فِي كُلِّ   تَحْرِيكَةٍ      عَلَيْنَا   وَتَسْكِينَةُ    شَاهِدُ
وَفِي  كُلِّ شَيْءٍ   لَهُ آيَةٌ      تَدُلُّ  عَلَى   أَنَّهُ    وَاحِدُ
بعد أن اعتزل أبو العتاهية حكام العباسيين اعتزل أغراض الشعر الأخرى كذلك، فلم يعد يكتب إلاَّ في الزهد، وقد رُوي أن هارون الرّشيد أمره ذات مرّة أن يقول شعرا في الغزل لكن أبا العتاهية امتنع، فضربه الرشيد وحبسه وحلف ألا يطلق سراحه حتى يقول شيئا في الغزل، ووكّل به أحدا يكتب إليه ما سمع، فقال أبو العتاهية:
أَمَا  وَاللهِ   إِنَّ   الظُّلْمَ  لُؤْمٌ      وَمَازَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي      وَعِنْدَ اللهِ  تَجْتَمِعُ  الخُصُومُ
فلما بلغ ذلك هارون الرشيد بكى وأمر بإخلاء سبيله.
وَقَدِمَ مرة رسول لملك الروم إلى هارون الرشيد، فسأل عن أبي العتاهية وأنشده شيئا من شعره، وكان يحسن العربية، فمضى إلى ملك الروم وذكره له، فكتب ملك الروم إليه، ورد رسوله يسأل الرشيد أن يوجه بأبي العتاهية، ويأخذ فيه رهائن من أراد، وألح في ذلك، فكلم الرشيد أبا العتاهية في ذلك، فاستعفى منه وأباه، واتصل بالرشيد أن ملك الروم أمر أن يكتب من شعر أبي العتاهية على أبواب مجالسه وباب مدينته:
أَمَا   وَرَبٌّ  السُّكونِ   وَالْحَرَكِ       إِنَّ    الْمَنَايَا    كَثِيرَ ةُ   الشَّرَكِ
مَا  اخْتَلَفَ   اللَّيْ  وَالنَّهَارُ  وَلَا       دَارَتْ نُجُومُ  السَّمَاءِ فِي الفَلَكِ
إِلاَّ لِنَقْلِ   السُّلْطَانِ  عَنْ  مَلِكٍ        قَدْ   زَالَ   سُلْطَانُهُ  إِلَى  مَلِكِ
وَمُلْكُ  ذِي  العَرْشِ  دَائِمٌ أَبَدَا        لَيْسَ    بِفَانٍ    وَلاَ    بِمُشْتَرَكِ
دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد حين أتم بناء قصره، وزخرف مجلسه، واجتمع إليه ندماؤه، فقال الرشيد: صف لنا ما نحن فيه من الدنيا، فقال أبو العتاهية:
عِشْ  مَا  بَدَا  لَكَ  آمِناً        فِي  ظِلِّ   شَاهِقَةِ  القُصًورِ
فقال الرشيد: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال أبو العتاهية:
يُسْعَى إِلَيْكَ  بـِمَا اشْتَهَيْـ      تَ لَدَى الرَّوَاحِ وَفِي البُكُورِ
فقال: حسن، ثم ماذا؟ فقال أبو العتاهية:
فَإِذَا    النُّفُوسُ    تَقَعْقَعَتْ       فِي ضَيْقِ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ
فَهُنَاكَ      تَعْلَمُ     مُوقِناً        مَا  كُنْتَ   إِلاَّ  فِي  غُرُورِ
فبكى هارون الرشيد بكاء شديداً حتى رُحِم، فقال الفضل بن يحيى البرمكي وزير الرشيد وحامل خاتم السلطة لأبي العتاهية: "بعث إليك لتسره فأحزنته"، فقال الرشيد: "دعه فإنه رآنا في عَمَى فكره أن يزيدنا عَمَى".
امتاز شعر أبي العتاهية ببساطة الأسلوب ونسق واضح من المعانى، وكان يزدري كل الازدراء فخامة الشعر البدوي القديم الذي انحط بتغير الأحوال وأصبح مجرد صناعة تقليدية، لذلك ثار على التقاليد وتحرر منها ورغب وسعى فى نظم شعر يفهمه الناس بألفاظه البسيطة وأوزانه القصيرة، ويرجع نجاح أبي العتاهية العجيب فى ميدان الشعر إلى بساطة لغته وتدفقها وبعدها عن الصنعة، مما يميزه عن بعض معاصريه الذين عرفوا بالتصنع والتكلف، كما أنه كان يعبر عن مشاعر الناس بشعر من الناس وإلى كافة الناس ويفهمه كل الناس.
أهم ما يمتاز به شعره  التشاؤم الواضح، فالزهد عنده يبرره فناء ما في هذه الدنيا، لذلك كانت رؤيته لهذا العالم هي عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات من الآلام، يمتزج فيها النقاء والصفاء بالأكدار والأحزان، ولا رجاء فى السعادة إلا لمن حمل بين جناحيه نفسا أبية وقلبا قنوعا، وهو ما يظهر جليا فيما انتقيته واخترته من أجمل وأعذب وأحكم أشعاره التي هي في الحقيقة من الروعة والعذوبة بما كان:
وَفَرْزُ   النُّفُوسِ  كَفَرْزِ  الصُّخُورِ        فَفِيهَا   النَّفِيسُ   وَفِيهَا   الْحَجَرْ
وَبَعْضُ   الأَنَامِ  كَبَعْضِ  الشَّجَرِ        جَمِيلُ    الْقِوَامِ   شَحِيحُ   الثَّمَرْ
وَبَعْضُ  الوُعُودِ  كَبَعْضِ  الغُيُومِ        قَوِيُّ   الرُّعُودِ   شَحِيحُ   الْمَطَرْ
وَكَمْ  مِنْ  كَفِيفٍ  بَصِيرِ الْفُؤَادِ        وَكَمْ   مِنْ  فُؤَادٍ  كَفِيفِ  الْبَصَرْ
وَكَمْ  مِنْ  أَسِيرٍ   بِقَلْبٍ  طَلِيقٍ        وَكَمْ  مِنْ   طَلِيقٍ  كَوَاهُ  الضَّجَرْ
وَكَمْ مِنْ شِهَابٍ بِعَالِي  السَّمَاءِ        بِطَرْفَةِ      عَيْنٍ     تَرَاهُ    انْدَثَرْ
وَمَا  كُلُّ  وَجْهٍ  مُضِيءٍ   يَدُورُ        بِعَتْمَةِ     لَيْلٍ     يُسَمَّى    قَمَرْ
وَخَيْرُ  الْكَلاَمِ  قَلِيلُ   الْحُرُوفِ        كَثِيرُ   الْقُطُوفِ    بَلِيغُ    الأَثَرْ
فَقَطْرَةُ    مَاءٍ    مِرَاراً     تَدُقُّ        عَلَى  الصَّخْرِ حَتًّى تَشُقُّ الصَّخَرْ
وَلَوْ  لَمْ  تُهُزِّ  الرِّيَّاحُ  الزُّهُورَ        لَمَا   فَاحَ   عِطْرٌ   وَمَاتَ الزَّهَرْ
*******
أَفْنَى   شَبَابَكَ   كَرُّ   الطَّرْفِ  وَالنَّفَسِ        فَالْمَوْتُ   مُقْتَرِبٌ  وَالدَّهْرُ  ذُو   خُلَسِ
لَا  تَأْمَنِ  الْمَوْتَ  فِي  طَرْفٍ وَلَا نَفَسٍ        وَإِنْ    تَمَنَّعْتَ   بِالْحُجَّابِ    وَالْحَرَسِ
فَمَا   تَزَالُ   سِهَامُ    الْمَوْتِ    نَافِذَةً        فِي    جَنبِ    مُدَّرِعٍ   مِنْهَا    وَمُتَّرِسِ
أَرَاكَ    لَسْتَ   بِوَقَّافٍ    وَلاَ   حَذِرٍ       كَالْحَاطِبِ  الْخَابِطِ الأَعْوَادَ  فِي  الْغَلَسِ
تَرْجُو  النَّجَاةَ  وَلَمْ  تَسْلُكْ  مَسَالِكَهَا        إِنَّ   السَّفِينَةَ   لَا  تَجْرِي   عَلَى   الْيَبَسِ
أَنَّى لَكَ الصَّحْوُ مِنْ سُكْرٍ وَأَنْتَ  مَتَى       تَصِحُّ   مِنْ  سَكْرَةٍ  تَغْشَاكَ  فِي  نَكَسِ
مَا  بَالُ   دِينِكَ   تَرْضَى  أَنْ  تُدَنِّسَهُ        وَثَوْبُكَ   الدَّهْرَ   مَغْسُولٌ   مِنَ  الدَّنَسِ
لاَ تَأْمَنِ  الْحَتْفَ   فِيمَا  تَستَلِذُّ  وَإِنْ        لَانَتْ    مَلاَمِسُهُ   فِي   كَفِّ   مُلْتَمِسِ
الْحَمْدُ   لِلَّهِ  شُكْراً  لاَ  شَرِيكَ  لَهُ        كَمْ  مِنْ  حَبِيبٍ   مِنَ  الْأَهْلِينَ  مُخْتَلَسِ
*******
حَتَّى   مَتَى   يَسْتَرِقُّنِي   الطَّمَعُ       أَلَيْسَ  لِي  فِي  الْعَفَافِ  مُتَّسَعُ
مَا أَوْسَعَ الصَّبْرَ وَالْقَنَاعَةَ بِالنَّاسِ       جَمِيعًا     لَوْ     أنَّهُمْ    قَنَعُوا
وَأَخْدَعَ   اللَّيْلَ   وَالنَّهَارَ لِأَقْوَامٍ       أرَاهُمْ   فِي   الْغَيِّ  قَدْ  رَتَعُوا
أَمَّا     الْمَنَايَا     فَغَيْرُ    غَافِلَةٍ       لِكُلِّ  حَيٍّ  مِنْ  كَأْسِهَا جُرَعُ
أَيُّ   لَبِيبٍ   تَصْفُو  الْحَيَاةُ  لَهُ       وَالْمَوْتُ   وِرْدٌ   لَهُ   وَمُنْتَجَعُ
الْخَلْقُ   يَمْضِي   يَؤُمُّ  بَعْضُهُمُ       بَعْضًا    فَهُمْ    تَابِعٌ    وَمُتَّبَعُ
يَا   نَفْسُ   مَا  لِي  أَرَاكِ  آمِنَةً      حَيْثُ تَكُونُ الرَّوْعَاتُ وَالْفَزَعُ
لِلَّهِ   دَرُّ   الدُّنْيَا   لَقَدْ   لَعِبَتْ       قَبْلُ  بِقَوْمٍ  فَمَا  تُرَى  صَنَعُوا
أَثْرَوْا   فَلَمْ   يُدْخِلُوا  قُبُورَهُمُ       شَيْئًا  مِنَ  الثَّرْوَةِ  الَّتِي جَمَعُوا
غَدًا تُوَافِي النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ       وَيَحْصُدُ  الزَّارِعُونَ  مَا زَرَعُوا
*******
مَنْ  أَجَابَ  الْهَوَى  إِلَى   كُلِّ مَا        يَدْعُوهُ   مِمَّا  يُضِلُّ  ضَلَّ   وَتَاهَا
نُنَافِسُ  فِي  الدُّنْيَا  ونَحْنُ  نَعِيبُهَا        وَقَدْ   حَذَّرَتْنَا  لَعَمْرِي   خُطُوبُهَا
وَمَا تَحْسِبُ السَّاعَاتِ تَقْطَعُ مُدَّةً        عَلَى  أَ نَّهَا   فِينَا   سَرِيعٌ   دَبِيبُهَا
كَأَنِّي  بِرَهْطِي  يَحْمِلُونَ جَنَازَتِي        إِلَى   حُفْرَةٍ   يُحْثَا  عَلَيَّ  كَثِيبُهَا
وَنَائِحَةٍ   حَرَّى   تُنَادِي   وَإِنَّنِي        لَفِي  غَفْلَةٍ مِنْ  صَوْتِهَا  مَا أُجِيبُهَا
فَيَا هَادِمَ اللَّذَّاتِ مَا مِنْكَ مَهْرَبٌ         تُحَاذِرُ  نَفْسِي  مِنْكَ مَا سَيُصِيبُهَا
رَأَيْتُ  الْمَنَايَا قُسِّمَتْ بَيْنَ أَنْفُسٍ        وَنَفْسِي   سَيَأْتِي   بَيْنَهُنَّ  نَصِيبُهَا
وَإنِّي لَمِمَّنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالبَلَى        وَيُعْجِبُهُ   رُوحُ   الْحَيَاةِ   وَطِيبُهَا
فَحَتَّى مَتَى حَتَّى مَتَى وَإِلَى  مَتَى       يَدُومُ طُلُوعُ  الشَّمْسِ لِي وَغُرُوبُهَا
*******
إِنَّمَا  يَعْرِفُ  ذَا  الْفَضْلِ       مِنَ    النَّا سِ     ذَوُوهُ
إِنَّ   لِلْمَعْرُوفِ    أَهْلاً      وَقَـلِيـلٌ  فَاعِـلُـوهُ
إِنَّ مَنْ يَسْأَلْ  غَيْرَ  اللَّهِ      يَكْـثُـرُ    حَارِمُـوهُ
أَفْضَلُ الْمَعْرُوفِ مَا لَمْ       تَتَبَـذَّلْ  فِيهِ   الْوُجُوهُ
رُبَّ   مَحْبُوبٍ  لِقَوْمٍ       غَابَ    عَنْهُمْ   فَنَسُوهُ
وَأَبُو    الأَبْنَاءِ   لاَ     يَبْقَى   وَلاَ     يَبْقَى    بَنُوهُ
أَنْتَ   مَا  اسْتَغْنَيْتَ  عَنْ   صَاحِبِكَ  الدَّهْرَ  أَخُوهُ
فإذَا    احْتَجْتَ   إِلَيْهِ      سَاعَةً    مَجَّكَ    فُوهُ
لَوْ   رَأَى  النَّاسُ  نَبِيّاً       سَائِلاً    مَا   وَصَلُوهُ
بَلْ هُمْ لَوْ طَمَعُوا فِي       زَادِ    كَلْبٍ     أَكَلُوهُ
نَحْنُ  فِي دَهْرٍ   عَلَى  الْمُعْـدِمِ  لاَ يُجْدِي  أَبُوهُ
*******
أَيَا  رَبُّ  إِنَّ  النَّاسَ  لاَ  يَنْصِفُونَنِي       كَيْفَ   وَإِنْ   أَنْصَفْتُهُمْ   ظَلَمُونِي
وَإِنْ كَانَ لِي شَيْءٌ تَصَدَّوْا  لِأَخْذِهِ        وَإِنْ  جِئْتُ  أَبْغِي  شَيْئَهُمْ  مَنَعُونِي
وَإِنْ نَالَهُمْ بَذْلِي فَلَا شُكْرَ  عِنْدَهُمْ        وَإِنْ  أَنَا  لَمْ  أَبْذِلْ   لَهُمْ  شَتَمُونِي
وَإِنْ  طَرَقَتْنِي   نَكْبَةٌ  فَكِهُوا  بِهَا        وَإِنْ   صَحِبَتْنِي    نِعْمَةٌ   حَسَدُونِي
سَأَمْنَعُ    قَلْبِي  أَنْ  يَحِنَّ   إِلَيْهِمْ        وَأحْجُبُ   عَنْهُمْ  نَاظِرِي  وَجُفُونِي
وَأَقْطَعُ    أَيَّامِي   بِيَوْمِ     سُهُولَةٍ       لِأقْضِي  بِهَا  عُمْرِي   وَيَوْمَ  حَزُونِ
أَلاَ إِنَّ أصْفَى العَيْشِ مَا طَابَ غِبُّهُ       وَمَا    نِلْتُهُ    فِي   لَذّةٍ    وَسُكُونِ
*******
أَعِدْ عَلَى نَفْسِكَ أَسْلاَفَ   الأُمَمْ        وَقِفْ عَلَى مَا فِي القُبُورِ مِنْ رِمَمْ
وَنَادِهِمْ أَيْنَ القَوِيُّ مِنْكُمُ  القَاهِرُ        أَمْ    أَيْنَ    الضَّعِيفُ   الْمُهْتَضَمْ
تَفَاضَلَتْ  فَوْقَ  الثَّرَى  أقْدَامُهُمْ        وَقَدْ   تَسَاوَى  تَحْتَهَا  كُلُّ   قَدَمْ
قَبْرُ   الْكَرِيمِ   وَالْبَخِيلِ    وَاحِدٌ        مَا  نَفَعَ  البُخْلُ   وَلَا ضَرَّ  الْكَرَمْ
وَاعَجَبًا       لِمُتَّقٍ        أَمَامَهُ        هُجُومُ  مَا  لاَ   يُتَّقَى  إِذَا   هَجَمْ
إِذَا تَخَطَّاهُ  عَلَى  عَصْرِ   الصِّبَا        أَوِ  الشَّبَابِ  لَمْ  يَفُتْهُ  فِي   الْهَرَمْ
إِنَّ  ا لنُّجُومَ   الزَّاهِرَاتِ   أبَداً        تَعْجَبُ   مِنْ   مُبْتَسِمٍ  إِذَا  ابْتَسَمْ
*******
مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤُهُ       وَأَخُو   الْحَوَائِجِ   وَجْهُهُ  مَمْلُولُ
وَأَخُوكَ  مَنْ وَ فَّرْتَ مَا فِي كَيْسِهِ       فَإِذَا    عَبَثْتَ    بِهِ   فَأَنْتَ   ثَقِيلُ
يَلْقَاكَ   بِالتَّعْظِيمِ   مَا   لَمْ   تَرْزَهُ       فَإِذَا   رَزَأْتَ   أَخاً   فَأَنْتَ   ذَلِيلُ
وَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ سُؤَالِكَ بَاخِلاً       فَتَوَقَّ  ل  اَ  يَمْنُنْ   عَلَيْكَ   بَخِيلُ
هِبَةُ    الْبَخِيلِ    شَبِيهَةٌ   بِطِبَاعِهِ       فَهُوَ    الْقَلِيلُ    وَمَا   يُنِيلُ   قَلِيلُ
وَالعِزُّ  فِي  حَسْمِ  الْمَطَامِعِ كُلِّهَا       فَإِنْ  اسْتَطَعْتَ  فَمُتْ  وَأَنْتَ نَبِيلُ
*******
خَيْرُ    أَيَّامِ    الْفَتَى    يَوْمَ   نَفَعْ        وَاصْطِنَاعُ  الْخَيْرِ  أَبْقَى  مَا  صَنَعْ
مَا    يُنَالُ   الْخَيْرُ    بِالشَّرِّ   وَلاَ        يَحْصُدُ   الزَّارِعُ   إِلاَّ   مَا   زَرَعْ
لَيْسَ   كُلُّ   الدَّهْرِ  يَوْماً  وَاحِداً        رُبَّمَا   ضَاقَ   الْفَتَى   ثُمَّ   اتَّسَعْ
خُذْ  مِنَ  الدُّنْيَا  الَّذِي  دَرَّتْ بِهِ         وَاسْلُ   عَمَّا   بَانَ  مِنْهَا  وَانْقَطَعْ
إِنَّمَا      الدُّنْيَا     مَتَاعٌ    زَائِلٌ         فَاقْتَصِدْ   فِيهِ  وَخُذْ   مِنْهُ   وَدَعْ
وَارْضَ   لِلنَّاسِ   بِمَا  تَرْضَى  بِهِ        وَاتَّبِعِ     الْحَقَّ    فَنِعْمَ     الْمُتَّبَعْ
وَابْغِ مَا اسْطَعْتَ عَنِ النَّاسِ الغِنَى        فَمَنِ  احْتَاجَ   إِلَى  النَّاسِ  ضَرَعْ
قَدْ   بَلَوْنَا  النَّاسَ  فِي  أَخْلاَقِهِمْ         فَرَأَيْنَاهُمْ    لِذِي    الْمَالِ    تَبَعْ
وَحَبِيبُ   النَّاسِ   مَنْ  أَطْمَعَهُمْ         إِنَّمَا    النَّاسُ    جَمِيعاً   بِالطَّمَعْ
*******
أَشَدُّ  الْجِهَادِ  جِهَادُ  الْهَوَى         وَمَا  كَرَّمَ  الْمَرْءَ  إلاَّ  التُّقَى
وَأَخْلاَقُ ذِي الفَضْلِ مَعْرُوفةٌ         بِبَذْلِ الْجَمِيلِ وَكَفِّ  الأَذَى
وكُلُّ   الفَكَاهَاتِ   مَمْلُولَةٌ         وَطُولُ   التَّعَاشُرِ   فِيهِ  الْقِلَى
وَكُلُّ    طَرِيفٍ   لَهُ    لَذَّةٌ         وَكُلُّ    تَلِيدٍ    سَرِيعُ   الْبِلَى
وَلاَ   شَيْءَ   إلاَّ   لَهُ   آفَةٌ         وَلاَ   شَيْءَ   إلاَّ   لَهُ  مُنْتَهَى
وَلَيْسَ  الْغِنَى  نَشْبٌ فِي يَدٍ         وَلَكِنْ غِنَى النَّفْسِ كُلُّ الغِنَى
وإنَّا    لَفِي   صُنُعِ   ظَاهِرٍ         يَدُلُّ   عَلَى   صَانِعٍ  لاَ  يُرَى
*******
أَذَلَّ الْحِرْصُ والطَّمَعُ  الرِّقابَا        وَقَدْ يَعْفُو  الْكَرِيمُ إِذَا اسْتَرَابَا
إِذَا اتَّضَحَ الصَّوَابُ فَلاَ تَدْعُهُ        فَإِنَّكَ   قَلَّمَا  ذُقْتَ   الصَّوَابَا
كَأَنَّ مَحَاسِنَ الدُّنْيَا   سَرَابٌ       وَأَيُّ   يَدٍ   تَنَاوَلَتِ   السَّرَابَا
وَإنْ يَكُ مَنِيَّةٌ عَجِلَتْ بِشَيْءٍ        تُسَرُّ   بِهِ   فإنَّ   لَهَا   ذَهَابَا
فَيَا عَجَبَا تَمُوتُ وَأَنْتَ تَبْنِي        وَتَتَّخِذُ    الْمَصَانِعَ    وَالْقِبَابَا
أَرَاكَ   وَكُلَّمَا  فَتَّحْتَ  بَاباً       مِنَ  الدُّنيَا  فَتَّحَتْ  عَلَيْكَ نَابَا
*******
سَتُبَاشِرُ    التَّرْباءَ    خَدَّكْ        وَسَيَضْحَكُ الْبَاكُونَ بَعْدَكْ 
وَلَيَنْزِلَنَّ      بِكَ     الْبَلَى        وَلَيُخْلِفَنَّ   الْمَوْتُ  عَهْدَكْ
وَلَيُفْنِيَنَّكَ       مِثْلَ     مَا       أَفْنَى   أَبَاكَ   بَلَى   وَجَدَّكْ
لَوْ قَدْ رَحَلْتَ عَنِ  الْقُصُورِ      وَطِيبِهَا   وَسَكَنْتَ   لَحْدَكْ
لَمْ    تَنْتَفِعْ    إِلاَّ     بِفِعْلٍ      صَالِحٍ   قَدْ   كَانَ   عِنْدَكْ
وَتَرَى الَّذِينَ قَسَّمْتَ مَالَكَ      بَيْنَهُمْ    حِصَصاً    وَكِدَّكْ
يَتَلَذَّذُونَ    بِمَا    جَمَعْتَ      لَهُمْ   وَلاَ   يَجِدُونَ  فُقْدَكْ
*******
وَإِذَا  الْجَبَانُ رَأَى الأَسِنَّةَ  شُرَّعاً       عَافَ  الثَّبَاتَ  فَإِنْ   تَفَرَّدَ  أَقْدَمَا
يَا  مَنْ  تَشَرَّفَ  بِالدُّنْيَا  وَزِينَتِهَا       لَيْسَ التَّشَرُّفُ رَفْعُ الطِّينِ  بِالطِّينِ
إِذَا أَرَدْتَ شَرِيفَ  النَّاسِ  كُلِّهُمُ       فَانْظُرْ إِلَى مَلِكٍ فِي زَيِّ  مِسْكِينِ
ذَاكَ  الَّذِي عَظُمَتْ وَاللهِ  نِعْمَتُهُ       وَذَاكَ   يَصْلُحُ   لِلدُّنْيَا    وَلِلدِّينِ
*******
وَلِلْقَلْبِ  عَلَى القَلْبِ       دَلِيلٌ     حِينَ   يَلْقَاهُ
وَلِلنَّاسِ   مِنَ   النَّاسِ       مَقَايِيسٌ       وَأَشْبَاهُ
يُقَاسُ  الْمَرْءُ  بِالْمَرْءِ       إِذَا  مَا  هُوَ  مَا  شَاهُ
وَفِي العَيْنِ غِنىً لِلْعَيْنِ       أَنْ     تَنْطِقَ    أَفْوَاهُ
*******
يَا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَماً      إِذَا عِبْتَ  مِنْهُمْ  أُمُوراً أَنْتَ تَأْتِيهَا
كَلاَبِسِ الثَّوْبِ مِنْ عُرْيٍ  وَعَوْرَتُهُ      للِنَّاسِ   بَادِيَةٌ   مَا   إِنْ    يُوَارِيهَا
وَأَعْظَمُ الذَّنْبِ بَعْدَ الشِّرْكِ  تَعْلَمُهُ      فِي كُلِّ نَفْسٍ  عَمَاهَا عَنْ مَسَاوِيهَا
عِرْفَانُهَا  بِذُنُوبِ  النَّاسِ  تُبْصِرُهَا      مِنْهُمْ وَلاَ  تَعْرِفُ العَيْبَ الَّذِي فِيهَا
*******
يَا   بَائِعَ  الدِّينِ   بِالدُّنْيَا  وَبَاطِلِهَا       تَرْضَى  بِدِينِكَ  شَيْئاً  لَيْسَ يَسْوَاهُ
حَتَّى مَتَى أَنْتَ فِي لَهْوٍ وَفِي لَعِبٍ       وَالْمَوْتُ  نَحْوَكَ  يَهْوِي فَاغِراً فَاهُ
مَا كُلُّ  مَا  يَتَمَنَّى  الْمَرْء  يُدْرِكُهُ       رُبَّ   امْرِئٍ   حَتْفُهُ   فِيمَا  تَمَنَّاهُ
إِنَّ  الْمُنَى  لَغُرُورُ  ضلَّةٍ   وَهَوىً       لَعَلَّ حَتْفَ امْرِئٍ فِي الشَّيْءِ  يَهْوَاهُ
*******
بَكَيْتُ  عَلَى الشَّبَابِ بِدَمْعِ  عَيْنِي      فَلَمْ  يُغْنِ   الْبُكَاءُ  وَلاَ   النَّحِيبُ
فَيَا  أَسَفاً  أسِفْتُ  عَلَ ى شَبَابٍ      نَعَاهُ  الشِّيبُ  وَالرَّأْسُ   الْخَضِيبُ
عَرِيتُ مِنَ الشَّبَابِ وَكُنْتُ غَضّاً      كَمَا  يَعْرَى  مِنَ الْوَرَقِ   القَضِيبُ
فَيَا  لَيْتَ  الشَّبَابَ   يَعُودُ  يَوْماً       فأُخْبِرُهُ    بِمَا    فَعَلَ    الْمَشِيبُ
*******
الْمَرْءُ يَأْمَلُ أَنْ  يَعِيشَ      وَطُولُ عُمْرٍ قَدْ يَضُرُّهُ
تَفْنَى بَشَاشَتُهُ   وَيَبْقَى      بَعْدَ حُلْوِ العَيْشِ  مُرُّهُ
وَتَخُونُهُ  الأَيَّامُ  حَتَّى       لاَ يَرَى  شَيْئاً  يَسُرُّهُ
*******
إِحْذَرِ   الأَحْمَقَ   لاَ تَصْحَبْهُ       إِنَّمَا الأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلَقْ
كُلَّمَا   رَقَّعْتَهُ   مِنْ   جَانِبٍ        زَعْزَعَتْهُ الرِّيحُ يَوْماً فَانْخَرَقْ
أَوْ  حِمَارِ  السُّوءِ إِنْ أَشْبَعْتَهُ       رَمَحَ النَّاسَ وَإِنْ  جَاعَ  نَهَقْ
*******
أَطَعْتُ مَطَامِعِي  فَاسْتَعْبَدَتْنِي      وَلَوْ أَنِّي قَنَعْتُ  لَكُنْتُ   حُرَّا
طَلَبْتُ الْمُسْتَقَرَّ بِكُلِّ  أَرْضٍ       فَلَمْ  أَرَ  لِي  بِأَرْضٍ  مُسْتَقَرَّا
وَنِلْتُ مِنَ الزَّمَانِ وَنَالَ مِنِّي       فَكَانَ   مَنَالُهُ   حُلْواً    وَمُرَّا
*******
عَلِّلِ  النَّفْسَ   بِالكَفَافِ   وَإِلَّا       طَلَبَتْ  مِنْكَ  فَوْقَ  مَا يَكْفِيهَا
لَيْسَ فِيمَا  مَضَى وَلَا فِي الَّذِي       لَمْ  يَأْتِ  مِنْ  لَذَّةٍ لِمُسْتَحْلِيهَا
إِنَّمَا أَنْتَ طُولَ عُمْرِكَ مَا عُمِّرْ       تَ فِي  السَّاعَةِ  الَّتِي أَنْتَ فِيهَا
*******
لاَ   تَسَلْ   بَنِي   آدَمَ  حَاجَةً       وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لاَ تُحْجَبُ
اللهُ يَغْضُبُ إنْ تَرَكْتَ  سُؤَالَهُ       وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضُبُ
فَاجْعَـلْ سُؤَالَكَ لِلْإِلَهِ  فَإِنَّمَا       فِي فَضْلِ  نِعْمَةِ  رَبِّنَا  نَتَقَلَّبُ
*******
أَرَى الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ      عَذَاباً   كُلَّمَا  كَثُرَتْ   لَدَيْهِ
تُهِينُ  الْمُكْرِمِينَ  لَهَا  بِصُغْرٍ      وَتُكْرِمُ  كُلَّ  مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ
إِذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ      وَخُذْ  مَا  أَنْتَ  مُحْتَاجٌ  إِلَيْهِ
*******
اقْطَعِ   الدُّنْيَا  بِمَا  انْقَطَعَتْ       وَادْفَعِ  الدُّنْيَا بِمَا  انْدَفَعَتْ
وَاقْبَلِ   الدُّنْيَا  إِذَا  سَلُسَتْ       وَاتْرُكِ  الدُّنْيَا  إِذَا  امْتَنَعَتْ
تَطْلُبُ  النَّفْسُ  الغِنَى  أَبَداً       وَالغِنَى فِي النَّفْسِ لَوْ قَنَعَتْ
*******
تَأْتِي  الْمَكَارِهُ  حِينَ  تَأْتِي جُمْلَةً       وَتَرَى السُّرُورَ يَجِيءُ فِي الفَلَتَاتِ
والْمَرْءُ  مِثْلُ هِلاَلٍ حِينَ  تُبْصِرُهُ        يَبْدُو  ضَعِيفاً  ضَئِيلاً  ثُمَّ   يَتَّسِقُ
يَزْدَادُ  حَتَّى  إِذَا  مَا  تَمَّ   أَعْقَبَهُ       كَرُّ  الْجَدِيدَيْنِ  نَقْصاً ثُمَّ يَنْمَحِقُ
*******
إِنَّ    ا لطَّبِيبَ    بِطِبِّهِ     وَدَوَائِهِ      لاَ  يَسْتَطِيعُ    دَفْعَ  مَكْرُوهٍ  أَتَى
مَال لِطَّبِيبِ  يَمُوتُ  بِالدَّاءِ  الَّذِي      قَدْ  كَانَ يُبْرِأُ مِثْلَهُ فِيمَا قَدْ مَضَى
ذَهَبَ الْمُدَاوِي وَالْمُدَاوَى وَالَّذِي      جَلَبَ الدَّوَاءَ وَبَاعَهُ وَمَنِ  اشْتَرَى
*******
نَعَى لَكَ ظِلَّ الشَّبَابِ الْمَشِيبُ      وَنَادَتْكَ بِاسْمِ سِوَاكَ الْخُطُوبُ
وَقَبْلَكَ دَاوَى الْمَرِيضَ الطَّبِيبُ      فَعَاشَ الْمَرِيضُ وَمَاتَ  الطَّبِيبُ
يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ  مَنْ  يَتُوبُ      فَكَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ لاَ يَتُوبُ
*******
أبْقَيْتَ     مَالَكَ    مِيراثاً      لِوَارِثهِ        فَلَيْتَ  شِعْرِي  مَا  أَبْقَى  لَكَ الْمَالُ؟
الْقَوْمُ   بَعْدَكَ   فِي   حَالٍ    تَسُرُّهُمُ        فَكَيْفَ  بَعْدَهُمْ  دَارَتْ  بِكَ  الْحَالُ؟
مَلُّوا  الْبُكَاءَ  فَمَا  يَبْكِيكَ  مِنْ  أَحَدٍ        وَاسْتَحْكَمَ القِيلُ فِي الِميرَاثِ وَالقَالُ
*******
وَإِذَا  بَحَثْتُ  عَنِ  التَّقِيِّ وَجَدْتُهُ       رَجُلاً    يُصَدِّقُ   قَوْلَهُ    بِفِعَالِ
وَإِذَا  اتَّقَى   اللَّهَ  امْرُؤٌ  وَأَطَاعَهُ       فَتَرَاهُ    بَيْنَ    مَكَارِمٍ    وَمَعَالِ
وعَلَى التَّقِيِّ إِذَا تَرَسَّخَ فِي التُّقَى       تَاجَانِ   تَاجُ   سَكِينَةٍ   وَجَلاَلِ
*******
إِنَّ أَخَاكَ الصَّدِقَ مَنْ يَسْعَى مَعَكْ        وَمَنْ     يَضُرُّ    نَفْسَهُ    لِيَنْفَعَكْ
وَمَنْ  إِذَا  رِيبُ  الزَّمَانِ  صَدَّعَكْ        شَتَّتَ   شَمْلَ   نَفْسِهِ   لِيَجْمَعَكْ
*******
كُلُّ مَنْ أَحْوَجَكَ  الدَّهْرُ إِلَيْهِ      فَتَعَرَّضْتَ   لَهُ   هُنْتَ  عَلَيْهِ
فَدَعِ  الْمَخْلُوقَ  لاَ   تَسْأَلْنَهُ      وَاسْأَلِ الْخَالِقَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ
*******
 تَزِيدُهُ الأَيَّامُ إِنْ  أَقْبَلَتْ       شِدَّةَ  خَوْفٍ لِتَصَارِيفِهَا
كَأَنَّهَا فِي حَالِ إِسْعَافِهَا       تُسْمِعُهُ  رُقْعَةَ  تَخْوِيفِهَا
*******
اِحْذَرْ   مِنَ  الدُّنْيَا  مَغَبَّتَهَا       كَمْ صَالِحٍ عَبَثَتْ بِهِ فَفَسَدْ
مَا  بَيْنَ  فَرْحَتِهَا  وَتَرْحَتِهَا       إِلاَّ  كَمَا  قَامَ  امْرُؤٌ وَقَعَدْ
*******
اِخْلَعْ   عِذَارَكَ   فِيمَا   تَسْتَلِذُّ   بِهِ       وَاجْسَرْ فَإِنَّ أَخَا اللَّذَّاتِ مَنْ جَسَرَا
وَاحْفَظْ  خَلِيلَكَ  لاَ  تَغْدِرْ بِهِ أَبَدَا       لاَ  بَارَكَ  اللهُ  فِيمَنْ  خَانَ أَوْ غَدَرَا
*******
أَصْبَحْتَ  لاَ تَعْرِفُ الجَمِيلَ وَلاَ       تُفَرِّقُ  بَيْنَ  القَبِيحِ   وَالْحَسَنِ
وَإِنَّ مَنْ يَأْتِي يَرْتَـجِيكَ كَمَنْ       يَحْلِبُ  تِيساً  مِنْ شَهْوَةِ اللَّبَنِ
*******
كَسَّلَنِي    الْيَأْسُ    مِنْكَ   عَنْكَ       فَمَا أَرْفَعُ طَرْفِي إِلَيْكَ مِنْ كَسَلِي
إِنِّي  إِذَا  مَا  الصَّدِيقُ  أَوْحَشَنِي        قَطَعْتُ    مِنْهُ   حَبَائِلَ    الأَمَلِ
*******
جَمَعُوا فَمَا أَكَلُوا الَّذِي جَمَعُوا        وَبَنَوْا   مَسَاكِنَهُمْ  فَمَا  سَكَنُوا
فَكَأنَّهُمْ    كَانُوا    بِهَا   ظُعْنًا        لَمَّا    أَنَاخُوا   سَاعَةً    ظَعَنُوا
*******
سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي       وَيَحْدُثُ  بَعْدِي   لِلْخَلِيلِ   خَلِيلُ
إِذَا  انْقَطَعَتْ  عِنْدِي  مِنَ   الْعَيْشِ        مُدَّتِي  فَإنَّ  غَنَاءَ  البَاكِيَاتِ  قَلِيلُ
*******
يَا جَامِعَ الْمَالِ  وَالآمَالُ  تَخْدَعُهُ      خَوْفاً مِنَ الفَقْرِ هَذَا الفَقْرُ وَالْعَدَمُ
أَسَأْتَ ظَنَّكَ بِاللهِ الَّذِي خَضَعَتْ      لَهُ  الرِّقَابُ  فَشَابَتْ  قَلْبَكَ الظُّلَمُ
*******
لاَ تَسْأَلَنَّ   الْمَرْءَ  ذَاتَ  يَدَيْهِ        فَلَيَحْقِرَنَّكَ  مَنْ   رَغِبْتَ  إِلَيْهِ
الْمَرْءُ مَا لَمْ تُرْزِهِ لَكَ   مُكْرِمٌ        فَإِذَ رَزَأْتَ الْمَرْءَ  هُنْتَ  عَلَيْهِ
*******
إِذَا كُنْتَ عَنْ أَنْ تُحْسِنَ الصَّمْتَ عَاجِزاً       فَأَنْتَ  عَنِ  الِإبْلاَغِ   فِي  القَوْلِ  أَعْجَزُ
يَخُوضُ   أُنَاسٌ   فِي   الْمَقَالِ  لِيُوجِزُوا       وَلِلصَّمْتِ  عَنْ  بَعْضِ  الْمَقَالاَتِ  أَوْجَزُ
*******
وَشَرُّ  الأَخِلاَّءِ  مَنْ  لَمْ  يَزَلْ      يُعَاتِبُ   طَوْرًا  وَطَوْرًا  يَذُمّْ
يُرِيكَ  النَّصِيحَةَ  عِنْدَ  اللِّقَاءِِ      وَيَبْرِيكَ فِي السِّرِّ بَرْيَ القَلَمْ
*******
إِنَّ   الْمُلُوكَ   بَلاَءٌ  حَيْثُمَا  حَلُّوا      فَلاَ  يَكُنْ  لَكَ فِي أَكْنَافِهِمْ ظِلُّ
مَاذَا  تُرَجِّي  بِقَوْمٍ إِنْ هُمُ غَضِبُوا      جَارُوا عَلَيْكَ وَإِنْ أَرْضَيْتَهُمْ مَلُّوا
*******
الرِّفْقُ  يَبْلُغُ  مَا  لاَ  يَبْلُغُ  الْخَرَقُ       وَقَلَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَصْفُو لَهُ خُلُقُ
طُولَ  التَّعَاشُرِ بَيْنَ النَّاسِ  مَمْلُولُ       وَمَا  لِابْنِ  آدَمَ إِنْ فَتَّشْتَ مَعْقُولُ
*******
رَأَيْتُ النَّفْسَ تَحْقِرُ كُلَّ  مَا لَدَيْهَا      وَتَطْلُبُ    كُلَّ    مُمْتَنِعٍ    عَلَيْهَا
فَإِنْ طَاوَعْتَ حِرْصَكَ كُنْتَ عَبْداً      لِكُلِّ    دَنِيئَةٍ    تَدْعُـو     إِلَيْهَا
*******
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُعْتِقْ مِنَ الْمَالِ نَفْسَهُ       تَمَلَّكَهُ  الْمَالُ  الَّذِ ي هُوَ   مَالِكُهُ
أَلاَ  إِنَّمَا  مَالِي   الَّذِي  أَنَا  مُنْفِقٌ       وَلَيْسَ لِي  الْمَالُ الَّذِي أَنَا  تَارِكُهُ
*******
رَأَيْتُ الْهَوَى جَمْرَ الغَضَا غَيْرَ أَنَّهُ       عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَ صَاحِبِهِ  حُلْوُ
وَمَا  مِنْ  مُحِبٍّ  نَالَ مِمَّنْ يُحِبُّهُ       هَوىً صَادِقاً إِلاَّ سَيَدْخُلُهُ زَهْـوُ
*******
مَا نَاصَحْتُكَ خَبَايَا الوُدِّ مِنْ ثِقَةٍ       مَا لَمْ يَنَلْكَ بِمَكْرُوهٍ مِنَ  العَذَلِ
مَحَبَّتِي لَكَ تَأْبَى  أَنْ تُسَامِحَنِي       بِأَنْ أَرَاكَ عَلَى شَيْءٍ  مِنَ  الزَّلَلِ
*******
مَا يـُحْرِزُ الْمَرْءُ مِنْ أَطْرَافِهَا طَرَفاً     إِلاَّ وَفَاجَأَهُ النُّقْصَانُ مِنْ طَرَفِ
*******
إِنْ كَانَ لاَ يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَا     فَكُلُّ مَا فِي الأَرْضِ لاَ يُغْنِيكَا
*******
حُبُّ الرِّئَاسَةِ أَطْغَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ     حَتَّى بَغَى بَعْضُهُمْ فِيهَا عَلَى بَعْضِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق